أكراد سوريا.. و«بذرة الحرب» مع تركيا

أنقرة لم تستطع أن تكرر معهم تجربة التحالف مع أبناء عمومتهم العراقيين

أكراد سوريا.. و«بذرة الحرب» مع تركيا
TT

أكراد سوريا.. و«بذرة الحرب» مع تركيا

أكراد سوريا.. و«بذرة الحرب» مع تركيا

مع تقدم الميليشيات الكردية السورية المهادنة لنظام بشار على طول المنطقة الحدودية مع تركيا، برضا أميركي وروسي واضح، تنظر تركيا بكثير من الريبة إلى جارها «الكردي» الجديد على الحدود مع جارتها الجنوبية سوريا، ونزعته الانفصالية الواضحة، خصوصًا أن سلطات أنقرة لم تنجح في تكرار التجربة العراقية في هذا المجال. والمعروف أن علاقة أنقرة بأكراد سوريا تنتقل من توتر إلى آخر، وتهدد بحرب قد لا يتردد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في إعلان استعداده لشنها من أجل منع قيام كيان انفصالي في شمال سوريا.
لا تختلف نظرة تركيا إلى أكراد العراق عنها إلى أكراد سوريا، لكن الفارق في أن الزعيم الكردي مسعود بارزاني استطاع بناء جذور الثقة مع حكام أنقرة، بينما لم يستطع صالح مسلم، الذي درس في جامعات تركيا، ويتكلم لغتها أن يقوم بالمثل. فالأتراك يشكون كثيرًا في أن النظام السوري سبقهم إلى مد جسور التعاون مع أكراده إذ دغدغهم بأحلام الاستقلال والحكم الذاتي منذ اللحظات الأولى لاندلاع الأزمة، ومدّ إليهم أيضًا يد العون العسكرية في مناطقهم.
وفي موازاة هذا الفشل، أدى تردّد المعارضة السورية في التعاون مع الأميركيين ورفضهم التعهد بقتال «داعش» وحده دون النظام، إلى انتقال واشنطن نحو التحالف مع الأكراد الذين شكلوا فعليًا قوتها البرية على الأرض السورية، فيما يظهر حاليًا تعاون لافت بين الأكراد وروسيا التي أمّنت لهم الدعم الجوي أيضًا في أكثر من مكان.
ثم أتت الزيارة الأخيرة التي قام بها مسؤولون أميركيون إلى مناطق سيطرة الأكراد بشمال سوريا لتشكل ضربة قوية للثقة التركية بالولايات المتحدة، فأتى التحذير الشهير للرئيس رجب طيب إردوغان لواشنطن بضرورة الاختيار بين تركيا والأكراد.
تركيا تتخوف بشدة من نشوء كيانات كردية عند حدودها، خوفًا من انتقال عدوى الاستقلال إلى أكرادها الذين ينتشرون على الحدود السورية والعراقية في امتداد لما يسميه الكرد «كردستان الكبرى» أي الوطن الحلم، الذي لم يقم في التاريخ. ويقول الصحافي التركي المعارض سعيد صفا، مدير تحرير موقع «خبردار»، المقرب من حزب الشعب الجمهوري المعارض، أن الاشتباكات بين تنظيم «حزب العمال الكردستاني» والدولة التركية «لم ولن يؤثر في يوم من الأيام على مجريات الأحداث في مناطق الأكراد في سوريا أو في العراق»، لكنه أكد في المقابل أن «أي تطورات في تلك المناطق الكردية ستؤثر مباشرة على مجريات الأحداث في مناطق الأكراد في تركيا».
وتابع صفا لـ«الشرق الأوسط» موضحًا: «في هذه المرحلة نرى أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (في سوريا) في طريقة لإعلان كيان مستقل في سوريا، وتماشيا معه فإن حزب العمال الكردستاني هنا يضرب بكل قواه لانتزاع حق الحكم الذاتي في جنوب شرقي تركيا، لأنهم في النهاية يؤمنون بفكرة دولة كردستان الموحدة. ولكنني أعتقد أن القوى المسيطرة في سوريا، وهي اليوم روسيا وأميركا وإيران لن تسمح بتحقيق فكرة الدولة الموحدة». وأردف أن الولايات المتحدة تعتبر أن «العمال الكردستاني» إرهابي، ولكنها تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي، وهذا يعني أنها تميز بين الأكراد في سوريا والأكراد في تركيا.
