يوميات ليست بريئة من الخيال

«مراعي الصبار» لفوزي كريم

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

يوميات ليست بريئة من الخيال

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يُفصح السطر الأول من مقدمة كتاب «مراعي الصبار» بأنّ نصوصه مُنتزعة من «يوميات» الكاتب، لكنها ليست بريئة من فعل الخيال الذي يضفي عليها غموضًا مُحبّبًا يستدرج القارئ إلى غابة مُضبّبة ملأى بالأسرار والمفاجآت.
قد تبدو «اليوميات» كلمة عائمة تدور في فلك التشابه والتكرار المملّين، لكن ثمة «مُذكّرات» مهمة تغري الكاتب للعودة إليها، ونبشها، وتقليبها، لأنها تنطوي على ما يستحق الرصد والتأمل والتدقيق. وهذا ما حصل بالضبط لفوزي كريم الشاعر، والناثر، والرسّام، والناقد الموسيقي الذي يدّعي أنه «الشاعر الأكثر عزلة عن الناس»، وينأى بنفسه عن الوسط الثقافي العربي، لكن واقع الحال يكشف العكس تمامًا، كما تقول اليوميات، فهو يرتاد دار الأوبرا، والمتحف الوطني، والأكاديمية الملكية، ويتردد على الساوث بانك، والباربيكان، وشارع كورك المُزدحم بالمعارض الصغيرة، ويتنقل بدراجة هوائية بين صالات السينما، والقاعات الموسيقية، ومعارض الفن التشكيلي التي تغذّيه بالثقافة البصرية التي لا تحتاج إلى معرفة باللغة الإنجليزية التي سوف يتعلمها لاحقًا، ويُترجم منها إلى اللغة العربية ما يتناغم مع ذائقته الشعرية من قصائد.
لم تتحطّم جدران العزلة التي يعاني منها فوزي كريم إلاّ بمَقْدم صلاح، الصديق الذي سيشاركه السكن على مضض. فهذا الرجل يتحدث «باحتقار أخ يكبره سنًّا»، فلم يجد حرجًا في القول: «سأقتسم معكَ سُكنى الفئران هذه إلى حين»، لكن الراوي كان يتحمل هذا الصديق لأنه «كان مثقفًا مهمومًا باجتراح حلول جذرية لأزمة الفقر». إنّ ما يهمّ القارئ هو التناقض الحاد بين الكاتب وضيفه، فهذا الأخير نباتي، ويساري متطرف، إضافة إلى تركيبته الشيزوفرينية التي حرّكت الحياة في هذه الشقة الساكنة.
مثلما أطلّ صلاح وتوارى عن الأنظار مُخلِّفًا حضوره الباذخ، تطل زاهية التونسية التي يحبها الراوي على الرغم من ارتباطها العاطفي بأدهم، فهي تحبهُ، ولديها الرغبة في الزواج منه، لكن شيئًا من كيانها بقي تائهًا ومعلقًا في الفراغ الذي لا يستطع أدهم أن يسدّه وحده، فلا غرابة أن يحضر الراوي ليعوّض العنصر التائه في هذه العلاقة الإشكالية التي لا تكتمل من دونه، وأغرب ما في هذه العلاقة الشائكة أنه لا يحبّذ امتلاكها وإنما يريدها معه فقط.
ليس من الغريب أن تحضر اللوحة الفنية في هذه اليوميات، فهي جزء أساسي من الثقافة البصرية للراوي، فهو رسّام وإن لم يكرّس حياته للرسم، كما أنه ناقد فني لمّاح تتجلى خبرته النقدية عند الحديث عن المعرض الاستعادي لمونك، فهو بخلاف جمهرة من النقاد التشكيليين لم يرَ في نظرات مونك المذعورة أي ملامح غيرة مثلما هو لا يغار على زاهية من أدهم أو حتى من الناس الآخرين. لا بد من الإشارة إلى الصراع الداخلي، ومشاعر الحرج الثقيلة، والإحساس بالذنب الذي يعانيه الراوي بسبب موقفه من زاهية وعلاقته الغامضة بها، لأن قسمًا مهمًا من مشاعرها ينصبّ عليه لأنه يشغل المساحة المرتبكة من عاطفتها الإنسانية الحميمة.
الصديق الثاني الذي يلتقيه قادمًا من العراق هو المسرحي جليل الشرقي، الذي كبُر بعض الشيء وسيتخذ من وجوده ذريعة لتأكيد عدم معرفته باللغة الإنجليزية، فلم يذهبا إلى عرضٍ مسرحي مثلا، وإنما ذهبا إلى حفل موسيقي بحجة أن الموسيقى لغة عالمية يفهمها الجميع. كما سيتخذ الراوي من وجود هذا الصديق حجة للعودة إلى بغداد التي لن تعود إلى سابق عهدها، لأن «الزورق دخل في المحيط العاصف»، وأن السيد النائب قد أصبح رئيسًا للجمهورية وبدأ بتصفية الحساب مع رفاقه في القيادة قبل أن يبدأ بخصومه وأعدائه.
