جنان العراقية.. أول شهادة حية عن سجون «داعش» في الموصل

احتل قائمة أعلى الكتب مبيعًا في فرنسا وترجم إلى تسع لغات

غلاف جنان
غلاف جنان
TT

جنان العراقية.. أول شهادة حية عن سجون «داعش» في الموصل

غلاف جنان
غلاف جنان

عندما أسرت جنان (18عاما) على يد عناصر «داعش»، كان عليها أن تنتظر انتهاء تلك المعركة الدائرة دون هدف، لتنقل بعدها إلى سجن «بادوك» في الموصل، حينها لم يكن يخيل لها أنها ستبقى هناك لأشهر رهينة ضعيفة تتلقى شتى أنواع التعذيب والإهانة.
وحسب رواية «جنان، سبية داعش» التي تصدّرت المكتبات الفرنسية مؤخرا، تذكر البطلة أنهّا ضربت على يد عراقيين أيضا: «لم يكونوا جميعهم غرباء فاللهجة معروفة بوضوح».
بدأت الحكاية عندما قام الصحافي تيري أوبرليه كبير محرري صحيفة «لوفيغارو» اليمينية بإعداد تقرير صحافي تناول انتهاكات عناصر تنظيم الدولة في العراق والشام، لتحتل المقالة المرتبة الأولى على قائمة الأكثر قراءة، ثم تطورت فكرة تصوير هذه المعاناة الإنسانية النادرة في هذا القرن، لتصير كتابا تحت عنوان: «جنان، سبية عبودية داعش» من منشورات دار النشر الفرنسية «fradya»، ليلقى نجاحا أوروبيا منقطع النظير، فقرابة 10 دور نشر مشهورة ترجمته إلى تسع لغات، ومؤخرا حصلت دار «كنعان» في دمشق على حقوق النشر بالعربية ليكون أول شهادة توثق فظائع وجرائم «داعش» في العراق.
وقد ترجم اللقاءات من الكردية الكاتب «سعيد محمود» الذي يعيش متنقلا بين أربيل وفرنسا، والذي نجح بإجراء مجموعة لقاءات مع فتيات خرجن للتو من سجون الموصل ليروين تفاصيل ما حلّ بهنّ أثناء الأسر. فجنان واحدة من بين مئات الفتيات اللواتي احتجزت وجرى بيعهن في سوق النخاسة العراقي. تروي القصة أنه «في بلد ما من العالم تباع النسوة بـ8 دوﻻرات أميركية تدفع لقاء اغتصابها وإهانتها وإجبارها على اعتناق الإسلام عنوة وتغيير دينها وشكلها لتتحول إلى آخر مختلف تماما».
يروي الكتاب تفاصيل دقيقة وحرجة عن حياة السجينات في سجون الموصل التي تولت «داعش» مهمة الإشراف عليها، بعد سيطرتها خلال معارك وقعت على أطراف المدينة التي خربت معالمها واختفت هويتها على نحو بطيء. تقول جنان التي بدت أكبر من عمرها بعشرة أعوام على الأقل: «في إحدى الليالي أجبرنا أنا وأخريات على التعري وشرب المياه التي كانت الفئران الميتة قد سقطت فيها، جرّت بسلسلة حديدية إلى ساحة السجن، هناك يقف مجموعة من مقاتلي (داعش)، يبدأون بضرب الفتيات دون رحمة وتركهن مرميات تحت حرارة الشمس لساعات».
بعض الفتيات تم بيعهن أكثر من مرة لمجموعة من الدواعش في سوريا، وهي تصف تلك اللحظة التي تعرضت فيها للبيع بقولها: «دخل عنصر أشعث الشعر يبلغ عمره نحو 22 عاما ليطلب شراء واحدة ذات عينين زرقاوين».
حاولت جنان جاهدة عدم الذهاب والرضوخ لرغباتهم، قامت بطلاء وجهها بالدهان وتوسيخ شعرها وادعاء المرض النفسي والعقلي لكن في النهاية كانت من نصيب أحدهم بعد أن أصبحت حسب العرف الداعشي «حلالا».
في ليلة باردة قاسية من ليالي الحزن العراقي، دارت معركة عنيفة بين «داعش» والحشد الشعبي، فقتل عنصران والحارس معهما، وتمكنت الفتيات بشجاعة من الهرب ليلا عبر نافذة صغيرة.. مشين في العراء حافيات، من دون طعام أسبوعا واحدا، إلى أن وصلن إلى قمة جبل ونقلتهن طائرة إلى مكان آمن في الشمال.
كانت تلك الحادثة راسخة في رأس جنان حتى عندما صفق لها الجمهور عشية توقيع الكتاب الأول، حينها لم تكن سعيدة بما فيه الكفاية، كان الحزن يعلو الجبين، ربما لأنها لم تنس بعد كيف أنها بيعت مرات كثيرة في يوم واحد، قدمت أجوبة مختصرة للصحافة الفرنسية التي سألتها عن سبب عدم قبولها اللجوء السياسي في بلد حقوق الإنسان لتجيب ببراءة الطفولة التي تركتها ميتة على باب سجن الموصل: «الحل هناك وليس هنا، ساعدوا العراقيين عموما ليعيشوا إنسانيتهم وينتهوا من الأحقاد والحروب».
وردا على سؤال إن كانت خائفة من تهديدات «داعش»، قالت: «لم نعد نخش شيئا.. هناك موت في العراق ويجب العمل على تحرير الأخريات، هناك أخريات لا يزلن في الأسر بعضهن حاولن الانتحار وبعضهن حاولن تسميم أنفسهن».
سلطت الرواية الضوء في النهاية على حياة البطلة خلال السجن ومعاناتها على مدار ثلاثة أشهر، فقدت فيها عذريتها كما فقد الوطن عذريته أيضا ذات يوم، فالمغتصبون سيان، تعود اليوم إلى المخيم في شمال العراق (إقليم كردستان) الذي خرجت منه أول مرة. إنها تنتظر مولودها الجديد الذي قررت تسميته على اسم الصحافي الفرنسي كتقدير رمزي له.
قررت الرجوع إلى كردستان العراق على الرغم من الامتيازات التي حصلت عليها بعد لقائها الرئيس الفرنسي على هامش مؤتمر «الإثنيات العرقية والأقليات في سوريا والعراق» في باريس، وكانت على رأس المدعوين باعتبارها أول شاهدة حقيقية على الرعب الذي يجري في سجون «داعش».
ربما التهافت الأوروبي اليوم على الكتاب هو الرغبة العارمة في معرفة هذا العنصر المجهول الذي بدأ يطرأ على مجتمعاتهم ويغيرّها، كانت جملة الصحافي الفرنسي واضحة: «بعد شهادة جنان لا يمكن أن نقول: إننا لم نكن نعرف».
ما دفع الكاتبة الفرنسية باسكال مورغو إلى تأليف كتاب جديد يتناول معاناة النسوة العراقيات، في كتاب «فيان مقاتلة ضد داعش» يصدر في أول مارس (آذار) المقبل، من منشورات الدار الفرنسية نفسها، ويروي حكاية أخرى خلفتها الحرب؛ فوحدها الحرب العراقية تخلف وراءها قصصا بأبطال حزينين.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.