شعبية ترامب.. طفرة في إعلانات التلفزيون

خبراء: أصبح حلم كل صحافي أن يغطي حملة المرشح الجمهوري.. ورئيس تلفزيون «سي بي إس»: «المال يتدفق»

شعبية ترامب.. طفرة في إعلانات التلفزيون
TT

شعبية ترامب.. طفرة في إعلانات التلفزيون

شعبية ترامب.. طفرة في إعلانات التلفزيون

في الأسبوع الماضي، قال ليز مونفيز، رئيس شركة تلفزيون «سي بي إس»، عندما سئل عن سر نجاح دونالد ترامب، المرشح الجمهوري لرئاسة الجمهورية، وسر التغطية الصحافية المكثفة له في التلفزيونات والصحف والإذاعات: «ربما ليست الإثارة حول ترامب مفيدة لأميركا. لكنها، بحق السماء، مفيدة لنا».
وأضاف: «يتدفق مال الإعلانات تدفقا. وهذا، في الحقيقة، هو المتعة نفسها. لم أشاهد أبدا أي شيء مثل هذا في كل حياتي. وسيكون هذا العام جيدا جدا بالنسبة لنا (المساهمين والمستثمرين)».
وختم تعليقه قائلا: «آسف، إنه شيء فظيع أن أقول ذلك. لكن، هذه هي الحقيقة».
في الأسبوع الماضي، كشف مركز «لكسس نيكسس» في دايتون بولاية أوهايو، المتخصص في تغطية كل شيء في كل وسيلة إعلام، أنه، خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر، نشر في الإنترنت 52 ألفا و683 موضوعا عن ترامب. وجاء السيناتور بيرني ساندرز، المرشح الديمقراطي في المرتبة الثانية، ونشر عنه، فقط، 4 آلاف و400 موضوع. وفي موقع «تويتر» وحده، تكرر اسم ترامب بنسبة 84 في المائة من جملة أسماء بقية المرشحين الجمهوريين.
عن هذا قال جيم روتنبيرغ، محرر الشؤون الصحافية في صحيفة «نيويورك تايمز»: «نحن الصحافيين حشدنا هذه الإثارة حول ترامب. نحن المسؤولون، ولا مسؤولين غيرنا». وأضاف: «حتى قبل ترامب، صارت أخبار وتعليقات وسائل الإعلام الأميركية تميل نحو عدم الجدية، والترفيه. وها هو ترامب يستغل ذلك».
حتى ماركو روبيو، المرشح الجمهوري الذي نافس ترامب، ثم انسحب في الأسبوع الماضي، قال، بعد أن انسحب: «طفت الولايات المتحدة ولاية بعد ولاية. وخاطبت التجمعات الجماهيرية، وعقدت المؤتمرات الصحافية. لكن، في مساء كل يوم، أجلس لأشاهد نشرة الأخبار المسائية في التلفزيون، ولا أشاهد غير ترامب.. ترامب.. ترامب».
لهذا يبدو أن الإثارة حول ترامب لها سببان: أولا: حب الصحافيين للإثارة. ثانيا: ترامب شخصية مثيرة.
لكن، كما قال دانيال بورستين، أستاذ إعلام ومؤلف كتاب «ذا إيميدج» (الصورة العاكسة)، قبل نصف قرن تقريبا، كان الصحافيون الأميركيون أكثر جدية، وأقل حبا للإثارة. وكان الأميركيون، أيضا، أقل حبا للإثارة.
طبعا، خلال النصف الأول من القرن الماضي لم يكن هناك تلفزيون في كل بيت، ولم تكن هناك فضائيات، ولم تكن هناك صحف تطبع ملايين النسخ. «في الجانب الآخر، لم يكن هناك وقت كبير عند الأميركيين للترفيه والمتعة».
لكن، مع نهاية النصف الثاني من القرن الماضي وبداية هذا القرن، تطورت تكنولوجيا الإعلام والاتصال تطورا خياليا. وزادت المنافسة بين الشركات المتخصصة في هذه المجالات. في الجانب الآخر، زاد وقت الترفيه والمتعة عند الأميركيين. أيضا، بسبب تطور تكنولوجيا السكن والأكل والشرب.