يكتظ هذا الكتاب بالأفكار المتناسلة التي ينتجها الراوي عن نفسه وعن الشخصيات التي تظهر وتؤدي وظيفتها قبل أن تختفي لتظهر من جديد أو تتوارى كليا لتتيح للراوي أن يتجول في «مراعي الصَبَّار»، وهو يتأرجح بين فكرتي الإيمان والإلحاد: «إنني لستُ ملحدًا، كما أنني لستُ مؤمنًا»، لأن «اللاإيمان يليق بالشاعر».
لعل «ليلة الكابوس» هي أهم ما في العودة الذهنية إلى بغداد حيث نتعرف على شخصية «هوبي» الذي يبدو ضعيفًا، سهل المكسر، لكنه مرتبط بعلاقة حميمة مع شاعرة. ويتضح لاحقًا أن ليلة الكابوس التي كذّب فيها «هوبي» قليلا كانت ليلة إعدام أخيه، فلا غرابة أن يهلع من فكرة اعتقاله الوشيك لأن العراق «لا فسحة فيه للعزاء أو السلوان، هذه هي الحقيقة كلها».
يحلّ حجي إسماعيل ضيفًا على الراوي بمزاجه الرائق، وشخصيته خفيفة الظل التي تصوِّر لنا خوف الشخصية العراقية من الديكتاتور وهي بعيدة عنه آلاف الأميال، فهذا الرجل يهمس حينما يأتي على ذكر «السيد النائب» أو عبارة «بعد مجيء الجماعة»، لكن قصصه الأخرى الأقرب إلى الخرافات تمنح الكتاب بُعدًا فانتازيًا جميلا.
يبدو أن الشاعر فوزي كريم هو أفضل من وظّف عِلله البدنية في الأدب العراقي، ومن يقرأ هذا الكتاب لا بد أن يرتجف قلبه، ويتضاعف عنده الخفقان، لكن العبرة في هذا الكتاب أنه يحوّل الأمراض الجسمانية إلى مختبر لفحص الآراء، والمفاهيم، والقيم الحضارية التي يتشبث بها هذا الكائن البشري على الرغم من البقع السوداء التي تبسط نفوذها على مساحة غير قليلة من هذا القلب المرهف.
يُفزع كريم قارئه حينما يتابع تدهور الحالة الصحية للشاعر شريف الربيعي الذي تبين أنّ غدة البنكرياس لم تسلم من مخالب السرطان التي بدأت تنهش في أعماقه، وأن حالته الصحية ميؤوس منها، بعد أن فشلت كل المحاولات الطبية للدفاع عنه وإنقاذه من هذا الأخطبوط الغامض الذي فاجأه على حين بغتة.
تكمن أهمية هذا الفصل تحديدًا في مراقبة الراوي لوجوه الأصدقاء الكثر الذين زاروه في المستشفى، بعد أن استحوذت عليهم مشاعر الخوف والقلق والترقب. بعضهم يبكي بصمت، وبعضهم ينشج، وبعضهم الثالث ينخرط في بكاء حار حينما تتناهى إليه مناغاة صادق الصائغ المؤثرة وهو يقول بصوت مسموع «أبو الشرف، فدوة لعيونك».
هذا الكتاب مُهدى إلى عبد الستار ناصر، الصديق الذي توقع أن يرحل أحدهما، هو أو فوزي كريم، إلى عالم الأبدية في عام 2007، وتمنى صادقًا أن يكون هو الراحل وليس فوزي كريم، وقد تحققت نبوءته ولكن بعد ست سنوات. لم يرتكس الكاتب إلى السحر والمعجزة والنبوءة، لكنه يؤمن بأن «هناك فيوضات روحية يشحنها الشعر والفنون»، وربما تقودنا هذه الفيوضات إلى القول بأن «الموت لا يعني العدم».
لم يأتِ فوزي كريم إلى لندن طمعا بمغامرة أو رغبة باكتشاف، وإنما جاءها هاربًا فأصبحت تيمة الهروب الأبدي أساسية في شعره ونثره أيضا. أما الماضي فقد كان يعيشه ولا يكتفي باستعادته.
وهو لا يحب أيضا نثر المعميات والرطانة اللغوية التي يُعِّدها مرضًا يفتك بجمالية النص الأدبي، ولا يجد حرجًا في القول بأنه يريد أن يفهم ما يقرأه، فلا غرابة أن يحرِّم على نفسه استعمال كلمات لا يفهمها من قبيل «الشعرية»، «النسق»، «التناص»، «التماهي»، «حركية السكون» و«المسكوت عنه»! هل حقًا لا يفهم فوزي كريم هذه المصطلحات وهو المُشتغِل في حقل اللغة منذ خمسة عقود تقريبا؟



