المشهد : سينما غير محميةhttps://aawsat.com/home/article/589336/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D9%87%D8%AF-%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%A9
* توجد حماية متعددة لكل سر من أسرار كل دولة. وتوجد حماية أمنية للوزارات والمقرات الحكومية والمؤسسات الرسمية والسفارات في كل دولة. وتذود عن المنشآت العسكرية طوابير الأسلحة الرادعة. أما الحدود المشتركة بين الدول فهي مراقبة ومنظّمة قدر الإمكان ما دامت الظروف الأمنية تستدعي ذلك. كل هذا مشروع بالطبع وضروري في عالم غير آمن كالذي نعيشه.
* لكن، وللأسف الشديد، ليس هناك حماية للفن وللثقافة. الخطر الذي يهددها ليس من قوى أجنبية أو من جواسيس دول معادية بل من أطماع الباحثين عن الثراء في كل شبر وتحت كل حجر وأي فرصة لتحقيق ثروة ما بتوظيف المعطيات المتوفرة أمر ممكن بصرف النظر عن الضرر الجسيم الذي سيحيق بالسينما ذاتها.
* قبل خمس سنوات حاولت بعض الاستوديوهات في هوليوود تمرير خطّة مفادها عرض الأفلام للزبائن في منازلهم بصورة مباشرة. تشتري على الإنترنت رسم دخولك فيُبث لك الفيلم الذي لم يرَ نور الصالات السينمائية بعد. حينها وقفت صالات السينما ضد هذا المشروع بحزم فارتدت الاستوديوهات عنه.
* الآن هناك خطة موازية يشترك فيها مستثمرون مفادها تشجيع الاستوديوهات على إعادة الكرّة وبحزم أعلى. وتقتضي الخطة بأن تقوم شركة ما بشراء حقوق بث الفيلم الجديد بخمسين دولارًا للفيلم في العرض الواحد مباشرة إلى المنازل. المختلف الوحيد هو أن البث سيوازي خروج الفيلم إلى صالات السينما ولن يسبقه.
* الشركة، واسمها «سكرينينغ روم»، ستمنح الاستوديو (منتج وموزع الفيلم) 20 في المائة وتحتفظ بـ10 في المائة. الباقي يُوزّع كمصروفات ورسوم مختلفة. ولأجل طمأنة أصحاب الصالات فإن الشركة ستوزع لكل مشترٍ للبث تذكرتين مجانيّتين إذا ما أراد مشاهدة الفيلم في الصالة أو إهداء التذكرتين إلى شخصين آخرين.
* كل هذا يهدم السينما التي قامت منذ ولادتها على مثلث محكم: الفيلم المنتج - صالة العرض - الجمهور. الآن بتنا في عصر يريد ضرب صالة العرض عبر استبدال بدائل منزلية بها. بذلك يتم ضرب العادة الجماهيرية المحببة بالذهاب إلى صالات السينما كالمكان المثالي الوحيد لمشاهدة فيلم ما.
* وطوال عمر السينما كانت هناك أفلام رديئة، لكنها لم تصرف الجمهور عن صالات السينما أو ريادتها. ما فعل هو الحفر في أسس جديدة لنسف العلاقة. لا. لن يتحسن مستوى الأفلام مطلقًا، بل سيزداد سوءًا. ولن يكون هناك رقيب أو ناقد سينمائي يغرف مما في السوق من أعمال. بل سينشأ جيل جديد بلا سياج معتقدًا أنه في عالم متقدّم ورثه عن مدعين. لكن العكس هو الصحيح.
أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذبhttps://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7/5086357-%D8%A3%D8%BA%D9%86%D9%8A%D9%8A%D8%B4%D9%83%D8%A7-%D9%87%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AF-%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D9%8F%D8%AC%D9%85%D9%91%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB-%D9%88%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D9%83%D8%B0%D8%A8
بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».
فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.
مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.
لحظات إنسانية
> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟
- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.
> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.
- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.
نحو المجهول
> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟
- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.
> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟
- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.
> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟
- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.
ضحايا
> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟
- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.
> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟
- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.