جدل حول دور القوات الخاصة الفرنسية في ليبيا.. بعد نشر «لوموند» تقريرًا مفصلاً عنه

باريس لا تريد حرق مراحل التدخل العسكري وتنتظر انطلاقة حكومة السراج

جدل حول دور القوات الخاصة الفرنسية في ليبيا.. بعد نشر «لوموند» تقريرًا مفصلاً عنه
TT

جدل حول دور القوات الخاصة الفرنسية في ليبيا.. بعد نشر «لوموند» تقريرًا مفصلاً عنه

جدل حول دور القوات الخاصة الفرنسية في ليبيا.. بعد نشر «لوموند» تقريرًا مفصلاً عنه

ما كان يهمس سرًا في الغرف المغلقة أو يسرب في الدوائر المغلقة حول دور فرنسي في ليبيا، خرج إلى العلن أمس عندما نشرت صحيفة «لوموند» المستقلة وواسعة الانتشار تحقيقًا مطولاً يفصل الدور الذي تلعبه باريس في الحرب على «داعش» في ليبيا.
وما لبث وزير الدفاع جان إيف لو دريان أن طلب من أحد الأجهزة التابع لوزارته أن يقوم بتحقيق حول ما نشر لأنه يمس الأمن الوطني ويفشي أسرارًا دفاعية. ويأتي هذا الجدل الفرنسي الداخلي على خلفية تزايد المؤشرات على رغبة غربية في القيام بتدخل عسكري في ليبيا لضرب تنظيم داعش قبل أن يزيد من تمدده ليس فقط في مدينة سرت، بل أيضًا غرب العاصمة طرابلس وفي الجنوب.
حتى الآن، كان الموقف الفرنسي الرسمي يقوم على الدفع باتجاه قيام حكومة اتحاد وطني على أساس اتفاق الصخيرات الذي تحقق بفضل جهود المبعوث الدولي مارتن كوبلر.
وبعد اجتياز هذه المرحلة الأساسية، تصبح كل السيناريوهات واردة ومنها التدخل العسكري. لكن باريس لا تريد حرق المراحل وتنتظر لتتعرف على مطالب الحكومة الجديدة: هل ستتطلب تدخلاً عسكريًا أم تريد أن توفر لها الحماية الأمنية من جهة والدعم لفرض سيطرتها واستعادة أجهزة الدولة شيئًا فشيئًا.. وقبل كل ذلك يتعين معرفة المكان الذي ستمارس منه مهامها وموقف الحكومتين المتنافستين منها وتعاملهما معها. وكلها أسئلة لا تتوافر لفرنسا في الوقت الحاضر الأجوبة عنها.
وليس سرًا أن الحكومة الفرنسية يتجاذبها موقفان: الأول، تمثله وزارة الخارجية التي تدعو إلى «الحذر» ولا تبدي حماسًا للدخول في حرب جديدة في ليبيا، وخصوصًا أن القوات الفرنسية ضالعة في الحرب على الإرهاب في أكثر من مكان: مالي، وأفريقيا الوسطى، وبلدان «الساحل» الأفريقية (النيجر، وتشاد..)، وسوريا والعراق. يضاف إلى ذلك أن الجيش الفرنسي منذ بداية العام الماضي معبأ للحفاظ على الأمن على التراب الفرنسي نفسه عقب العمليتين الإرهابيتين اللتين ضربتا العاصمة باريس في يناير (كانون الثاني) ونوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين.
وفي المقابل، فإن وزارة الدفاع تبدو أكثر ميلاً للتدخل العسكري «الكلاسيكي» في إطار تحالف دولي وبناء على طلب رسمي من حكومة لا شك بشرعيتها وبغطاء من الأمم المتحدة.
بيد أن المعلومات المتوافرة ومن بينها تلك التي كشفتها «لوموند» تبين أن باريس لم تقف مكتوفة اليدين حتى الآن. والجميع يتذكر أنه خلال إبحار حاملة الطائرات شارل ديغول في البحر الأبيض المتوسط باتجاه المياه المقابلة لسوريا، في نوفمبر الماضي، قامت طائرتان من طراز رافال بالتحليق فوق ليبيا لاستطلاع مواقع «داعش». وبهذه المناسبة أكد الرئيس هولاند شخصيًا أن الطلعات الجوية «ستستمر».