فيروز التي يعيد صوتها اختراع العالم

فيروز خلال حفلة في بيروت عام 2010 (أ.ف.ب)
فيروز خلال حفلة في بيروت عام 2010 (أ.ف.ب)
TT

فيروز التي يعيد صوتها اختراع العالم

فيروز خلال حفلة في بيروت عام 2010 (أ.ف.ب)
فيروز خلال حفلة في بيروت عام 2010 (أ.ف.ب)

فيروز في التسعين. هكذا تقول بطاقة الهوية، ولكنها جملة لا تقول شيئاً بمعيار الإبداع. فمنذ متى كان العباقرة الكبار قابلين للاختزال في وثيقة ولادة أو بطاقة تعريف، وهم الذين تظل هوياتهم أبداً قيد الإنجاز، ولا يكفون عن استيلاد أنفسهم يوماً بيوم وعملاً بعد آخر. ومن أين لعناصر الجملة أن تستقيم، إذا كان الخبر لا يشبه مبتدأه بشيء، وإذا كانت المرأة المعنية به، لا تجيد من الأدوار أو المهن، أكثر من مهنة التحليق فوق الزمن، والتحالف الوثيق مع الخلود.

فيروز في التسعين. لكن كل شيء يخصها يقول عكس ذلك: جبينها الوضاء الذي لا يني يزداد علواً، عيناها المنصرفتان عن وحول الكوكب الأرضي وموبقات سكانه، صوتها المستل رنينه من تفتح صباحاتٍ ياسمينية المنشأ، وأعقاب صحارى وتنهدات، وصداح بلابل مكتومة القيد، ومظلات من الفرح المنسي تنتظر بلا هوادة عشاقها الغائبين.

وهل كان يعلم حليم الرومي بأنه إذ يسّر للموسيقي الفذ عاصي الرحباني، وللمغنية الذهبية نهاد حداد، سبل اللقاء في استوديوهات إذاعة لبنان، وصولاً إلى الحب والزواج اللاحقين، إنما كان بالمنظور الأوسع يوفر للمثلث الذهبي المؤلف من الصوت واللحن والكلمة، حاجته إلى التحقق على أفضل صورة ومثال. لقد بدا الرومي وكأنه يوفر للتاريخ الذريعة التي يحتاجها لكي يحول المصادفة البحتة إلى منعطف دراماتيكي، ينقل صورة الفن اللبناني من طور إلى طور، مستدرجاً إلى ساحته براءة الريف وجماليات الفولكلور وأطياف الأزمنة الغابرة، ومؤالفاً بين التراث الشعبي وبين رياح الحداثة الوافدة.

وإذ استطاع لبنان في الحقبة التي تبعت الاستقلال أن ينعم بشيء من البحبوحة والحرية والأمان، فقد تمكن صوت فيروز المزود بكل ما تحتاجه الينابيع من عذوبة، أن يرسم للكيان الذي ينتمي إليه، صورة رومانسية طوباوية منتزعة من أجمل مشهديات الريف اللبناني وعاداته وتقاليده. الأمر الذي تمثل في أعمال مبكرة من مثل «حكاية الإسوارة» و«الليل والقنديل» و«جسر القمر»، حيث وجدت هذه الأعمال في مهرجانات بعلبك منصتها النموذجية. وهو ما تصفه خالدة سعيد بقولها: «لقد تجلت الرومانسية في غناء فيروز وموسيقى وشعر الرحبانيين في ذلك التصور لعالم جنيني يشفّ ويضيء بحزن نظيف لا يشوبه نواح، وعبر شخصيات تنتمي إلى فردوس يوشك بسبب التطور الاجتماعي على الزوال».

وإذ بدأت هذه الصورة الزاهية للوطن الصغير تتراجع إلى الخلف، مفسحة المجال لأعاصير وزلازل من كل نوع، تمكنت فيروز في «ناطورة المفاتيح» و«أيام فخرالدين» و«جبال الصوان»، وصولاً إلى «بترا»، من استثمار حنجرتها النادرة في إطلاق نفير العصيان والتمرد على الظلم، ومقارعة الاستبداد، والتبشير بالحرية، وإرساء عدالة المقهورين.

ومع ذلك فإن التجربة برمتها لم تكن لتصيب هذا القدر من النجاح لو لم يذهب الرحبانيان بعيداً في المغامرة والتجريب، ولو لم تكن فيروز قادرة على مجاراة تلك المغامرة الإبداعية والإنسانية، سواء من خلال وعيها العميق بمآلات الواقع والتاريخ، أو ثرائها الروحي والإشراقي، أو قدرة صوتها على التكيف مع كل مهمة أوكلت اليه. فقد تكفل هذا الصوت بأداء الأغنيات العاطفية والوطنية والبدوية، وهدهدة الأطفال، والموشح، والنشيد الحماسي، والابتهال الصوفي، دون أن يصاب بالتعثر أو الوهن.

