مجلس الأمن ينوي فرض عقوبات غير مسبوقة على كوريا الشمالية

ينص على تقييد تصدير المعادن.. وحظر تسليمها محروقات للطائرات أو الصواريخ

مجلس الأمن ينوي فرض عقوبات غير مسبوقة على كوريا الشمالية
TT

مجلس الأمن ينوي فرض عقوبات غير مسبوقة على كوريا الشمالية

مجلس الأمن ينوي فرض عقوبات غير مسبوقة على كوريا الشمالية

يعتزم مجلس الأمن الدولي تبني عقوبات غير مسبوقة ضد كوريا الشمالية، ردا على تجربتها النووية التي جرت مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، تفرض خصوصا وللمرة الأولى تفتيش الشحنات القادة من والمرسلة إلى كوريا الشمالية بشكل منهجي.
وستدرس روسيا بدقة القرار الذي اقترحته واشنطن، والذي خاضت بشأنه مفاوضات شاقة مع بكين، التي تعد الحليفة الكبرى لكوريا الشمالية. وقال دبلوماسيون في المجلس إن ذلك يمكن أن يؤخر تبنيه المقرر في نهاية الأسبوع من دون أن يلغي احتمال إقراره. فيما قال مساعد السفير الروسي بيتر ايليشيف «إننا نحتاج إلى الوقت لدراسة مشروع النص التقني جدا والمفصل جدا».
وقدمت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سامنثا باور مشروع القرار إلى زملائها الـ14 الأعضاء في المجلس، وقالت إنه «للمرة الأولى في التاريخ ستخضع كافة الشحنات التي تتجه إلى كوريا الشمالية أو تغادرها إلى تفتيش إلزامي».
ويأتي هذا النص بعد التجربة النووية الرابعة التي أجرتها بيونغ يانغ في السادس من يناير الماضي، وتلاها إطلاق صاروخ اعتبر تجربة لإطلاق صاروخ باليستي في السابع من فبراير (شباط) الجاري.
وينص مشروع القرار، الذي يقع في 22 صفحة مع ملحقاتها، على أن «كل الدول عليها تفتيش الشحنات (الكورية الشمالية) الواقعة على أراضيها أو المارة عبرها، بما في ذلك المطارات والمرافئ والمناطق الحرة». فيما قال السفير الفنزويلي رافايل رأميريز، رئيس مجلس الأمن، إنه قد يتم تبني هذا النص «في نهاية الأسبوع» الجاري.
وستفرض على كوريا الشمالية قيود في تصدير بعض المعادن، مثل الفحم والحديد والذهب والتيتانيوم والمعادن النادرة، وكذلك حظر على تسليمها محروقات للطائرات أو الصواريخ. كما ينص على أن السفن الكورية الشمالية «التي يشتبه بأنها تنقل مواد غير مشروعة» لا يمكنها أن ترسو في المرافئ الأجنبية.
وفي هذا السياق قالت سامنثا باور إن هذه العقوبات ستشكل إذا طبقت بشكل صارم «ضغطا» على النظام الشيوعي «أكبر بكثير» من القرارات السابقة التي اتخذتها الأمم المتحدة منذ عشر سنوات، مضيفة أنها «ستوجه رسالة لا لبس فيها إلى النظام الكوري الشمالي»، مفادها «أننا نعمل بلا كلل وبشكل جماعي لوقف برنامجكم النووي»، لكنها أوضحت أن «هذه الإجراءات الجديدة لا تهدف إلى خنق الاقتصاد الكوري الشمالي على حساب السكان، بل تقليص العائدات التي تستخدمها بيونغ يانغ لتمويل برنامجيها النووي والباليستي. لذلك لا تشمل هذه الإجراءات النفط الخام».
ويسمح القرار بوقف الرحلات المتوجهة إلى كوريا الشمالية التي يشتبه بأنها تنقل مواد مهربة، ويتضمن إجراءات لمنع بيونغ يانغ من استئجار طائرات شحن تحت راية وهمية. كما أدرجت 32 سفينة كورية شمالية على لائحة سوداء، بحيث لا يمكنها بعد الآن الرسو في مرافئ في الخارج.
ويفترض أن تقوم الدول الأعضاء بالأمم المتحدة «بطرد الدبلوماسيين الكوريين الشماليين، الذين يشتبه بتورطهم في نشاطات غير مشروعة».
كما يقضي النص بتشديد العقوبات المالية والمصرفية من إغلاق فروع مصرفية داخل كوريا الشمالية، وفروع مصارف كورية شمالية في الخارج.
ويضاف القرار في ملحقه عدد الشخصيات (17 في المجموع) والكيانات (مجموعها 12)، التي ستعاقب لدورها في البرنامجين النووي والباليستي. كما يتضمن النص بالتفصيل المنتجات الفاخرة التي لا يمكن لشخصيات النظام الشيوعي الحصول عليها بعد الآن، من ساعات ومعدات رياضية وغيرها.
وتخضع كوريا الشمالية أصلا لسلسلة من العقوبات الدولية والأميركية، التي فرضت بعد ثلاث تجارب نووية سابقة في 2006 و2009 و2013. لكن لم تمنع هذه العقوبات الحكم الديكتاتوري الشيوعي من مواصلة سباق التسلح، حسبما قال خبراء من الأمم المتحدة مؤخرا.
وكان البيت الأبيض قد أعلن الأربعاء أن الولايات المتحدة والصين اتفقتا على مشروع قرار دولي «قوي» ضد «استفزازات» بيونغ يانغ، إذ
قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي نيد برايس في بيان بأنه تم التوصل إلى هذا الاتفاق خلال اجتماع في البيت الأبيض بين مستشارة الأمن القومي سوزان رايس ووزير الخارجية الصيني وانغ يي،
علما بأن الصين تريد أن تتخلى جارتها عن برنامجها للتسلح النووي، وتعود إلى المفاوضات السداسية (تشارك فيها ست دول بينها الولايات المتحدة)، وتصر على أن الحوار هو الوسيلة الأفضل لاحتواء سلوك بيونغ يانغ، وهي تخشى أن يؤدي ضغط كبير إلى انهيار النظام الكوري الشمالي، ما قد يؤدي إلى أزمة إنسانية على حدودها، وإلى تغيير في المنطقة الفاصلة مع كوريا الجنوبية حيث تتمركز قوات أميركية.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.