القيق يرفض إفراجًا مؤجلاً ويواصل الإضراب تحت خطر «الموت»

زوجته: وعدت أبنائي برحلات مع والدهم لكن قلبي يسقط كلما رن الهاتف

أحد المطالبين بالإفراج عن محمد القيق المضرب عن الطعام يرفع ملصقا يحمل صورته (أ.ف.ب)
أحد المطالبين بالإفراج عن محمد القيق المضرب عن الطعام يرفع ملصقا يحمل صورته (أ.ف.ب)
TT

القيق يرفض إفراجًا مؤجلاً ويواصل الإضراب تحت خطر «الموت»

أحد المطالبين بالإفراج عن محمد القيق المضرب عن الطعام يرفع ملصقا يحمل صورته (أ.ف.ب)
أحد المطالبين بالإفراج عن محمد القيق المضرب عن الطعام يرفع ملصقا يحمل صورته (أ.ف.ب)

يرفع الطفل إسلام أمام منزله، صورة كبيرة لوالده الصحافي المضرب عن الطعام في السجون الإسرائيلية، نحو 80 يوما، محمد القيق (33 عاما)، كتب عليها بخط عريض: «حرا أو شهيدا». ويسمع من والدته كل يوم، وعودا متكررة، بأنه سيصحبه، قريبا، في رحلة جميلة، ويشتري له ألعابا كثيرة.
لا يفهم إسلام، ابن الأربعة أعوام، سوى أن والده معتقل لدى الجيش الذي رآه يأخذه بالقوة من المنزل، ويجهد في تفسير مصطلحات جديدة عليه، مثل «مضرب عن الطعام» و«بطل» و«حر» و«سينتصر على سجانيه».
وتبدو فيحاء شلش، زوجة القيق، وهي صحافية مثله، تعمل مراسلة لإذاعة الأقصى في قطاع غزة، واثقة من نصر زوجها، خصوصا بعدما بدأت تنهال عليه العروض الإسرائيلية، التي رفضها جميعا، بدءا من تعليق قرار اعتقاله الإداري، وحتى صفقة الإفراج عنه في مايو (أيار) المقبل. وكان القيق رفض الأسبوع الماضي، قرارا من المحكمة العليا، بتعليق الاعتقال الإداري وإخضاعه للعلاج. ورفض قرار الإفراج عنه بعد نحو 4 شهور، وطالب بإلغاء قرار الاعتقال الإداري والإفراج عنه فورا. وقال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، عيسى قراقع، إن النيابة العسكرية الإسرائيلية، عرضت على القيق المضرب عن الطعام، الإفراج عنه في الأول من مايو المقبل، لكنه رفض، وبقي مصمما على موقفه برفض العلاج، إلى حين الإفراج الفوري عنه، وإلغاء اعتقاله الإداري.
وذكرت الهيئة، أن العرض قدم للنائب العربي في الكنيست الإسرائيلي، أسامة السعدي، وإلى محامي الهيئة، أشرف أبو اسنينة، خلال الاتصالات المكثفة التي جرت ليلة السبت الماضي، وذلك تزامنا مع التدهور الخطير على وضع القيق الصحي، حيث هناك خشية من تعرضه لجلطة أو موت فجائي في أي لحظة. وأوضحت الهيئة أن المشاورات والجهود ما تزال تبذل بشكل مكثف، للضغط على الجانب الإسرائيلي للاستجابة لمطالب القيق وإنقاذ حياته. وأن الرئيس أبو مازن، والقيادة والحكومة الفلسطينية، أجروا اتصالات واسعة مع الجهات السياسية كافة للإفراج عنه وانتشاله من الموت، محملة حكومة الاحتلال وجهاز مخابراتها، المسؤولية الكاملة عن أي مكروه أو ضرر يؤثر على صحته.
ولا يقوى القيق على التعبير كلاميا عن قراراته، لكنه يكتبها على ورقة كبيرة بصعوبة.
وبدأ القيق في أول لقطات أخذت له من المشفى، مثل هيكل عظمي لمن يعرفه، منهكا بعيون غائرة، ولحية طويلة، ولا يقوى على الحركة.