ومع أن الأبراج لا تصدق دائماً في قراءة الطوالع أو رسم خرائط الأعمار، فإن لولادة فيروز التي خرجت إلى العالم في مثل هذه الأيام من عام 1935، وكأنها تولد من حاجة لبنان إلى ظهير أسطوري يوسّع مساحة الوطن الصغير، ويعزز في الوقت ذاته دوره الريادي في إطلاق نهضته الثانية، بعد عقود من النهضة الأولى التي انطلقت مع مارون النقاش والشدياق واليازجيين والبساتنة، وصولاً إلى الأدب المهجري الذي تسلم لواءه التجديدي كل من جبران خليل جبران وأبو شبكة ونعيمة والريحاني وآخرين.

وإن لولادة فيروز في شهر خريفي، ما أكسب صوتها رغم احتفائه بالحياة، نبرة من الشجن والحزن المريمي غير قابلة للاضمحلال. ثمة في صوتها ما يزيح القشرة الظاهرة عن سطوح الأشياء، ويعري الفرح من غلالته، منقباً عن الطبيعة الحزينة للعالم، ومدلاً على شطره المفقود، كما يدل السراب على غياب الماء. كما يبدو الحزن الفيروزي أقرب إلى الحزن الأنيق الذي يبجل معنى وجود الإنسان على الأرض. ومع ذلك فإن هذا الصوت لم يكن منذوراً لفصل واحد أو طقس بعينه، بل كان يهب نفسه للفصول الأربعة، ويقبض على ناصية كل منها وانعكاساته على الداخل الإنساني. فكما انعكس الخريف بشاعريته الحزينة وترجيعاته المذهبة بالحنين في أغنية «ورقو الأصفر شهر أيلول»، التي كتبها جوزف حرب، منحت فيروز الشتاء هويات وأحوالاً متباينة، سواء عبر سردية الحب والفراق في أغنية «بليل وشتي»، أو الربط الاحتفالي بين المطر والحب في «رجعت الشتوية»، أو البحث في أغنية «وحدن بيبقوا»، التي كتبها طلال حيدر، عن عشاق شتويين ضائعين في برية العالم، أو الاحتفاء ببذرة الخصب الأدونيسي التي يعمل الشتاء على استنهاضها من باطن الأرض في «شتي يا دنيا»، أو الحديث في «تحت الشتي حبّوا بعضن» عن العاشقين اللذين ولد حبهما في شتاءٍ ما، وفي شتاء آخر افترقا إلى الأبد.

وإذا لم ينل الربيع الحظوة نفسها التي نالها أقرانه، فلأنه يجسد الجمال في حالة التحقق، في حين أن الفن في جوهره هو رديف النقصان والوعود المؤجلة. ومع ذلك فثمة وجوه للحياة بهية التفتح وربيعية الظلال في أغنيات غير معروفة من مثل «الربيع زار هذه الديار» التي غنتها فيروز عام 1955، أو أخرى أكثر شهرة مثل «طلّ وسألني إذا نيسان دق الباب». وإذا كان للصيف نصيبه الوافر من صوت فيروز، فلأنه الفصل الذي يتيح لروح الجماعة الأهلية في الريف اللبناني أن تظهر في أبهى صورها وتجلياتها، سواء عبر التقاليد الفولكلورية والأعراس وسهرات السمر، أو في طقوس العونة ومواسم القطاف والحصاد.

الحديث عن فيروز لا يمكن له أن يستقيم من دون التوقف ملياً عند احتفائها بالحب بوجوهه وأحواله المختلفة

على أن الحديث عن فيروز لا يمكن له أن يستقيم، دون التوقف ملياً عند احتفائها بالحب بوجوهه وأحواله المختلفة. لا بل إن هذا الصوت الذي يندلع من أعمق ما في الروح من عذوبة يكاد يكون الحب نفسه، وهو يتسلق حبال اللهفة والابتهال والشغف الجسدي والروحي بالآخر المعشوق. والحب في الأغنية الفيروزية يحتل الزمن بأبعاده الثلاثة، الماضي والحاضر والمستقبل، بقدر ما يحتل الفصول والطبائع والعناصر. وهو إذ يعلن عن نفسه بقوة وجرأة عبر أدوات النداء والمخاطبة، في «حبيتك بالصيف»، أو يعلن بوحه الشهواني في سردية «قالوا غمرني مرتين وشدّ»، إلا أنه يعرف بالمقابل كيف يتفيأ ظلال النصوص التراثية والدينية في أغنية «أنا لحبيبي وحبيبي إلي»، المستلهمة من «نشيد الأناشيد».