ما تقوله الصحيفة الفرنسية إن باريس تشارك في الحرب السرية ضد «داعش» في ليبيا عبر جهازين سريين: الأول، جهاز المخابرات الخارجية، وتحديدًا قسم العمليات فيه، والثاني القوات الخاصة. وتنسب الصحيفة لمصادر لا تسميها بطبيعة الحال، أن جهاز «المديرية العامة للأمن الخارجي» يقوم بعمليات سرية في ليبيا، وكذلك الأمر بالنسبة لقسم العمليات الخاصة التابع لوزارة الدفاع. وغرض هذه العمليات استهداف كوادر تنظيم الدولة (داعش) في ليبيا ومنعه من التمدد على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط وعلى بعد عدة مئات من الأميال من الشواطئ الفرنسية. وتؤكد الصحيفة أن العملية التي نفذتها الطائرات الأميركية في مدينة صبراطة في 19 الشهر الحالي التي استهدفت التونسي نور الدين شوشان، وتلك التي قضت في نوفمبر الماضي على الداعشي العراقي «أبو نبيل» الذي كان يعد أرفع مسؤول للتنظيم في ليبيا إنما حصلا بفضل المعلومات التي قدمها جهاز المخابرات الفرنسي للأميركيين.
بيد أن الأمور لا تتوقف عند هذا الحد إذ إن الصحيفة تؤكد أن الحضور الاستخباري والعملياتي الفرنسي قائم أيضًا عبر القوات الخاصة في شرق ليبيا منذ منتصف الشهر الحالي. ويربط بعض المراقبين بين هذا الوجود وبين النجاحات التي حققتها القوات الليبية التي يقودها اللواء حفتر مؤخرًا في بنغازي.
من المتعارف عليه أن باريس تقوم بعمليات رصد جوي فوق ليبيا لجمع المعلومات ولتوفير «بنك أهداف» إن للعمليات الخاصة أو في حال اتخذ قرار بالتدخل العسكري «المفتوح» في ليبيا. وتنطلق الطائرات الفرنسية من قاعدة «مداما» التي أهلتها القوات الفرنسية العام الماضي والقائمة شمال النيجر، وتحديدا في المثلث الحدودي الليبي - النيجري - الجزائري. وكانت باريس عمدت إلى هذا الإجراء مع إعادة انتشار قواتها المرابطة في أفريقيا وتكريسها لمحاربة الإرهاب. وجاء اختيار هذه القاعدة لقربها من الحدود الليبية بحيث تمكن الطائرات الفرنسية من مراقبة ما يحصل في ليبيا التي تعتبر باريس أراضيها بمثابة «ملجأ» للتنظيمات الإرهابية ومورد للتزود بالسلاح وقواعد للتدريب.
تعتبر الأوساط الأمنية الفرنسية أن ليبيا ستتحول إلى «قطب جذب» للجهاديين الأوروبيين، ومنهم الفرنسيون لسببين متلازمين: الأول، لقربها من أووربا ولسهولة الوصول إليها، إذ إن بطاقة السفر بالطائرة من باريس إلى جزيرة جربة التونسية لا تزيد على 150 يورو. ومن هناك يستطيع المسافر الانتقال إلى ليبيا بسهولة. والسبب الثاني الصعوبات الإضافية التي أخذت تحول دون وصول طالبي الجهاد إلى سوريا والعراق. ولذا، ترى المصادر الفرنسية أنه يتعين «معالجة» وضع ليبيا سريعا للحيلولة دون تمدد «داعش» والتنظيمات التي قد تواليها بسبب ما تمثله من مخاطر على أمن تونس والجزائر وبلدان الساحل وعلى أوروبا، ناهيك بتيار الهجرة الذي سيعود إلى الاستقواء من الشواطئ الليبية مع عودة الربيع.
هكذا تبدو صورة الأزمة الليبية من العاصمة الفرنسية التي سيصلها المبعوث الدولي مارتن كوبلر في الساعات المقبلة. وتريد باريس الإسراع في إغلاق ملف حكومة الوحدة الوطنية ولا تستبعد إمكانية اللجوء إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات على من يعيق انطلاقتها لعل في ذلك بداية المسار من أجل إطلاق حرب «مفتوحة» ضد «داعش» وليس الاكتفاء فقط بعمليات سرية مخابراتية في ليبيا.



الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)

أعلنت الجماعة الحوثية في اليمن أنها ستكتفي، فقط، باستهداف السفن التابعة لإسرائيل خلال مرورها في البحر الأحمر، بعد بدء سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بحسب رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها الجماعة، الأحد، إلى شركات الشحن وجهات أخرى.

ونقل ما يسمى بـ«مركز تنسيق العمليات الإنسانية»، التابع للجماعة الحوثية، أن الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، ستقتصر، فقط، على السفن المرتبطة بإسرائيل بعد دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ.

وأضاف المركز، الذي كلفته الجماعة بالعمل حلقةَ وصل بينها وشركات الشحن التجاري، أنها توعدت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل باستئناف الضربات على السفن التابعة لها في حال استمرار هذه الدول في هجماتها الجوية على المواقع التابعة لها والمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وسبق للجماعة الحوثية تحذير الدول التي لديها وجود عسكري في البحر الأحمر من أي هجوم عليها خلال فترة وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وتوعدت في بيان عسكري، أنها ستواجه أي هجوم على مواقعها خلال فترة وقف إطلاق النار في غزة، بعمليات عسكرية نوعية «بلا سقف أو خطوط حمراء».

لقطة أرشيفية لحاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان التي أعلن الحوثيون استهدافها 8 مرات (رويترز)

كما أعلنت الجماعة، الأحد، على لسان القيادي يحيى سريع، المتحدث العسكري باسمها، استهداف حاملة الطائرات أميركية هاري ترومان شمال البحر الأحمر بمسيرات وصواريخ لثامن مرة منذ قدومها إلى البحر الأحمر، بحسب سريع.

وسبق لسريع الإعلان عن تنفيذ هجوم على هدفين حيويين في مدينة إيلات جنوب إسرائيل، السبت الماضي، باستخدام صاروخين، بعد إعلان سابق باستهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي، في حين اعترف الجيش الإسرائيلي باعتراض صاروخين أُطْلِقا من اليمن.

موقف جديد منتظر

وفي وقت مبكر من صباح الأحد كشفت وسائل إعلام تابعة للجماعة الحوثية عن استقبال 4 غارات أميركية، في أول ساعات سريان «هدنة غزة» بين إسرائيل، و«حركة حماس».

ويتوقع أن تكون الضربات الأميركية إشارة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل تنفيذ عملياتها العسكرية ضد الجماعة الحوثية في سياق منعزل عن التطورات في غزة واتفاق الهدنة المعلن، بخلاف المساعي الحوثية لربط العمليات والمواجهات العسكرية في البحر الأحمر بما يجري في القطاع المحاصر.

ومن المنتظر أن تصدر الجماعة، الاثنين، بياناً عسكرياً، كما ورد على لسان سريع، وفي وسائل إعلام حوثية، بشأن قرارها اقتصار هجماتها على السفن التابعة لإسرائيل، والرد على الهجمات الأميركية البريطانية.

كما سيلقي زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي خطاباً متلفزاً، بمناسبة بدء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وزعم سريع، السبت الماضي، وجود رغبة لدى الجماعة لوقف هجماتها على إسرائيل بمجرد دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وإيقاف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر؛ إذا توقفت الولايات المتحدة وبريطانيا عن مهاجمة أهداف في اليمن.

كما أكّد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الأسبوع الماضي، أن الهجمات على إسرائيل ستعود في حال عدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام قبل الماضي تستهدف الجماعة الحوثية سفناً في البحر الأحمر بزعم تبعيتها لإسرائيل، حيث بدأت باحتجاز السفينة جالكسي ليدر التي ترفع علم جزر الباهاما في المياه الدولية، والتي لا تزال، وأفراد طاقمها البالغ عددهم 25 فرداً، قيد الاحتجاز لدى الجماعة.