عن هذا قال بورستين: «صار الإعلام أقل اهتماما بالمواضيع الجادة، وأكثر اهتماما بالمواضيع الترفيهية. صار نجوم السينما والتلفزيون والرياضة أكثر إثارة من نجوم السياسة. صار السياسيون يسببون السأم، وصار المشاهير يسببون الإثارة».
لهذا، عندما ظهر ترامب، رجل الأعمال الناجح والمثير، في ثوب سياسي، صار سياسيا مثيرا.
استعمل جيم روتنبيرغ، صحافي بصحيفة «نيويورك تايمز»، أوصافا مثل: «سودو بوليتيشيان» (شبه سياسي)، و«سودو كامبين» (شبه حملة انتخابية).
ولهذا، قال ليز مونفيز، رئيس شركة تلفزيون «سي بي إس»: «يتدفق المال علينا تدفقا. وهذا، في الحقيقة هو المتعة نفسها».
متعة الشركات، ومتعة الأميركيين، ومتعة الصحافيين.
عن هذه المتعة الأخيرة، قال بول فارهي، محرر الشؤون الإعلامية في صحيفة «واشنطن بوست»، إن الصحافيين الذين يغطون حملات ترامب الانتخابية يعتبرون أنفسهم أسعد الصحافيين في العالم. لا لشيء غير أن كل ما يكتبون، وكل ما يصورون، وكل ما يذيعون، يلقى الإقبال من الشعب الأميركي.
لكن، متعة في تغطية ترامب رغم مضايقات «وأحيانا إساءات» ترامب. خلال الأسبوع الماضي، حدث الآتي:
أولا: في خطبه السياسية، وصف ترامب الصحافيين بأنهم «مثيرو مشكلات»، و«غير شرفاء»، و«حثالة».
ثانيا: في التجمعات السياسية، خصص ترامب «قفصا للصحافيين» (حاجز بين المسرح الذي يتحدث فيه ترامب والمستمعين). ويمنع رجال ترامب أي صحافي من الخروج من «القفص».
ثالثا: في التجمعات السياسية، يتحرش بعض مؤيدي ترامب بالصحافيين، خصوصا الصحافيات. لا يؤذونهن، ولا يلمسونهن. ولكن، يسيئون لهن بعبارات غير محترمة.
لكن، رغم ذلك، كما قال بول فارهي، صحافي بصحيفة «واشنطن بوست»، صار حلم كل صحافي هو أن يغطي حملة ترامب.
حتى بعض الصحافيين الأجانب لاحظوا «وأيدوا» الإثارة غير الطبيعية التي يغطي بها الصحافيون الأميركيون ترامب.
قال ديفيد سميث، مراسل صحيفة «غارديان» البريطانية: «من منا لا يريد أن يكون في وسط هذه الإثارة التاريخية؟».
قبل أن يأتي إلى واشنطن، كان سميث مراسلا لصحيفته في دول أفريقية. لهذا، قال: «إذا هدد حاكم بلد أفريقي الصحافيين بأنه سيغير القانون لتسهيل محاكمتهم (ترامب قال ذلك)، لكانت منظمات حقوق الإنسان قد هبت لتدين ذلك الحاكم».
وقال أدريان مارو، مراسل صحيفة «غلوب آند ميل» الكندية في واشنطن: «ترامب هو النجم بلا منازع». وقال إنه يركز، في رسائله إلى صحيفته، هبوط ترامب من طائرته الخاصة العملاقة في مطار ما، في مكان ما، والجماهير تنتظره كأنه نجم غنائي عالمي.
وأضاف مارو: «عندما تنشر الصحيفة كتاباتي عن ترامب في موقعها في الإنترنت، يقفز عدد المشاهدين إلى السماء. عكس ما كان يحدث عندما كنت في مقاطعة أونتاريو، وكنت أكتب عن اجتماعات المجلس التشريعي للمقاطعة».



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».