وقد لا يكون ممكناً التحدث عن صوت فيروز دون التوقف عند علاقته بالطفولة والزمن. ذلك أن أكثر ما أكسب العالم الفيروزي طابعه السحري، هو التصاقه الدائم بلحظة التكوين الأولى والتفتح البرعمي للكائنات والعناصر. وهو ما تظهر شواهده النموذجية في أغنيات من مثل «شادي»، الطفل المسمر أبداً على ثلوج الزمن، أو «يا دارة دوري فينا»، حيث تتم الدعوة إلى الاختباء من درب الأعمار، وتلافي التقدم في السن بداعي النسيان. لا بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك، ليدعو الزمن إلى التقهقر، صارخاً بالأزمنة المنقضية «يا سنين اللي رح ترجعيلي، ارجعيلي شي مرة ارجعيلي»، ومحاكياً بشكل مضمر نظرية «العوْد الأبدي» عند نيتشه.

ولعل انصهار فيروز الطفولي بالوجود، فضلاً عما تملكه حنجرتها الفريدة من جرْس ينبوعي غير قابل للنفاد، وثمل ابتهالي بجمال العالم، هو ما جعل صوتها كنفاً وحرزاً لملايين البشر، اللائذين بحباله من وهدة الشيخوخة ووطأة الحرمان والقهر وهاجس الموت. وإذ نحتفي بها في عامها التسعين، ونتمنى لها المزيد من السنوات، لا أجد ما أختم به هذه المقالة أفضل من قول أنسي الحاج «صوتها الذي أسمعه، كأنه هو الذي يسمعني، بل كأنه أحسن من يصغي إلي كما أصغي إليه. صوتها الساقط فينا كالشهيد، والمخْمد حولنا كالعواصف، صوتها الملهب فينا غرائز البراءة والوحشية، صوتها كمصابيح في المذبح، وكزهرة جديدة حمراء في حديقة قديمة».


6 حلل نسائية من مقابر البحرين الأثرية

ثلاث حلل من مقبرة الشاخورة تقابلها ثلاث حلل من مقبرة سار
ثلاث حلل من مقبرة الشاخورة تقابلها ثلاث حلل من مقبرة سار
TT

6 حلل نسائية من مقابر البحرين الأثرية

ثلاث حلل من مقبرة الشاخورة تقابلها ثلاث حلل من مقبرة سار
ثلاث حلل من مقبرة الشاخورة تقابلها ثلاث حلل من مقبرة سار

يحتفظ متحف البحرين الوطني بمجموعة كبيرة من الحلل النسائية، مصدرها المقابر الأثرية التي تم استكشافها خلال العقود الأخيرة، وتشهد لتعددية كبيرة في الأنماط والأشكال والأنواع، وتنقسم عند تصنيفها مجموعات عدة، منها مجموعة مميّزة تحضر فيها فصوص اللؤلؤ إلى جانب حبيبات شتّى من الأحجار والمعادن، تمّ استخدامها كأحجار كريمة. يتجلّى هذا النسق المحلّي الخاص في عقود تتبنّى أطرزة متحوّلة لا تعتمد القوالب الثابتة في تكوينها، منها 3 عقود خرجت من مقبرة تُعرف باسم الشاخورة، تقابلها 3 عقود خرجت من مقبرة تُعرف باسم سار.

تقع مقبرة الشاخورة في المحافظة الشمالية، شمال غربي القرية التي تجاورها وتحمل اسمها، وتحتضن سلسلة من تلال لمدافن تعود إلى الفترة التي عُرفت فيها البحرين باسم تايلوس. من هذه التلال التي باتت اليوم تحت مظلة هيئة البحرين للثقافة والآثار، خرجت مجموعات متنوعة من اللقى، ضمّت عدداً كبيراً من حلل نسائية تعود إلى الفترة الممتدة من القرن الثاني قبل الميلاد إلى مطلع القرن الميلادي الأول. تتكوّن هذه المجموعة من قطع تختلف في التكوين وفي الصناعة، منها عقود محليّة الصنع، تحوي حبيبات لؤلؤية تختلف أحجامها بين نموذج وآخر. يبرز في هذا الميدان عقد يبلغ طوله نحو 20 سنتيمتراً، اكتشف خلال حملة تنقيب جرت في عام 1993.

