الرقة والموصل .. صورة غامضة

واشنطن لم تجد شريكًا سوريًا لقتال «داعش» في الأولى .. والعجز أمام تحرير الثانية

صورة تعود إلى عام 2014 تظهر عناصر من داعش على ظهر دبابة تجوب إحدى ضواحي {الرقة} الشمالية (رويترز)
صورة تعود إلى عام 2014 تظهر عناصر من داعش على ظهر دبابة تجوب إحدى ضواحي {الرقة} الشمالية (رويترز)
TT

الرقة والموصل .. صورة غامضة

صورة تعود إلى عام 2014 تظهر عناصر من داعش على ظهر دبابة تجوب إحدى ضواحي {الرقة} الشمالية (رويترز)
صورة تعود إلى عام 2014 تظهر عناصر من داعش على ظهر دبابة تجوب إحدى ضواحي {الرقة} الشمالية (رويترز)

كثر الحديث في الأسابيع الماضية عن العمليات التي ستستهدف معاقل تنظيم داعش الإرهابي المتطرف في مدينتي الرقة السورية والموصل العراقية. وفي الوقت الذي تجري فيه التحضيرات على قدم وساق للمعركة المقبلة في الموصل، يبدو أن الأمور مختلفة إلى حد ما بالنسبة إلى مدينة الرقة. فوفق تقرير صدر عن وزارة الخارجية الأميركية، يسعى التحالف الدولي في عملياته المستمرة إلى «عزل مدينة الرقة» الواقعة في شمال وسط سوريا، إذ أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد أن العمليات العسكرية الأخيرة تهدف إلى «قطع صلة الوصل بين المدينتين السنيتين السورية العراقية اللتين جعل منهما التنظيم أبرز قواعد سيطرته».
واعتبر دانفورد أن «العمليات متواصلة» وكذلك «الإنجازات التي حققتها قوات البيشمركة (الكردية) في سنجار وعملية الشدادي في سوريا، ساهمت في قطع خطوط الاتصال بين الرقة والموصل»، مضيفا أنه «سيصار إلى إعداد المقاتلين في التحالف العربي - السوري، وأنه ليس هناك حاليا من جدول زمني محدد لمعركة تحرير الرقة، التي ستعتمد أساسًا على ظروف كثيرة مثل حجم القوة التي ستنفذ الهجوم، وتحركات العدو على الأرض، مع الأخذ بالاعتبار ما يجري حاليا شرق منطقة الشدادي وغربها بهدف تحضير الأرضية ودعم الهجوم المرتقب».
نقل موقع «سوريا نت» أن الجنرال جوزيف فوتل، المرشح لقيادة «المنطقة الوسطى» في القوات المسلحة الأميركية، التي تشمل الشرق الأوسط ضمن نطاق صلاحياتها، عبر أمام مشرّعين أميركيين أمس عن قلقه من «الافتقار إلى شريك يُعتمد عليه في سوريا للقتال ضد تنظيم داعش». وذكر الجنرال فوتل، خلال جلسة للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي أنه «إذا صادقت اللجنة على تعيينه لقيادة المنطقة الوسطى، فسيسعى إلى إيجاد استراتيجية متناغمة وذات موارد جيدة للسعي وراء معاقل داعش».
وتابع فوتل كلامه أمام اللجنة «في العراق لدينا شريك ولدينا حكومة، لكننا لا نملك هذا في سوريا، وبالتالي، أنا قلق من كيفية تقدمنا في سوريا بغياب العامل السياسي الداعم لذلك». فوتل، أكد كذلك قدرة قوات المعارضة السورية على استعادة مدينة الرقة من تنظيم داعش، بيد أنه أوضح أنه سيكون «من الصعب» الاحتفاظ بها بعد ذلك.
فضلا عن ذلك، اعتبر الخبير في الشؤون العسكرية السورية كريس كوزاك، من «معهد دراسات الحرب» الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» أن التحالف الأميركي يهدف إلى السيطرة على الرقة والموصل هذا العام، شارحًا أن مشكلة الرقة تكمن في أن معظم القوات المقاتلة ضد «داعش» تنتمي إلى (ميليشيا «وحدات حماية الشعب» (الكردية) التي ليس لديها الدافع الكافي للسيطرة على المدينة. وتابع كوزاك شرحه قائلا: «الرقة مدينة ذات أغلبية عربية تقع خارج المنطقة الطبيعية لأكراد سوريا الممتدة من الحسكة إلى عفرين. وعليه تحاول قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة حشد تحالف عربي - سوري لمعركة الرقة، ومن المحتمل أن نرى المزيد من الخطوات لقطع خطوط الإمداد مثل استهداف الطريق السريع بين الرقة ودير الزور، فضلا عن الحدود التركية». إلا أنه - بحسب الخبير - فإن السيطرة على الرقة «ليست أولوية حاليًا لا لنظام الأسد ولا لروسيا، اللذين يركزان معظم جهودهما على تخفيف الضغط عن خطوط الإمداد في منطقة حلب».
أما بما يخص الوضع في الموصل فإنه يختلف اختلافًا شديدًا عما هو عليه في الرقة، حسب تصريحات عدد من المسؤولين الحكوميين العراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذين أكدوا أن عمليات الموصل ستبدأ خلال فترة الربيع أو الصيف. مع ذلك، يستبعد العقيد الأميركي المتقاعد هاري شوت من جهته، هذا الأمر، معتبرا أنه لا يزال من الصعب تحديد متى سيقع هجوم الموصل، مشيرا إلى أن «هناك عمليات تحضيرية تسبق هكذا هجوم وعلى الأرجح ستتم في الأشهر الستة المقبلة». وتشمل هذه الخطوات التحضيرية، التي يبدو أنها قد بدأت، إضعاف «داعش» أكثر فأكثر من خلال ضرب مصالحه المباشرة والاستراتيجية وخطوط الإمداد لديه، والسيطرة كذلك على بعض المواقع الاستراتيجية.
