تبدل أجندات «حزب الله» يدفع مؤيديه وكوادره إلى التخلي عنه

قيادي سابق لـ «الشرق الأوسط»: الحزب كان يعتبر النظام السوري «العدو الذي لا يقاتل»

عسكريون تابعون لحزب الله يرفعون اعلام الحزب أثناء تشييع أحد قتلاه في سوريا في مدينة النبطية الجنوبية (أ.ف.ب)
عسكريون تابعون لحزب الله يرفعون اعلام الحزب أثناء تشييع أحد قتلاه في سوريا في مدينة النبطية الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

تبدل أجندات «حزب الله» يدفع مؤيديه وكوادره إلى التخلي عنه

عسكريون تابعون لحزب الله يرفعون اعلام الحزب أثناء تشييع أحد قتلاه في سوريا في مدينة النبطية الجنوبية (أ.ف.ب)
عسكريون تابعون لحزب الله يرفعون اعلام الحزب أثناء تشييع أحد قتلاه في سوريا في مدينة النبطية الجنوبية (أ.ف.ب)

محطات كثيرة مرّ بها «حزب الله» منذ تأسيسه لغاية اليوم. فالحزب الذي كان محط أنظار ودعم ليس فقط اللبنانيين بل العرب في محاربته إسرائيل بدأ يتحوّل إلى أداة لتنفيذ المشاريع الإيرانية، وهو ما أعلنه صراحة أمينه العام حسن نصر الله بالقول: «أنا جندي في ولاية الفقيه».
لكن صورة «الحزب المقاوم» التي بدأت تهتز لبنانيا منذ ما بعد عام 2000، يوم تحرير الجنوب، لم تقتصر على ما يعرفون بمعارضي الحزب، فالصرخة بدأت تسمع من داخل البيت الواحد، إذ إن حالة التململ في أوساط المجتمع الشيعي بشكل عام وبيئة «حزب الله» بشكل خاص تعدتها في بعض الأحيان إلى «انشقاقات» قام بها في السنوات الأخيرة ممن كانوا يعرفون بدفاعهم الشرس عن الحزب، وبعضهم كان قد عمل في مرحلة معينة ضمن صفوف الحزب وبين مقاتليه.
ظاهرة الأصوات الشيعية المعارضة للحزب بدأت تتزايد تحديدا منذ ما بعد عام 2000، عام التحرير، لتتصاعد حدّتها في عام 2005، على وقع التحركات الشعبية غداة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، ومن ثم عام 2008، بعد ما عرف بـ«أحداث 7 آذار» حين اجتاح الحزب العاصمة بيروت ومناطق في جبل لبنان، بينما شكلت الأحداث السورية ووقوف الحزب إلى جانب النظام السوري ومن ثم دخوله على خط المعركة، محطة مفصلية في مواقف عدد كبير من الشيعة الذي كانوا يقفون إلى جانب الحزب ومقاومته لإسرائيل. كذلك، فقد سجّل في السنوات الأخيرة ترك صحافيين شيعة لعملهم في مؤسسات إعلامية معروفة بسياستها القريبة من «حزب الله»، وانتقلوا للعمل في مؤسسات تنتمي سياسيا إلى الفريق المعارض.
ومن بين «المنشقين» عن «حزب الله»، الصحافي عماد قميحة الذي كان قد شغل لسنوات عدة قائدا في صفوف الحزب وقد وصف ارتكاباته الأخيرة في سوريا بـ«الخطأ الديني». ومنذ انطلاق الأزمة في سوريا اتخذ قميحة، ابن منطقة النبطية في الجنوب، موقفا مناصرا للثورة السورية، واعتبر أن تدخّل الحزب كان خطأً تاريخيًا ليس من الناحية العقائدية فقط بل والمصلحية أيضًا. وقميحة الذي كان قاتل إلى جانب «حزب الله» في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، كان قد اعتقل نحو سنة ونصف السنة في ما يعرف بـ«معسكر أنصار» في جنوب لبنان. وقد تدرّج في الحزب حتى أصبح مدرّبًا ثم مسؤولاً عسكريًا لمحور المقاومة الذي يشمل مجموعة من القرى الخاضعة لسيطرة الحزب.
تغيرات كثيرة جعلت قميحة يأخذ قرار مغادرة الحزب عام 1993، وتحديدا وفق ما يقول عندما بدأ الحزب يقترب من النظام السوري بإيعاز إيراني بعدما كان يعتبره «العدو الذي لا يقاتل». وهو منذ ذلك الحين يعمل مع عدد من الناشطين والسياسيين الشيعة المعارضين للحزب، وقد كان أحد أعضاء «تيار المواطن اللبناني» الذي أنشئ في مواجهة احتكار الحزب للتمثيل الشيعي. ويشير قميحة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك «معايير عدّة تجعل مؤيدي الحزب أو المقاتلين في صفوفه يعلنون انشقاقهم، بعضهم مثلا قد يطلق الصوت لأسباب متعلقة بالانحراف عن مبدأ (مقاومة إسرائيل)، وبعضهم الآخر يرتبط موقفهم باكتشافهم عدم صحة (المنهجية العقائدية) للحزب، بينما ينتقد آخرون خياراته السياسية وسلوكياته المباشرة التي تنعكس سلبا على مجتمعه، كالمخدرات وغيرها»، مضيفا: «على الصعيد الشخصي، بدأت المشكلة مع الحزب تنظيمية ومن ثم وصل الأمر إلى خلافي فكري وثقافي».
