السينما في السعودية.. تجربة تجاوزت حدود الجغرافيا

وجدت طريقها إلى الوجود قبل عقود لكنها لم تزدهر إلا في السنوات الأخيرة

لقطة من فيلم «وجدة».. وفي الاطار ملصق مهرجان أفلام السعودية
لقطة من فيلم «وجدة».. وفي الاطار ملصق مهرجان أفلام السعودية
TT

السينما في السعودية.. تجربة تجاوزت حدود الجغرافيا

لقطة من فيلم «وجدة».. وفي الاطار ملصق مهرجان أفلام السعودية
لقطة من فيلم «وجدة».. وفي الاطار ملصق مهرجان أفلام السعودية

الفنون كالكائنات، تجد طريقها إلى الحياة، تشق كالنبات مسارًا إلى الهواء والماء. هي كائنات إنسانية في نهاية المطاف، أبدعتها المخيلة البشرية وتبقيها حية إرادة الإنسان الصلبة.
تلك هي قصة الفنون دائمًا، لكنها قصتها بشكل خاص في بيئة مليئة بالتحديات كالبيئة السعودية. حين طرحت فكرة تأسيس جمعية للفنون في المملكة قبل نصف قرن قال البعض إن الفكرة ستُرفض فأضيفوا للفنون كلمة أكثر قبولاً، فكان أن أضيفت كلمة «ثقافة» بل واجعلوها في المقدمة لتصير «جمعية الثقافة والفنون». ومع أن الفنون من مسرح وتشكيل وموسيقى وسينما من أسس الثقافة وأبرز أركانها، فقد كانت الأسس الأخرى للثقافة (اللغة، الأدب.. إلخ) أقدر على منح تلك الفنون مشروعية البقاء، ومع أن المجتمع يحفل بالفنون ويمارس الكثير منها، ككل مجتمعات البشر، فقد كان هناك من يرفض ذلك ويرى أن المجتمع سيضل الطريق لو أتاح للفنون وجودًا ظاهرًا معلنًا واحتفى بها من خلال جمعية. ولكن الأمور جرت كما تجري أمور كثيرة أخرى، بتسميات مختلفة وأشكال غير معلنة. بقيت الفنون لتؤكد أنها كائنات تحب البقاء وقادرة عليه وإن بالتخفي والتواري.
اتضح مع الزمن أن الفن الأكثر مواجهة لتحديات البقاء، وتحديات الولادة والنمو، هو فن السينما الذي يثير الحديث عنه مقرونًا باسم السعودية الكثير من علامات الاستفهام والتعجب ليس خارج السعودية بقدر ما هو داخلها. ومع أن تلك العلامات مبررة تمامًا في ظل غياب دور للسينما أو معاهد تعلم ذلك الفن ضمن الفنون المسرحية والبصرية، فإن الإنصاف يقتضي وضع علامات الإعجاب وليس التعجب فقط حين نعرف عن وجود ذلك الكم الضخم نسبيًا من الأفلام المنتجة محليًا وعلى مستويات منافسة على مستوى المنطقة بل وفي العالم أحيانًا.
لقد وجدت السينما طريقها إلى الوجود قبل عقود، لكنها لم تزدهر إلا في السنوات الأخيرة عبر مخيلات وجهود دؤوبة لمجموعة من الشبان والشابات السعوديين. صحيح أنها سينما تعتمد على الفيلم القصير سواء أكان وثائقيًا أم سرديًا خياليًا، لكن تلك كانت الوسيلة التي ابتكرها الفن السينمائي لكي يكون حاضرًا في بيئة صحراوية قاسية يقل فيها مطر التسامح وتتضاءل فيها ظلال الانفتاح الثقافي، بيئة من صنع الثقافة المحلية أكثر من كونها سياسات رسمية، فقد أثبتت السياسات الرسمية عبر العقود قدرة تفوق القدرة المحلية على تقبل الجديد والتطور باتجاهه وباتجاه كل ما هو جميل ومبدع طالما كان ضمن الأطر العامة التي تشكل هوية الثقافة وقيم الدين والحياة الاجتماعية.
في هذا العام، وتحديدًا في مارس (آذار) المقبل، سيقام المهرجان الثالث للفيلم السعودي في فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، بعد أن أقيم قبل أيام مهرجان آخر في جدة. في المهرجان الثاني في الدمام العام الماضي دهش المنظمون لكثرة الأعمال المقدمة للمشاركة وفي هذه الدورة اتسعت الدهشة حين تضاعف العدد ليس المرسل فقط وإنما الذي كان جديرًا بالقبول بعد فحصه من قبل لجان الفحص. بعض أفلام العام الماضي، مثل فيلم «حورية وعين» للمخرجة السعودية شهد الأمين، حصل على جوائز ومراتب عالية في مهرجانات عربية وعالمية، منها مهرجان أبوظبي للعام الماضي. وكذلك فيلم «بسطة» للمخرجة هند الفهاد الذي حاز الجائزة الأولى في مهرجان دبي الأخير.
لعل هذه المعلومات تلفت الانتباه بشكل قوي إلى الحضور المكثف للمرأة في مجال الإخراج. فعلى مستوى الإخراج مثلت المرأة المخرجة نحو ثلث عدد المخرجين الذين قبلت أعمالهم في المهرجان الثالث للفيلم السعودي (التي بلغت نحو 60 فيلما قصيرًا) وهو عدد لا يستهان به قياسًا إلى الصعوبات التي تواجهها المرأة عادة في مجالات الإبداع لا سيما في فن مثل السينما يتطلب جهدًا فرديًا في التحرك والمتابعة. ومما يذكر في هذا السياق وبشكل بارز بالتأكيد الصعوبات التي واجهتها أشهر المخرجات السعوديات هيفاء المنصور التي رشح فيلمها «وجدة» للأوسكار وحازت إعجابا عالميا عندما عرض في صالات السينما في أوروبا وأميركا وغيرها.
غير أن الفيلم السعودي ليس قصة امرأة فحسب بطبيعة الحال، وإنما هي جهود مشتركة لجيل من الشبان والشابات، أي من صغار السن غالبًا يدفعهم الطموح ويتكئ معظمهم على تعليم أكاديمي حصلوا عليه خارج المملكة – حيث إن السعودية تخلو من أي معاهد للسينما أو للمسرح كما لمحت – وينطلقون من خبرة اكتسبوها بالمشاهدة والاطلاع والتجريب المستمر.
كما أن الفيلم السعودي ليس قصة إخراج فحسب وإنما هو أيضًا قصة تمثيل بلغ بعضه من الإتقان حدًا مدهشًا. فالممثل السعودي إبراهيم الحساوي، على سبيل المثال، جاء من المسرح ليثبت مقدرة غير عادية على الأداء الدرامي أدهشت الكثيرين. ومثله في ذلك ممثلون وممثلات شبان آخرون. يضاف إلى ذلك أن صناعة السينما آخذة في التكامل من خلال توزع الكثير من المواهب الشابة على المكونات الأخرى لتلك الصناعة الصعبة مثل الإنتاج والسيناريو والإضاءة والصوت والماكياج وما إليها. فقد لاحظ القائمون على المهرجان الثالث للفيلم السعودي، وفي طليعتهم مدير المهرجان أحمد الملا، نقلة مهمة في هذا الصدد، فبعد أن كان كثير من الأفلام المقدمة في المهرجانين الماضيين يمتلئ بمخرجين يقومون وحدهم بالكثير من المهام الفنية المتصلة بصناعة الفيلم، تحول الأمر هذا العام إلى تزايد عدد المختصين في كل فرع من تلك الفروع.
يبقى الجانب المؤلم من هذا كله، الجانب المأساوي حقًا، وهو جانب يتوزع على عدة جبهات أشرت إليها آنفًا: جبهة التعليم المتخصص، أي غياب أكاديميات أو معاهد تنمي هذا الفن والمواهب المعنية به؛ وجبهة الدعم المالي سواء للمهرجانات أو لمشاريع الأفلام، حيث يتضاءل الدعم أو ينعدم مما يضطر البعض للبحث عن دعم خارج الحدود، كما هو حال فيلم «بسطة» الذي دعمته أبوظبي. أما الجبهة الثالثة فالمألوفة والكثيرة التردد: غياب دور السينما.
لقد سميت هذه كلها «جبهات» لأنها فعلاً مناطق تحدي ومجابهة للعوائق، وهي وإن أزعجنا استمرارها فإنها يجب أن تدعونا إلى مزيد من الإعجاب والتقدير لفن يجد طريقه إلى الماء والهواء رغم كثرة الحجارة وقسوة التربة.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».