غير أن رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم يرى أن على الأتراك إذا أرادوا أن يعيشوا بسعادة واطمئنان في محيطهم وفي الشرق الأوسط عمومًا، فعليهم أن يتخلصوا من «الفوبيا» الكردية. وإذ اعترف مسلم لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق أن أكراد سوريا يحلمون «تقليديًا» بالاستقلال، فإنه استبعد حصول ذلك «لأن موازين القوى تغيرت»، وتابع مسلم: «لقد اعترضوا على أكراد الداخل (التركي)، ورأينا ما حصل بسبب هذا الموقف. ونحن نقول لهم أن يتعاملوا مع الأكراد في تركيا بطريقتهم الخاصة، لكن معنا يجب أن يتعاملوا بطريقة مختلفة». وأضاف: «نحن الأكراد نطمح اليوم في الوضع الألماني ضمن الاتحاد الأوروبي. وهذا الوضع يمكن أن يكون نموذجًا جيدًا بالنسبة للأكراد، من دون تغيير في الحدود».
جدير بالذكر أن أكراد سوريا عبر ميليشياتهم يسيطرون حاليًا على معظم الحدود التركية - السورية، فهم ينتشرون من الحدود العراقية حتى منطقة عين العرب - التي يسمونها كوباني - حيث تفصلهم 120 كيلومترًا عن منطقة عفرين – ذات الغالبية الكردية في أقصى شمال غربي محافظة حلب - التي أسسوا فيها إدارة ذاتية. وهم ينطلقون منها حاليًا للهجوم على المعارضة السورية مستغلين تراجعها أمام الهجوم الذي يشنه النظام السوري وحلفاؤه بدعم جوي روسي مركّز من أجل الاقتراب أكثر فأكثر من مناطق سيطرتهم الأخرى وتأمين التواصل البري الجغرافي الصعب التحقيق حاليًا.
وتؤشر التحرّكات القائمة إلى وجود «تعاون» بين الأكراد والنظام السوري في هذا المجال. ومع أن هؤلاء يدعون أن الأمر مجرد «تقارب مصالح»، نافين أي تنسيق مع النظام، فإن الوقائع على الأرض، وسعي الأكراد لانتزاع المعبر الحدودي في مدينة أعزاز (ذات الكثافة التركمانية) من يد المعارضة السورية، عاملان يثيران قلق الأتراك الذين يهددون بالتدخل في أي لحظة.
بدوره، يقول صفا إن السلطة الحالية في تركيا، التي تتمثل في حزب العدالة والتنمية «ترفض رفضا قاطعا نشوء أي كيان كردي سواء في سوريا أو في العراق، وخصوصًا في سوريا، ولهذا نرى ردود الفعل الرافضة لقيام دولة كردية سواء من الدولة أو من السلطة نفسها». ويضيف صفا لـ«الشرق الأوسط» أن «تركيبة الدولة الحديثة انطلقت عام 1925 بعد قيام الجمهورية التركية بقوانين الإصلاحات أقيمت على أساس (شعب واحد، عرق واحد، ولغة واحدة، وعلم واحد)».. ولهذا تجاهلت الدولة مكوّنات الشعب التركي، وخصوصًا الأكراد الذين يعتبرون أنفسهم مواطنين من الدرجة الثانية من شعب تركيا، حيث حرموا من التحدث والتعليم بلغتهم الأم كما أنهم منعوا من نشر وممارسة ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وما زالت هذه السياسة مستمرة إلى يومنا هذا (حسب صفا)، وبناءً عليه، فإن تركيا لن تقبل سواء داخل حدودها أو في دول الجوار بأن يكون هناك حتى كيان كردي يتمتع بحكم ذاتي.
وأردف الصحافي التركي المعارض: «سياسة الدولة (التركية) منذ 100 سنة نظر بحساسية للأكراد».. ثم يشير في المقابل إلى أن سياسة حزب العدالة والتنمية «تتركز على نشر فكر الإسلام التركي المعتدل وهي تشكل الآن سياسة الدولة، ولهذين السببين نرى ردود فعل قاسية وتهديدية حيال حزب الاتحاد الديمقراطي قي سوريا أو ضد حزب العمال الكردستاني وحزب ديمقراطية الشعوب في تركيا».
وإذ رأى صفا أن بوابة الحل هي في «التعمق في أسباب هذه الأزمة»، اعتبر أن الحل يكون بتغيير سياسة الدولة حيال الأكراد. وأن تسمح سلطات أنقرة باستخدام اللغة الكردية لغة للتعليم، وأن يُصار إلى تغيير المادة التي تعرّف المواطنة في الدستور ويستعاض عنها بالمساواة في المواطنة بين جميع أفراد مكونات الشعب التركي، وأن تتخلى عن فكرة بأن «جميع المواطنين أتراك» وتتحول إلى أن «الجميع مواطنون تركيا» كل بانتمائه العرقي. ومن ثم، انتقد صفا تعامل الدولة مع مشاريع الحل. وقال: «مشاريع الحلول للقضية اقتصرت على إردوغان ومؤسسة المخابرات التركية ولم تجد أذانًا صاغية في مؤسسات الدولة، وخصوصًا في المؤسسة العسكرية وفي الوزارات مثل وزارة العدل، وفي المجلس التشريعي الذي حتى الآن لم يستطع تغيير أو إصدار أي قانون يشعر الأكراد بأنهم متساوون في هذا البلد».