يتكوّن هذا العقد من 10 حبيبات لؤلؤية دائرية، تتقاطع مع 12 قطعة بيضاوية من خرز العقيق الأحمر المعروف باسم «الكارنيليان»، وهو نوع من العقيق شبه الثمين، استخدم بشكل واسع في هذا الحقل، كما تؤكّد اللقى المشابهة التي تمّ العثور عليها إلى يومنا هذا. إلى جانب هذه الفصوص البيضاء والحمراء، تحضر حبيبات تجمع بين اللون الأخضر العسلي واللون البني، منها ما يبدو أشبه بالخرز المزجّج، ومنها ما يبدو أشبه بالخرز الحجري المصقول. يشكّل هذا العقد نموذجاً خاصاً في الصناعة المحلية، يبرز إلى جانب أطرزة أخرى تظهر مكوّناتها في حلل أخرى من حلل الشاخورة، منها حلتان تمّ اكتشافهما خلال حملة بين 1996 و1997.

تختلف هاتان الحلتان في الحجم كما في التكوين، وأكبرهما حلة على شكل عقد يبلغ طوله 24.5 سنتيمتر، يجمع كذلك بين 4 حبات من العقيق الأحمر المعروف باسم «الكارنيليان»، منها حبتان دائريتان وحبتان بيضاوان، إضافة إلى حبيبات من حجر الكريستال والخرز المزجّج، تشكّل سلسلة تتدلّى من وسطها قلادة لؤلؤية. صيغت هذه القلادة على شكل عنقود من العنب، ووفقاً لطراز تتكرّر شواهده في مقابر البحرين الأثرية، منها ما وصل بشكل مجتزأ، ومنها ما وصل بشكل كامل.

تأخذ الحلّة الثالثة شكل سوار يبلغ طوله 17 سنتيمتراً، وتتكوّن من 13 حبيبة لؤلؤية من النوع المتواضع، تحضر ضمن سلسلة تجمع بين حبيبات متنوعة، منها العقيق، ومنها حَجَرُ السِّيلان الذي يُعرف كذلك باسم البِجَادِيّ، إضافة إلى عناصر منمنمة من الذهب. تتقاطع هذه السلسلة من الحبيبات الصغيرة مع فصّين أبيضين ضخمين من العقيق الأحمر القاني، ويتدلّى من وسطها فص ثالث مشابه، يحلّ على شكل قلادة تحدّ كل طرف من طرفيها حبيبة بيضاء.

تُمثّل هذه العقود التي خرجت من مقبرة الشاخورة أطرزة متحوّلة في مكوّناتها، تقابلها أطرزة أخرى تظهر في حلل معاصرة لها، منها على سبيل المثل 3 عقود، مصدرها مقبرة سار، وهي تشكّل جزءاً من موقع أثري كبير يضمّ نواحي تعود إلى حقب متلاحقة من الزمن، وتقع كذلك في المنطقة الشمالية، على بُعد نحو 10 كيلومترات غرب العاصمة المنامة، حيث تحدّها من جهة الشرق منطقة الشاخورة.

تأخذ حلّتان من حلل مقبرة سار شكل سلسلتين طويلتين تتكون كل منهما من أحجار مرصوفة متعددة الأنواع والأشكال والألوان، وتأخذ الحلة الثالثة شكل سوار يتألف من أحجار بيضاء تتقاطع مع 3 أحجار يغلب عليها اللون الزيتي الفاتح. يبلغ طول كلّ من هذين العقدين نحو 34 سنتيمتراً، ومنهما عقد اكتشف خلال حملة تمت بين عام 1987 وعام 1988، وحجارته من الصنف المتواضع، وتتكون من قطع من الصلصال المزجّج، وقطع من الأصداف، وحبيبات من المرجان. تشكّل هذه الفصوص المتنوّعة سلسلة تتدلى من وسطها قلادة بيضاوية لؤلؤية، في صياغة محلية مميزة تتعدّد تنوّعاتها في هذا الحقل.

في المقابل، يعود اكتشاف العقد الآخر إلى حملة لاحقة بين عام 1995 وعام 1996، وهو من طراز مشابه، ويتكون من حبيبات مزجّجة منها حبيبات من اللون الأزرق الفيروزي بتدرجاته المختلفة، ومنها حبيبات يغلب عليها اللون الأخضر الزيتي. تتقاطع هذه الفصوص المتنوّعة مع حبيبة لؤلؤية يتيمة، وتشكّل سلسلة تحوي 4 قطع مستطيلة سوداء منقّطة بدوائر بيضاء، تستقرّ بشكل تعادلي متجانس في هذه الحلّة. وفقاً للنسق الشائع، تتدلّى من وسط هذه السلسلة قلادة تحلّ هنا على شكل حجر مثلث، أملس وأبيض.

يتبنّى السوار صياغة مغايرة تماماً؛ إذ يجمع بين 9 حبيبات لؤلؤية، و3 حبيبات مزجّجة من اللون الزيتي الفاتح. تحلّ وسط هذه الحبيبات قلادة عريضة، صيغت على قطعة مستطيلة ضخمة صُنعت من حجر يُعرف بالعقيق المخطط أو العقيق الشريطي، وهو من العقيق الأبيض، ويتميّز بخطوط متوازية ومتعرجة، تكسو مساحته المسطّحة وتزيّنها بأنماط شريطية متعدّدة الأشكال.


