«داعش» ينشط في أكبر منطقة قبلية على حدود باكستان وأفغانستان

مرصد الأزهر: شبكة تجنيد الشباب عبر الإنترنت تُدار من أوكار في البنجاب

{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})
{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})
TT

«داعش» ينشط في أكبر منطقة قبلية على حدود باكستان وأفغانستان

{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})
{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})

أعلن مرصد الأزهر أن تنظيم داعش الإرهابي ينشط بشكل واضح وملحوظ في منطقة كُرم إيجنسي بباكستان، وهي منطقة قبلية تقع على الحدود الباكستانية الأفغانية، وتُعد أكبر منطقة قبلية ذات كثافة شيعية، وكانت هذه المنطقة مسرحا لمعارك الجيش الباكستاني ومسلحي طالبان قبل سنوات. وأضافت المشيخة في تقرير أعده مرصد الأزهر، أن شبكة تجنيد «داعش» للشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك» تُدار من أوكار في إقليم البنجاب الباكستاني. وبينما أكد مصدر مُطلع بالمرصد أن «إيران تتولّى تمويل شيعة باكستان من أجل تجنيدهم لقتال داعش في الداخل والخارج»، وعلى الرغم من إنكار الحكومة الباكستانية الدائم وجود «داعش» على أراضي البلاد، فإن التنظيم المتطرف ينشط في باكستان تحت زعامة زبير الكويتي العضو المنشق عن حركة طالبان باكستان، والذي كون جماعة باسم «جند الله» وأعلن مبايعته لتنظيم داعش. وأعلن «داعش» بأنه أمير جماعته في باكستان.

