تقدم ترامب يربك الحزب الجمهوري.. ويهدد بتعميق الانقسامات

السياسيون الأوروبيون يقارنون بين صعوده وتزايد شعبية اليمين المتطرف في القارة العجوز

مؤيدو المرشح الجمهوري تيد كروز خلال خطابه في تكساس الثلاثاء الماضي (إ. ب. أ)
مؤيدو المرشح الجمهوري تيد كروز خلال خطابه في تكساس الثلاثاء الماضي (إ. ب. أ)
TT

تقدم ترامب يربك الحزب الجمهوري.. ويهدد بتعميق الانقسامات

مؤيدو المرشح الجمهوري تيد كروز خلال خطابه في تكساس الثلاثاء الماضي (إ. ب. أ)
مؤيدو المرشح الجمهوري تيد كروز خلال خطابه في تكساس الثلاثاء الماضي (إ. ب. أ)

أدخل الفوز الذي حققه دونالد ترامب في الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية الحزب الجمهوري في حالة ارتباك، فيما التف الديمقراطيون حول هيلاري كلينتون، المرشحة الأوفر حظا في حزبهم لخوض السباق الرئاسي بعد تقدمها البارز في عمليات اقتراع «الثلاثاء الكبير».
وحقق المرشحان الجمهوري والديمقراطية الثلاثاء الماضي فوزا واضحا في الانتخابات التمهيدية التي جرت في 12 ولاية. وتعتبر هذه الانتخابات نقطة مفصلية في مسار السباق لخلافة الرئيس باراك أوباما. وفاز ترامب في سبع من الولايات الـ11 التي صوتت للجمهوريين، وتمكن من إضعاف أبرز منافسيه تيد كروز وماركو روبيو، من دون إخراجهم من المنافسة. فيما لمح جراح الأعصاب المتقاعد بن كارسون إلى احتمال انسحابه من السباق، قائلا أول من أمس: «لا أرى طريقا سياسيا للاستمرار بعد نتائج الانتخابات التمهيدية». وفي حال انسحاب كارسون رسميا، سيبقى ترامب في مواجهة ثلاثة مرشحين، هم كروز وروبيو وحاكم أوهايو جون كاسيك.
من جهتها، فازت كلينتون على غرار ترامب في سبع ولايات أمام منافسها بيرني ساندرز لتنتصر في تحدي كسب أصوات اليسار. وفيما رسخت كلينتون مواقعها قبل الجولة الجديدة من الانتخابات التمهيدية في 15 مارس (آذار)، تعمق الانقسام في صفوف الجمهوريين بسبب نجاح ترامب في حشد أصوات الناخبين المستائين من سياسات واشنطن، لكنه فتح جروحا في قضايا العرق والاتنية والمساواة بين الجنسين.
وبينما انتصر الملياردير البالغ من العمر 69 عاما على المرشحين المفضلين للحزب، حذرت شخصيات بارزة من الجمهوريين من احتمال تفكّك الحزب في حال أصبح ترامب المرشح الرسمي للحزب الجمهوري لخوض السباق. وقالت حاكمة نيوجيرسي السابقة، كريستين تود ويتمان، للإذاعة العامة «أعتقد أن هذا احتمال فعلي». وأضافت: «هناك أشخاص كثيرون لا يرون أنفسهم يدعمون ترامب. فزعيم الغالبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي يقول للمرشحين في مجلس الشيوخ: إذا كانت هذه المسألة تطرح مشكلة بالنسبة لكم، فعبروا عن موقفكم ضده حتى لو كان مرشح حزبكم لخوض السباق الرئاسي».