من جهة ثانية، رد جيم كوجوك، الكاتب في جريدة «ستار» ومقدم برنامج سياسي في قناة 24 التلفزيونية، على التساؤل عن موقف تركيا في حال قيام كيان كردي انفصالي في شمال سوريا يترأسه حزب الاتحاد الديمقراطي، معتبرا أن هذا الموقف «سيتضح في ضوء الموقف الأميركي، فالولايات المتحدة تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي، وفي الفترة الأخيرة قام مسؤولون أميركيون بزيارة لشمال سوريا وأجروا محادثات مع الأكراد، وكان هذا بعلم ودراية من روسيا التي تسيطر على سوريا حاليًا. وتابع كوجوك في لقاء مع لـ«الشرق الأوسط» أن تركيا «تستطيع أن تحول دون قيام هذا الكيان فقط بالتدخل العسكري». واستطرد: «نحن معتادون على ما يقوله وما يحلم به الأميركيون. فخلال التسعينات أعلنوا أنهم آتون للمنطقة لإقامة دولة كردية في شمال العراق، ولكن إلى الآن لم ترَ هذه الدولة النور. ولكن إذا أرادت أميركا أن تقيم كيانًا ودولة تعترف بها في شمال سوريا، فإن هذه الدولة ستقوم، وإذا تدخلت تركيا لمنع قيامها فإن تركيا بهذا ستدخل المستنقع السوري. والمشكلة هنا أن الاقتصاد التركي لا يتحمل مثل هذه المغامرات وستكون خسائرنا على جميع الأصعدة جسيمة، ولكن أقول إن الوقت القريب المقبل سيبيّن لنا ما إذا ستتدخل تركيا في سوريا أم لا».
كوجوك يرى أيضًا أن تغيرات المواقف حول الأكراد بدأت عام 2003 بعد سقوط نظام صدام حسين، «إذ باشر الأكراد في إقليم شمال العراق ينظرون إلى تركيا نظرة إيجابية، وصارت الاستثمارات والبضائع التركية تغمر الأسواق في شمال العراق، وأصبح بارزاني من أهم أصدقاء وحلفاء تركيا حاليًا. الوضع في شمال سوريا يختلف تمامًا الآن، ولكن يمكن أن تتغير هذه النظرة بعد 5 أو 7 سنوات ويمكن أن تتغير النظرة إلى شمال سوريا لتصبح مثل شمال العراق». ثم أضاف أنه لا يتوقع أن يحصل أي شيء إلا بعد أن يتربع الرئيس الأميركي المقبل على عرش السلطة لأن باراك أوباما يستخدم الآن أسلوب إبقاء الوضع على ما هو عليه وأن يبقى القرار للرئيس المقبل».
وإذ أعرب كوجوك عن اعتقاده أنه إذا تدخلت القوات السعودية في سوريا لإسقاط الأسد، فإن تركيا ستشارك وتدعم القوات السعودية، أوضح أن «تركيا ستحسب المسألة من جميع الجهات لأن ليس من السهل أن تعلن الحرب أو المواجهة مع روسيا». وأردف: «اليوم في تركيا صاحب القرار الأول والأخير هو رجب طيب إردوغان وحكومة العدالة والتنمية.. فإذا قالوا للجيش ادخل. لا يوجد لديه خيار غير التدخل، ولكن يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن استثمارات الاقتصاد التركي على مدى 13 سنة قد تتبخر في لحظة واحدة»، مشددًا على أنه إذا أُجبرت تركيا على التدخل فإنها ستضرب بعرض الحائط كل شيء وستقامر بالدخول، «ولقد قالها إردوغان عدة مرات: إذا أُجبرنا فلن نتردد في دخول الأراضي السورية».
على صعيد آخر، يرى الباحث التركي مفيد يوكسال، المقرب من حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن «من أهم الخيارات التي أمام تركيا لمنع قيام كيان كردي، سواء في تركيا أو حولها، هو تحوّل تركيا من دولة وطنية قومية إلى دولة مشاركة لجميع الأقليات. وهذا لن يتحقق إلا بكسب تركيا الأكراد إلى جانبها». وتابع مشيرا إلى أن تركيا «هي أكثر دول في المنطقة أكرادًا وبكسبها أكراد تركيا ستكسب أكراد المنطقة».
