«النصرة» تمهد لإعلان كيانها في شمال سوريا بإقصاء المعتدلين

أنذرت أهالي الأتارب بإخلاء منازلهم وتتحضر لإنشاء محكمة شرعية

مظاهرة في معرة النعمان بريف إدلب الجمعة الماضي.. حمل فيها المتظاهرون لافتات تطالب بإسقاط النظاموتعرضت لهم خلالها جبهة النصرة محاولة إنزال علم الثورة.. وذلك قبل اندلاع قتال بين النصرة والجيش الحر (أ.ف.ب)
مظاهرة في معرة النعمان بريف إدلب الجمعة الماضي.. حمل فيها المتظاهرون لافتات تطالب بإسقاط النظاموتعرضت لهم خلالها جبهة النصرة محاولة إنزال علم الثورة.. وذلك قبل اندلاع قتال بين النصرة والجيش الحر (أ.ف.ب)
TT

«النصرة» تمهد لإعلان كيانها في شمال سوريا بإقصاء المعتدلين

مظاهرة في معرة النعمان بريف إدلب الجمعة الماضي.. حمل فيها المتظاهرون لافتات تطالب بإسقاط النظاموتعرضت لهم خلالها جبهة النصرة محاولة إنزال علم الثورة.. وذلك قبل اندلاع قتال بين النصرة والجيش الحر (أ.ف.ب)
مظاهرة في معرة النعمان بريف إدلب الجمعة الماضي.. حمل فيها المتظاهرون لافتات تطالب بإسقاط النظاموتعرضت لهم خلالها جبهة النصرة محاولة إنزال علم الثورة.. وذلك قبل اندلاع قتال بين النصرة والجيش الحر (أ.ف.ب)

هاجمت «جبهة النصرة» مقرات «الفرقة 13» المعارضة المعتدلة في شمال سوريا، وصادرت أسلحتها وسيطرت على مقراتها، بينما وجهت إنذارا إلى بعض الأهالي في بلدة الأتارب بريف حلب، لإخلاء منازلهم وإقامة محكمة شرعية، في تصعيد هو الأكبر منذ عام ضد فصائل المعارضة المعتدلة في شمال سوريا، وسط مخاوف من أن يمهّد لإعلان «إدلب إمارة لهم»، بحسب ما قال مصدر بارز في المعارضة لـ«الشرق الأوسط».
وجاء هجوم تنظيم النصرة (وهو فرع تنظيم القاعدة في سوريا) لمقرات الفرقة 13 ليل السبت – الأحد، بعد سلسلة هجمات نفذها عناصر التنظيم ضد متظاهرين سلميين في مدينة إدلب يوم الاثنين الماضي، ومدينة معرة النعمان يوم الجمعة الماضي، كانوا يرفعون أعلام الثورة السورية ويهتفون بإسقاط النظام.
وفيما يبدو أن الهجمات كانت «منظمة» بهدف «خلق ذريعة لإقصاء المعارضة السورية المعتدلة من المنطقة»، تطورت المناكفات إلى اشتباكات اندلعت ليل السبت / الأحد بين جبهة النصرة والفرقة 13، وهو فصيل مقاتل تدعمه واشنطن في شمال غربي سوريا، حيث تمكن مقاتلو «النصرة» من مصادرة أسلحة أميركية الصنع، وفق ما أفادت به المجموعة و«المرصد السوري لحقوق الإنسان».
وكتب فصيل الفرقة 13 على حسابه في «تويتر»: «داهمت جبهة النصرة (ذراع تنظيم القاعدة في سوريا) جميع مقراتنا وسلبت السلاح والعتاد. نتمنى أن لا يستخدم هذا السلاح في البغي على فصيل آخر»، وأضاف بسخرية: «نبارك للجولاني هذا الفتح»، في إشارة إلى زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني.
وبحسب المرصد السوري، أسفرت الاشتباكات في معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي عن مقتل ستة مقاتلين بينهم أربعة من الفرقة 13. وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن: «خطفت جبهة النصرة 40 عنصرا على الأقل من الفرقة 13»، مشيرًا في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية إلى أن الجبهة «صادرت الأسلحة من مستودعات الفرقة 13 في معرة النعمان وثلاث بلدات أخرى، وبين الأسلحة صواريخ تاو الأميركية».
وأثار الهجوم مخاوف من مشروع محتمل للتنظيم بالسيطرة على إدلب وإعلانها كيانًا موازيًا لكيان تنظيم داعش في شرق سوريا، خصوصًا أنه يتكرر بعد نحو عام على إقصاء الجبهة لفصائل سورية معارضة معتدلة مثل «حركة حزم» في ريف حلب الغربي، وإقصاء «جبهة ثوار سوريا» التي يتزعمها جمال معروف من ريف إدلب الغربي والجنوبي، فضلاً عن مهاجمة فصيل خاضع للتدريب على يد خبراء أميركيين قبل أشهر.
وقال القيادي السوري المعارض عبد الرحمن الحاج لـ«الشرق الأوسط» إن النصرة «تعتبر إدلب منطقة مناسبة لإنشاء إمارة إسلامية متشددة فيها، نظرًا إلى أن التنظيم يشغل فيها مساحات واسعة، ويضم عددًا كبيرًا من المقاتلين السوريين الذين يتحدرون من إدلب»، مشيرًا إلى أن الهجوم «قد يكون تمهيدًا لإعلان الإمارة التي سبق وتحدث عنها التنظيم». وأوضح أن المخطط «يفسر احتكارهم للخدمات والتقديمات الاجتماعية، ومنعهم أي جهة أخرى من تقديم الخدمات للسكان في مدينة إدلب وريفها، فضلاً عن أن الجبهة تفرض على جيش الفتح شروطًا لإدارة المناطق المدنية بهدف الاستحواذ عليها».
ويربط الحاج بين المخطط لإنشاء الإمارة، والهجوم على المتظاهرين السلميين خلال الأسبوعين الماضيين، قائلاً: «النصرة تعتبر مشروع الثورة مضادًا لمشروع تنظيم القاعدة، وهو إنشاء دولة متشددة»، لافتًا إلى أن «عودة الروح الثورية أشعرهم بالخوف بأن مشروع الإمارة لا توجد له أرضية اجتماعية، وإذا استمرت الأمور على هذا المنحى سيخسرون الشارع الذي سيطروا عليه عبر الإنجازات العسكرية». وتابع: «بذلك أرادوا استباق الأمور، غير أن القمع والإقصاء سيؤديان إلى نتائج عسكرية معاكسة»، مشيرًا إلى أن التنظيم «يتذرع بنفس الذرائع التي استخدمها في وقت سابق لإقصاء الفصائل المعتدلة وهي التهمة بالردة والعمالة، وذلك بهدف بسط مشروعهم وتثبيته». وقال إن النصرة «لا يشعرون بأنهم على صلة بالثورة ومشروع الناس».
ويسيطر «جيش الفتح»، وهو عبارة عن تحالف فصائل إسلامية، أهمها جبهة النصرة وأحرار الشام، على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتين محاصرتين.
وليست هي المرة الأولى التي تهاجم فيها النصرة فصائل أخرى مدعومة أميركيا، إذ خطفت في صيف 2015 عددا من عناصر الفرقة 30 التي تلقت تدريبات على أيدي مستشارين أميركيين.
وخلافًا لتصريحات سابقة لقياديي النصرة بأنهم نفذوا انسحابات من مناطق سورية بهدف حماية السكان من القصف الروسي، كون النصرة مستثناة من اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي دخل يومه الـ17، هاجمت النصرة الفصائل المعتدلة.
ورأى الحاج أن التنظيم المتشدد «يعتبر نفسه مستهدفًا، وقادته ضد الهدنة بالأساس لإيمانها بأن العمل العسكري هو المنطق الوحيد لتحقيق التغيير في سوريا». وأشار إلى أن التنظيم «يتذرع بأشياء واهية لتحقيق سيطرته واستئصال المعارضين المعتدلين»، لافتًا إلى أن التنظيم «أنذر الأهالي أمس، في بلدة الأتارب القريبة من ريف إدلب، لإخلاء مناطق وإقامة محكمة شرعية، وهو جزء من خطة واسعة خطيرة جدًا للسيطرة على المحافظة». ورأى أن ذلك «ينطلق من شعورهم الأكيد بأنهم غير موجودين في الشارع ويسعون لتسريع إنشاء الإمارة على أرض الواقع».



رغم إعلان «هدنة غزة»... الحوثيون يهاجمون إسرائيل والحاملة «ترومان»

جنود إسرائيليون يعملون في مبنى تضرّر بعد سقوط صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)
جنود إسرائيليون يعملون في مبنى تضرّر بعد سقوط صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)
TT

رغم إعلان «هدنة غزة»... الحوثيون يهاجمون إسرائيل والحاملة «ترومان»

جنود إسرائيليون يعملون في مبنى تضرّر بعد سقوط صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)
جنود إسرائيليون يعملون في مبنى تضرّر بعد سقوط صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)

على الرغم من التوصل إلى «هدنة غزة» واصلت الجماعة الحوثية، الجمعة، تصعيدها الإقليمي، إذ تبنّت مهاجمة إسرائيل في 3 عمليات بالصواريخ والمسيرّات، بالإضافة إلى مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» في شمال البحر الأحمر.

وبينما لم تصدر تعليقات على الفور من الجيشَيْن الأميركي والإسرائيلي بخصوص هذه الهجمات، أقرت الجماعة المدعومة من إيران بتلقيها 5 غارات وصفتها بـ«الأميركية» استهدفت منطقة حرف سفيان، التابعة لمحافظة عمران الواقعة إلى الشمال من صنعاء.

وخلال حشد في أكبر ميادين صنعاء دعا إليه زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، أعلن المتحدث العسكري باسم الجماعة، يحيى سريع، تنفيذ ثلاث عمليات ضد إسرائيل، وعملية رابعة ضد حاملة الطائرات «يو إس إس ترومان» شمال البحر الأحمر.