وقال نورمان أورنستاين من مركز «أميركان إنتربرايز إينستيتيوت» للأبحاث لوكالة الصحافة الفرنسية إنه «كلما اعترضت النخبة على دونالد ترامب، ساعده ذلك، لأن المعترضين أشخاص لا تحترمهم القاعدة (الناخبين)». وركز روبيو وكروز حملتيهما على الناخبين الجمهوريين الراغبين في وقف صعود ترامب.
وفي انتخابات «الثلاثاء الكبير» التمهيدية، فاز كروز بولاية تكساس التي تضم عددا كبيرا من المندوبين، وأوكلاهوما وألاسكا. وسجل أداء أفضل من روبيو الذي فاز فقط في مينيسوتا. لكن هذه المكاسب لم تبدد قلق شخصيات بارزة في الحزب الجمهوري تتخوف من أن يتجه الحزب إلى هزيمة كبرى في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني). وجاء في نشرة سياسية تصدرها جامعة فرجينيا أن «سعادة دونالد ترامب تكمن في معارضة منقسمة. ولقد نال ذلك تماما، والأمور لن تتغير في الوقت الراهن».
وحقق ترامب فوزا واسعا من ألاباما وجورجيا إلى الجنوب، وصولا إلى ماساشوستس في شمال شرقي البلاد وولاية فرجينيا. وفي خطاب فوزه الثلاثاء، حاول ترامب مد اليد إلى قادة الحزب، وقال: «أعتقد أننا سنكون موحدين أكثر، وسنكون حزبا أكبر بكثير». لكن بعد ساعات، استأنف هجماته اللاذعة المعتادة. وكتب الأربعاء في تغريدة على تويتر حيث لديه 6.5 مليون متتبع «مني ماركو روبيو بهزيمة كبرى الليلة الماضية. تمكنت من هزمه حتى في فرجينيا، حيث أمضى الكثير من الوقت وأنفق الكثير من المال». وأضاف: «الآن رؤساؤه يائسون وغاضبون!».
واستغل كروز فوزه في بعض الولايات ليؤكد أنه الجمهوري الوحيد القادر على هزم ترامب. وقال بعد تقدمه في مينيسوتا: «للمرشحين الذين لم يحققوا فوزا في أي ولاية بعد، ولم ينالوا عددا كبيرا من المندوبين، أدعوكم إلى الوحدة».
وبعد أدائه المخيب للآمال، أنهى روبيو نهاره في فلوريدا التي يتحدر منها، والتي تصوت في 15 مارس (آذار)، ضمن الجولة الجديدة من الانتخابات التمهيدية. وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أن «الجمهوريين يتخبطون الآن في تداعيات أخطائهم، وعلى الديمقراطيين اقتناص الفرصة لكي يقدموا للأميركيين بديلا عن سياسة ترامب القائمة على الغضب، وصورة عن أنفسهم تبعث على الفخر وليس التراجع».
على صعيد متّصل، تتصرف أوروبا بارتباك حيال ترشيح دونالد ترامب إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكن تقدمه الأخير في السباق إلى البيت الأبيض يشكل تحذيرا للأحزاب التقليدية التي تواجه صعود الشعبويين في القارة العجوز.