صرّح الدكتور حامد المكاوي أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الأزهر، بأن «الاضطراب في إقليم البنجاب الباكستاني يُهيئ لإيران تجنيد من تشاء للقتال بالوكالة في سوريا». في حين أكد تقرير مرصد الأزهر – المشار إليه أعلاه – أنه جرت دعوة شيعة إقليم خيبر باختونخاه (هو الإقليم الواقع في جنوب غربي باكستان) وعلى حدود أفغانستان وما حوله، لتشكيل قوة شيعية من أجل قتال «داعش».. وبالفعل تقدم العشرات من أجل تلبية هذا النداء استعدادا للقتال، مضيفا: أن «إيران قامت بتدريب المتقدمين تدريبًا عسكريًا قبل إرسالهم إلى سوريا.. وبالفعل سافر البعض منهم إلى سوريا عبر باكستان».
من جهته، قال المصدر المُطلع بمرصد الأزهر إن «هناك معلومات لدى الأجهزة الباكستانية عن تخطيط تنظيم داعش لتنفيذ هجمات إرهابية في مناطق مُتعددة في إقليم البنجاب، مضيفًا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «عدد من انضم من الشباب لداعش من إقليم البنجاب – الذي هو أكبر إقليم باكستاني من حيث عدد السكان – يُقدر بنحو 200 شاب يقاتلون في صفوف التنظيم بسوريا والعراق»، ولفت إلى أن «السلطات الرسمية في باكستان تصدت خلال الفترة الماضية لمحاولات تأسيس فرع لداعش داخل الأراضي الباكستانية وبخاصة في البنجاب؛ لكن بعض المنتمين لداعش في باكستان يُسهلون سفر الذين يصار إلى تجنيدهم من الباكستانيين للقتال في سوريا، عبر المرور بالأراضي التركية، ومن بينهم نساء من إقليم البنجاب».
من ناحية أخرى، يقول مراقبون إن «العلاقات بين باكستان وإيران شهدت توترًا غير مسبوق مع مجيء طالبان إلى الحكم في أفغانستان في التسعينات من القرن الماضي، وهي الحركة التي أعلنت عداءها للشيعة وإيران.. ورأت طهران وقتها أنها حكومة معادية، خاصة أنها تدعم تحالف الشمال وترتبط بعلاقات قوية مع الطاجيك والأوزبك والشيعة الهزارة». ويؤكد المراقبون أن «العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة الأميركية أثرت سلبيًا على العلاقات الباكستانية الإيرانية، وأن علاقات إيران والهند لم تقف بعيدة عن معوقات العلاقة؛ إذ طوّرت إيران علاقاتها الاستراتيجية مع الهند متجاهلة الحساسية الباكستانية، ومتجاوزة العلاقات العميقة بين الهند وإسرائيل. وفضلا عن العلاقات السياسية شاركت الهند في تحديث ميناء جابهار وبندر عباس، ومدت بالتوافق مع إيران طريقًا بريًا إلى أفغانستان».
يشار إلى أن أول هجوم تبناه تنظيم داعش الإرهابي في باكستان كان في أبريل (نيسان) من العام الماضي، عندما استهدف حافلة في مدينة كراتشي ما أدى لمقتل 45 من الشيعة. ويومذاك سارع تنظيم داعش إلى تبنّي الهجوم ليكون بذاك أول عملية في باكستان يقف خلفها هذا التنظيم المتطرف الذي يسيطر على مساحات شاسعة من أراضي العراق وسوريا، والآن ليبيا. غير أن حكومة إسلام آباد نفت رسميًا أن يكون التنظيم ناشطًا على أراضيها، التي تشهد أعمال عنف مرتبطة بتنظيم «القاعدة» وحركة طالبان، منذ أكثر من عقد.
وتحاول جماعة «عسكر جنقوي» في باكستان، وهي المسؤولة عن عدد كبير من الاعتداءات على الطائفة الشيعية التي تُشكل 20 في المائة من السكان في مختلف أنحاء البلاد، لفت نظر تنظيم داعش لتوفير التمويل المالي لها كي تواصل هجماتها على الشيعة. ويقول المصدر المطلع في مرصد الأزهر، إن جماعة «عسكر جنقوي» المُتمركزة في البنجاب أرسلت بالفعل مئات المُقاتلين إلى سوريا، مستطردًا أن «الكثير من المتطرفين وخصوصًا من البنجاب توجهوا للقتال في سوريا وقُتل الكثير منهم هناك.. وإن أخبار سوريا والعراق واليمن هي الأكثر تداولا على منتديات المتطرّفين بين الشباب في باكستان».