وشرح يوكسال لـ«الشرق الأوسط» مرئياته للعلاقة مع الوضع السوري كرديًا فقال: «لو نظرنا إلى صالح مسلم وحزبه الاتحاد الديمقراطي فإننا سنرى أنه لا توجد له أرضية في الشارع الكردي في شمال سوريا، إلا أن هذا الحزب هناك يسيطر على مناطق شاسعة ولديه قوة عسكرية هائلة والسبب في هذا أن الحزب مدعوم من جميع القوى المتنفذة في المنطقة، وتركيا غضّت النظر عن توسّع وتقوية الحزب في فترة من الفترات، ففي فترة «الحل الديمقراطي» تركيا حاولت لإرضاء الأكراد أن تغض النظر عن تسليح حزب الاتحاد الديمقراطي».
وكشف يوكسال أنه وخبراء آخرين أصروا في بداية الأزمة السورية على منح أكراد سوريا ممن سحبت منهم الجنسية السورية من قبل النظام الجنسية التركية. وقال: «لو أعطت تركيا عام 2011 جوازات للأكراد السوريين فإن حزب الاتحاد الديمقراطي كان سيبقى محصورًا ودون أي تأثير يذكر، بل إن الحزب كان سيحل نفسه لأنه لن يجد مناصرين». وأضاف: «مع أن صالح مسلم يتكلم اللغة التركية وأنهى دراسته الجامعية في تركيا، وكانت إسطنبول وأنقرة بالنسبة له في بداية الأزمة نقطة انطلاق، فإن السلطات في تركيا لم تنجح في كسبه إلى جانبها، والسبب في هذا سياسة الدولة التي كانت تنظر إلى الأكراد بمنظار آخر منذ 80 أو 90 سنة».
ومن ثم، رأى أن «تركيا تعمل على تقريب أكراد العراق إليها، على الرغم من أن قيادة الإقليم تنادي بالانفصال عن العراق، وهذا يعتبر معضلة كبيرة بالنسبة لتركيا. ولكن الدولة استيقظت في اللحظة الأخيرة حيث اتضح لها أنه إذا انفصل شمال العراق الكردي السنّي عن العراق، فإن العراق سيتحوّل إلى غالبية شيعية ويصبح العراق فريسة سهلة أمام إيران، وبالتالي، سيتحول من دولة عراقية إلى إمارة تدار من طهران. ولهذا يجب أن يبقى الأكراد في العراق كعنصر موازنة، وهذا ما تعمل علية تركيا لإبقاء الأكراد السنّة عنصرا مهما للتوازن في الدولة العراقية».
وعلى أسئلة.. إذا أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي كيانًا داخل الشمال السوري فهل ستعلن تركيا الحرب عليه في ظل وجود روسيا وإيران؟ وإذا أعلنت الحرب هل ستجد دعما من حلف شمال الأطلسي أم لا؟ أو في حالة هجوم روسيا على تركيا هل سيقف إلى جانبنا حلف شمال الأطلسي أم لا؟ أجاب يوكسال: «الصراع لم ينته في سوريا بل هناك معضلة أخرى أمامنا، ويجب على دول المنطقة، وعلى رأسها تركيا، أن تقف بوجه الهيمنة الإيرانية في المنطقة. فكما حصل في اليمن حصل أيضًا في سوريا التي لم تعد سوريا قبل سنتين أو قبل سنة، بل تحولت إلى ولاية روسية - إيرانية ونحن نرى مقاتلي حزب الله يحاربون في ريف حلب».
وبالتالي، حذر يوكسال من أنه «إذا لم تستطع تركيا حل هذه المعضلة بأسرع ما يمكن فإنها ستجد نفسها مهددة بالتقسيم، لأن انفصال الأكراد عن تركيا سيفتح الباب أمام انقسامات كثيرة عاشتها تركيا عام 1912، عندما بدأت ألبانيا بالانفصال عن الدولة العثمانية، ومن ثم تلتها كيانات البلقان واحدة بعد الأخرى، وتلتها الدول العربية».
وشدد يوكسال على أن «الشارع الكردي لم يقطع الأمل بعد من الدولة التركية، ولهذا صوّت لصالح الاستقرار والسلام في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، حيث فاز حزب العدالة بنصف أصوات هذا الشارع في تركيا. وهذا - حسب الصحافي الموالي - ما يجب أن تقدره تركيا لأن الجماهير الكردية اختارت السلام والأمن، ومن ثم، أن تجري تغييرات دستورية عاجلة، خاصة، في إطار حرية التعليم باللغة الكردية وإعطاء مجال للساسة الأكراد لممارسة السياسة، كما أنه يجب على أنقرة أن تعرف بأن الأكراد ينتمون إلى المذهب الشافعي في السنّة وهم اقرب بكثير لتركيا السنّية من أي مكونات أخرى».



بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.