بريطانيا: معركة البقاء في أوروبا.. ومعادلة التنازلات السياسية

الوطنية في مقدمة مطالب المشككين

بريطانيا: معركة البقاء في أوروبا.. ومعادلة التنازلات السياسية
TT

بريطانيا: معركة البقاء في أوروبا.. ومعادلة التنازلات السياسية

بريطانيا: معركة البقاء في أوروبا.. ومعادلة التنازلات السياسية

بدأ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أخيرًا سلسلة زيارات أوروبية قصيرة لإقناع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بطرح بلده للبقاء ضمن التكتل الموحّد بموجب اتفاق مبدئي يقدم تنازلات للندن، مقابل تنظيم كاميرون حملة «نعم لأوروبا» قبل موعد الاستفتاء الوطني المزمع عقده في بريطانيا خلال شهر يونيو (حزيران) المقبل. وبعد ظهر أمس بتوقيت لندن أعلن في العاصمة البلجيكية والأوروبية بروكسل عن تأجيل البت - على لسان مسؤول بالاتحاد البالغ عدد أعضائه 28 – بعدما واجه الحوار ما وصف بعقبات «خطيرة»، وبالتالي، طلب من الزعماء حجز الإقامة في الفنادق لليلة إضافية حتى اليوم السبت. وجاء على لسان المسؤول قوله «الوضع خطير. لقد ألغيت الجلسة التي كان من المقرر عقدها الساعة 15:00 بتوقيت غرينتش كما أرجئ اجتماع الزعماء حتى موعد العشاء على أقل تقدير وطلب منهم حجز الإقامة بالفنادق حتى غد (اليوم)». وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ التسوية يعد أساس معاهدات الاتحاد الأوروبي، وسر استمراره منذ نشأته إلى اليوم، وإن كان هذا صعب المنال أحيانًا وبعيدًا عن الكمال في معظم الأحيان. ويقوم الاتحاد الأوروبي بدوله الأعضاء الـ28، على قوانين تسعى لإرضاء الأطراف جميعها إلى أقصى حد ممكن، دون الانتقاص من سيادة الدول أو خدمة مصالح بعضها دون أخرى. وتطبيق مبدأ التسوية هو ما يسعى إليه رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك من خلال رسم الخطوط العريضة لاتفاق يعالج أبرز شروط بقاء بريطانيا في الاتحاد، في القمّة التي كان من المتوقع أن تنتهي أمس.

تعدّ إعادة التفاوض على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي قضية محورية في سياسة رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كاميرون، الذي جعل منها بطاقة انتخابية في وجه الجماعات اليمينية المطالبة بالانسحاب من الاتحاد. وهو يسعى إلى استعمالها لهدفين أساسيين: الأول، كسب ثقة المشككين والمنتقدين لسياسته الخارجية، والثاني، تخفيف الانقسامات داخل حزب المحافظين الحاكم بزعامته. وتمثّل المسودة الأولية التي أعلن عنها توسك – وهو بولندي – أفضل اتفاق قد تتوصّل إليه بريطانيا في الوقت الحالي، إن حشدت تأييد الأعضاء الـ27. وتشمل مطالب بريطانيا الأربعة: التنافسية، والسيادة، والرعاية الاجتماعية، والحكامة الاقتصادية.

* التنافسية
يطالب كاميرون بتمديد السوق الموحّدة وتعزيز التنافسية في الاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال تسهيل حركة رؤوس الأموال من جهة، وتخفيف القوانين الأوروبية المنظمة للشركات الصغيرة والمتوسطة. ويبدو هذا المطلب سهل المنال، إذ أنّ المفوضية الأوروبية كانت تمارس ضغوطًا في هذا الاتجاه.

