خطف الأداء الاقتصادي للرئيس الأرجنتيني أنظار العالم هذا العام، فالرجل يحاول إنهاء عقد من الانغلاق الاقتصادي في عدة أشهر، فبعد تحرير سعر الصرف وتعديل قواعد الاستثمار الأجنبي والاتفاق شبه النهائي على سداد ديون الأرجنتين المُعلقة منذ بداية الألفية، وعودة العلاقات مع البنك الدولي ومؤسسات التمويل الدولية، استقبلت بوينس آيرس، الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس الأربعاء، حيث يرغب رئيس أكبر اقتصاد في العالم في التعبير عن دعمه للحكومة الإصلاحية.
والتقى أوباما نظيره الأرجنتيني ماوريسيو ماكري رئيس البلاد الذي يحاول تغيير شكل الاقتصاد الأرجنتيني منذ تولي الحكم في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وأصبح لدى أوباما والولايات المتحدة في بوينس آيرس محاورا أكثر مرونة بعد 12 عاما من حكم الرئيسين اليساريين نستور كيرشنر وزوجته كريستينا، اللذين قاطعا واشنطن، وكانت السياسة الاقتصادية الحمائية لهما تثير استياء الأسواق العالمية.
وكان الزوجان كيرشنر يتهمان الولايات المتحدة بأنها مسؤولة عن الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في 2001 بعد سياسات اقتصادية مفرطة في الليبرالية اتبعتها حكومة الرئيس كارلوس منعم.
ولا يمكن لوم رؤساء الأرجنتين على مقاطعتهم للولايات المتحدة، ففي عام 1994 تعرض البيزو المكسيكي لتخفيض حاد في قيمته، فخشي المستثمرون من تكرار التخفيض في الأرجنتين وكانت النتيجة فقدان البنك المركزي الأرجنتيني 5.5 مليار دولار أميركي من احتياطاته بسبب تحويل البيزو «الأرجنتيني» إلى دولار، ولكن المكسيك نجت بمساندة أميركا التي تجاهلت الأرجنتين.
وبعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 كانت الولايات المتحدة والعالم يمران بحالة ركود، مما أدى إلى تراجع في السياحة والخدمات المرتبطة بها وتراجعت التجارة الدولية، مما أدى، مع عوامل داخلية أخرى لوصول الأرجنتين لحافة الإفلاس، مما يغذي الاعتقاد بأن مرض الولايات المتحدة يؤدي إلى تدهور الحياة الاقتصادية في الأرجنتين.
ولكن من الواضح أن الرئيس الأرجنتيني الجديد، على خلاف سابقيه، يدرك أن الأرجنتين دولة تعتمد على الرواج الاقتصادي العالمي وعلاقتها مع الخارج بشكل أساسي لضمان قوة اقتصادها ونجاتها من الأزمات.
وتعتبر الأرجنتين نموذجًا للدولة شديدة التأثر بالأزمات الاقتصادية، وتمر بحلقات من التدهور الاقتصادي منذ 40 سنة، ويكفي الذكر أن البيزو كان يساوي الدولار قبل 2001، أما الآن فالدولار يساوي أكثر من 14 بيزو.
ويريد ماكري تعزيز العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة وجذب الاستثمارات الأميركية إلى الأرجنتين، فهو يقوم بإصلاحات داخلية وخارجية لجذب الاستثمارات.
فعلى المستوى الداخلي، وخلال الـ100 يوم الأولى للرئيس قام بإلغاء مراقبة أسعار الصرف والقيود المفروضة على الاستيراد وسمح للشركات الأجنبية بتحويل أرباحها إلى بلدانها، وخفض دعم الطاقة، ويقول مسؤولون أميركيون إن أوباما «أُعجب بوتيرة الإصلاح».
وعلى المستوى الخارجي توصلت الأرجنتين لاتفاق يسمح بسداد ديون سيادية بعد 14 عاما من الصراع القضائي، بقيمة 6.5 مليار دولار، وفي 5 مارس (آذار) الماضي عادت الأرجنتين لسوق الائتمان الدولي العالمي، بعد غياب دام نحو 15 عامًا، لتعلن عن إصدارها سندات حكومية للمرة الأولى، لتعود مجددًا للمجتمع المالي الدولي، لتمحو الصورة الذهنية عنها كونها «منبوذة اقتصاديًا».