ماذا يحدث عندما نفكر؟

حنه آرندنت
حنه آرندنت
TT

ماذا يحدث عندما نفكر؟

حنه آرندنت
حنه آرندنت

في عالمنا اليوم، يبدو أن ظواهر مثل الحقيقة والواقع تغمرنا باستمرار في سياق الحياة اليومية. لكن لا بأس إذا تداخلا، تماماً، في بعضهما بعضاً. يبدو أنه لا يوجد تعارض أو التباس أو أي سوء فهم بينهما. فما نسمعه ونراه ليس أكثر ولا أقل مما هو موجود. ولا يوجد شيء سوى ما ندركه. لكن هل كل ما نلاحظه، هو فعلاً واقع أو حقيقة أو كليهما؟ حسب الفيلسوفة الألمانية حنه آرندت، لا حقيقة ولا واقع، وأن كليهما لم يظهرا كما هما. إن الفكر، حسبها، يدعو إلى عدم اللجوء للتأمل فقط، بل إلى العمل على تغيير الحياة العامة والأحداث، مؤكدة على ضرورة أن يكون الفكر حراً ومسؤولاً في الوقت نفسه. وبهذا فهي تحث الفلاسفة على العمل. وتثمن مقولة كارل ماركس الشهيرة، التي جاءت في الأطروحات الإحدى عشرة، رداً على فيورباخ، والتي تقول: «لقد اكتفى الفلاسفة حتى الآن بتفسير العالم بطرق مختلفة، لكن المهم هو تغييره».

اليوم، ونحن نعيش في عالم الخوارزميات، نتساءل؛ هل تسونامي المعلومات الذي يتجاوزنا وبشكل وفير ومباشر، يغنينا عن التفكير والتفكر؟ يبدو أن كتاب حنّة آرندت «حياة العقل» (1978)، مازال آنياً. وفيه تتناول «ماذا يحدث عندما نفكر؟» وهو السؤال الذي ركزت عليه في كتابها المنشور بعد ثلاث سنوات من وفاتها، والذي نستكشف فيه ماهية التفكير، وأين ومتى بالفعل، يحدث ذلك.

بدايةً، فالتفكير يختلف عن المعرفة، إذ تُركز المعرفة على الحقائق أو الظواهر التي سبقت مواجهتها في الواقع، بينما يُركز التفكير على ما لم يُكتشف أو يُبرهن عليه بعد. في اللوحة الشهيرة لرودان المسماة «المفكر»، يبدو لنا فيها، في وضعية نموذجية، يده تحت ذقنه، وهو يحدق في المشهد الضبابي غير المحدد بعد، إذ يبدو لنا أن المشهد المُفكَّر به مغطى، دائماً، بطبقة من الثلج. ونلاحظ أن شيئاً يبرز هنا وهناك؛ تماماً كما بعض الكلمات أو بعض الذكريات التي تقفز إلى الذاكرة على شكل شظايا.

يوحي هذا التمثال أنه من دون التحلي بالصبر وسعة الخيال والمسح البديهي لأفق الفكر، لا يمكن القبض على أي فكرة، وإن التفكير يتطلب عقلاً ترابطياً منفتحاً وحيوياً.

ثم تطرح آرندت السؤال المحير حول «أين» و«متى» نكون عندما نفكر. ولكن هل للتفكير زمن محدد؟

تلاحظ آرندت أن التفكير «يبقى دائماً مشوشاً، خارج النظام. وذلك، لأنه يقاطع جميع الأنشطة العادية». التفكير ينقلنا إلى مكان آخر، يمكن فهمه كنوع من «العالم الوسيط» - بين العالَم والشخص المُفكر - حيث تتوقف عقارب الساعة، التي تعدّ تحسب الزمن وترتب الأحداث ترتيباً زمنياً.

بينما ونحن نفكر، نجد أنفسنا في «زمنٍ بيْني»، كما كتبت آرندت، «يُنشئ فجوةً بين الماضي والمستقبل». هذه الفجوة، كما في زرادشت نيتشه، تُخلق تحت البوابة التي كُتبت عليها «اللحظة»، والتي تتصادم تحتها مسارات المستقبل والماضي. من هذا التصادم تنشأ «اللحظة الدائمة»، أو الآن الدائم، الذي كان يُطلق عليه في فلسفة أواخر العصور الوسطى اسم «nunc stans نونك ستانس».

