الرئيس الجزائري يرفض نماذج تغيير الأنظمة بدول الجوار بحجة أنها «مفروضة»

بمناسبة مرور 54 عامًا على وقف إطلاق النار بين «المجاهدين» وفرنسا

الرئيس الجزائري يرفض نماذج تغيير الأنظمة بدول الجوار بحجة أنها «مفروضة»
TT

الرئيس الجزائري يرفض نماذج تغيير الأنظمة بدول الجوار بحجة أنها «مفروضة»

الرئيس الجزائري يرفض نماذج تغيير الأنظمة بدول الجوار بحجة أنها «مفروضة»

قال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إن التعديل، الذي أدخله على الدستور مطلع العام، «دليل على المضي قدما في تحقيق الغاية المثلى للإرادة الشعبية، بتحقيق أسمى معاني الحياة الديمقراطية البناءة والفاعلة». وعبر بوتفليقة عن رفضه مشروع التغيير بالطريقة التي جرى عليها في بلدان عربية، بحجة أنه «مفروض من الخارج».
وذكر بوتفليقة في رسالة للجزائريين أمس، نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية، بمناسبة مرور 54 سنة على قرار «وقف إطلاق النار»، الذي توج مفاوضات طويلة بين مجاهدي حرب التحرير والحكومة الاستعمارية الفرنسية، أن «بلادنا شهدت قفزة نوعية في مجال الإنجازات الكبرى، وهي كلها مكتسبات تغذي عزمنا المشترك على المضي قدما على درب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، للاستجابة لحاجات وطموحات شعبنا الأبي. إنها غاية تعمل الدولة في خدمتها بتسخير قدراتها، وتحفيز مبادرات وجهود أبنائها في جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية».
وبحسب بوتفليقة، فقد عرفت الجزائر «وثبة سياسية رائدة في مجال الحريات، ومشاركة الشعب في صنع القرار من خلال سن مختلف القوانين والآليات، التي تبرز مساهمة المواطن في الحياة السياسية». لكن وبخلاف ما يقول الرئيس، فإن المعارضة ترى أن النظام «يقمع الحريات»، وأن التعديل الدستوري «قلص من هوامش الحقوق والحريات»، بحجة أنه ركز سلطات وصلاحيات واسعة بين يدي الرئيس.
وفي إشارة واضحة إلى أوضاع بلدان عرفت تغييرا في أنظمة الحكم بها، قال الرئيس الذي يعاني من مرض أقعده على كرسي متحرك: «إن شعبنا الأبي متمسك بوحدته وصامد من أجل الحفاظ على أمنه وسلامته، أمام الأمواج المخربة التي دبرت ضد الأمة العربية قاطبة.. أمواج تدفع لها اليوم شعوب شقيقة ثمنا دمويا، بعدما دفعنا نحن عشرات الآلاف من ضحايا المأساة الوطنية، التي جاءت رياحها في الواقع من خارج قطرنا».
من جهته، قال علي بن فليس، رئيس الوزراء الجزائري سابقا، أمس بمناسبة لقاء جمعه بمناضلي الحزب الذي يرأسه «طلائع الحريات»، بالبويرة (100 كلم شرق العاصمة)، إن النظام «فشل في بناء دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية، وذلك بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال»، وهو شعار رفعه مفجرو ثورة التحرير من الاستعمار (1954 - 1962).
وانتقد بن فليس حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بشدة، بقوله إن الجزائريين «حاربوا الاستعمار الفرنسي من أجل وضع حد للظلم والمهانة والاحتقار والتهميش والإقصاء، وكل ما كان يمثله الاستعمار، فهل هم يعيشون اليوم في مجتمع يضمن لهم التجانس والتألق والانسجام، وفي كنف المساواة في الفرص والحظوظ والتضامن الوطني والعدالة الاجتماعية؟».
وتساءل بن فليس أيضًا «هل يستفيد الشباب الجزائري اليوم فعلا من محاسن تحرر واستقلال وسيادة بلدهم؛ هذا التحرر وهذا الاستقلال وهذه السيادة التي انتزعت بفضل تضحيات شباب جزائري في مثل سنهم؟»، مضيفًا أن ستة أجيال كاملة من الجزائريات والجزائريين «عاشت في ظلام ليل الاستعمار البغيض؛ لكن جيلين من الجزائريات والجزائريين ما زالا لم يعرفا بعد الجمهورية الديمقراطية والاجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية.. هذه الجمهورية التي جاهد من أجلها أولئك الأبطال الذين عجلوا بنهاية ظلم الاستعمار وأسرعوا ببزوغ فجر الحرية».
وعاد بن فليس إلى التساؤل على سبيل التقليل من شأن ما تسميه الحكومة «إنجازات تحققت من الاستقلال»، فقال: «لماذا فشلنا في بناء دولة ديمقراطية وعصرية؟ لماذا أخفقنا في بناء نظام سياسي تكون المواطنة والسيادة الشعبية هما القلب النابض له؟ لماذا عجزنا على تحقيق نظام اقتصادي ناجع مبدع، مجدد وتنافسي، يكون مصدر فخرنا ويحقق لأمتنا التنمية والرقي والعلا بين الأمم الأخرى؟».
ويرى بن فليس أن كل دول العالم تتكلم عن شبابها في الحاضر، أي أن هذه الدول تعتبر الشباب كفاعل ضروري لتشييد حاضرها، بينما «نتكلم نحن عن الشباب دائما في المستقبل، بمعنى أننا نؤجل باستمرار تثمين دوره ومسؤوليته في الزمن الحاضر، كما أن كل آمالنا حيالهم لا تصلح سوى للمستقبل الذي لا يلزم أي أحد»، مضيفًا أن الشبيبة في كل دول العالم هي مرادف للطمأنينة وللهدوء، بينما هي عندنا مصدر خوف وإرباك، ويُنظر إليها كتهديد محدق من كل حدب وصوب».
وتحدث بن فليس أيضًا عن ظاهرة الهجرة السرية في البحر المتوسط، فقال إن «الذين يراهنون ويجازفون بحياتهم يفعلون ذلك كرد فعل على تجاهل مصيرهم، من طرف السلطة السياسية القائمة، وفي مواجهة الإهانات اليومية التي يتعرضون لها. ولهذا لا يجوز أن نفاجأ أمام شعور القلق والرعب في نفوسنا، من منظر هؤلاء الشباب الذين يخيطون أفواههم، ويمزقون صدورهم، أو يحرقون أجسادهم كاحتجاج ورفض لواقعهم اليومي الفظيع. إن هذه الصور المؤلمة وغير المحتملة والفظيعة هي خير معبر عن فشل النظام السياسي القائم في الاعتناء اعتناء لائقا ببنات وأبناء هذه الأرض الحنون من الشباب الطيبين والشابات الطيبات».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.