مصادر دبلوماسية في باريس: 3 عقبات ستواجهها مفاوضات جنيف إذا انطلقت

وزير خارجية فرنسا يطالب بأن تلعب أوروبا دورًا في الحل السياسي في سوريا

شاب من بلدة دوما القريبة من دمشق يعبر بدراجته المنطقة المدمرة بفعل غارات الطيران الحربي الكثيرة عليها (أ.ف.ب)
شاب من بلدة دوما القريبة من دمشق يعبر بدراجته المنطقة المدمرة بفعل غارات الطيران الحربي الكثيرة عليها (أ.ف.ب)
TT

مصادر دبلوماسية في باريس: 3 عقبات ستواجهها مفاوضات جنيف إذا انطلقت

شاب من بلدة دوما القريبة من دمشق يعبر بدراجته المنطقة المدمرة بفعل غارات الطيران الحربي الكثيرة عليها (أ.ف.ب)
شاب من بلدة دوما القريبة من دمشق يعبر بدراجته المنطقة المدمرة بفعل غارات الطيران الحربي الكثيرة عليها (أ.ف.ب)

يريد الاتحاد الأوروبي أن يكون له دور في سوريا لأن الحرب تصيبه أولا قبل أن تصيب الولايات المتحدة الأميركية أو روسيا، أقله في موضوعين اثنين: الإرهاب من جهة والهجرات الكثيفة من سوريا إلى بلدانه في غرب أوروبا وشمالها عبر «الممر البلقاني»، هذا ما أشار إليه وزير خارجية فرنسا جان مارك أيرولت أمس صراحة في حديث صحافي. فقد أعلن أيرولت الذي ذكر بالاجتماع الذي التأم في العاصمة الفرنسية يوم الجمعة الماضي وضمه إلى ثلاثة من نظرائه «وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وإيطاليا» فضلا عن «وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فدريكا موغيريني أن الأوروبيين» رغم كون اتفاق الهدنة قد أبرم مباشرة بين واشنطن وموسكو، فإنهم يريدون المشاركة في الحل السياسي، لأن سوريا بداية مسألة أوروبية بالدرجة الأولى. أما الطريق إلى ذلك، فيمر، وفق مصادر فرنسية رسمية، عبر ممارسة الضغوط السياسية ليس على واشنطن وحدها بل أيضا على موسكو للدفع باتجاه الاحترام الكلي لوقف الأعمال العدائية وإيصال المساعدات الإنسانية تمهيدا للعودة إلى محادثات «أو مفاوضات» جنيف.
بيد أن العودة إلى جنيف لا تعني بالضرورة أنها ستفضي هذه المرة إلى تحقيق تقدم ذي معنى رغم أنها تتم في ظروف أفضل من ظروف الجولة الأولى التي أجهضت سريعا. وتعتبر هذه المصادر المشار إليها أن أحد أسباب فشل «الجولة الأولى» بداية شهر فبراير (شباط) الماضي «تسرع» دي ميستورا في الدعوات وعدم توافر الشروط الضرورية لنجاح الحد الأدنى. وبالفعل، منذ اليوم الأول، احتدمت الخلافات بين المعارضة والنظام على تحديد الجهة التي تمثل المعارضة وعلى جدول الأعمال وعلى رفض النظام الامتثال لما يقتضيه القرار الدولي رقم 2254 في بنديه 12 و13 «وقف القصف ضد المدنيين، رفع الحصار وإيصال المواد الإنسانية..». ثم جاء الهجوم الكاسح المشترك من القوات الجوية الروسية وقوات النظام على حلب ومنطقتها ليقضي على آخر أمل بإنقاذ «جنيف 3» من الفشل الذريع.
أما اليوم، فإن الوضع مختلف إلى حد بعيد إذ إن الهدنة التي بدأن ليل 27 فبراير(شباط) الماضي، رغم الخروقات الكثيرة، أفضت إلى خفض جدي لمستوى العنف كما سمحت بإيصال المساعدات الإنسانية إلى الكثير من المناطق، فيما بقيت مناطق أخرى خاضعة للحصار الخانق. ولذا، يأمل دي ميستورا أن تسمح الجولة القادمة بالتطرق للب المسألة التي حددها بثلاثة ملفات: الأول، تشكيل حكومة جديدة. والثاني، التوصل إلى دستور جديد فيما الثالث إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية خلال 18 شهرا.
