ألمانيا: قضايا الإرهاب تستنزف موارد المحاكم الإدارية والمالية

توجه نحو إدانة العائدين من القتال بالقتل العمد

ألمانيا: قضايا الإرهاب تستنزف موارد المحاكم الإدارية والمالية
TT

ألمانيا: قضايا الإرهاب تستنزف موارد المحاكم الإدارية والمالية

ألمانيا: قضايا الإرهاب تستنزف موارد المحاكم الإدارية والمالية

قالت إيفا كونه هورمان، وزير داخلية ولاية هيسن، إن النيابة العامة في الولاية تحقق حاليًا في 94 قضية «إرهاب خطير ضد أمن الدولة» في حق 117 متهمًا، وإن معظم هذه القضايا ستحال إلى محاكم فرانكفورت.
وتوقعت الوزيرة المنتمية للحزب الديمقراطي المسيحي أن يتضاعف هذا الرقم بفعل قضايا أخرى رفعت في الأسابيع الأخيرة ضد «مقاتلين ألمان» عائدين من سوريا. وتشمل القضايا الجديدة محاكمة خليل د. (35 سنة) بتهمة محاولة تفجير سباق للدراجات في فرانكفورت، مطلع مايو (أيار) الماضي، إلى جانب 32 تحقيقًا آخر في قضايا مماثلة تم تأجيل النظر فيها لعدم ثبوت وجود المتهمين في العراق وسوريا خلال فترة اختفائهم من أماكن إقامتهم في ألمانيا.
وكانت إحدى هذه القضايا قد أثارت ضجة في أوساط الإعلام الألماني قبل أسبوع، بعد أن تم الإعلان عن إطلاق سراح المتهم. وأوضحت كونه هورمان أن المتهم في القضية المذكورة كان معتقلاً رهن التحقيق، ولم يصدر أمر سجنه لعدم توفر الأدلة الكافية. وعلى هذا الأساس، فإن المتهم لم يكن سجينًا أصلاً، إلا أن شرطة الجنايات سحبت جوازه الألماني، وفرضت عليه تسجيل حضوره لديها مرة في الأسبوع.
من جهتها، انتقدت هايكه هوفمان، النائبة من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، السماح للمتهم بالتحرك بحرية داخل ألمانيا، محذرة من احتمال عودته إلى سوريا، فيما قال فلوريان رينتش، النائب عن الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، إن عدد قضايا الإرهاب الكبير في فرانكفورت تجعل القضاء في ولاية هيسن يتجه نحو الانهيار.
وفي مواجهة هذا العدد الكبير من قضايا الإرهاب أمام محاكم فرانكفورت، قال رومان بوزيك، رئيس محكمة فرانكفورت العليا، إنه وجّه محاكم الولاية بالكف عن تحويل القضايا الإرهابية إلى محاكم فرانكفورت، لافتًا إلى أنها مثقلة أيضًا بقضايا الجريمة الاعتيادية، مثل المخدرات والسرقات وتبييض الأموال.
وفضلاً عن أثقال النيابة العامة بالتحقيقات في قضايا الإرهاب، فإن هذا النوع من القضايا يستنزف موارد الولاية المالية كذلك. واضطرت مدينة فرانكفورت إلى تأسيس فرع جديد للنيابة العامة، يعين المكاتب الأخرى في أعمال التحقيق وإقامة الدعوات القضائية. كما تراجعت وزارة العدل عن قرار سابق لها عام 2014 يقضي بتقليل عدد العاملين في المحاكم والنيابة العامة، بهدف توفير جزء من الميزانية.
ويبدو أن قضايا الإرهاب تتراكم في محاكم ولايات ألمانية أخرى، إذ إن النيابة الاتحادية في مدينة كارلسروهه اشتكت بدورها من «وصول طاقات محاكمها إلى حدها القصوى». وقال ميشائيل نويهاوس، المتحدث باسم النيابة العامة، إن النيابة الاتحادية تدير 14 مكتبًا جديدًا تم تأسيسها للنظر في قضايا الإرهاب، منها 21 قضية ضد ألمان عائدين من القتال إلى جانب «داعش» في سوريا. ولم يرتفع عدد هذه القضايا في العام 2014، إلى أكثر من 4 قضايا.
وتحقق النيابة العامة حاليًا في 135 قضية مقامة ضد نحو 200 شخص متهمين بالإرهاب. ويرتفع عدد هذه القضايا في بعض الولايات الألمانية (النيابات العامة المحلية) إلى ضعف هذا العدد. كما زاد عدد القضايا المقامة ضد العائدين من العراق وسوريا إلى 250 في عام 2015، وكلها قضايا ينبغي أن تحال إلى المحاكم في العام الحالي. من جانبه، أكد أخيم براونهاوزن المتحدث باسم النيابة العامة، توجه النيابة الألمانية العامة لتوجيه تهمة القتل أو الشروع في القتل، أو المساعدة في القتل، إلى كل عائد من سوريا والعراق، إلى حين ثبوت براءته. وقال المتحدث، في حديث هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، إن النيابة الاتحادية تعتبر مثل هذا الإجراء محاولة لتخويف الألمان المتشددين من مغبة السفر إلى سوريا للمشاركة في القتال في صفوف «داعش». واعترف براونهاوزن بأن النيابة العامة لا تستطيع فرض هذا الموقف على المحاكم في الولايات الألمانية، لكنها ستحاول دفع النيابات العامة في الولايات لاتخاذ هذا القرار. إلا أن النيابة العامة ستواصل جهودها لفتح التحقيق بتهمة القتل ضد كل عائد، سواء كان متطوعًا في الإسعاف، أو أنه قاد سيارة مفخخة.
ويتاح للمحاكم الألمانية محاسبة الألمان، والأجانب المقيمين فيها، بتهمة الانتماء أو النشاط في منظمة إرهابية، بحسب قوانين مكافحة الإرهاب، لكنها تعجز في معظم الحالات عن إثبات تهمة المشاركة في القتال أو القتل والتعذيب.



