مودي يواجه أكبر أزمة سياسية بسبب حرية التعبير

مظاهرات في جل جامعات الهند اتهمت السلطات بسحق المعارضة

الرئيس الهندي  ناريندرا مودي (إ.ب.أ)
الرئيس الهندي ناريندرا مودي (إ.ب.أ)
TT

مودي يواجه أكبر أزمة سياسية بسبب حرية التعبير

الرئيس الهندي  ناريندرا مودي (إ.ب.أ)
الرئيس الهندي ناريندرا مودي (إ.ب.أ)

تشهد الهند واحدة من أكبر الأزمات السياسية داخل جامعاتها، ما قد يهدد بتحويلها إلى ساحة معارك جديدة للانقسامات الاجتماعية والسياسية، وذلك بعد أن تسبب الاتهام بالعصيان الموجه إلى أحد الطلاب ليس في إشعال الاحتجاجات، وتجديد الجدل حول حرية التعبير في الهند فحسب، بل وضع أيضا حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي في مواجهة اتهامات بسحق أصوات المعارضة، وبث التعصب منذ وصول حزب «بهاراتيا جاناتا» للسلطة في 2014.
وتفجرت أحداث العنف عندما تم اعتقال كانهايا كومار، رئيس اتحاد طلاب جامعة جواهر لال نهرو، على صلة بمظاهرة وصفتها السلطات بأنها «غير وطنية». وقد تم تنظيم مسيرة داخل الحرم الجامعي لإحياء ذكرى إعدام أحد دعاة انفصال إقليم كشمير في 2013. الذي كان أدين لدوره في الهجوم على البرلمان الهندي في 2001.
وسرعان ما أشعل اعتقال كومار جدلا سياسيا كبيرا في البلاد، كما زار الكثير من زعماء المعارضة حرم جامعة جواهر لال نهرو تضامنا مع الطلاب المحتجين على قمع الشرطة. وقد أثارت عملية الاعتقال ردا سياسيا محتدما. فمن ناحية يبرر أنصار الحكومة عملية التوقيف، وينعتون من يدافعون عن حق كومار في التعبير عن آرائه بحرية بـ«الخونة»، بينما يتهم الليبراليون الحكومة بقمع المعارضة.
وفي هذا السياق وصف كاتب العمود براتاب بهانو مهتا التحرك الحكومي بأنه «عمل ديكتاتوري»، وقال: إن «القبض على كناهيا كومار وقمع المعارضة السياسية في جامعة جواهر لال نهرو يوحيان بأننا نعيش في عهد حكومة مسيئة، تعوزها الكفاءة على الصعيد السياسي. وهي تستخدم المشاعر القومية لسحق الوطنية الدستورية، والاستبداد القانوني لسحق المعارضة، كما تستخدم السلطة السياسية لتسوية الحسابات، وتلجأ للسلطة الإدارية لتدمير المؤسسات».
وفي حين أن نصف سكان الهند، البالغ تعدادهم 1.25 مليار نسمة دون سن الـ25، فإن 65 في المائة من السكان في سن 35 عاما، أو أقل، ولذلك كانت أصوات الشباب حاسمة بالنسبة إلى تشكيل حكومة أغلبية، وذلك لأول مرة منذ 25 عاما؛ ما منح التحالف الديمقراطي الوطني، بقيادة حزب بهاراتيا، أغلبية 335 مقعدا في الانتخابات العامة التي أجريت في 2014. وبعد عامين على تصويت غالبية الشباب لحزب بهاراتيا اليميني، توحي المقاومة الفعالة داخل الجامعات في أنحاء البلاد بأن الشباب يمثلون قوة سياسية أكثر فعالية مما كان متوقعا.
وبعد اعتقال كومار انتقلت الاحتجاجات إلى الكثير من الجامعات والكليات الأخرى في أنحاء الهند، مع تنظيم الطلاب والمحاضرين مسيرات لإدانة اعتقال كومار، الذي عاد إلى الحرم الجامعي وسط جو احتفالي، بعدما أمرت محكمة دلهي العليا بإخلاء سبيله بكفالة.
ويرى محللون أن الفارق ما بين ناريندرا مودي وراهول غاندي لم يكن واضحا مثلما هو الآن، فإذا كان مودي يعتبر مشاكسا وفاعلا، فقد كان راهول يتهم بكونه سياسيا حالما ومتخبطا وغير واقعي. وكانت النتيجة حصول المؤتمر الوطني الهندي على أقل عدد من المقاعد في البرلمان (44) يحصل عليه منذ الاستقلال. لكن اليوم مر راهول باعتباره زعيم المعارضة، بعملية تحول لافتة، وهو مستعد إلى أن يتواجد أينما استلزم الأمر، وقد ساند حركة الطلاب بشكل كبير.
ويرى منتقدو مودي كشخصية مثيرة للاستقطاب، وهو متهم بزيادة مشاعر التعصب الطائفي وأن لديه ميولا سلطوية. كما تواجه الحكومة اتهامات بمحاولة قمع حرية التعبير، وغض الطرف عن المتطرفين القوميين الذين يعملون على ترهيب منتقدي حزب بهاراتيا.
فيما تدور تكهنات في أوساط منتقدي مودي بأن صمته عن الأزمات الخطيرة، وتحديدا الهجمات على المسلمين أو الليبراليين باسم القومية الهندية والأصولية الهندوسية، يعني أنه متضامن مع تلك التصرفات.
فقد كان مودي في سنوات شبابه ناشطا بمنظمة المتطوعين القوميين اليمينية، وهي بمثابة المنظمة الدينية الأم لحزب بهاراتيا، وهدفها المزعوم الحفاظ على القيم الهندوسية وفرض أجندة محافظة. لكن أحدث استطلاع للرأي صدر عن مؤسسة «إنديا توداي غروب» يعكس إحباطا متناميا حيال قدرة حكومة مودي على الوفاء بالتزاماتها. كما يؤكد أنه لو أجريت الانتخابات اليوم فإن التحالف الوطني الديمقراطي لن يحصل سوى على 286 مقعدا.
وفي الوقت ذاته، قالت الصحافية التلفزيونية المرموقة برخا دات إن حكومة مودي أدخلت نفسها في معركة مؤسفة مع الطلاب في جامعات البلاد، وإن صمته إزاء الكثير من القضايا السياسية الأخيرة سوف يضر برئيس الوزراء، وأضافت دات موضحة «يمثل الجدل الدائر بشأن أحداث جامعة نهرو مثالا جيدا على ما نشهده من استقطاب لا داعي له في هذا البلد».
ويرى عدد من الأساتذة بجامعة جواهر لال نهرو أن حكومة مودي تميل نحو تبني خط يميني في الأيام الأخيرة، وذلك بهدف تحويل الاهتمام بعيدا عن أوجه القصور في أدائها على الصعيد الاقتصادي، ومن ثم سعت إلى استمالة العناصر المتطرفة في منظمة المتطوعين القوميين، وبدء استراتيجية تقوم على الاستقطاب الاجتماعي وهيمنة الأغلبية.
وفي هذا السياق يقول أجاي باتنايك، رئيس رابطة الأساتذة بجامعة جواهر لال نهرو «تشعر حكومة مودي بأن طلاب جامعة نهرو عديمو الوطنية. لكن القضية المهمة هي استقلالية الحرم الجامعي، وهي هدف مرغوب في أي مجتمع ديمقراطي حديث».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».