التدخل التركي المباشر في الحرب السورية يقلق العواصم الغربية

مصادر فرنسية رسمية: ما تقوم به أنقرة «يفتح الباب على المجهول»

التدخل التركي المباشر في الحرب السورية يقلق العواصم الغربية
TT

التدخل التركي المباشر في الحرب السورية يقلق العواصم الغربية

التدخل التركي المباشر في الحرب السورية يقلق العواصم الغربية

لم تتأخر باريس في التعبير عن «قلقها» إزاء تدهور الوضع في شمال سوريا ومنطقة حلب. وكما نددت في الأيام الأخيرة بالضربات الجوية الروسية الكثيفة التي استهدفت ثاني المدن السورية «حلب» ومنطقتها، فإن الخارجية الفرنسية أصدرت بيانا رسميا دعت فيه إلى «الوقف الفوري» لعمليات القصف التي يقوم بها النظام وحلفاؤه على كافة الأراضي السورية وتلك التي تقوم بها تركيا فيما سمتها «المناطق الكردية» معيدة إلى الأذهان أن «الأولوية المطلقة» يجب أن تكون وضع بيان ميونيخ «الأخير» موضع التنفيذ وكذلك القرار الدولي رقم 2254 فضلا عن الحرب ضد «داعش».
تنظر باريس بكثير من القلق إلى التطورات الأخيرة على الحدود التركية - السورية. وهي، كالولايات المتحدة الأميركية التي لم تتردد أكثر من مرة في انتقاد «غموض» سياستها إزاء الملف السوري و«الهوة» التي تفصل بين ما تقوله وتفعله، سارعت إلى توجيه النقد لما قامت به القوات التركية المتمركزة على الحدود من عمليات قصف لمواقع وحدات الشعب الكردي في المناطق المحيطة بتل رفعت وأعزاز ومطار منغ.
ترى مصادر رسمية في باريس أن وجه الخطورة فيما تقوم به تركيا يكمن في أنه «يفتح الباب على المجهول» وينتقل بالحرب في سوريا «من مرحلة إلى مرحلة» ومن «الأقلمة إلى التدويل»، لا بل المواجهة المباشرة بين قوى إقليمية ودولية كانت حتى الآن تتواجه بـ«الواسطة».
بداية، تعتبر فرنسا أن الحجة التي تسوقها أنقرة لتبرير بدء انغماسها المباشر في الحرب السورية وهي الرد على النار الذي أطلق عليها من الجانب السوري ومحاربة «داعش» «ليست مقنعة»، وأن هم أنقرة الحقيقي هو «منع الأكراد من إقامة منطقة متواصلة جغرافيا من الغرب إلى الشرق». وإذا حصل أمر كهذا، ميدانيا، فإنه يعني «إقامة منطقة كردية بمحاذاة قسم كبير من الحدود السورية - التركية» وهو تطور يقول المسؤولون الأتراك إنهم «لن يسمحوا به بتاتا». وسبق للمسؤولين الأتراك أن تحدثوا عن «خط أحمر» متغير جغرافيا. وآخر تعريف له، فإنه يعني رفض تواجد قوات وحدات حماية الشعب الكردي غرب نهر الفرات، فضلا عن ذلك، فإن باريس التي أصبحت مجددا عضوا كامل العضوية في الحلف الأطلسي، تتخوف من «مغامرة تركية» من شأنها «توريط» الحلف المذكور الذي تنتمي هي أيضا إليه. وسبق لتركيا أن طلبت تضامن الحلف بعد أن أسقط الطيران السوري إحدى طائراتها قبل عامين وطالبت عندها بتفعيل الفقرة الخامسة من معاهدة الحلف التي تعتبر أن أي اعتداء على أي من الأعضاء هو اعتداء على الحلف بكامله.
أما على الأمد القريب، فإن ما تتخوف منه باريس أن تطيح التطورات الأخيرة باتفاق ميونيخ الذي توصل إليه الوزيران الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف ليل الـ11 من الشهر الجاري بعد مناقشات دامت عدة ساعات. وأهمية الاتفاق المذكور الذي تصفه باريس بـ«الهش» أنه يتيح إيصال المساعدات الإنسانية إلى الكثير من المدن والقرى المحاصرة من الجانبين، كما أنه يدعو إلى «وقف الأعمال العدائية» بين الأطراف المتقاتلة. ومن شأن العمل بهذين الأمرين أن يفتح الباب أمام العودة إلى محادثات جنيف 3 التي فشل المبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا أن يطلقها حقيقة بسبب اعتراضات في الشكل والمضمون على السواء.
وتعي باريس أن الغرب وخصوصا الاتحاد الأوروبي، بحاجة ماسة لتركيا في موضوعين اثنين: التعاون في موضوع محاربة الإرهاب ومنع المواطنين الأوروبيين، أو المقيمين على الأراضي الأوروبية، من الوصول لـ«ميادين الجهاد» في سوريا والعراق من جهة، واحتواء موجات الهجرة واللجوء داخل الأراضي التركية مقابل توفير دعم مالي لأنقرة. وإذا لم تتعاون تركيا معها، فلا شيء يمكن أن يوقف تدفق المهاجرين من تركيا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي عبر اليونان بشكل أساسي.
بالمقابل، تعتبر المصادر الفرنسية أن الغرب بحاجة لأكراد سوريا الذين حاربوا ويحاربون تنظيم داعش بفعالية ولعل أبرز برهان على ذلك حرب كوباني «عين العرب» العام الماضي التي صمدت بوجه تنظيم داعش. ويريد الغربيون الاعتماد على هذه القوات في حال قرروا إخراج «داعش» من مدينة الرقة.
لكن باريس قلقة أيضا من تراجع مواقع قوات المعارضة السورية وفصائلها المقاتلة وهي ترى أن نجاح النظام والميليشيات التي تدعمه بالاعتماد على الضربات الجوية الروسية في السيطرة على مناطق المعارضة الممتدة من شمال حلب وحتى الحدود التركية، سيشكل ضربة قوية ليس فقط من الزاوية العسكري، ولكن كذلك سياسيا، لأنه سيدفع بالمقاتلين إلى الالتحاق بالتنظيمات الأكثر تشددا وخصوصا النصرة و«داعش». وحتى قبل الهجوم الأخير، كانت هذه التنظيمات تتهم من قبل بالذهاب إلى جنيف بـ«الخيانة». أما بعد التطورات الميدانية السلبية، فإن الاتهامات ستكون أكثر قوة وتأثيرا وستحدث نزيفا بشريا لدى الفصائل المقاتلة التي عانت «وما تزال» من نقص في التمويل والتسليح.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.