* توجد حماية متعددة لكل سر من أسرار كل دولة. وتوجد حماية أمنية للوزارات والمقرات الحكومية والمؤسسات الرسمية والسفارات في كل دولة. وتذود عن المنشآت العسكرية طوابير الأسلحة الرادعة. أما الحدود المشتركة بين الدول فهي مراقبة ومنظّمة قدر الإمكان ما دامت الظروف الأمنية تستدعي ذلك. كل هذا مشروع بالطبع وضروري في عالم غير آمن كالذي نعيشه.
* لكن، وللأسف الشديد، ليس هناك حماية للفن وللثقافة. الخطر الذي يهددها ليس من قوى أجنبية أو من جواسيس دول معادية بل من أطماع الباحثين عن الثراء في كل شبر وتحت كل حجر وأي فرصة لتحقيق ثروة ما بتوظيف المعطيات المتوفرة أمر ممكن بصرف النظر عن الضرر الجسيم الذي سيحيق بالسينما ذاتها.
* قبل خمس سنوات حاولت بعض الاستوديوهات في هوليوود تمرير خطّة مفادها عرض الأفلام للزبائن في منازلهم بصورة مباشرة. تشتري على الإنترنت رسم دخولك فيُبث لك الفيلم الذي لم يرَ نور الصالات السينمائية بعد. حينها وقفت صالات السينما ضد هذا المشروع بحزم فارتدت الاستوديوهات عنه.
* الآن هناك خطة موازية يشترك فيها مستثمرون مفادها تشجيع الاستوديوهات على إعادة الكرّة وبحزم أعلى. وتقتضي الخطة بأن تقوم شركة ما بشراء حقوق بث الفيلم الجديد بخمسين دولارًا للفيلم في العرض الواحد مباشرة إلى المنازل. المختلف الوحيد هو أن البث سيوازي خروج الفيلم إلى صالات السينما ولن يسبقه.
* الشركة، واسمها «سكرينينغ روم»، ستمنح الاستوديو (منتج وموزع الفيلم) 20 في المائة وتحتفظ بـ10 في المائة. الباقي يُوزّع كمصروفات ورسوم مختلفة. ولأجل طمأنة أصحاب الصالات فإن الشركة ستوزع لكل مشترٍ للبث تذكرتين مجانيّتين إذا ما أراد مشاهدة الفيلم في الصالة أو إهداء التذكرتين إلى شخصين آخرين.
* كل هذا يهدم السينما التي قامت منذ ولادتها على مثلث محكم: الفيلم المنتج - صالة العرض - الجمهور. الآن بتنا في عصر يريد ضرب صالة العرض عبر استبدال بدائل منزلية بها. بذلك يتم ضرب العادة الجماهيرية المحببة بالذهاب إلى صالات السينما كالمكان المثالي الوحيد لمشاهدة فيلم ما.
* وطوال عمر السينما كانت هناك أفلام رديئة، لكنها لم تصرف الجمهور عن صالات السينما أو ريادتها. ما فعل هو الحفر في أسس جديدة لنسف العلاقة. لا. لن يتحسن مستوى الأفلام مطلقًا، بل سيزداد سوءًا. ولن يكون هناك رقيب أو ناقد سينمائي يغرف مما في السوق من أعمال. بل سينشأ جيل جديد بلا سياج معتقدًا أنه في عالم متقدّم ورثه عن مدعين. لكن العكس هو الصحيح.