أفلام بأكياس الرز

أفلام  بأكياس الرز
TT

أفلام بأكياس الرز

أفلام  بأكياس الرز

بكل سهولة تستطيع أن تشاهد الفيلم العربي الذي كنت تتمنى أن تشاهده معروضًا على إحدى القنوات الكثيرة المتخصصة اليوم بعرض ما يُـسمّـى بـ«الكلاسيكيات العربية». لا تعرف تمامًا ما الذي ستشاهده يوم غد أو بعده أو حتى بعد ساعات، فالأمور ليست منظمة وليست هناك مجلة تلفزيونية شاملة، شبيهة - لنقل - بمجلة «تي في تايمز» البريطانية أو «تي في غايد» الأميركية.
> في الواقع ليس هناك شيء يذكر بالنسبة لمسألة عرض هذه الأفلام. تمر تباعًا كما لو أنها جدول من المياه المختلطة التي تعيش على سطح الأرض لمسافة قصيرة قبل أن تعود إلى باطنها.
> وسواء أكان الفيلم هو «حرام» بركات أو «أرض» شاهين أو «حماتي عاوزة تتجوز» لمن لا اسم له، فإن العروض متشابهة. بعد فاصل قصير بين الفيلم المنتهي والفيلم الذي سيعرض، ينطلق الفيلم بموسيقاه الأصلية وأنت وحظك: قد يكون من كبار الأعمال الفنية أو من أكثر أفلام المقاولات سوءًا.
> قبل سنوات كثيرة تسابقت المحطات التلفزيونية العربية شراء الأفلام العربية القديمة (من الأربعينات والخمسينات إلى نهاية القرن الماضي) بما يشبه شراء شوال من الرز أو صندوق من المسامير. تم التعاقد وجلب الأفلام وهذا هو كل الجهد الذي بذله الطرف البائع والطرف الشاري. الأول ملأ جيوبه بالمال والثاني مخزنه بالأفلام - أين الضرر؟
> إلى جانب أن العملية تمت على أساس بيع النيغاتيف لمئات الأفلام، فإن خروج الأفلام الجيدة من دون توقيت، من دون اكتراث لتقديمها (أليس هذا أقل وأبسط الواجبات؟) ومن دون أي شكل من الاحتفاء بها، يحشرها في الأنبوب الغليظ ذاته الذي يشمل غالبية من الأفلام التي لا قيمة لها. بذلك لا ترتفع قيمة الأعمال الجيدة أساسًا التي حققها كمال الشيخ أو سعد عرفة أو صلاح أبو سيف أو عاطف الطيب أو سواهم، بل تغرق تمامًا كما يلقي أحدنا عقدًا ثمينًا في كومة من زبالة الشارع.
> إلى ذلك، ساعد ذلك على تخلّي العرب عن إقامة عروض خاصة يسترجعون فيها بعض أهم الأفلام، كما هو الحال في غالبية الدول حول العالم. تمر المناسبة الفضية على هذا الفيلم والذهبية على ذاك. تمر مناسبة وفاة مخرج كبير أول لا تمر… لا أحد هناك يكترث. كما لو أن الفيلم توقيع على ورقة بلا كلمات.
> هذا يحدث لأننا لا نحترم لا هذا الفن ولا الفنون والثقافات الصادرة عنا. حتى كلمة مثل «صانعي الفيلم» تحوّلت إلى «صناع الأفلام» في دمج ثقيل الوطأة حوّل الكاتب والمخرج إلى فريق محشور لجانب باقي العاملين. نتكلم كثيرًا عن تاريخ السينما المصرية ومستقبل السينما الخليجية أو كنوز السينما العربية (أينما كانت) وليس هناك ما يوازي كل ذلك على صعيد العروض التجارية في صالات السينما أو على شاشة التلفزيون.



أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
TT

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».

فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.

مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.

نقطة حياة: «حدود خضراء» (مترو فيلمز)

لحظات إنسانية

> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟

- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.

«حدود خضراء» الفرار صوب المجهول (مترو فيلمز)

> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.

- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.

نحو المجهول

> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟

- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.

> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟

- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.

> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟

- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.

ضحايا

> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟

- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.

> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟

- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.