وزعم المتحدث الحوثي أن قوات جماعته قصفت أهدافاً حيوية إسرائيلية في إيلات بـ4 صواريخ مجنحة، كما قصفت بـ3 مسيرات أهدافاً في تل أبيب، وبمسيرة واحدة هدفاً حيوياً في منطقة عسقلان، مدعياً أن العمليات الثلاث حقّقت أهدافها.

وبالتزامن مع ذلك، زعم المتحدث العسكري الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «ترومان» شمال البحر الأحمر، بعدد من الطائرات المسيرة، وهو الاستهداف السابع منذ قدومها إلى البحر الأحمر.

المتحدث العسكري باسم الحوثيين يردّد «الصرخة الخمينية» خلال حشد في صنعاء (أ.ف.ب)

وتوعّد المتحدث الحوثي بأن قوات جماعته جاهزة لأي تصعيد أميركي أو إسرائيلي، وأنها ستراقب «تطورات الوضع» في غزة، و«ستتخذ الخيارات التصعيدية المناسبة» في حال نكثت إسرائيل الاتفاق مع حركة «حماس».

وبينما أعلنت وسائل إعلام الجماعة تلقي خمس غارات في منطقة حرف سفيان، لم تتحدث على الفور عن الآثار التي تسبّبت فيها لجهة الخسائر البشرية أو المادية.

ومع التفاؤل الدولي والإقليمي واليمني بأن تؤدي الهدنة في غزة إلى استعادة مسار السلام في اليمن، إلا أن مراقبين يمنيين يتخوّفون من استمرار الجماعة الحوثية في تصعيدها سواء البحري أو الداخلي، مستبعدين أن تجنح إلى السلام دون أن تنكسر عسكرياً.

تهديد بالتصعيد

جاءت الهجمات الحوثية والضربات الأميركية، غداة الخطبة الأسبوعية لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، التي استعرض فيها إنجازات جماعته و«حزب الله» اللبناني والفصائل العراقية خلال 15 شهراً من الحرب في غزة.

وقال الحوثي إنه بعد بدء سريان اتفاق الهدنة، الأحد المقبل، في غزة ستبقى جماعته في حال «مواكبة ورصد لمجريات الوضع ومراحل تنفيذ الاتِّفاق»، مهدداً باستمرار الهجمات في حال عودة إسرائيل إلى التصعيد العسكري.

عناصر حوثية خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيم الجماعة لاستعراض القوة (أ.ف.ب)

وتوعّد زعيم الجماعة المدعومة من إيران بالاستمرار في تطوير القدرات العسكرية، وقال إن جماعته منذ بدء تصعيدها أطلقت 1255 صاروخاً وطائرة مسيرة، بالإضافة إلى العمليات البحرية، والزوارق الحربية.

وأقر الحوثي بمقتل 106 أشخاص وإصابة 328 آخرين في مناطق سيطرة جماعته جراء الضربات الغربية والإسرائيلية، منذ بدء التصعيد.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 هجمات ضد السفن في البحرين الأحمر والعربي، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

يُشار إلى أن الجماعة تلقت في 10 يناير (كانون الثاني) الحالي أعنف الضربات الإسرائيلية للمرة الخامسة، بالتزامن مع ضربات أميركية - بريطانية استهدفت مواقع عسكرية في صنعاء وعمران، ومحطة كهرباء جنوب صنعاء، وميناءين في الحديدة على البحر الأحمر غرباً.

عرقلة السلام

عاق التصعيد الحوثي وردود الفعل الغربية والإسرائيلية مسار السلام اليمني، إذ كان اليمنيون يستبشرون أواخر 2023 بقرب إعلان خريطة طريق توسطت فيها السعودية وسلطنة عمان من أجل طي صفحة الصراع المستمر منذ 10 سنوات.

وتنفي الحكومة اليمنية السردية الحوثية بخصوص مناصرة الفلسطينيين في غزة، وتتهم الجماعة بتنفيذ أجندة إيران في المنطقة، خاصة أن الجماعة استغلت الأحداث لتجنيد عشرات الآلاف تحت مزاعم الاستعداد للمواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وفيما يبدو أن المسعى الحقيقي هو التجهيز لمهاجمة المناطق اليمنية الخاضعة للحكومة الشرعية.

السفينة التجارية «غلاكسي ليدر» قرصنها الحوثيون واحتجزوا طاقمها منذ 14 شهراً (رويترز)

وأدّت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، خلال 14 شهراً، إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتَيْن، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

وإذ استقبلت الجماعة نحو ألف غارة جوية وقصف بحري، خلال عام من التدخل الأميركي، كانت الولايات المتحدة أنشأت في ديسمبر (كانون الأول) 2023 تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على الهجمات الحوثية ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في عدد من المرات.

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين كان أغلبيتها من نصيب الحديدة الساحلية، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة.