مصادر فرنسية رسمية لـ {الشرق الأوسط}: الحديث عن الخطة «ب» ليس في محله لأنها «غير موجودة»

قالت إن كيري يراهن على تغير في مواقف بوتين من الأسد كما راهن وفشل على تغير سلوك إيران بعد الاتفاق النووي

مصادر فرنسية رسمية لـ {الشرق الأوسط}: الحديث عن الخطة «ب» ليس في محله لأنها «غير موجودة»
TT

مصادر فرنسية رسمية لـ {الشرق الأوسط}: الحديث عن الخطة «ب» ليس في محله لأنها «غير موجودة»

مصادر فرنسية رسمية لـ {الشرق الأوسط}: الحديث عن الخطة «ب» ليس في محله لأنها «غير موجودة»

تنظر القيادة الفرنسية بـ«واقعية» لتسلم واشنطن وموسكو دفة التفاوض والقرار بشأن تطورات الحرب في سوريا، وتحديدا، الاتفاق على وقف الأعمال العدائية ابتداء من منتصف الليلة الماضية. ورغم استبعاد باريس واستبعاد الأطراف الأخرى عمليا عن مسار التفاوض إلا بعد إتمام الاتفاق بين الوزيرين الأميركي والروسي جون كيري وسيرغي لافروف، فإنها تعتبر أن المهم هو النتيجة وأنه لو تدخلت الأطراف الإقليمية الداعمة للنظام أو للمعارضة، فإن الأمور كانت ستتعقد بسبب المصالح المتضاربة والأهداف غير المتسقة بالضرورة.
يقوم الموقف الفرنسي «الرسمي»، وفق ما عرضته لنا مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع، على القول إن مرحلة «وقف الأعمال العدائية» هي خطوة إيجابية يتعين على كافة الأطراف أن تعمل بأمرها «بنية طيبة». كما يتعين الاستفادة منها لإيصال المساعدات الإنسانية خصوصا للمناطق التي ما زالت محاصرة. ويشارك فرانك جوليه، السفير الفرنسي المولج الملف السوري، في الاتصالات المكثفة الجارية حاليا في جنيف تحت إشراف المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا من خلال المجموعتين المكلفتين بالمساعدات الإنسانية من جانب وبوقف الأعمال العدائية من جانب آخر.
وتضيف المصادر الرسمية الفرنسية أنها «تفعل ما هو باستطاعتها وتوجه الرسائل» للأطراف التي تتواصل معها من أجل إنجاح تجربة وقف الأعمال العدائية. بيد أن باريس تسارع للقول إن «المهم هو الأفعال وليست الأقوال»، وهو ما يفسر على أنه تعبير عن موقف «حذر» إزاء هذه العملية التي استحوذت على الاتصالات في الأسابيع الثلاثة الماضية.
لكن حقيقة الموقف الفرنسي كما فهمناه من المصادر الرسمية، يبدو «أكثر تشكيكًا» والقراءة الحقيقية «متمايزة» عن أشكال التعبير الرسمي. ذلك أن باريس تأخذ بعين الاعتبار عاملين اثنين: الأول، فقدان الثقة بالسياسة الروسية وبالأهداف التي تسعى موسكو لتحقيقها في سوريا، والثاني تيقنها من أن النظام لا يريد نجاح التجربة الجديدة، خصوصًا، أنه يشعر بتغير مسار الريح التي تنفخ اليوم في شراعه بفضل التدخل الروسي الكثيف واستمرار الدعم الإيراني وتوابعه.
من جهة أخرى، تنبه باريس إلى أن «فائدة» وقف الأعمال العدائية يجب أن تكون في إتاحة الفرصة لتمديدها لفترات أطول إذا ما نجحت، والتمهيد للعودة إلى طاولة المفاوضات في جنيف. لكن السؤال المطروح فرنسيًا هو في كيفية انطلاق المفاوضات «الجديدة» المرجح أن تستأنف في السابع من الشهر القادم، وما إذا كان المفاوض السوري الذي سيكون بلا شك السفير بشار الجعفري سيقبل الخوض بالمسائل السياسية أي الخوض في المفاوضات الجدية التي تعني البدء بالحديث عن المرحلة الانتقالية وتصوراتها.
وتربط باريس بين إمكانية إحراز تقدم في هذا السياق وعملية الانتقال السياسي التي «ستطرح بلا شك مصير الرئيس السوري» مذكرة بموقف المعارضة التي تطالب بأن يخرج من الصورة مع بدء المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تبدأ، وفق الفقرة الرابعة من القرار الدولي رقم 2254 التي تنص على بدئها بعد ستة أشهر ومع تشكيل «حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على أسس طائفية». كما تنص الفقرة المذكورة على إجراء انتخابات بعد 18 شهرا وفقا للدستور الجديد المفترض بالحكومة العتيدة أن تعتمده.
لكن الوصول إلى هذه المرحلة دونه عقبات كأداء تدفع باريس إلى اعتبار أن حظوظ النجاح تبدو ضئيلة. وأول الأسباب وجود «مناطق رمادية» في الاتفاق الأميركي - الروسي لجهة تمكينه الطيران الروسي والنظام - وكذلك قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة - من الاستمرار في استهداف مناطق «داعش» و«جبهة النصرة» واحتمال أن تتذرع موسكو والنظام بجبهة النصرة المستثناة من وقف الأعمال القتالية لضرب الفصائل المقاتلة تحت ذريعة ضرب «النصرة» أو حليفاتها وذلك للاستمرار في كسب مزيد من الأراضي. وفي سياق مواز، تشير باريس إلى الإشكالية المتمثلة بالإشكالية التركية - الكردية التي يمكن أن تعيق الالتزام بالهدنة المؤقتة، خصوصا أن تركيا تجد نفسها «مستبعدة» من العملية الراهنة وعلاقاتها متوترة مع واشنطن وعدائية مع موسكو.
في أي حال، ترى باريس أن الحديث عن «الخطة ب» ليس في محله لأن خطة كهذه «ليست موجودة» ولأن واشنطن «لا تريد الانغماس أكثر مما تفعله اليوم في الحرب السورية. والسؤال الذي تطرحه المصادر الفرنسية يدور حول موقف الدول الداعمة للمعارضة السورية، وتحديدا الخليجية، في حال فشل وقف النار ولم يصدر عن واشنطن رد فعل «حقيقي». إذ تتساءل المصادر الفرنسية: هل ستقف تركيا ودول الخليج مثلا موقف المتفرج أم أنها ستتخطى الموانع الأميركية، وستعمد إلى توفير السلاح الحديث القادر على الحد من خسائر المعارضة وربما تمكينها من استعادة ما فقدته ميدانيا؟
وبأي حال، تعتبر فرنسا أن هذه الدول «لا يمكن أن تقبل الهزيمة في سوريا، وستتحرك ما يعني أن الحرب ستكون طويلة وستكون مفتوحة على كافة الاحتمالات».
بين باريس وواشنطن تباين في النظرة للملف السوري. وتبدو الثانية «سائرة في الركب الروسي» لاقتناعها أن الرئيس فلاديمير بوتين «سيخرج بشار الأسد من السلطة في لحظة من اللحظات». وترى المصادر الفرنسية أنها «قناعة» الوزير كيري الذي «يراهن» على دور إيجابي لروسيا. لكن المشكلة، وفق باريس، أن الإيجابية «غير مرئية» وأن كل ما تقوم به موسكو يصب في خانة تقوية موقع الأسد ودفعه ليكون أكثر راديكالية وتمسكًا بالسلطة التي لم يتخل عنها عندما كان ضعيفًا ميدانيًا، فكيف سيفعل اليوم وهو يرى أن الأمور تسير لصالحه؟



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.