من الناحية اللغوية، يُعدّ المصطلح اللاتيني «نونك ستانس» تناقضاً لفظياً لأنه يجمع بين مفهومين متعارضين - طبيعة اللحظة العابرة وديمومة الوقوف - مما يخلق معنى جديداً. ويشير هذا «الوقوف الآن» - من بين أمور أخرى - إلى مصطلح «nunc aeternitates نونك أتيرنيتيس» أي (الآن وإلى الأبد)، الذي كان يُعتبر «استعارة للزمن المقدس أو الإلهي والأبدي» في فلسفة العصور الوسطى. ويمكن فهمه على أنه التقاء محورين زمنيين متعارضين في لحظة «أبدية». تصف آرندت الخرق الذي يُحدثه الفكر في الزمن الكرونولوجي بأنه «الأثر الصغير غير الملحوظ للَّازمن». وتتابع: «فقط في خرق (نونك ستانس) يمكن للوجود الإنساني المراوغ أن يكشف عن نفسه كاستمرارية خالصة لـ(أنا)».

كما أنها توضح حالة غامضة إلى حد ما، من خلال مثل معروف عن كافكا: يدخل شخص مفكر في معركة مع خصمين خائفين، أحدهما «يدفعه من الخلف والثاني يمنعه من التقدم إلى الأمام». وكان على المفكر أن يقاتل مع كليهما مراراً وتكراراً، لكن حلمه هو أن «يتمكن، في يوم من الأيام، وفي لحظة غفلة، من القفز من خط المعركة، لكي يصبح حكَما على خصميه المتقاتلين مع بعضهما البعض».

التفكير ينقلنا إلى مكان آخر، يمكن فهمه كنوع من «العالم الوسيط»

بمعنى آخر، من يقف في «اللحظة» يواجه كلا الزمنين في آنٍ واحد. وهكذا، من خلال الوقوف بانتباه في «المنتصف»، يمكن لـ«الجديد»، الجديد غير المتوقع، أن يأتي إلينا من الماضي. لذا، لا يمكن لأي شخص يقف في اللحظة الراهنة أن يتجنب أي شيء أو يختبئ وراء أي عذر. لهذا السبب، يرى نيتشه أن الإنسان الشجاع المُتشبث بالحياة هو وحده من يُدرك الخلود في هذه اللحظة. إنها مقولة رائعة، خلدها العديد من الفلاسفة، ويدركها كل من فكر أو أبدع في تلك الأثناء. نقول إن الزمن توقف للحظة، لأننا لا نملك كلمات لوصف هذه اللحظة، لكن الزمن، بالطبع، استمر ببساطة. لقد حررنا أنفسنا إلى أجل غير مسمى من التجربة التي، عادة، يسجننا فيها الزمن - تجربة المحدودية والاضطراب والزوال - ودخلنا في اتصال مع بُعد زمني أغنى وأوسع وأكثر خصوبة بكثير.

ولهذا السبب فإن «الذات المفكرة لا عمر لها»، كما لاحظت آرندت، وهي في سن السبعين تقريباً؛ لأنه كم يجب أن يكون عمرك إذا كنت خارج الزمن أثناء اللحظة غير المحروسة؟

ليس للتفكير مكان إقامة ثابت.

الآن بعد أن تعرفنا على الإجابة التي تخص «متى» نفكر، تحاول آرندت أيضاً الإجابة على سؤال «أين». حسب قولها، فإن مساحة الفكر هي في الواقع «لا مكان» أو «يتوبيا». وذلك «لأن التفكير لا يملك وطناً؛ فهو يتمثل على شكل غياب وينسحب من وجود الأشياء».

وفقاً لمبدأ «المايوتك maieutic» السقراطي، ينشأ التفكير هنا. هذا المصطلح اليوناني الذي يشير إلى «قابلة - مولدة» - وصف به سقراط طريقته، التي كانت تهدف إلى مساعدة العقل على «ولادة» الأفكار.

إنه حوار يجري بين الناس وداخل الموضوع نفسه، ويحرك كل ما هو ثابت في داخلنا. إن الذات المفكرة هي متجولة أو «بدوية»، لا تتجه نحو معتقدات أو أفكار ثابتة، بل «تتجه نحو ما لم يتم التفكير فيه بعد».

ليس للتفكير مسكن ثابت؛ ولأنه بلا مأوى، يمكنك ممارسته في أي مكان في العالم، ويُفضل أن تكون متجولاً مغترباً. هذا ما كتبته آرندت عندما كانت تعيش في باريس: «طوبى لأولئك الذين ليس لديهم وطن، لأنهم ما زالوا يرونه في أحلامهم».

إنها نسختها لمقولة بول فاليري الشهيرة: «Je pense donc je ne suis pas» «أنا أفكر، إذن أنا لستُ موجوداً». في التفكير، لا بدّ من اختراق حضور الأشياء والذات من أجل إلقاء الضوء على شيء ما، في طي الغياب. فمن دون ساعة على معصمه وسقف دائم فوق رأسه، يحاول المُفكِّر مراراً وتكراراً الدخول في حوار داخلي مع نفسه ومع العالم.

* كاتبة مغربية