الخارجية الإيرانية تعتبر حكم القضاء الأميركي «سخيفًا ومضحكًا»

طهران تنفي علمها بدخول الإرهابيين أراضيها قبل الهجمات.. لكنها لا تستبعده

الخارجية الإيرانية تعتبر حكم القضاء الأميركي «سخيفًا ومضحكًا»
TT

الخارجية الإيرانية تعتبر حكم القضاء الأميركي «سخيفًا ومضحكًا»

الخارجية الإيرانية تعتبر حكم القضاء الأميركي «سخيفًا ومضحكًا»

شنت إيران هجومًا عنيفًا ضد حكم أصدرته محكمة أميركية يقضي بتغريمها 10.5 مليار دولار على سبيل التعويض عن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) ضد مدينتي نيويورك، والعاصمة واشنطن.
ووصف المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية، حسين جابري الأنصاري، الحكم الصادر عن محكمة أميركية ضد إيران بـ«الظالم» و«السخيف». وفي تصريحات أدلى بها أمس، قال إن هذا الحكم «هو أحدث منتجات نظام العدالة الأميركي، في إطار سعيه الحثيث لاتباع السيناريوهات الصهيونية، في نشر التخوف من إيران». وأضاف أن «الحكم مضحك وسخيف لدرجة أنه يجعل مبدأ العدالة ذاته أضحوكة، في الوقت الذي يزيد من تردي سمعة القضاء الأميركي».
ويعتبر تعليق المتحدث باسم الخارجية أول تعليق رسمي من طهران على قرار المحكمة الفيدرالية، بعدما أصدرت الأربعاء حكمًا يقضي بدفع إيران تعويضات لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر، إلى جانب مجموعة من شركات التأمين المتضررة. وقد أصدر الحكم القاضي جورج دانيلز في نيويورك، مشيرًا إلى أن طهران أخفقت في الدفاع عن نفسها في مواجهة ادعاءات تفيد بتورطها في الهجمات.
بهذا الصدد، أكدت الحكومة الإيرانية أن المحكمة الأميركية طلبت منها المشاركة في المحاكمة بتمثيل لها، لكنها رفضت لأن أحدًا من المسؤولين لم يأخذ الأمر على محمل الجد. ويأتي الحكم الصادر عن المحكمة الأميركية ليضيف قضية أخرى لمجموعة القضايا المثيرة للخلاف بين صفوف القيادات الإيرانية حول العلاقات مع واشنطن.
من جانبها، نظرت صحيفة «كيهان» اليومية، المعروفة بأنها تعكس آراء المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، إلى الحكم الصادر بالولايات المتحدة باعتباره مؤشرا آخر على أن إدارة أوباما غير صادقة في ادعائها بالرغبة في تحسين العلاقات مع الجمهورية الإسلامية. ويعتمد حكم المحكمة على تقرير اللجنة المعنية بالتحقيق في هجمات 11 سبتمبر، والذي ذكر أن بعض المتورطين بالهجمات انتقلوا عبر إيران ولم يتم ختم جوازات السفر الخاصة بهم. وذكرت مصادر إيرانية أنه في واقع الأمر من الممكن أن يكون المهاجمون قد مروا عبر إيران في طريقهم إلى أوروبا من خلال تركيا سرًا، نتيجة تفاهمات بينهم وبين حكومة «طالبان» التي كانت مسيطرة على مقاليد الحكم آنذاك في كابل. وبطبيعة الحال، لم تعلم طهران أن «العرب الأفغان» المارين عبر أراضيها كانوا ينوون القيام بأي عمل ضد واشنطن، وفقًا لتصريحات المصادر نفسها.