وأعلن مسؤولو وزارة المالية الأرجنتينية عن خطط العودة لسوق الائتمان الدولي في أبريل (نيسان) المقبل، وكان وزير المالية ألفونسو براتغاي قد أوضح في تصريحات سابقة، أنه سيتم إصدار 3 طروحات من السندات بقيمة تبلغ 11.68 مليار دولار بموجب القانون الأميركي، فور الموافقة على صفقة سداد الديون.
وفي منتصف مارس الحالي اتفقت الأرجنتين مع البنك الدولي على قرض مدته عامين يتراوح ما بين 1.6 وملياري دولار لكل عام من أجل مكافحة الفقر في شمال البلاد.
وقال جورج فامليير، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة أميركا اللاتينية، إن هذا القرض سيضاف إلى قرض آخر حصلت عليه الأرجنتين بقيمة 2.8 مليار دولار.
ويرى محمد العريان، الخبير الاقتصادي العالمي، ومستشار الرئيس الأميركي، أنه على حكومة ماكري حشد مساعدات مالية خارجية كبيرة، وتوليد موارد محلية إضافية، وتنفيذ إصلاحات بنيوية أكثر عمقًا، «إذا فعلت، فسوف تصبح الاستراتيجية الاقتصادية الجريئة، التي تبنتها الأرجنتين نموذجًا تحاكيه بلدان أخرى، سواء الآن أو في المستقبل، أما إذا تعثر هذا النهج سواء بسبب التسلسل غير الصحيح أو ارتفاع مستويات السخط الشعبي فسوف تصبح البلدان الأخرى أكثر ترددًا في رفع الضوابط، وتحرير عملاتها بشكل كامل، وقد تكون عواقب الارتباك السياسي الناجم عن هذا وخيمة على الجميع».
وتنوي واشنطن الاستفادة من انتخاب ماكري لتوسيع تأثيرها في الأرجنتين ثالث اقتصاد في أميركا اللاتينية، حيث تتراجع الحكومات المعادية للولايات المتحدة بسرعة.
وتمثل زيارة أوباما التي تستمر يومين تقاربا بعد سنوات من توتر العلاقات، والزيارة أيضا مؤشر على دعم إصلاحات ماكري الرامية إلى فتح ثالث أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، ولكنها ما زالت تعاني من سوء الأداء الاقتصادي، مما قد يعرقل الاستفادة من حركة الإصلاحات، حيث تضع وكالات تصنيف الائتمان الأرجنتين ضمن الدول الأقل جدارة ائتمانية، وبعد 40 عاما من التضخم وتراجع قيمة العملة، فُقدت الثقة بالبيزو ويفضل الناس الادخار بالدولار، هذا إلى جانب أن الأرجنتين تنافس بقوة على لقب أقل دول العالم ادخارا، وبذلك تعتمد بشكل كبير على القروض والاستثمارات الأجنبية.
كما تعتمد الأرجنتين في صادراتها بشكل كبير على المواد الخام، حيث تشكل صادرات الصويا المورد الرئيسي للبلاد من العملات الصعبة، وفى ظل اضطراب سوق السلع الدولية، يصعب التفاؤل بمستقبل الأزمة في الأرجنتين، ومن الواضح أن الرئيس الأرجنتيني مقتنع أن النجاة من الأزمات الاقتصادية سيكون عبر علاقات الصداقة مع الولايات المتحدة، حيث لا تغني الإصلاحات عن دعم الشريك القوي، وهذا ما يتطلب طلاقًا بائنًا لسياسات الرئيسة السابقة كيرشنر وزوجها.
وخلال عهدي الزوجين قامت الأرجنتين بتطبيق حزمة كبيرة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية تضمنت تأميم فروع شركات أميركية عاملة بالأرجنتين كفرع عملاق صناعة الطائرات الحربية لوكهيد مارتن، إضافة إلى كثير من الشركات التي خُصخصت في عهد الحكومات اليمينية السابقة.
الأرجنتين تستقبل أوباما «المُعجب» بالإصلاحات
بعد إنهاء أزمة الديون والاتفاق مع البنك الدولي.. بوينس آيرس تحتاج لدعم الأخ الأكبر
الأرجنتين تستقبل أوباما «المُعجب» بالإصلاحات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة