صمت الحداثة.. الأدب وضجيج التشدد

«ملتقى النص» يتمحور حول فترة مهمة في التاريخ الثقافي السعودي

إحدى جلسات ملتقى النص في نادي جدة الأدبي
إحدى جلسات ملتقى النص في نادي جدة الأدبي
TT

صمت الحداثة.. الأدب وضجيج التشدد

إحدى جلسات ملتقى النص في نادي جدة الأدبي
إحدى جلسات ملتقى النص في نادي جدة الأدبي

كان أدب الثمانينات الحداثي في فوهة المواجهة مع تشدد ثقافي وأدبي عبرت عنه كتب وخطب وأشرطة كاسيت استهدفت عملية التحديث الشاملة للبلاد ككل، ومن ضمنها التحديث الأدبي.
شهدت فترة الثمانينات من القرن الماضي ظاهرة في الأدب السعودي تسترعي الانتباه. إنها ظاهرة الصمت، أو تواتر الإشارة إليه وتوظيفه سواء في النصوص أو في عناوين المجاميع الشعرية والقصصية. وأظن أن السؤال عن السبب سيفضي بسرعة إلى قلق وخوف اجتاحا الكتاب والنصوص في تلك المرحلة المهمة بالقدر الذي يجعل تلك الظاهرة مفتاحًا للعودة إلى ما أنتجته المرحلة، لا لنفهم جزءًا من التاريخ الأدبي فحسب وإنما لنفهم الحاضر أيضًا، الحاضر الذي لم يخرج تمامًا عن القلق والخوف اللذين انتشرا قبل نحو ثلاثة عقود. ويأتي انعقاد ملتقى النص بنادي جدة الأدبي الثقافي أخيرا وتمحوره حول الثمانينات مناسبة مهمة لتلك العودة التي تأتي هذه الملاحظات في سياقها. وفي ما يلي مقدمة لتلك الملاحظات تمهيدًا لتناول نصين يمثلان الظاهرة المشار إليها.
حين نعود إلى القلق والخوف في صمت الحداثة الأدبية ونسأل عن مبرراتهما فسنجد كثيرا، لكن أبرز ما سيطالعنا دون شك هو موجة التشدد الديني الذي تحول إلى ما نسميه اليوم «الإرهاب». يكفي أن نتذكر تلك الموجة التي أعقبت اقتحام الحرم في نهاية السبعينات على يد جهيمان ومن معه وما أدت إليه من التراجع عن كثير من الخطوات التحديثية في التعليم والإعلام، بل والحياة الاجتماعية والثقافية بصورة عامة. كان أدب الثمانينات الحداثي في فوهة المواجهة مع تشدد ثقافي وأدبي عبرت عنه كتب وخطب وأشرطة كاسيت استهدفت عملية التحديث الشاملة للبلاد ككل، ومن ضمنها التحديث الأدبي. لقد كانت الثمانينات فترة تشدد اجتماعي وثقافي بقدر ما كانت فترة انفتاح أدبي، ويصعب فهم ذلك الانفتاح أو السعي إليه دون فهم السياق الذي أحاط به وتفاعل معه، ما أسميه «ضجيج التشدد».
كانت الإشارة إلى الصمت تعبيرًا عن مخاوف المواجهة مع ذلك الضجيج، وما يمكن أن تؤدي إليه. والمقصود بالصمت هنا ليس بالتأكيد غياب التعبير أو خفوته بقدر ما كان إعلانا عن حاجة الكاتب أو المبدع إلى مساحات أوسع من القول لا يجد منفذًا إلى الإشارة إليها إلا باستحضار الصمت بوصفه دالاً على ما يشبه الغياب. ومن الطبيعي أن تتحول الإشارة إلى الصمت في تلك الحالة إلى نطق، إلى تعبير، بحد ذاتها، إلى استدعاء لغوي لحالة لم تتحقق فعلاً وإنما تحققت جزئيًا على الأقل. فالصامت الحقيقي لا يقول شيئًا، ولكنه حين يقول إنني صامت فهو يحول صمته إلى لون من النطق، أي أنه لم يصمت فعلاً وإنما يذكرنا بما أسكتته العوائق عن قوله.
هذه الدلالة السوسيو – والسياسي - ثقافية تجاور الدلالة الأخرى التي لا تقل أهمية، أي الدلالة الجمالية للصمت، فما الكتابة سوى اكتشاف لغياب الكتابة، للفجوات الكبيرة في التعبير، لمتعاليات لا يفضي إليها إلى الإيحاء حيث لا يسمع إلا «موسيقى الصمت»، كما يقول محمود درويش في نصه البديع «في حضرة الغياب»، الموسيقى التي تقع في ما وراء الرؤيا، كما يقول. هذه الدلالة أو هذا البعد حاضر أيضًا في الغياب الذي يشير إليه صمت الكتاب حين يقول أحدهم وهو عبد الله الصيخان:

بكيت على باب مكة
فتشت أركانها الأربعة
وفي فمي معزف كسرته الليالي
وأمحت ترانيمه الزوبعة
أو حين يشير محمد الثبيتي إلى صمت مبدع بقوله في قصيدة:
من شفاهي تقطر الشمس
وصمتي لغة شاهقة تتلو أسارير البلاد
لكن هذا البعد الشعري / الجمالي لم يكن الأكثر إلحاحًا فيما يبدو لي في سياق من التوتر الثقافي الاجتماعي الذي وقف فيه الحداثيون موقف المدافع عن نفسه، المناضل ضد سيول التهم الموجهة ضده، المترافع من أجل وجوده. كان ذلك السياق محتشدًا بتشدد ديني وتأزم اجتماعي جعل النص الأدبي متهمًا في شرعية وجوده نفسها كما في نيات كتابه ومحللي ذلك النص المنافحين عنه. كان لا بد للجمالي أن يتراجع أمام سطوة الواقعي، الشاعري الإيحائي أمام صرامة الفعلي الذي كان يفرز كتبًا مثل «الحداثة في ميزان الإسلام» أو «جناية الشعر الحر»، إلى جانب سيل من أشرطة الكاسيت وخطب الجمعة وهدير الدعاة في المجالس وحفلات الأعراس، كلها تقول: اقبضوا على هذا الشاعر، أحرقوا تلك القصة.
لذا كان طبيعيًا أن نقرأ عناوين مثل «الخبز والصمت» و«الصمت والجدران» و«بين الصمت والجنون» و«قراءة في السر لتاريخ الصمت العربي»، لمحمد علي علوان وسباعي عثمان ومحمد جبر الحربي وفوزية أبو خالد، على التوالي. الصمت المعلن في تلك الأعمال هو صمت فني بالطبع، لكنه احتجاج الكلام على منعه عن أن يكون كلامًا. ولعل عنوان مجموعة فوزية أبو خالد «قراءة في السر» أنموذج واضح لذلك النوع الفني من الاحتجاج، فإعلان السرية فضح لها وإبراز الصمت كسر له، لكن الفضح والكسر يظلان في حدود المناوشة أو المناورة، اختراق الحدود ثم الانسحاب، التذكير بما يمكن أن يقال ثم التوقف عن قوله كاملاً. قول نصف القول. وقد تطور هذا اللون من التكنيك لدى كتاب السرد فظهرت أعمال تحاكي الأعمال الممنوعة، أي تتمثل النص الذي لا يسمح به وإن لم تكن هي النص تمامًا. فهي أعمال سردية تذكرنا باستمرار وعلى نحو معلن بمقص الرقيب وصرامة المنع. ومن الأمثلة الحديثة رواية العراقي سنان أنطون «إعجام»، التي تُقدَّم كما لو كانت مذكرات كتبها صاحبها في السجن وبطريقة يصعب على الرقيب قراءتها لأنها معجمة، أي بلا نقاط، لكن الرقيب اشتغل عليها وفك رموزها ومنعها لتجد طريقها بعد ذلك.
في أدب الحداثة السعودي بعض ما يشبه ذلك في تواتر الإعلان عن الصمت وفي نصوص تشير إلى ما لم يمكن قوله، مع أنه يقال لكن بطريقة أشبه بالإعجام. المنطلق هي أطروحة تقول إن النص الخارج من سياق القيود الخطابية نص مثقل بما بين السطور من دلالات أو إشارات وأنه لذلك يستدعي قارئًا أو متلقيًا فطنًا، لأن القارئ مثل الكاتب والنص خارج من السياق ذاته. نقد التلقي واستجابة القارئ، لا سيما عند فولفغانغ أيزر، هو من لفت الانتباه إلى دور القارئ، على النحو المعروف، لكن ذلك النقد لم يولِ اهتماما لجانب الضغوط المختلفة التي تقع على الكاتب والنص لتنتج أو تستدعي من ثم قارئًا محددًا، قارئًا فطنًا، كما يقول الفيلسوف الألماني ليو شتراوس في دراسته للعلاقة بين الكتابة والاضطهاد ضمن كتاب «الاضطهاد وفن الكتابة» (1952). نقد التلقي بتعبير آخر لم يعنَ بظروف ثقافية تكون فيها الكتابة مضطرة إلى شكل من أشكال الصمت والإحالة إلى دلالات مضمرة لتستدعي نوعًا مختلفًا من القراءة يتجاوز القراءة العادية في إيلائه اهتماما بجوانب ليست ذات أهمية في سياقات ثقافية أخرى. ما أحاوله هنا هو ربط ما طرحه نقد التلقي مع أطروحة ليو شتراوس في الخروج برؤية تضيف إلى نقد التلقي واستجابة القارئ بابًا آخر من خلال التأمل في دلالات الصمت، لكن الملاحظات التالية ليست سوى ملاحظات أولية توحي بما يمكن عمله أكثر مما تحققه فعليًا.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.