ناشطات أوكرانيات يحاولن إحياء مبادرة «دقيقة الصمت» تخليدا لضحايا الحرب

أوكرانيون يحملون في كييف صور جنود سقطوا في الحرب (أ.ف.ب)
أوكرانيون يحملون في كييف صور جنود سقطوا في الحرب (أ.ف.ب)
TT

ناشطات أوكرانيات يحاولن إحياء مبادرة «دقيقة الصمت» تخليدا لضحايا الحرب

أوكرانيون يحملون في كييف صور جنود سقطوا في الحرب (أ.ف.ب)
أوكرانيون يحملون في كييف صور جنود سقطوا في الحرب (أ.ف.ب)

تقف خمس شابات في وسط العاصمة الأوكرانية، رغم البرد القارس، دقيقة صمت إحياء لذكرى ضحايا الغزو الروسي، في مبادرة أطلقها الرئيس فولوديمير زيلينسكي في مارس (آذار) 2022 على أن تكون جزءا من الحياة اليومية، لكن بعد حوالى ثلاث سنوات من الحرب أصبحت مشهدا نادر الحدوث.

حملت الفتيات لافتات تدعو المارة إلى التوقف للمشاركة في دقيقة صمت عند التاسعة صباحا، وهو جزء من هذه المبادرة الرسمية التي أطلقها زيلينسكي بعد أسابيع قليلة من بدء الحرب. لكن معظم الحشود الخارجة من محطة مترو غولدن غايت المركزية في كييف، كانت تمر بمحاذاتهن من دون التوقف.

وبعد انتهاء الدقيقة، طوت طالبة الصحافة أوليا كوزيل (17 عاما) اللافتات المصنوعة من ورق الكرتون المقوى في حقيبة.

وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية: «أشعر بالغضب من الأشخاص الذين لا يتوقفون، الذين ينظرون ويقرأون، وأستطيع أن أرى في عيونهم أنهم يقرأون لافتاتنا لكنهم يواصلون طريقهم».

كوزيل هي جزء من مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين يحاولون إعادة الزخم لمبادرة زيلينسكي.

عندما لا يكون هناك تحذير من غارات جوية، يجتمع هؤلاء مرة في الأسبوع في مكان مزدحم لتشجيع سكان كييف على التوقف لمدة 60 ثانية.

وتقول كوزيل إن دقيقة الصمت هي وسيلة لمعالجة الحزن الجماعي والفردي الذي يخيم على الأوكرانيين أكانوا يعيشون قرب الجبهة أو بعيدا منها.

ويبدو أن حملة الشابات بدأت تثمر. فقد وافقت بلدية كييف هذا الأسبوع على القراءة الأولى لمشروع قانون يجعل دقيقة الصمت إلزامية في المدارس وبعض وسائل النقل العام. ويشمل المقترح أيضا عدا تنازليا يتردّد صداه عبر مكبرات الصوت في كل أنحاء المدينة من الساعة 9,00 حتى 9,01 صباح كل يوم.

وتعود الفكرة الأصلية لهذه المبادرة إلى إيرينا تسيبوخ، الصحافية التي أصبحت مقدمة رعاية على الجبهة والمعروفة في أوكرانيا باسمها الحركي «تشيكا». وأثار مقتلها قرب الجبهة في مايو (أيار)، قبل ثلاثة أيام من عيد ميلادها السادس والعشرين، موجة من الحزن.

ناشطات من منظمة «الشرف» يحملن صور جنود أوكرانيين سقطوا في المعارك خلال وقفة «دقيقة صمت» في كييف (أ.ف.ب)

وقالت صديقتها كاترينا داتسينكو لوكالة الصحافة الفرنسية في أحد مقاهي كييف «عندما علمنا بمقتل إيرا (إيرينا) قلنا لأنفسنا أمرين: أولا، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ أرادت إيرا أن تعيش كثيرا. وثانيا: يجب أن نكمل معركتها. لا يمكننا أن نستسلم».

وكانت تسيبوخ تريد من الأوكرانيين أن يخصّصوا دقيقة لأحبائهم أو الأشخاص الذين يمثلون لهم شيئا ما، على أساس أن التفكير الجماعي في ضحايا الحرب يمكن أن يوحّد الأمة في مواجهة الصدمة الفردية.

* الأكلاف البشرية

قال زيلينسكي أخيرا إن 43 ألف جندي أوكراني قتلوا في الحرب، رغم أن التقديرات المستقلة تشير إلى أن العدد أعلى من ذلك بكثير.

من جهتها، تفيد الأمم المتحدة بأن العدد المؤكد للقتلى المدنيين البالغ 11743 هو أقل من الواقع إلى حد كبير.

ومع ارتفاع هذه الحصيلة بشكل يومي، يحاول الناشطون غرس معنى جديد لطريقة تخليد ضحايا الحرب.

وقالت الناشطة داتسينكو (26 عاما) التي شاركت في تأسيس المنظمة غير الحكومية «فشانوي» أي «الشرف»، «لا أعرف كيف يمكن لدولة بهذا الحجم أن تخلّد ذكرى كل شخص، لكنّ ذلك ممكن على مستوى المجتمع».

من جهته، رأى أنتون دروبوفيتش، المدير السابق لمعهد الذاكرة الوطنية في أوكرانيا، أن دقيقة الصمت «لا تتعلق بالحرب، بل بالأشخاص. أولئك الذين كانوا معنا بالأمس، والذين شعرنا بدفئهم لكنهم لم يعودوا هنا... الأمر يتعلق بالحب والكلمات التي لم يكن لديك الوقت لتقولها للأشخاص الذين تحبهم».

لكن بعض معارضي الفكرة يقولون إن التذكير اليومي بالخسارة يجعل الناس عالقين في الماضي.