لبنانيون شيعة يرفضون مشروع «حزب الله» وأخذ طائفتهم رهينة خياراته

بعدما لاحظوا أن علاقتهم الاجتماعية مع محيطهم العربي باتت في خطر

لبنانيون شيعة يرفضون مشروع «حزب الله» وأخذ طائفتهم رهينة خياراته
TT

لبنانيون شيعة يرفضون مشروع «حزب الله» وأخذ طائفتهم رهينة خياراته

لبنانيون شيعة يرفضون مشروع «حزب الله» وأخذ طائفتهم رهينة خياراته

أطلقت شخصيات شيعية لبنانية مستقلة صرخة عالية النبرة، رفضت فيها مشروع «حزب الله» وإيران، ومحاولتهما فصل الشيعة اللبنانيين عن عروبتهم. وبرأت نفسها من كل حس مذهبي يريد إلحاق الشيعة بمشاريع إقليمية على حساب نظام المصالح الوطني أو العربي، وأكدوا أن «الشراكة في الوطن لا تقوم بالإكراه ولا بالكيديّة السياسيّة»، مجددين التزامهم بـ«مشروع بناء الدولة الوطنية كخيار استراتيجي وثابت»، معتبرين أن «أي مساس أو تهديد لأي معارض أو مكوّن لبناني هو تهديد لوحدة لبنان وإساءة إلى التضامن العربي الذي يقوم على وحدة الآلام والآمال».
صرخة المستقلين الشيعة جاءت في بيان أصدروه أول من أمس، رفضًا لممارسات «حزب الله» وهيمنته على الطائفة الشيعية وجعلها رهينة خياراته ومشروعه الإقليمي. وقالوا إن «استخدام بعض اللبنانيين الشيعة لاسم القدس وتعبيد طريقها بالدم لتقديس حربه في سوريا، مرفوض ومُدان، وكان بيان السيّدين (محمد حسن الأمين وهاني فحص) واضحًا في هذه الإدانة منذ العام 2012». الناشط السياسي الشيعي مصطفى فحص المعارض لـ«حزب الله» أكد أن البيان يعبّر عن «المفاهيم السياسية لدى آلاف المثقفين الشيعة، الذي يستشعرون اليوم الخطر الذي بدأ يعمّ المجتمع الشيعي ككل، نتيجة سياسة (حزب الله) في المنطقة». وأوضح فحص في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «العلاقة الاجتماعية لشيعة لبنان مع محيطهم العربي باتت في خطر، لأن (حزب الله) مصرّ على أن يأخذهم إلى عداء مع المحيط، في حين أن أصل المذهب الشيعي هو عربي ونجفي فقهيًا واجتماعيًا». ورأى أن «من صادر موقف الشيعة وصل اليوم إلى عمق الأزمة ويحاول أن يأخذهم رهينة في مواجهته». أضاف فحص: «نرفض التعاطي مع الشيعة إلا كمكون عربي، وبالتالي يجب الفصل بين الشيعة وسياسة (حزب الله) كما الفصل بين اللبنانيين عمومًا و(حزب الله)»، لافتًا إلى أن «المشروع الإيراني يحاول أن يخرج من أزمته ويحاول أخذ الشيعة بجريرته، وهذا النداء ليس نداء أشخاص قلائل، إنما يعمّ المجتمع الشيعي الذي يتحسس أكثر من غيره خطر مشروع إيران و(حزب الله) في المنطقة».
فحص دعا الدولة اللبنانية إلى «دعم تيار الاعتدال عند الطائفة الشيعية كما عند الطوائف اللبنانية الأخرى»، لكنه لفت إلى أن «الخصوصية الشيعية تتطلب فدائيين يقولون كلمتهم ويفضحون مشروع (حزب الله)»، مؤكدًا أنه «ليس مطلوبًا من الشيعة المغلوبين على أمرهم مواجهة (حزب الله)، بل المطلوب منهم أن يتهيأوا لأخذ القرار». وفي رفض واضح للتفرّد بالقرارات التي تضع شيعة لبنان خارج المنظومة العربية، أكد بيان الشخصيات المستقلّة، أن «الشيعة في لبنان ما كانوا يومًا إلا مع العروبة ومع المصلحة العربيّة العليا، والواقعيّة السياسية والحضارية تقتضي منهم اليوم أكثر من أي وقت مضى، الحفاظ على مكونات الوحدة الاجتماعيّة اللبنانية واستقرارها في دول الخليج».
وقال البيان: «نستنكر التصوّر الذي يقول إن الدفاع عن الشيعة هو بخرق التضامن العربيّ، لأن الدفاع عن أي فئة لبنانية، مهما كان انتماؤها، لا يكون إلا بالتكافل والتضامن مع مكونات لبنان كلها، فالشيعة أساس في هذه المكوّنات، ويدكون أن نهضة العالم العربي لا تقوم على مفاهيم الفئوية والأقلوّية، إنما على أساس المواطنية والحرية وحماية التنوع»، معلنين إدانتهم الواضحة لـ«استخدام تمثيل المذهب الشيعي بهدف خطف القرار اللبناني». البيان حذّر من «التمادي في استثمار هذا الحس المذهبي لاستجلاب اللهيب السوري والمنطق الدواعشي إلى داخل البيت اللبناني، خصوصًا بعد اتضاح التفاهم الروسي – الأميركي على التقسيم الفيدرالي لسوريا ومكوناتها بتنسيق روسي – إسرائيلي مُعلن». وأضاف: «إننا نؤكد على البعدين الوطني والعربي على اعتبارهما منهجًا سار عليه علماؤنا من العلاّمتين عبد الحسين شرف الدين والسيد محسن الأمين، إلى السيد موسى الصدر، وليس آخرهم الشيخ محمد مهدي شمس الدين، في ترسيخ الكيانية اللبنانية والانتماء العربي».
وشددت الشخصيات الشيعية على أن «(حزب الله) سيتنبّه متأخرا، إلى أن مصدر قوّته كان دائمًا في احتضان العمق العربي لخيار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وسيكتشف أنّ آلاف الصواريخ لن توفر له الطمأنينة التي كان عليها غداة تحرير لبنان في العام 2000». وختم الشيعة المستقلون بيانهم بالقول: «نهيب بكل الشيعة العرب في لبنان والمنطقة إلى سماع صوتنا وتفهّم موقفنا، فالدور الشيعي لا يكون بالتكتلات المذهبية، إنما بالتفاعل الحي الصادق والحضاري مع مكونات الدولة الوطنية، ومن ضمن نظام مصالح عربي واقعي وموضوعي. اللهم إنّا قد بلّغنا».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم