واشنطن تزيد الضغوط على «آبل» لفك شفرة الهاتف الخاص لمنفذ هجوم سان برناردينو

بعد أن فكت شفرات تليفون «سيد فاروق» الحكومي

سيد فاروق وزوجته تشفين مالك منفذا هجوم سان برناردينو
سيد فاروق وزوجته تشفين مالك منفذا هجوم سان برناردينو
TT

واشنطن تزيد الضغوط على «آبل» لفك شفرة الهاتف الخاص لمنفذ هجوم سان برناردينو

سيد فاروق وزوجته تشفين مالك منفذا هجوم سان برناردينو
سيد فاروق وزوجته تشفين مالك منفذا هجوم سان برناردينو

كشفت مرافعة الاتهام التي قدمتها وزارة العدل الأميركية باسم مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) في قضيته ضد شركة «آبل» لرفضها فك شفرات التليفون الخاص لسيد فاروق، الذي قتل مع زوجته 14 شخصا في نهاية العام الماضي، عن أن «إف بي آي» فكت شفرات التليفون الحكومي لفاروق. في نفس الوقت، أعلنت «إف بي آي» أنها قدمت دعوى جديدة ضد شركة «آبل» التي رفضت فك شفرات تليفون فاروق الخاص.
وأوضحت المرافعة التي قدمت في الشهر الماضي. ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» أمس، مقتطفات منها، أن «إف بي آي» طلبت، مباشرة بعد الحادث من مقاطعة سنت بيرنادينو (ولاية كاليفورنيا)، التي كان يعمل فيها فاروق مفتشا صحيا، كلمة المرور لتليفونه الحكومي. وانصاعت المقاطعة للأمر. وعندما لم تجد «إف بي آي» معلومات كافية في التليفون الحكومي، طلبت من شركة «آبل» كلمة المرور لتليفون فاروق الخاص، وهو الطلب الذي رفضت الشركة تنفيذه، وتطور إلى مواجهة قانونية بين «آبل» و«إف بي آي».
وتقدمت وزارة العدل الأميركية باستئناف جديد أمام القضاء في مسعى لحمل مجموعة «آبل» على فك شفرة هاتف «آيفون» الخاص بمنفذ اعتداء سان برناردينو الذي أوقع 14 قتيلا قبل شهرين في كاليفورنيا.
وتريد السلطات الحصول على أمر قضائي يرغم «آبل» على مساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» الذي لا يزال عاجزا عن الوصول إلى البيانات المخزنة في هاتف سيد فاروق، رغم معارضة العملاق المعلوماتي الذي يبرر رفضه بمحاذير تتعلق بأمن معلومات المستخدم.
وحسب الدعوى الجديدة التي قدمتها وزارة العدل باسم «إف بي آي»، أخطأت «آبل» عندما قالت إن «إف بي آي» تريد «فتح باب خلفي» للوصول إلى كلمة السر إلى زبائن الشركة.
وجاء في الدعوى الجديدة أن «(إف بي آي) لا تطلب، خلافا لما ورد في تصريحات صدرت عن (آبل)، مدخلا سريا لكل هواتف (آيفون)، وأن الطلب لن يفتح مدخلا أمام القراصنة والمجرمين للوصول إلى هواتف (آيفون). ولا يطلب من (آبل) أن تقوم بقرصنة زبائنها، أو فك شفرات هواتفها، وأن (آبل) تبرر رفضها، على ما يبدو، بسبب مخاوف تسويقية، لكننا لم نطلب من الشركة برنامجا يمكن أن يستخدمه قراصنة معلوماتيون».
وطلبت الدعوى الجديدة من المحكمة الإسراع لإجبار «آبل» على التعاون. وفي الأسبوع الماضي، أمرت القاضية الاتحادية لولاية كاليفورنيا، شيري بيم، شركة «آبل» بأن «تقدم مساعدة تقنية معقولة»، لكن، لم تحدد القاضية فترة زمنية لذلك.
ويتوقع أن تعقد المحكمة جلسة أخرى يوم 22 مارس (آذار) .
وفي الأسبوع الماضي، بعد ظهور انقسام واضح وسط الأميركيين بين مؤيدي خصوصية أصحاب التليفونات، ومؤيدي الأمن الوطني، تدخل البيت الأبيض، ودافع عن الخصوصية. لكن أيد كشف شفرة تليفون فاروق فقط، وليس فتح الباب أمام كشف شفرات أخرى.
وقال جوش إيرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض: «طلب مساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) في اختراق بيانات في هاتف مرتكب أعمال قتل إرهابية هو طلب محدد. ولا يعني أن (إف بي آي) تبحث عن (باب خلفي) للوصول إلى شفرة تليفونات أخرى».
غير أن كل المرشحين الجمهوريين لرئاسة الجمهورية شنوا هجوما عنيفا على شركة «آبل». وفي الكونغرس، أيد الحكومة عدد كبير من الأعضاء. غير أن بعض الديمقراطيين تحفظوا.
وقال السيناتور رتشارد بير (جمهوري، ولاية نورث كارولاينا)، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ: «ليس تنفيذ أمر محكمة اختياريا». وقال السيناتور رون وايدن (ديمقراطي، ولاية أوريغون)، عضو اللجنة: «يجب أن تطيع أي شركة أي أمر قضائي حسب قدرتها على ذلك. لكن، يجب عدم الضغط على شركة لتؤذي زبائنها».
وفي الأسبوع الماضي، في نفس يوم صدور أمر المحكمة، أعلن تيم كوك، رئيس شركة «آبل»، رفض الطلب لأن الشركة «لا تقدر على الوصول إلى كلمة مرور أي من الزوجين، وأن كل واحد منهما كان يعرف كلمته».
وكتب في رسالة شديدة اللهجة نشرت في موقع الشركة: «حتى هذه اللحظة، فعلنا كل شيء في وسعنا، وفي نطاق القانون، لمساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي). الآن، تطلب منا الحكومة الأميركية شيئا نحن، ببساطة، لا نملكه. وتطلب شيئا نراه خطرا إذا اخترعناه. تطلب منا فتح بابا خلفيا للوصول إلى الآيفون».
وأضاف: «مثل هذا الاختراع، إذا حدث، سيضعف بصورة خطرة للغاية أمن الآيفون. بمجرد اختراع هذه التكنولوجيا، يمكن استخدامها مرارا وتكرارا، وفي أي عدد من الأجهزة، وفي أي وقت، وفي أي مكان. ستكون مثل (المفتاح الرئيسي) الذي يقدر على فتح مئات الملايين من الأقفال (رغم أن صاحب كل قفل عنده مفتاح خاص به). مثل (المفتاح الرئيسي) لكل مطعم، وبنك، ومتجر، ومنزل. لن يقبل أي شخص عاقل هذه التكنولوجيا».
وقال: «نحن نؤمن بأن معارضتنا لطلب الحكومة (والمحكمة) ليس شيئا عاديا. نحن نأخذها على محمل الجد. ونشعر أننا يجب أن نتكلم في مواجهة ما نراه تجاوزا من قبل حكومة الولايات المتحدة».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.