إمبراطور «سي بي إس» و«فياكوم» يتقاعد

«الصخرة العملاقة» .. عمره 93 عامًا

سمن ريدستون رئيس مجموعة شركات «سي بي إس» ومجموعة شركات «فياكوم» قبل تقاعده (نيويورك تايمز)
سمن ريدستون رئيس مجموعة شركات «سي بي إس» ومجموعة شركات «فياكوم» قبل تقاعده (نيويورك تايمز)
TT

إمبراطور «سي بي إس» و«فياكوم» يتقاعد

سمن ريدستون رئيس مجموعة شركات «سي بي إس» ومجموعة شركات «فياكوم» قبل تقاعده (نيويورك تايمز)
سمن ريدستون رئيس مجموعة شركات «سي بي إس» ومجموعة شركات «فياكوم» قبل تقاعده (نيويورك تايمز)

حتى عندما بلغ عمره 93 عاما، كان سمن ريدستون، رئيس مجموعة شركات «سي بي إس»، ومجموعة شركات «فياكوم»، يرفض التقاعد. منذ ثلاثة أعوام، عندما بلغ عمره 90 عاما، وافق، بسبب إلحاح «شيري»، بنته الوحيدة، على أن يعمل من المنزل. قبل ذلك، كان، كل صباح، يستيقظ مبكرا، ويرتدي ملابس كاملة وراقية، ويذهب إلى مكتبه لإدارة مجموعة شركات إعلامية هي الأكبر في الولايات المتحدة، ومن الأكبر في العالم. (سواء عمل من منزله، أو من مكتبه، كان يعاونه فريق كبير من المساعدين والحشم والخدم).
لكن، في الأسبوع الماضي، مرة أخرى، بسبب إلحاح بنته، أعلن تخليه عن المنصبين اللذين تقلدهما لما جملته خمسين عاما.
صار اسمه «ريدستون» (الصخرة الحمراء) من علامات قوته. وصار يلقب «بيغ ستون» (الصخرة العملاقة). وذلك لأنه كان ضخم الجسم، طولا وعرضا. الآن، بسبب كبر سنه، صار هزيلا جدا. وعندما ظهر، مؤخرا، أمام الصحافيين وكاميرات التلفزيون، كانت بنته تسنده. وغابت صديقته.
هذه هي مانويلا هيرزر، التي تصغره عمرا بخمسين عاما. مؤخرا، نشرت صحيفة «هوليوود ريبورتر» (تتابع أخبار نجوم ونجمات الفن) أن الصديقة لجأت إلى المحاكم لتنال نصيبها من ثروة ريدستون، التي تقدر بخمسة مليارات دولار. جندت أكبر محامي هوليوود ليثبتوا أن ريدستون لم يعد قادرا على السيطرة على نفسه، بسبب كبر سنه.
حسب الصحيفة، صار لجوء الصديقة إلى المحاكم آخر حلقة في مسلسل «يمكن أن يكون أصدق من مسلسلات تلفزيونية كثيرة تعرضها شركات ريدستون».
لم يعد سرا وجود صراع ساخن بين الصديقة والبنت. وقالت البنت ما معناه إن الصديقة ليست «صديقة»، لكنها «عشيقة»، وإنها أغرت والدها ليصادقها طمعا في ثروته.
ليست هذه أول مرة تتنافس فيها نساء على ثروة ريدستون. في العام الماضي، نشر موقع «تي إم زي» (يهتم بأخبار المشاهير) قصة ريدستون و«بولا فورتيناتو». هذه هي زوجته الثانية، والتي، مثل «مانويلا»، أصغر منه كثيرا في السن (فرق 40 عاما).
بعد زواج عشر أعوام، تطلقا. ومثل «مانويلا»، ذهبت إلى المحاكم، وحصلت على خمسين مليون دولار.
حسب الموقع، كان هناك صراع بين «شيري»، البنت الوحيدة، وبين الزوجة الثانية «شيري» بنت الزوجة الأولى. ومثلما تخاف «شيري» الآن من قضايا «العشيقة»، كانت تخاف من قضايا الزوجة الثانية. وكررت، في تصريحات صحافية كثيرة، جملة: «لا تريد هذه المرأة غير أموال والدي».
تريد «شيري»، ليس فقط أن ترث أموال والدها، ولكن، أيضا، السيطرة على مجموعة شركات «سي بي إس»، ومجموعة شركات «فياكوم». وذلك لأن هناك طرفا آخر ينافسها شقيقها «برنت» (من الزوجة الأولى).
قبل عشرة أعوام، ذهب هو، أيضا، إلى المحاكم بعد أن اختلف مع شقيقته (وقف الوالد معها). ومقابل ما يقارب مليار دولار، تخلى عن عمله في الشركات، ولم تعد له أي صلة بها.
لكن، الآن، بعد تقاعد الأب، وتوقع موته، تخشى البنت أن شقيقها سيعود لينافسها. (في الوقت الحاضر، تملك البنت 20 في المائة من أسهم «ناشيونال أميوزمنتز» الشركة الأم لمجموعتي «سي بي إس» و«فياكوم». ويملك الوالد 80 في المائة).
بصرف النظر عن الحرب بين البنت وشقيقها، وبين الزوجات والعشيقات، استطاع ريدستون أن يسجل اسمه كرائد من رواد الإعلام الأميركي. ربما إذا لم يتحول الرائد الآخر، الملياردير الأسترالي روبرت ميردوخ، من الجنسية الأسترالية إلى الجنسية الأميركية، لكان ريدستون هو الرائد الأميركي الإعلامي الأول.
يوم الخميس الماضي، تحدث تلفزيون «فوكس»، الذي يملكه ميردوخ، عن تقاعد ريدستون، وعن الصراع حول من يرثه. لكن، من دون الإشارة إلى أن صراع الإخوان والأخوات والزوجات والعشيقات داخل عائلة ميردوخ يزيد كثيرا على الذي داخل عائلة ريدستون.
كيف بنى ريدستون ثروته؟
كان والده بنجامين روثشتاين (غير الاسم اليهودي إلى مايكل ريدستون) من أوائل الأميركيين الذين بنوا سينماءات في الهواء الطلق (يصف الناس سياراتهم أمام شاشة عملاقة، ويشاهدون الأفلام من داخل السيارات).
في وقت لاحق، أسس شركة «ناشيونال أميوزمنتز» (الترفية الوطني) التي اشترت عشرات من دور السينما في مختلف الولايات الأميركية. وهي الشركة التي ورثها ابنه سمنار ريدستون.
بعد تخرج الابن من جامعة هارفارد محاميا، عمل نائبا لولاده. وبعد وفاة الوالد، لم يكتف الابن بشركة تعرض الأفلام، ودخل مجال إنتاج الأفلام. وهو صاحب شعار «كونتنت إز كينغ» (المحتوى هو الملك. يشير هذا إلى أن إنتاج الأفلام أهم من عرضها).
لكن، كان لا بد أن يبدأ من الصفر. لا ينافس الشركات العملاقة، ولكن يشتري أسهما فيها. لهذا، اشترت شركة «ناشيونال أميوزمنتز»، التي ورثها من والده، أسهما كثيرة في شركات إنتاج أفلام، مثل: «كولمبيا» و«بارامونت». وفعل الشيء نفسه في شركات تلفزيونية، مثل: «سي بي إس» وفي شركات كيبل، مثل: «فياكوم».
بعد عشرين عاما، نجحت استراتيجيته، وصار يملك معظم أسهم اثنتين من أكبر الشركات الإعلامية في الولايات المتحدة:
أولا: مجموعة شركات «سي بي إس» (التي تملك شركة تلفزيون «سي بي إس»، وشركة تلفزيون «شوتايم»، وشركة استوديوهات «سي بي» للإنتاج السينمائي. وغيرها). ويبلغ دخل المجموعة السنوي ملياري دولار تقريبا.
ثانيا: مجموعة شركات «فياكوم» (تملك شركة تلفزيون «بي آي تي» المتخصص في برامج السود، وشركة «سايمون آند شوستر» المتخصصة في نشر الكتب، وشركة «باراماونت» المتخصصة في إنتاج الأفلام السينمائية). ويبلغ دخل المجموعة السنوي أربعة مليارات دولار تقريبا.
في الأسبوع الماضي، عندما تقاعد ريدستون، كانت أسهم مجموعة شركات «سي بي إس»، وأسهم مجموعة شركات «فياكوم» تنافس أسهم مجموعة شركات إعلامية عملاقة أخرى، مثل: «ديزني» و«فوكس» و«تايم».
لهذا، تهتم جهتان بالصراع العائلي حول من سيرث ريدستون: الإعلام (خاصة صحف الإثارة)، و«وول ستريت» (سوق الأسهم المالية في نيويورك).



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.