وانغمس وزير الخارجية الألماني فرانك - فالتر شتاينماير الذي قام بزيارة لواشنطن، الثلاثاء في الحملة الانتخابية الأميركية بخطاب استهدف بكل وضوح ترامب الذي يعتبر الأوفر حظا حتى الآن في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. وقال شتاينماير أمام طلاب جامعيين في واشنطن: «تشهد بعض الأمور زخما في سياساتنا الداخلية في ألمانيا وفي أوروبا. وكي أكون نزيها، ألاحظ هذا الأمر هنا أيضا في الولايات المتحدة خلال حملة الانتخابات التمهيدية، إنها سياسة الخوف».
من جهتها، تردد الصحافة الأوروبية أيضا أصداء هذه المخاوف كلما أصبحت فرضية فوز الملياردير الأميركي ملموسا خصوصا بعد نتائج «الثلاثاء الكبير». وكتب مارتن وولف بهذا الصدد في مقاله بصحيفة «فايننشال تايمز»: «دونالد ترامب في البيت الأبيض؟ سيكون ذلك (كارثة كونية)»، وأضاف أن ترامب «معاد للأجانب وجاهل»، مقارنا بين صعود الملياردير الأميركي وسقوط الإمبراطورية الرومانية وحتى صعود هتلر. وربطت الصحافة الفرنسية التي أعربت بالإجماع عن قلقها حيال صعود ترامب، هي أيضا بين النجاحات الانتخابية الأخيرة لليمين المتطرف في فرنسا وبين صعود الشعبويين في أوروبا. وكتبت صحيفة «لو باريزيان» أنه في فرنسا «نحب أن نسخر من دونالد ترامب»، ولكن «إذا كان من الجيد أن نضحك فمن المفيد أيضا أن نفتح أعيننا». وأضافت أن «ترامب يندد بالنخب، ويتهم المهاجرين بأنهم وراء كل الأعمال السيئة ويقدم وعودا واهية للبيض الصغار. إنها نغمة شعبية معروفة في هذه الضفة من المحيط الأطلسي. وأخيرا فهو مقلق أكثر مما هو مضحك».
من ناحيتها، قالت صحيفة «لو فيغارو» المحافظة إن «ترامب وعلى طريقته ينذر بما هو قادم». وأضافت: «ينبغي تذكير النخب السياسية الأوروبية، بأنه من الخطر أن ننسى لغة الذين انتخبوهم». وندد الكثير من المسؤولين السياسيين الفرنسيين من اليمين واليسار، بمواقف الملياردير الذي تلقى دعم الرئيس السابق للجبهة الوطنية الفرنسية، جان ماري لوبان. وقال لوبان في تغريدة على تويتر «لو كنت أميركيا لصوت لدونالد ترامب».
بدورها، اعتبرت صحيفة «دي فلت» الألمانية أن ترامب هو في النهاية الصيغة الأميركية لصعود اليمين المتطرف والشعبويين في أوروبا، وهو يمثل «رغبة الانتقام من النخب المتعالية». وقالت إن «ترامب ولوبان و(فروكي) بيتري (زعيم الحزب الشعبوي الألماني «آي أف دي»)، وكل الآخرين يتشابهون في نرجسيتهم التي تعيش على الضوضاء ومرض الديماغوجية».
وساهمت تصريحات ترامب التي اقترح فيها منع المسلمين «مؤقتا» من الدخول إلى الولايات المتحدة نهاية 2015 في زيادة القلق في أوروبا حيال المرشح الجمهوري. وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن «هذه التصريحات هي سخيفة ومغلوطة ولو صدرت من بلدنا، لكنّا توحدنا ضده».
واعتبرت صحيفة «الغارديان» أن ترامب والذين يناضلون من أجل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي من خلال الاستفتاء حول هذه المسألة المقرر في 23 يونيو (حزيران) هم «من الطينة نفسها».



بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
TT

بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، إلى كولومبيا في مستهل جولة تشمل أيضاً تشيلي والبيرو، في محاولة لترسيخ شراكات الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية التي تعد فناءها الخلفي الجيوسياسي، في مواجهة الطموحات الصينية المتزايدة في منطقة شهدت انتخاب عدد من الرؤساء اليساريين أخيراً.
وخلال جولته التي تستمر أسبوعاً في الدول الثلاث، سيحضر كبير الدبلوماسيين الأميركيين أيضاً قمة وزارية. ويقر المسؤولون في واشنطن بأن هناك ضرورة لإظهار اهتمام الولايات المتحدة بجيرانها الجنوبيين، «باعتبارهم أولوية سياسية رغم التركيز على قضايا جيوسياسية كبرى، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، وتهديد الصين لتايوان». وتأمل إدارة الرئيس جو بايدن في أن يحافظ الزعماء اليساريون الجدد في أميركا اللاتينية «على نهج صديق للمشروعات الحرة وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وألا يجنحوا إلى الشغب الآيديولوجي في حكمهم».
وأفاد مساعد وزير الخارجية الأميركي براين نيكولز، في إحاطة للصحافيين، بأن بلينكن يزور ثلاث دول «كانت منذ فترة طويلة شريكة تجارية حيوية للولايات المتحدة، ولديها اتفاقات تجارة حرة مع الولايات المتحدة (…). نحن نركز على تعزيز علاقاتنا مع تلك الحكومات». وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، أن بلينكن سيلتقي في بوغوتا الرئيس اليساري غوستافو بيترو، وهو متمرد سابق، ووزير الخارجية ألفارو ليفا لمناقشة الأولويات المشتركة بين البلدين، بما في ذلك «الدعوة إلى ديمقراطيات قوية في كل أنحاء المنطقة، ودعم السلام والمصالحة المستدامين، والتصدي للهجرة غير النظامية كأولوية إقليمية، ومكافحة الاتجار بالمخدرات، وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، ومعالجة أزمة المناخ».
وأضافت أن بلينكن سيجدد دعم الولايات المتحدة لاتفاق السلام الكولومبي لعام 2016 خلال مناسبة مع نائبة الرئيس فرانسيا ماركيز، على أن يزور مركزاً لدمج المهاجرين في سياق دعم سياسة الوضع المحمي المؤقت في كولومبيا للمهاجرين الفنزويليين، الذي يعد نموذجاً في المنطقة. وكان بيترو، سخر خلال حملته، من الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على المخدرات، معتبراً أنها «فاشلة»، علماً بأن هذه الدولة في أميركا الجنوبية هي أكبر منتج للكوكايين في العالم، ولطالما واجهت ضغوطاً من واشنطن للقضاء على محاصيل المخدرات. كما تحرك بيترو لإعادة التعامل دبلوماسياً واقتصادياً مع حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، رغم جهود الولايات المتحدة لعزل الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك).
واستخدم مسؤولو إدارة بايدن نبرة تصالحية في الغالب حيال بيترو، مركزين على مجالات الاتفاق في شأن قضايا مثل تغير المناخ واستشهدوا بمناشداته لمادورو للعودة إلى المحادثات مع المعارضة الفنزويلية. وفيما يتعلق بدعوات بيترو لإنهاء الحرب على المخدرات، قال نيكولز إن واشنطن تدعم بقوة «النهج القائم على الصحة والعلم» لمكافحة المخدرات، مضيفاً أن هذا «ينعكس في سياستنا لدعم التنمية الريفية والأمن الريفي في كولومبيا. ونعتقد أن الرئيس بيترو يشارك بقوة في هذا الهدف». لكنّ مسؤولاً أميركياً أكد أن واشنطن تراقب عن كثب، ما إذا كان تواصل كولومبيا مع السلطات في فنزويلا المجاورة يخالف العقوبات الأميركية على حكومة مادورو.
وتأتي جولة بلينكن أيضاً، بعد عملية تبادل أسرى بين الولايات المتحدة وفنزويلا، ما يعكس تحسناً حذراً للعلاقات بين الدولتين، رغم عدم اعتراف واشنطن بإعادة انتخاب مادورو رئيساً لفنزويلا عام 2018... وقال نيكولز: «نحن لا نحكم على الدول على أساس موقعها في الطيف السياسي، بل على أساس التزامها بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان».
ويحمل كبير الدبلوماسيين الأميركيين في رحلته هذه، جدول أعمال مثقلاً لمنظمة الدول الأميركية. ويتوجه الأربعاء إلى سانتياغو، حيث سيعقد اجتماعاً مع رئيس تشيلي اليساري غابرييل بوريتش البالغ 36 عاماً من العمر، الذي تولّى منصبه في مارس (آذار) الماضي. وأخيراً، يتوجه إلى ليما الخميس والجمعة، للقاء الرئيس الاشتراكي بيدرو كاستيو الذي ينتمي لليسار الراديكالي والمستهدف بتحقيقات عدة بشبهات فساد واستغلال السلطة منذ وصوله إلى الرئاسة قبل أكثر من عام. وسيشارك في الجمعية العامة السنوية لمنظمة الدول الأميركية. وسيدرس المجتمعون قراراً يطالب بإنهاء «العدوان الروسي على أوكرانيا»، رغم أن بعض الدول الأميركية اللاتينية عبرت عن تحفظها، بالإضافة إلى قرارات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في نيكاراغوا والوضع الاقتصادي والسياسي المتردّي في هايتي.