الأمن الإلكتروني.. وعصر الاختراقات الكبرى

مقاربات جديدة للدفاع ضد القرصنة بعد الاستحواذ على ملايين السجلات الشخصية

الأمن الإلكتروني.. وعصر الاختراقات الكبرى
TT

الأمن الإلكتروني.. وعصر الاختراقات الكبرى

الأمن الإلكتروني.. وعصر الاختراقات الكبرى

لم يكن بوسعنا وقف الاختراقات الأمنية الكبرى، لذا يظل التركيز الآن على الصمود، مع تطوير الأساليب الذكية في اكتشاف الهجمات، والطرق الأسرع للتعامل معها.
في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2014، ضربت هجمة إلكترونية قوية أغلب الشركات العالمية، وهي الهجمة التي تجاوزت بكثير حوادث سرقات أرقام البطاقات الائتمانية من المتاجر الكبرى، فقد تمكن القراصنة، وبعد استكشافهم الخوادم الداخلية في شركة «سوني» للترفيه، من الاستحواذ على التقارير المالية الداخلية للشركة، ورسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالمديرين التنفيذيين في الشركة، والبيانات الصحية الشخصية للموظفين، وحتى الأفلام التي لم تعرض ونصوصها وقاموا بتحميلها على الإنترنت.
وقالت مؤسسات الشرطة والأمن الأميركية حينها إن القراصنة كانوا يعملون بإيعاز من حكومة كوريا الشمالية، التي كانت غاضبة إثر فيلم هزلي أنتجته شركة «سوني» وفيه يحاول منتج تلفزيوني التخطيط لقتل ديكتاتور كوريا الشمالية.
خلل أمني فادح
وأظهرت النتائج مدى الخلل الأمني الفادح الذي تعاني منه هذه الشركة الكبيرة؛ حيث استمرت محاولات القرصنة داخل الشركة من دون أن يعلم بها أحد. والبيانات الحساسة والخاصة بأعمال الشركة لم تكن مؤمنة أو مشفرة. ولم تعمل تقنيات الدفاع الإلكتروني الموحدة ضد ما كان يفترض أن يوصف بـ«الهجوم الخادع» الذي نقر فيه أحد موظفي الشركة على أحد الروابط، ومن ثم تم تحميل باقة من البرمجيات الخبيثة على خوادم الشركة. وأظهر الأمر برمته، بعد اكتشافه، أن كثيرا من تقنيات اليوم ليست مناسبة، وأن الهجمات الحالية يمكن أن تكون أكثر عدوانية عن ذي قبل، وبمجرد وقوع الاختراق، فإن الأمر يزداد سوءا بسبب بطء التعامل مع المشكلة.
وقد كان اختراق شركة «سوني» واحدا من سلسلة من اختراقات البيانات الأخيرة – بما في ذلك بعض «الاختراقات العملاقة»، التي فقد فيها قرابة 10 ملايين سجل – مما يكشف حالة الضعف في مناهج الأمن الإلكتروني اليوم واتساع التأثيرات الواقعة على الاقتصاد العالمي.
وفي عام 2015، تعرض مكتب إدارة الأفراد بالولايات المتحدة للقرصنة، مما كشف 21.5 مليون سجل شخصي، بما في ذلك تحريات الخلفية الأمنية لملايين من المواطنين، ومن بينها 5.6 مليون نسخة من بصمات الأصابع. وفي وقت سابق اكتشف أكثر من 37 مليون زائر لموقع «آشلي ماديسون»، وهو موقع للتعارف والمواعدة لمن يبحثون عن علاقات خارج إطار الزواج، أن عناوين البريد الإلكتروني الحقيقية الخاصة بهم قد تعرضت للقرصنة.
وكشفت عملية سرقة بيانات 83 مليون عميل لدى بنك «جيه بي مورغان» العملاق في «وول ستريت»، من قبل فريق من القراصنة من إسرائيل بهدف التلاعب أو السيطرة على سوق الأسهم الأميركية، عن احتمالات مذهلة لإمكانات الهجمات الإلكترونية في تقويض القطاع المالي العالمي.
استراتيجيات الدفاع
وبما أن الشركات وغيرها من المؤسسات لا يمكنها وقف الهجمات تماما لأنها في غالب الأمر تعتمد بالأساس على الشبكات والتقنيات غير الآمنة، فإن السؤال الكبير هو كيف يمكنها التعامل بفعالية مع الهجمات والحد من الأضرار الناجمة عنها، وتبني استراتيجيات دفاعية متقدمة في المستقبل. ويقول تقرير لمجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية إن هناك مقاربات وأساليب جديدة في التفكير حول تلك القضية بدأت تترسخ في مختلف الشركات. وتشهد المؤسسات المعنية تحسينات في الكشف عن الغش والاحتيال وغير ذلك من الهجمات.
وبدأت المؤسسات في الاستجابة ضد الهجمات بوتيرة أسرع من ذي قبل، عن طريق استخدام المنصات التي تنبه موظفي الأمن حيال ما يحدث، وتقديم المساعدات العاجلة لاتخاذ الإجراءات المناسبة. وبدأت أدوات جديدة في الظهور من النظم المزدهرة لشركات الأمن الإلكتروني الناشئة، والممولة من قبل استثمارات رؤوس الأموال المرتفعة في المنطقة.
ولكن إعاقة التقدم في كل مكان يرجع إلى النقص العام في تشفير نظم الأجهزة والرسائل التي يستخدمها الآن الملايين من الناس يوميا. وقبل ما يقرب من ثلاثة أعوام، عندما كشف إدوارد سنودن، الموظف السابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركية، كيف أن أجهزة الاستخبارات الأميركية كانت تستفيد كثيرا من البيانات المخزنة لدى كبريات شركات الإنترنت في البلاد، تعهد كثير من تلك الشركات بعمل المزيد لتشفير البيانات لديها. وبدأت الشركات بالفعل في استخدام التشفير على الخوادم الخاصة بها، ولكن أغلب المستخدمين لا يزالون معرضين ما لم يعرفوا كيفية تثبيت واستخدام تطبيقات الطرف الثالث التي تشفر البيانات على أجزتهم.
من شأن كل تلك التدابير أن تساعد في حماية البيانات في الشبكات الآمنة نسبيا اليوم. ولكن من الواضح أن الأساسيات الخاصة بكيفية بناء تقنيات الشبكات في أول الأمر، تحتاج إلى إعادة النظر، حيث يكون الأمن الإلكتروني صاحب الدور الرئيسي في ذلك. ومن المتوقع إطلاق استراتيجية وطنية جديدة للأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة لرسم خطط البحث والتطوير لضمان تأمين البرمجيات بكل جدية والتأكد من أن المستخدمين يعرفون متى تكون تلك البرمجيات خارج نطاق العمل.
هناك فرصة كبيرة: فعدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت، والتي لا تتضمن الهواتف الذكية، وأجهزة الكومبيوتر، وأجهزة التابلت، قد يصل إلى ملياري جهاز خلال خمسة أعوام على الأكثر. ويتوقع تقرير صادر عن شركة «ماكينزي» عام 2015 أن تلك الصناعة سوف تتحول إلى صناعة بتريليونات الدولارات بحلول عام 2025. ومن شأن كل الأجهزة الجديدة أن تتيح الفرصة لبناء الأشياء بقوة وصرامة من البداية، وتجنب تكرار حوادث القرصنة، مثل تلك التي حدثت مع شركة «سوني»، في المستقبل.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».