السفينة «غالاكسي ليدر» التي تحتجزها الجماعة الحوثية منذ 14 شهراً (رويترز)

وأتبعت الجماعة ذلك بتوسع عملياتها لتشمل السفن البريطانية والأميركية، بصواريخ باليستية وطائرات مسيَّرة في المياه القريبة من شواطئ اليمن بزعم دعم ومساند سكان قطاع غزة ضد الحرب الإسرائيلية.

وتسببت تلك الهجمات في تعطيل جزء كبير من حركة التجارة الدولية، وأجبرت شركات الشحن والملاحة على تغيير مسار السفن التابعة لها، واتخاذ مسار أطول حول جنوب قارة أفريقيا بدلاً من عبور قناة السويس.

وأدى كل ذلك إلى ارتفاع أسعار التأمين وتكاليف الشحن وزيادة مدد وصولها، وبث مخاوف من موجة تضخم عالمية جديدة.

لجوء إلى التخفي

ويلجأ قادة الجماعة إلى الانتقال من مقرات إقامتهم إلى مساكن جديدة، واستخدام وسائل تواصل بدائية بعد الاستغناء عن الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية، رغم أنهم يحيطون أنفسهم، عادة، باحتياطات أمنية وإجراءات سرية كبيرة، حيث يجهل سكان مناطق سيطرتهم أين تقع منازل كبار القادة الحوثيين، ولا يعلمون شيئاً عن تحركاتهم.

أضرار بالقرب من تل أبيب نتيجة اعتراض صاروخ حوثي (غيتي)

وشهدت الفترة التي أعقبت انهيار نظام الأسد في دمشق زيادة ملحوظة في نقل أسلحة الجماعة إلى مواقع جديدة، وتكثيف عميات التجنيد واستحداث المواقع العسكرية، خصوصاً في محافظة الحديدة على البحر الأحمر.

كما كشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، خلال الأيام الماضية أن الاتصالات بقيادة الصف الأول للجماعة المدعومة من إيران لم تعد ممكنة منذ مطلع الشهر الحالي على الأقل، نتيجة اختفائهم وإغلاق هواتفهم على أثر التهديدات الإسرائيلية.

وأنشأت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، تحالفاً عسكرياً تحت مسمى تحالف الازدهار، لمواجهة الهجمات الحوثية وحماية الملاحة الدولية، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي بدأ التحالف هجماته على المواقع العسكرية للجماعة والمنشآت المستخدمة لإعداد وإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

وأطلق الاتحاد الأوروبي، في فبراير (شباط) الماضي، قوة بحرية جديدة تحت مسمى «خطة أسبيدس»، لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وحدد مهامها بالعمل على طول خطوط الاتصال البحرية الرئيسية في مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وكذلك المياه الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج، على أن يكون المقر في لاريسا اليونانية.

احتفالات حوثية في العاصمة صنعاء بوقف إطلاق النار في غزة (إعلام حوثي)

وتزامنت هجمات الجماعة الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر مع هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على مدن ومواقع إسرائيلية، ما دفع سلاح الجو الإسرائيلي للرد بضربات جوية متقطعة، 5 مرات، استهدف خلالها منشآت حيوية تحت سيطرة الجماعة.

وشملت الضربات الإسرائيلية ميناء الحديدة وخزانات وقود ومحطات كهرباء في العاصمة صنعاء.

ونظمت الجماعة الحوثية في العاصمة صنعاء، الأحد، عدداً من الاحتفالات بمناسبة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، رفعت خلالها شعارات ادعت فيها أن عملياتها العسكرية في البحر الأحمر وهجماتها الصاروخية على الدولة العبرية، أسهمت في إجبارها على القبول بالهدنة والانسحاب من القطاع.

وتأتي هذه الاحتفالات مترافقة مع مخاوف قادة الجماعة من استهدافهم بعمليات اغتيال كما جرى مع قادة «حزب الله» اللبناني خلال العام الماضي، بعد تهديدات إسرائيلية باستهدافهم، وسط توقعات بإصابة قادة عسكريين كبار خلال الضربات الأميركية الأخيرة في صنعاء.