* السيادة الوطنية
اشترط كاميرون إعفاء بريطانيا من المبادئ التأسيسية لاتحاد أكثر ترابطًا، إلى جانب تعزيز الرقابة الوطنية وحق النقض في البرلمانات الوطنية. ويطرح هذا المطلب جدلاً أكبر من قضية التنافسية، إذ أن بعض الدول الأعضاء ترى فيها تمييزًا لبريطانيا دون غيرها، وتجاوزًا لمبدأ الاتحاد. ولقد قدّم توسك بهذا الصدد تنازلين بارزين في نص الاتفاق الأولي: الأول، من خلال إعطاء ضمانات لبريطانيا بأن عبارة «اتحاد أكثر ترابطًا» لا تشكّل أساسا لتوسيع صلاحيات الاتحاد الأوروبي، كما لا تخوّل لمحكمة العدل الأوروبية التدخل في القرارات الوطنية. إلى ذلك، اقترح توسك إضفاء تغيير طفيف على معاهدة الاتحاد الأوروبي تضمن إعفاء بريطانيا من أي قرار بإنشاء «اتحاد أكثر ترابطًا»، بشرط أن يجري التعديل بالتزامن مع تعديل المعاهدة المقبل، ما يجعل القضية رمزية إلى حدّ كبير.
أما التنازل الثاني، فيتمثّل فيما سماه توسك «نظام البطاقة الحمراء» الذي يتيح للبرلمانات الأوروبية منع القوانين الأوروبية الجديدة، شريطة أن يكون التصويت بغالبية مؤهلة من 55 في المائة خلال فترة 12 أسبوعًا. بيد أن هذا النظام يعطي سلطة كبيرة للبرلمانات الوطنية للدول الأعضاء، لكن الحصول على غالبية 55 في المائة يجعله صعب التطبيق في الواقع.

* الحكامة الاقتصادية
مخاوف بريطانيا من الناحية الاقتصادية تتعلق بشكل أساسي بتداعيات سوق أوروبية أكثر ترابطًا على قوة واستقلالية سوق مال لندن، ومكانتها كمركز مالي دولي. ومع أنه لا وجود لتوجه نحو سوق أوروبية أكثر ترابطًا في الوقت الراهن، فإن الاتفاق الأولي للمجلس الأوروبي يرفض التمييز بين الدول الأعضاء على أساس العملة، ويحمي لندن من أي التزامات مالية لدعم اليورو. كذلك فإنه يتيح للدول الأعضاء التي لا تعتمد العملة الموحّدة إعلان معارضتها لمقترحات منطقة اليورو (التي قد تضر بمصالحها الاقتصادية) من دون أن تعطيها حق النقض «الفيتو».
- الرعاية الاجتماعية
المطلب الأخير والأكثر تعقيدًا وإثارة للجدل يتعلق بـ«حرمان» الوافدين الأوروبيين إلى بريطانيا من استحقاقات الرعاية الاجتماعية بشكل خاص، وبحرية تنقّل مواطني الاتحاد الأوروبي بشكل عام. ويقدّم الجانبان طرحهما في هذه القضية من منطلق الإنصاف والعدالة. كاميرون ومؤيدوه يرون أنه ليس من العدالة في شيء أن ينتفع مواطنو الاتحاد الأوروبي من الرعاية الاجتماعية ومساعدات السكن في بريطانيا قبل المساهمة في التنمية الاقتصادية، في حين يرى أعضاء الاتحاد أنه لا يحق للندن التمييز بين مواطنيهم العاملين بها على أساس الجنسية.
ويرى توماس رين، الزميل في معهد «تشاتام هاوس» (المعهد الملكي للشؤون الاستراتيجية)، أن «القضية الرئيسية تتعلق برغبة بريطانيا في الحد من الهجرة، أكثر منها استحقاقات الرعاية الاجتماعية، إذ أن كاميرون يهدف من خلال تغيير نظام الرعاية الاجتماعية للأوروبيين إلى التحكم في نسب الهجرة».
وبالفعل، يوفر نص الاتفاق الأولي تنازلات في هذا الاتجاه كذلك. إذ يقترح نظامًا يمكّن بريطانيا من توفير استحقاقات الرعاية الاجتماعية للأوروبيين، ولكن فقط بعد مرور 4 سنوات من العمل بها، لا بمجرّد دخول حدودها، في حال شهدت معدلات هجرة هائلة على امتداد فترة زمنية طويلة.

* انقسامات حزب المحافظين
في الواقع، يواجه كاميرون تمردًا داخل حزب المحافظين الذي يتزعمه لتشجيعه المشرّعين على تجاهل آراء الحزب بشأن استفتاء مزمع على عضوية الاتحاد الأوروبي. وكان رئيس الوزراء المحافظ قد أعلن صراحة أنه سيساند فكرة البقاء داخل الاتحاد الأوروبي إذا ما وافق أعضاء آخرون في الاتحاد الأوروبي على مسودة اتفاق - التي سبق شرحنا أهم بنودها أعلاه – بشأن علاقة بريطانيا المستقبلية بالاتحاد. إلا أن كثيرين من أعضاء حزبه المنقسم بدرجة كبيرة بشأن أوروبا لا يعتزمون اتخاذ الموقف نفسه.
وأبلغ كاميرون البرلمان أن على المشرّعين – أي النواب – إلا يختاروا الجانب الذي سيقفون في صفه على أساس ما قد تمليه عليهم لجان حزبهم المحلية، بل اتخاذ قرارهم بأنفسهم بشأن «ما الذي يرونه أفضل لمستقبل بريطانيا». وأثارت هذه التصريحات ردًا غاضبًا من أعضاء الحزب الذين اعتبروا أنها قوضت النيات الطيبة التي كسبها كاميرون بوعده بإجراء الاستفتاء في بادئ الأمر. وقال إد كوستيلو، أحد حركيي حزب المحافظين لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه «إن رئيس الوزراء تجاهل آراء أعضاء حزبه منذ انتخابه... وتعاطيه مع قضية الاستفتاء خاطئة.. إذ لا أحد يتمتع بالسلطة المطلقة». دعا كوستيلو إلى «نقل النقاش إلى بريطانيا، قبل أوروبا»، مقترحا تنظيم مناظرات تلفزيونية تناقش فيها وجهتي النظر المؤيدة لمغادرة الاتحاد الأوروبي والرافضة لها. ولفت إلى أن القيادة لم تتح فرصة بعد للطرفين لتبادل الآراء: «فكل ما نشهده اليوم هو تعبير عن آراء ثابتة في مقالات الرأي، بدل نقاشات بناءة تساعد المواطنين على تحديد مواقفهم».
من جهة ثانية، كتب ممثلون عن نحو 40 من لجان حزب المحافظين المحلية في خطاب لصحيفة «صنداي تلغراف» المحافظة الأسبوعية يقولون «نحن نحث رئيس الوزراء على الامتناع عن تقليل الاحترام للعاملين الأوفياء الذين ساعدوه على الفوز بحكومة أغلبية»، مضيفين أنه «من المؤسف للغاية أن يتجاهل رئيس الوزراء أولئك الذين ساعدوه على تحقيق نجاحه، ويتوجب عليه أن يتذكر أنه لا يوجد رئيس وزراء يتمتع بحق مقدّس في الحكم». وأظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة «صنداي تايمز» المؤيدة للمحافظين أيضًا، شمل 144 من النواب المحافظين في البرلمان، وعددهم 330 نائبا، أن 57 في المائة من الذين اتخذوا قرارهم بالفعل يعتزمون تأييد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
ويأمل كاميرون الذي وعد بالتصويت لصالح البقاء داخل الاتحاد تحت ضغوط من المتشككين من أعضاء حزبه أن يساعد ذلك على تسوية الخلافات المستمرة منذ فترة طويلة بين المحافظين بشأن أوروبا، أمام خلفية تحدي «حزب استقلال المملكة المتحدة» (يوكيب) اليميني المناوئ للبقاء ضمن الاتحاد.

* حملة الإقناع بالبقاء
كاميرون في خطاب في مجلس العموم الأسبوع الماضي كان قد حاول إقناع النواب بـ«خوض المعركة معا» للحصول على الإصلاحات التي تسمح للمملكة المتحدة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، بينما ينتقدها المشككون في جدوى الوحدة الأوروبية والصحف بشدة. وتعليقا على الإصلاحات التي اقترحها المجلس الأوروبي - والمفصلة آنفًا - قال كاميرون «إذا كنتم تريدون إنهاء العطاء بلا مقابل... وإذا كنتم تريدون تحقيق المساواة بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء في منطقة اليورو، وإذا كنتم تريدون أوروبا أكثر قدرة على المنافسة، فلنخض هذه المعركة معًا». وأضاف الزعيم البريطاني الذي دافع عن مسودة الاتفاق الذي كشفه الاتحاد الأوروبي أن «ساعة القرار تقترب».
وأشاد كاميرون ومؤيدوه بإصلاحين على وجه الخصوص، هما الإجراء الطارئ الذي يسمح للمملكة المتحدة بوقف الإعانات الاجتماعية للمهاجرين، وضمانات بألا تتأثر أوساط المال البريطانية في حال تحسن اليورو. ومن ثم، كرّر ترحيبه «بالتقدم الكبير الذي تحقق في طلباتنا الأربعة للإصلاح»، مؤكدا في الوقت نفسه أنه «ما زال هناك عمل طويل ويجب أن نبرهن على تصميم وصبر» لإنجازه.
من جهته، كان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قد حذر أخيرًا من أنه يرفض أي «تفاوض جديد» خلال القمة. وتابع أن «التسوية التي تم التوصل إليها تتيح إيجاد حلول لمشاكل بدت حتى الآن صعبة الحل. ولكن لا يمكن أن يشهد المجلس الأوروبي تعديلات جديدة... ولا ينبغي إعطاء البريطانيين الضمانات الضرورية إلا ضمن إطار احترام المبادئ الأوروبية».
بدورها، رأت الحكومة الألمانية أن اقتراحات المجلس الأوروبي «طموحة»، رافضة التعليق على نقاط خلافية محتملة ومكتفية بالإعلان أن برلين تدرس هذه الخطة «بشكل مكثف». ومن جهته، صرح رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، في البرلمان الأوروبي، أن مشروع الاتفاق «عادل لبريطانيا، وعادل للدول الـ27 الأعضاء» في الاتحاد.

* مجازفة الاستفتاء
جدير بالذكر، أنه تحت ضغط المشككين في ماهية «أوروبا» من «يوكيب» والأجنحة المشككة في جدوى الانتماء للاتحاد الأوروبي داخل الأحزاب الأخرى، تعهد رئيس الوزراء المحافظ، الذي أعيد انتخابه في مايو (أيار) 2015. بتنظيم استفتاء على الرغم من المجازفة بالتسبب بأزمة كبرى في اتحاد تهزّه أصلا أزمة المهاجرين.. وأخيرًا اللاجئين.
وبوعد كاميرون إجراء هذا الاستفتاء، الذي ينطوي على مجازفة كبيرة ويمكن أن يسبب زلزالاً في الاتحاد، يأمل رئيس الحكومة البريطانية الذي أعيد انتخابه بأغلبية مريحة في الحد من اندفاع «يوكيب» الذي يقوده نايجل فاراج. غير أن المشككين في جدوى الاتحاد انتقدوا، كما كان متوقعا، المقترحات الأوروبية، وكان ضمنهم عمدة لندن المحافظ بوريس جونسون الذي دعا إلى بذل «مزيد» من الجهود. ومن جهته، وصف فاراج الاتفاق المطروح بأنه «سيئ».
وفي المقابل، يبدو أن كاميرون تمكن من إقناع وزيرة الداخلية تيريزا ماي بمشروع الاتفاق، بينما يتوقع أن يقود أربعة وزراء آخرون في حكومته حملات من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد.
وتشير لهجة الاستياء التي تبنّتها الصحف البريطانية إلى أن كاميرون سيخوض معركة صعبة. إذ كتبت صحيفة «ديلي ميل» اليمينية في عنوان صفحتها الأولى أنها «معجبة بكاميرون (...) لكن بشأن أوروبا، علينا أن نقول بصراحة بأن عماه يقطع الأنفاس إزاء الوهم الكبير». أما صحيفة «التايمز» فكتبت أنه «يجب أن يكون الأمر إصلاحًا جذريًا للعلاقات مع اتحاد أوروبي أكثر عقلانية وأكثر مسؤولية»، مشيرة إلى أن «كاميرون اكتفى على ما يبدو بما يريد، (وهو) اتحاد من دون إصلاح يذكر». ووحدها صحيفة «الفايننشيال تايمز» الجادة دافعت عن رئيس الوزراء البريطاني، وكتبت أن «أداءه كان أفضل مما كان متوقعًا في عملية إعادة التفاوض» بشأن عضوية بريطانيا في الاتحاد.
أزمة الهجرة.. ورقة ضغط بوجهين وحول موضوع المهاجرين، حذّر متحدث باسم كاميرون الأسبوع الماضي من أن آلاف المهاجرين قد يتدفقون على بريطانيا من فرنسا، إذا صوّت الناخبون لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في تأكيد على موقف كاميرون المعلن بأن الانفصال سيضرّ بالأمن.
وبينما رأى منتقدون أنها بداية «حملة تخويف» لمحاولة دفع الناخبين للتصويت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، شدد المتحدث أن الانفصال عن الاتحاد قد يضرّ باتفاق مع فرنسا يسمح لحرس الحدود البريطاني بإجراء فحوص للمهاجرين هناك. وفي مؤتمر صحافي، دعم كاميرون الرسالة بالقول: «إن الاتفاق الذي يجعل الحدود البريطانية داخل فرنسا، كما هو الحال في ميناء كاليه، هو اتفاق جيد لبريطانيا» وأنه سيكافح للإبقاء عليه. وأضاف: «إذا أمكننا البقاء في الاتحاد بعد إدخال إصلاحات عليه.. تعرفون ما الذي ستحصلون عليه.. تعرفون أن الحدود ستبقى في كاليه.. وتعرفون أن لدينا صوتًا يفصل في القواعد حين يتعلق الأمر بمستقبل أوروبا.. كما تعرفون أننا سنحصل على معلومات حيوية تتعلق بالإرهابيين أو المجرمين الذين يسافرون في أوروبا، لأننا جزء من هذه المنظمات». وفي وقت سابق، كان المتحدث باسم كاميرون قد قال: إن آلاف اللاجئين قد يعبرون بحر المانش إلى داخل بريطانيا «خلال الليل»، إذا ما صوّتت بريطانيا لصالح الانفصال عن الاتحاد خلال استفتاء يونيو المقبل.
في المقابل، يرى مؤيدو حملة الخروج من الاتحاد أن الانفصال عن أوروبا سيمكن بريطانيا من تعزيز المراقبة على الحدود، وإقرار قوانين تتيح كبح الهجرة الأوروبية وغير الأوروبية التي تشمل آلاف اللاجئين وغير الشرعيين الذين يحاولون الوصول إلى بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي.
وحول فرص بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، يرى البروفسور إيان بيغ، الأستاذ الجامعي في مدرسة لندن الاقتصادية والعلوم السياسية، أنه «يصعب الحسم في الموضوع في الوقت الحالي»، مستبعدًا في الوقت ذاته أن يغيّر معارضو كاميرون في حزب المحافظين و«يوكيب» مواقفهم الرافضة لـ«أوروبا» حتى في حال وافقت الدول الأعضاء على اتفاق المجلس الأوروبي الأولي، الذي يقدم تنازلات كبيرة لصالح بريطانيا. وفي المقابل، يدعم جزء كبير من حزب العمال بقاء بريطانيا في الاتحاد بعد الإصلاحات.
هذا، وأظهر استطلاع أجري بعدما طرح كاميرون مقترحات لإبقاء بلاده داخل الاتحاد الأوروبي أن مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد يزيدون بتسع نقاط مئوية عن عدد مؤيدي البقاء فيه. وأجرت مؤسسة «يوغوف» الاستطلاع الذي نشرت حصيلته في صحيفة «التايمز» خلال اليومين اللذين أعقبا طرح رئيس الحكومة للتغييرات المقترحة بشأن علاقة بريطانيا بالاتحاد.
ويمثل الاستطلاع أكبر تقدّم لحملة الخروج من الاتحاد منذ الاتفاق على صياغة الاستفتاء في سبتمبر (أيلول) الماضي. فلقد بيّن الاستطلاع أن 45 في المائة من البريطانيين سيؤيدون الخروج من الاتحاد الأوروبي، مقارنة مع 36 في المائة يريدون البقاء. وكانت حملة الخروج متقدمة بفارق أربع نقاط مئوية فقط في استطلاع أجري الشهر الماضي. وقال 19 في المائة بأنهم لم يحسموا أمرهم، أو أنهم لن يصوتوا. ويبقى القول: إنه من شأن خروج بريطانيا يفقد الاتحاد ثاني أكبر اقتصاد فيه - بعد ألمانيا – وأحد أكبر قوتين عسكريتين فيه. ويحذّر المؤيدون للبقاء في الاتحاد من أن الخروج قد يضر باقتصاد بريطانيا ويؤدي لانقسامها من خلال دفع اسكوتلندا لإجراء استفتاء آخر على الاستقلال، بينما يقول معارضو الاتحاد الأوروبي بأن بريطانيا ستزدهر خارجه.

* مزايا البقاء ضمن الاتحاد مقابل مغادرته من وجهة نظر بريطانية
- الحفاظ على الاستقرار السياسي وتجنب استفتاء لاستقلال اسكوتلندا جديد
- الاستفادة من السوق الموحدة ومن انفتاح أسواق الاتحاد الأوروبي
- تجنب تعطيل النمو الاقتصادي خلال الفترة الانتقالية والتأثير سلبا على قدرة بريطانيا على اجتذاب الاستثمارات الخارجية
- البقاء جزءا مهما من كتلة سياسية موحدة والحفاظ على موقف تفاوضي ودبلوماسي قوي في المنابر الدولية

* مزايا المغادرة:
- توفير المساهمات في ميزانية الاتحاد
- تصويب الاهتمام بعيدًا عن «الركود الأوروبي» ونحو الاقتصادات الناشئة
- حرية التحكم في قوانين الهجرة



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.