وقالت تقارير طبية بأنه أصيب بحالات تشنج وضيق في التنفس، ودوخة شديدة، وآلام في جسده أدخلته مرحلة الخطر الشديد.
وحمل أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، سلطات الاحتلال الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن حياة القيق. وأكد عريقات، في بيان له، أنه أرسل رسائل خطية إلى الوزراء جون كيري وزير الخارجية الأميركي، وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، والمفوضة السامية للعلاقات الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، والسكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون، إضافة إلى عقد لقاء مع المسؤولين من الصليب الأحمر الدولي، طالبهم فيها بالتدخل الفوري للإفراج عن الصحافي القيق وعشرة جثامين للشهداء من القدس المحتلة، محتجزة لدى سلطات الاحتلال منذ أربعة أشهر. وفيما تتابع شلش كل هذه التطورات المقلقة، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «نحن ننتظره هنا بيننا أنا على قناعة بأنه سينتصر».
لكن هذا الإيمان القوي الذي تتحلى به شلش، وتقول: إنها لا تستطيع إلا أن تكون هكذا أمام أولادها إسلام (4 أعوام)، ولور (عام ونصف العام)، يتبدد للحظات، عندما يرن هاتفها الشخصي أو هاتف منزلها. تقول شلش: «مع كل رنة هاتف يسقط قلبي، أخشى أن يقول لي محاميه البقية بحياتكم».
ومخاوف شلش هذه تتزايد مع تسجيل زوجها أطول إضراب عن الطعام لم يزل مستمرا، ورفضه قرار تعليق إضرابه وإصراره على إلغائه. وتمني شلش النفس بنهاية سعيدة لإضراب زوجها، تعيده لها سالما ومنتصرا. لكنها تقول بجرأة منقطعة النظير أيضا، بأنها لو فقدته فستكون فخورة بما حققه.
والقيق ليس أول فلسطيني يضرب عن الطعام احتجاجا على اعتقاله إداريا، فقد سبقه إلى ذلك خلال عامين فقط، الشيخ خضر عدنان (56 يوما) والمحامي محمد علان (64 يوما) وآخرون، ونالوا حريتهم.
وتعزز هذه الحكايات لدى شلش الأمل بعودة زوجها منتصرا. ويصبح الأمل أقوى وهي تشاهده كذلك في عيون أطفالها، وابنها إسلام، الذي يقول لها يوميا بأنه سيذهب مع والده «مشوار بالسيارة» و«يشتري ألعاب» وسيقول له بأن أمه كانت أيضا «تعاقبه».
ولم تزر شلش زوجها منذ اعتقاله، كما لم تتصل به. وكانت قوات الاحتلال اعتقلت الصحافي القيق، مراسل قناة «مجد» الفضائية في الضفة الغربية، عقب دهم منزله في بلدة أبو قش، شمالي رام الله، في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015. وزجت به في السجن لـ6 أشهر من دون تقديم أي اتهام، حسب ما يتيح قانون الاعتقال الإداري. وهو قانون بريطاني ظلت تستخدمه إسرائيل، ويتيح لها زج أي من الفلسطينيين في السجن، من دون تهم، ومن دون محكمة، تحت بند «معلومات سرية»، وتستطيع التمديد للمعتقل كلما انتهت مدته. ويرفض القيق حتى أمس، تلقي أي علاج في المستشفيات الإسرائيلية. وعرض وزير الصحة الفلسطيني استقبال القيق وعلاجه في المستشفيات الفلسطينية بدل أن يبقى في إسرائيل. وتتبلور في هذه الساعات المقبلة، صفقة محتملة لإنهاء قضيته.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.