وترى المصادر الدبلوماسية في باريس أن ثلاث صعوبات ستقف عائقا دون إنجاز تقدم حقيقي في الجولة الجديدة من المحادثات غير المباشرة التي يأمل المبعوث الدولي أن يحولها إلى مفاوضات بالمعنى الكلاسيكي للكلمة. وتكمن الصعوبة الأولى في الفقرة 7 من القرار 2268 الذي تبنى القرار الروسي - الأميركي لوقف الأعمال العدائية التي جاء فيها أن المجلس يطلب من المبعوث الدولي أن «يستأنف في أقرب وقت المفاوضات الرسمية بين ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة» برعاية الأمم المتحدة.. والمشكلة هنا أن القرار يشير إلى «المعارضة» بشكل عام ولا يحدد الجهة التي تمثلها وخصوصا لا يشير إلى «الهيئة العليا للمفاوضات» المنبثقة عن مؤتمر الرياض في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما يعني أن الباب فتح مجددا أمام النظام لافتعال مشكلة جديدة، والحديث عن «معارضات» وليس عن معارضة واحدة. ولذا، فإن مسألة تمثيل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وذراعه العسكرية «وحدات حماية الشعب» وتمثيل المعارضين المقربين من روسيا الذين شاركوا في مؤتمري القاهرة وموسكو، ستعود إلى الواجهة منذ اليوم الأول.
هذه المسألة تعد، رغم بعدها السياسي الواضح، إجرائية. لكن الخلاف الحقيقي سيبدأ إذا ما تم العمل بخطة دو ميستورا كما عرضها بدءا بتشكيل «حكومة جديدة». والحال، أن الفقرة الأولى من قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في 18 ديسمبر لا يتحدث عن حكومة جديدة بل يقول الآتي: «يؤكد المجلس من جديد تأييده لبيان جنيف وبياني فيينا في إطار السعي لكفالة التنفيذ الكامل لبيان جنيف كأساس لانتقال سياسي بقيادة سوريا وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها..». والأسبوع الماضي، أعلنت الهيئة العليا للمفاوضات أن ما تريده ليس حكومة جديدة بل إقامة «هيئة حكم انتقالي» وفق بيان جنيف وهو بالطبع ما يرفضه النظام السوري. أما في حال عمد دي ميستورا إلى إقناع المعارضة بأن المشكلة تكمن في التسمية وليس في شيء آخر، فعندها ستبرز، وفق المصادر المشار إليها، صعوبة إضافية تتناول صلاحيات الحكومة الجديدة ومدى امتلاكها ناصية القرار. ولكن قبل ذلك ستظهر على الطاولة مشكلة دور الرئيس السوري، إذ إن المعارضة ترى أنه يتعين عليه ترك السلطة مع بدء المرحلة الانتقالية، وهو الموقف الذي تتبناه المملكة السعودية وتركيا وتقترب منه بعض الدول الأوروبية التي لا تفهم معنى الانتقال السياسي مع بقاء الأسد. وترى هذه الجهات أن بقاء الأسد ممسك بالأجهزة الأمنية وبقيادة الجيش وبمفاصل السلطة الأخرى يعني أنه لا شيء قد تغير وهو ما سترفضه المعارضة بكل تأكيد.
ربما تكون هذه الاعتبارات من باب «وضع العربة قبل الحصان». والحال أن الأهم اليوم، كما يقول وزير الخارجية الفرنسي وأطراف أخرى، هو تثبيت الهدنة الهشة والاستمرار في إيصال المساعدات شرطا للوصول إلى المفاوضات لأن «الحل السياسي» هو الوحيد الممكن للحرب في سوريا. أما الاقتراحات الأخرى مثل إيجاد منطقة آمنة تتيح تجميع اللاجئين والنازحين السوريين داخل حدود البلاد وليس في مخيمات خارجها، فيرى أيرولت أنها غير ممكنة «لأنه لا توجد ضمانات بعدم تعرضها لضربات عسكرية». وتلخص المصادر الدبلوماسية الوضع الراهن بالقول إنه مع انطلاقة المفاوضات الفعلية «ستبدأ الصعوبات الحقيقية لكن لا مفر من مواجهتها».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.