وأعرب الأنصاري عن اعتقاده بأن مثل هذه الأحكام تبعث برسالة «بالغة الخطورة والأهمية» إلى الإرهابيين وحلفائهم، مفادها «أنكم بمأمن ويمكنكم المضي في قتل أبناء الشعب الأميركي، وآخرين حول العالم، لأننا لن نكتفي بعدم ملاحقتكم ردًا على جرائمكم، وإنما سنستهدف أقوى أعدائكم وأكثرهم فاعلية». كما أعرب المسؤول الإيراني عن أسفه من أن التوجه «المخالف للمنطق والصواب والأخلاق» الذي تنتهجه الخارجية الأميركية تسبب في وضعها إيران لسنوات على قائمة ما يدعى بـ«الدول الراعية للإرهاب». وأضاف: «هذه الخطوة شكلت الأساس لتجاهل جميع مبادئ المحاكمة العادلة أو حتى المنطق في أحكام سياسية صادرة عن محاكم أميركية معينة». وقال: «رغم أن هذه الخطوة تستهدف بوضوح الشعب والحكومة في إيران»، فإن الشعب الأميركي وعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر هم من تعرضت حقوقهم، نهاية الأمر، للانتهاك جراء هذه الأحكام «المضللة» الصادرة عن المحاكم الأميركية.
يذكر أن هجمات 11 سبتمبر انطوت على سلسلة من الهجمات داخل الولايات المتحدة أسفرت عن مقتل قرابة 3 آلاف أميركي، وتسببت في خسائر في الممتلكات والبنية التحتية تقدر بنحو 10 مليارات دولار.
من جانبه، أصدر القاضي دانييلز أمرًا يقضي بدفع إيران 7.5 مليار دولار لأسر ضحايا الهجمات، منها مليونا دولار لأقارب كل ضحية لما تكبدوه من معاناة وألم، و6.88 مليون دولار أخرى كتعويضات عقابية. كما أمر بأن تدفع إيران لشركات التأمين التي تكبدت تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات وتعطل الأعمال جراء الهجمات، 3 مليارات دولار إضافية.
من ناحية أخرى، ونظرًا لعدم مشاركة إيران في القضية دفاعًا عن نفسها، فإنه لم تجر مناقشة الشهود. ويرى خبراء قانونيون أن القاضي لم يكن أمامه خيار سوى إصدار حكم لصالح المدعين الذين رفعوا دعوى ضد إيران.
ويذكر أن التحقيقات المكثفة التي أجرتها أجهزة متنوعة تابعة للحكومة الأميركية والكونغرس لم تصل لدليل على أن طهران تلقت إخطارا بمخطط هجمات 11 سبتمبر. كما أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش، عام 2004، عن اعتقاده بأن إيران لم يكن لها دور في التخطيط للهجمات أو تنفيذها.
في المقابل، أقرّت الوثائق المعتمدة في القضية بأن جماعة «حزب الله» الإرهابية التي أسستها إيران، قدمت النصح للتفجيريين الانتحاريين التابعين لـ«القاعدة». ومع ذلك، لم يدافع «حزب الله» عن نفسه هذه الاتهامات داخل ساحة القضاء.
في سياق متّصل، يبدو من غير المحتمل أن تدفع طهران أية أموال، وإن كان من المحتمل أن تغرق في مزيد من القضايا القانونية المرتبطة بالهجمات. وترى بعض الجهات الإيرانية أن الغرامات التي فرضت عليها بسبب هجمات 11 سبتمبر هي في الحقيقة وسيلة تنتقم من خلالها واشنطن من حادث السفارة الأميركية في طهران عام 1979، وذلك بعد أن وقّعت واشنطن اتفاقا مع طهران في الجزائر عام 1980 يقضي بالتزامها بعدم رفع دعاوى قضائية ضدها على خلفية الاستيلاء على السفارة الأميركية بطهران واقتحامها واحتجاز العاملين بها. وانتقد حسين شيخ الإسلام، أحد كبار مساعدي رئيس البرلمان الإيراني أردشير لاريجاني وأحد الطلاب الذين احتجزوا دبلوماسيين أميركيين في طهران عام 1979 وتولى مهمة التحقيق معهم، الحكم باعتباره «سخيفًا وتافهًا» وأضاف: «لم أسمع قط بمثل هذا الحكم، وإنني مندهش للغاية لأن القاضي ليس أمامه مطلقًا ما يدعوه لإصدار مثل هذا الحكم».



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.