ووفقًا لشوت: «التحالف بقيادة الولايات المتحدة يعمل بشكل متواصل على استهداف مصالح مباشرة أو استراتيجية للتنظيم»، واستطرد الضابط الأميركي موضحًا أن المصالح المباشرة تتمثل في العناصر المسلحة والمعدات العسكرية التي يملكها التنظيم في حين تشمل مصالحه الاستراتيجية البنية التحتية للنفط وغيرها من الموارد التي تؤمن له مدخولاً.
هنا، لا بد من الإشارة إلى أنه مع السيطرة على مدينة سنجار، ذات الكثافة السكانية الأيزيدية التي تقع غربي الموصل في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عمدت الميليشيا الكردية المدعومة من القوات الجوية الأميركية، إلى قطع خطوط الإمداد العائدة للتنظيم المتطرف عبر السيطرة على الطريق السريع رقم 47. وبالتالي، يعتبر شوت أنه «لا بد من السيطرة الآن أيضًا على المدن والمناطق الرئيسة الأخرى، قبل أي هجوم على الموصل، فضلا عن تحرير ما تبقى من منطقة دجلة، لا سيما منطقة مدن مثل القيارة وتلعفر، وربما الفلوجة أيضًا، لتسهيل سقوط الموصل. ونشير عند هذه النقطة إلى أنه خلال الأسابيع الماضية وقعت اشتباكات في الفلوجة بين سكان المدينة وعناصر من «داعش».
أما بالنسبة لمدينة القيارة، فيتوقع المحللون والخبراء الاستراتيجيون أن يكون لها دور فعال في معركة الموصل باعتبارها خط إمداد مهمًا جدًا يسمح لتنظيم داعش بالاتصال بمنطقة الحويجة، كذلك فإن السيطرة على مدينة هيت، بعرب محافظة الأنبار، ستشكل مقدمة لأي عمليات في الموصل.
ولكن، «حتى بعد قطع خطوط الإمداد والاستيلاء على المناطق الاستراتيجية، سيبقى تقدم القوات الحكومية العراقية نحو الموصل إشكالية بحد ذاته نظرًا للكثافة السكانية العالية في المدينة»، بحسب الخبير العسكري أحمد شوقي. ويوضح شوقي أن العدد السكاني الهائل (في ثانية كبرى مدن العراق من حيث عد السكان) يجعل من المدينة هدفا صعبا. وفي المقابل، يرى الناشط السياسي غانم العابد، أنه سيكون من السهل نسبيا السيطرة على المناطق المحيطة بالمدينة وتلك الواقعة على الجانب الأيسر منها، بما أن الكثافة السكانية فيهما أقل، كما أنها مناطق حديثة إلى حد ما، بعكس مدينة الموصل نفسها على الجانب الأيمن، والتي تعد قديمة وبالكاد يمكن الوصول إليها بالسيارة، ما من شأنه أن يعقِّد العملية العسكرية ويتسبب بخسائر فادحة في الأرواح.
في أي حال، ما سيزيد الأمور صعوبة في عملية استعادة السيطرة على مدينة الموصل ذات الغالبية السنية، هو تعدد اللاعبين المحليين والإقليميين المنخرطين في شمال العراق الذين يملك كل منهم أجندته الخاصة التي تختلف عن الآخر. وهذا ما يتطرق إليه العابد بقوله: «الموصل ليست معقدة بسبب عدد السكان الكبير فحسب، بل أيضًا بسبب الأعراق المتعددة، ما يعني أن لاعبين مختلفين سيدخلون في العملية»، ثم يضيف مفصلاً أن المنطقة «تضم جماعات عرقية ودينية مختلفة بل متنافسة في غالب الأحيان على غرار السنة والشيعة والمسيحيين والأكراد والتركمان والأيزيديين». ويضاف إلى هذا كله، مسألة حسّاسة أخرى ترتبط بمشاركة ميليشيا «الحشد الشعبي» - ذات الأغلبية الشيعية - في العملية. ولقد أوردت مقالات نشرت أخيرًا عبر قناة «العربية» و«المدى برس» ما جرى تداوله بين رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري حول دور «الحشد الشعبي» في معركة الموصل، الأمر الذي رفضه أعضاء محافظة نينوى، وعاصمتها الموصل. وبعيدا عن المناوشات السياسية حول هذه المسألة بالذات، تتزايد المظاهرات في بغداد المندِّدة بالفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ما دفع العبادي إلى اقتراح تشكيل حكومة جديدة.
هذه الخلافات العميقة والاضطرابات الاجتماعية المتعددة، أمام الخلفية المذهبية والطائفية، قد تؤدي مرة أخرى إلى تأجيل عملية الموصل التي كانت قد أجمعت مصادر مختلفة على أنها ستحصل في شهر يونيو (حزيران) المقبل. وللعلم، فإن الحكومة العراقية لا تملك من جهتها سوى إطار زمني محدود للمضي قدما في هجومها لتحرير الموصل إن أرادت أن تنفذ العملية قبل حلول فصل الشتاء الذي بالتأكيد لن يكون لصالحها وسيصعِّب عليها عملياتها العسكرية.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.