وبينما يقول قميحة إن شعار «المقاومة» يبقى هو الجاذب الأساسي الذي يتسلّح به الحزب والرافعة الأهم لجذب جماهيره، يلفت إلى أن دخول الحزب على خط الحرب السورية هو الذي أدى إلى زيادة الأصوات المعارضة من داخله وفي بيئته الحاضنة، إذ من وقف إلى جانب الحزب في محاربة إسرائيل لا بد أن يسأل اليوم: ماذا يفعل الحزب في حلب مثلا؟. ولا ينفي قميحة أن هناك حدودا لأي معارض لحزب الله لا يمكن تجاوزها مهما حاول رفع صوته خوفا من رد فعل الحزب، مؤكدا أنّ «هناك حالة من التململ والهمس في بيئة الحزب اعتراضا على سياسته في المرحلة الأخيرة، إنما ولأسباب مختلفة قد تحول دون إعلان البعض موقفهم الصريح، إذ وإضافة إلى الخوف من الضغوط التي قد تمارس ضدهم من قبل الحزب، هناك شبكة مصالح لها وقع كبير أيضًا في هذا الإطار، على سبيل المثال فإن أي شركة أو مؤسسة يرأسها معارض لن تلقى ترحيبا أو قبولا من بيئة الحزب».
ومثل قميحة، كذلك كان للمعارض الشيعي رامي عليق تجربة مماثلة مع حزب الله. عليق، ابن منطقة الخيام في جنوب لبنان انتظم في صفوف «حزب الله» عندما كان في سن صغير، وفي عام 1991 انتقل إلى بيروت حيث التحق في الجامعة الأميركية لدراسة الهندسة الزراعية، وأصبح أيضًا ممثل الحزب في الجامعة في عام 1992، لكنه عاد واستقال من منصبه في عام 1996. في عام 2008 نشر عليق، عبر منشورات طريق النحل، سيرته الذاتية في كتاب أطلق عليه اسم «طريق النحل - جمهورية رامي عليق»، راويا تجربته مع «حزب الله» ومغادرته له، ومنتقدا سياسته وتهديده للقمة عيش الناس. ويشرح عليق في كتابه كيف كان «حزب الله» يحاول منذ نشأته السيطرة على مفاصل الدولة، من خلال تجربته في صفوفه، وصولا إلى قراره بترك المهمة التي أوكلت إليه منتقلا إلى مهمة أوسع كمواطن لبناني تحت مظلة الدولة.
وإذا كان التململ في صفوف الحزب يبقى في أحيان كثيرة ضمن الدوائر الضيقة، لأسباب عدّة، منها متعلقة بمجتمع هؤلاء المعارضين والتهديدات التي قد يتعرضون لها من قبل «حزب الله»، فقد شكّلت وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة نافذة لبعض هؤلاء ولا سيما الشباب منهم، ليطلقوا عبرها صرخاتهم وانتقاداتهم لسياسة الحزب، بعدما بات في كل «بيت شهيد» نتيجة مشاركة الحزب في القتال بسوريا. وقد شكّل أخيرا، حساب على موقع «تويتر» حمل اسم «منشق عن حزب الله»، ويدعو عناصر الحزب للانشقاق وللتواصل معه إذا أرادوا ذلك نموذجا واضحا. وبينما لم تتضح لغاية الآن هوية صاحب الحساب الذي تجاوز عدد المتابعين له الـ114 ألفا، وعما إذا كان صحيحا أو مزيفا، لكنه وبلا شك كشف آراء كثيرين من بيئة «حزب الله» المعارضين له، والأمر نفسه يظهره حساب آخر حمل عنوان «أحرار حزب الله». ويبدو لافتا أسلوب التغريدات التي تكتب على هذا الحساب، لناحية انتقادها اللاذع لأمين عام الحزب وخطاباته وقناة المنار التابعة للحزب. ويتوجّه صاحب حساب «منشق عن حزب الله» إلى عناصر الحزب برسالة يقول فيها: «إلى كل مقاتل بحزب الله يرغب في الانشقاق بسبب أهوال الحرب السورية يتواصل معنا وسنؤمن خروجه من لبنان إلى بلد آمن ولائق له ولعائلته».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم