قانون الإعلام الجديد في بولندا يثير مخاوف المفوضية الأوروبية ببروكسل

انتقادات داخلية وخارجية بسبب إعطاء الحكومة الحق في تعيين رؤساء محطات الإذاعة والتلفزة

غونتر أوتينغر المفوض الأوروبي المكلف ملف الإعلام ونظم المعلومات («الشرق الأوسط»)
غونتر أوتينغر المفوض الأوروبي المكلف ملف الإعلام ونظم المعلومات («الشرق الأوسط»)
TT

قانون الإعلام الجديد في بولندا يثير مخاوف المفوضية الأوروبية ببروكسل

غونتر أوتينغر المفوض الأوروبي المكلف ملف الإعلام ونظم المعلومات («الشرق الأوسط»)
غونتر أوتينغر المفوض الأوروبي المكلف ملف الإعلام ونظم المعلومات («الشرق الأوسط»)

حالة من الترقب، تعيش فيها الأوساط الإعلامية الأوروبية بشكل عام والبولندية بشكل خاص، لما سوف يتمخض عن اجتماعات مقرر للمفوضية الأوروبية لبحث فيه التطورات الأخيرة في بولندا، وخاصة في أعقاب صدور قانون جديد للإعلام، وما أعقب ذلك من استقالات، ومظاهرات، وانتقادات من أوساط عدة سواء على الصعيد البولندي أو على الصعيد الأوروبي.
وتواجه بولندا موقفا صعبا بسبب قانون الإعلام الجديد، الذي تلقى انتقادات حادة من منظمات حقوقية ومن وسائل الإعلام، بما في ذلك منظمة مراسلون بلا حدود، واتحاد الإذاعات الأوروبية، ورابطة الصحافيين الأوروبي. وقال مارغاريتيس شيناس المتحدث باسم المفوضية الأوروبية في تغريدة على تويتر إن نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيميرمانس طلب من الحكومة البولندية معلومات عن مشروع القانون «لأن حرية وتعدد الإعلام مهم جدا للمجتمع وحكم القانون». ووجهت المفوضية الأوروبية ببروكسل، بصفتها الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، تحذيرا إلى بولندا، من الاستمرار بالتعدي على القيم الأوروبية المشتركة وذلك من خلال تمرير التشريع الذي يعطي الحكومة الحق بالسيطرة على وسائل الإعلام الحكومية. وهذا ما سيفرض اتخاذ سلسلة من الخطوات، إذا كان القانون لا يزال قائما، واحد الإجراءات التي يمكن أن تتخذ، وقال المفوض الأوروبي غونتر أوتينيغر: «يمكن أن نرى في نهاية المطاف وارسو تفقد حقها في التصويت في المجلس الأوروبي».
وقد وضع رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود مجموعه من الإجراءات على جدول أعمال الاجتماع المقبل للمفوضية في 13 يناير (كانون الثاني)، التي سيتم اتخاذها بحق بولندا إذا استمرت بسياستها. وعملت الحكومة البولندية على استصدار قانون في البرلمان يمنحها السلطة لتعيين رؤساء محطات التلفزيون والإذاعة مباشرة، في خطوة أثارت قلق الاتحاد الأوروبي وإدانة منظمات الدفاع عن الإعلام.
وينص مشروع القانون الذي تم تقديمه إلى البرلمان الخاضع لسيطرة المحافظين، على إقالة جميع المديرين الحاليين لوسائل الإعلام العامة فورا. ويأتي مشروع القانون في إطار سلسلة من القوانين التي طرحها حزب القانون والعدالة الذي فاز في الانتخابات العامة في أكتوبر (تشرين الأول). وبموجب قانون الإعلام الجديد يقوم وزير الخزانة بتعيين كبار المديرين في قطاعي الإذاعة والتلفزيون الرسميين، بدلا من تعيينهم من خلال منافسات يجريها مجلس البث الوطني. وأدانت منظمات حقوقية مدافعة عن الإعلام مشروع القانون. وفي بيان مشترك قالت منظمة «مراسلون بلاد حدود» و«اتحاد البث الأوروبي» والاتحاد الأوروبي للصحافيين» و«رابطة الصحافيين الأوروبيين» إنها تشعر بـ«الغضب الشديد من مشروع القانون الذي قدمه على عجل الحزب الحائز على الأغلبية».
وقال البيان إن مشروع القانون تمت صياغته «دون أي استشارة، ويلغي القواعد الحالية التي تحمي التعددية واستقلال قطاع الإعلام في بولندا».
وأقر البرلمان البولندي القانون الجديد المثير للجدل وذكرت وكالة الأنباء البولندية (بي إيه بي) أن 232 نائبا تابعا لحزب القانون والعدالة الحاكم صوتوا لصالح التعديلات الجديدة، مقابل اعتراض 152 عضوا وامتناع 34 عن التصويت. وتشمل التعديلات الجديدة إعادة هيكلة المؤسسات الإذاعية والتلفزيونية لتحويلها إلى مؤسسات ثقافية وطنية، حيث يتعين على وزير الخزانة البولندي تعيين وإقالة كبار المسؤولين في هذه المؤسسات بدلا من تعيينهم بناء على منافسات يجريها مجلس البث الوطني.
وعلق مارجاريتيس شيناس المتحدث باسم المفوضية الأوروبية في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بأن نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيميرمانس طلب من الحكومة البولندية معلومات عن القانون، «لأن حرية وتعدد الإعلام مهمان جدا للمجتمع ولحكم القانون». كما أدانت منظمات حقوقية مدافعة عن الإعلام القانون البولندي الجديد، وقالت منظمات «مراسلون بلا حدود» و«اتحاد البث الأوروبي» والاتحاد الأوروبي للصحافيين» و«رابطة الصحافيين الأوروبيين» في بيان مشترك إنها تشعر بـ«الغضب الشديد من القانون الذي قدمه الحزب الحاكم في بولندا على عجل».
وقال البيان إن القانون تمت صياغته «دون أي استشارة، ويلغي القواعد الحالية التي تحمي التعددية واستقلال قطاع الإعلام في بولندا».
واندلعت موجة غضب في بولندا تمثلت في خروج مظاهرات لعشرات آلاف المواطنين عبر مختلف أنحاء البلاد، احتجاجا على النزعة الشمولية للحزب المحافظ الحاكم الذي استصدر قرارات برلمانية تُخضع المؤسسات الإعلامية لمراقبة الحزب وتؤثر على استقلالية المحكمة الدستورية.
وقال كاميل دامْبْروفا مدير القناة الإذاعية البولندية الأولى إن «قانون الإعلام الجديد يشكل تهديدا فعليا لحرية التعبير في بولندا، أنا مقتنع بذلك بصفتي مديرا للإذاعة البولندية وأيضا كصحافي». وفيما قدم مديرو قنوات تلفزيونية وإذاعية استقالتهم للتعبير عن عدم رضاهم عن سياسة الحكومة، المعارضة في مجملها، تعتبر هذه القرارات التي صوت لها البرلمان خطيرة على مستقبل الديمقراطية في البلاد.
بدورها، قالت إلْزْبييتا كْروكْ النائبة عن الحزب الحاكم (القانون والعدالة) في البرلمان إننا «نريد إعادة بناء الإعلام البولندي العام، وتعزيز هياكله فيما يتعلق بالتمويل والموارد البشرية، وقبل كل شيء إعادته إلى الشعب البولندي».
وكان نحو 20 ألف متظاهر خرجوا في مسيرة في شوارع العاصمة وارسو، يقودهم قادة المعارضة مُعززين بانتقادات المفوضية الأوروبية للنهج الجديد الذي تتبعه الحكومة المحافظة في مجال الإعلام. كما نُظمت مسيرات أخرى في كْراكوف وبوزْنان وكاتوفيتشْ ولوبْلين وغْدانْسْكْ.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.