وأضاف المصدر أن عدد التنظيمات التي أعلنت بيعتها أو دعمها لـ«داعش» تُقدر اليوم بنحو 31 تنظيما متطرفا، منهم 21 تنظيما أعلنت بيعتها لأبو بكر البغدادي زعيم «داعش» المزعوم، وهي تنظيمات موجودة في 13 دولة بدءًا من الجزائر، حيث توجد مجموعتان أعلنتا بيعتهما، وصولا إلى الفلبين وإندونيسيا. وأوضح أن أكبر عدد من الجماعات الموالية لـ«داعش» موجودة اليوم في باكستان ويبلغ عددهم 4 جماعات متطرفة. المراقبون يرون أن «العلاقة الآيديولوجية بين جماعات مسلحة باكستانية وتنظيم داعش ليست حديثة، فالمقاتلون الباكستانيون جزء من التنظيم منذ تأسيسه».. و«التهديد الفعلي على باكستان يتمثل في عودة مقاتلي جماعة عسكر جنقوي بعد مشاركتهم في القتال في سوريا والعراق بجانب داعش الإرهابي». وفي السياق ذاته، يقول الدكتور المكاوي، إن «هناك أدلة على تورّط إيران في تدريب عناصر شيعية من البنجاب واستقدامهم إلى سوريا وتدريبهم، ما يثبت تُورط طهران في تدريب عناصر بنجابية لقتال المسلمين السنة في سوريا، فضلا عن عناصر الحرس الثوري لديها والميليشيات العراقية».
كذلك تابع أنه «في باكستان 3 ملايين شيعي.. وإيران تسعى لتجنيد شيعة باكستان لقتال داعش ودعوا عبر المساجد بالمناطق التي يغلب عليها الشيعة في إقليم خيبر باختونخاه وحوله، حيث تقدم 50 شخصا بعد الإعلان، وأعلنوا استعدادهم للقتال، وتم إعادة البعض مرة أخرى؛ ليتجهزوا للقيام بأعمال عنف بباكستان، وتصدير البعض لسوريا كما ترعى أسر القتلى».
وذكر المكاوي أيضًا أن «جماعة جند الله التي هي أقرب لـ(القاعدة) قامت بتفجيرات أجبرت كثيرين من شيعة باكستان على العودة من سوريا، وهي تشبه جماعة عسكر جنقوي المناهضة للشيعة وتعمل عن كثب مع حركة طالبان الباكستانية.. والجماعتان ترتبطان بصلات وثيقة بتنظيم القاعدة المتطرف». وأضاف: «إن داعش فيه أفغان فروا إبان الغزو الروسي لإيران وبعثيون عراقيون كانوا يستعينون بالقاعدة لطرد الشيعة من العراق وفشلوا. والاضطراب بين السنة المسلمين والشيعة في البنجاب يُسهل حاليًا على إيران وداعش التمدّد في سوريا والعراق».. وأرف أن هناك اتفاقًا بين «داعش» وإيران على تكفير أهل السنة ووجوب القضاء عليهم، لكنهما على خلاف لأن كلا منهما يُريد القضاء على الآخر أيضا. وحسب المكاوي «تسلل عشرات الإيرانيين للتخطيط للشيعة الباكستانيين لمُهاجمة جماعة جند الله لكنهم وقعوا في قبضة قوات الأمن في باكستان». ولفت إلى أن إيران «تريد السيطرة على باكستان، وتستغل طهران حاجة جيرانها للغاز كباكستان وتركيا، سياسيا..».
وأوضح أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الأزهر، أنه إذا كان الاضطراب في إقليم البنجاب يُهيئ لإيران تجنيد من تشاء للقتال بالوكالة في سوريا، فإن اضطراب الأحوال من خلال القتال المُسلح من حول الإقليم له دوره في ذلك، حيث يُمثل العمق المكاني ويحكي البعد التاريخي للاختلاف. وبالفعل امتدت الاضطرابات بين الشيعة والسنة إلى الكثير من المناطق. وللعلم في باكستان تُمثل المناطق الشمالية المُلاصقة للصين مثل غيلغيت وهنزا وبلتستان واسكردو وغازارو وشيغر - التي تعيش فيها شيعة اثني عشرية وإسماعيلية - قلقًا بين الحين والآخر إذ تندلع فيها أعمال عنف طائفي، ويتهم السنة الشيعة بالعمل لإنشاء كيان لهم في هذه المناطق.
وثمة حضور شيعي في منطقة آتك وفي مدينة جنك بإقليم البنجاب. وكذلك في إسلام آباد بمنطقة كورم إيجينسي القبلية الخاضعة إداريًا للحكومة الفيدرالية في إسلام آباد، تندلع أحداث عنف مُسلحة خطيرة وبخاصة في الأيام العشرة الأولى من شهر المُحرم، يسقط فيها العشرات بين السنة والشيعة، وتستخدم فيه في بعض الأحيان الصواريخ والأسلحة الفتاكة.
وفي شرحه، أضاف الدكتور المكاوي لـ«الشرق الأوسط» أن ثمة حضورًا شيعيًا في إقليم بلوشستان، وبالذات في عاصمته مدينة كويتا، وهؤلاء يتكلمون اللغة الفارسية. ولهم ممثل بالبرلمان الإقليمي، وكانوا ولا يزالون يتمتعون بنفوذ كبير في دوائر صنع القرار بباكستان، لا سيما أنهم يشغلون مناصب قيادية في أغلب الأحزاب السياسية غير أنهم كحزب ديني يفتقرون إلى حضور سياسي. ومن جانب آخر، هناك منظمة «المُلة الجعفرية» التي أسست في عام 1988 بزعامة ساجد علي نقوي، وهو يعتبر ممثل الولي الفقيه (الخميني ثم خامنئي) في باكستان، ولقد جرى حظر هذه المنظمة خلال أغسطس (آب) عام 2001 في أعقاب سلسلة أحداث عنف طائفية حصدت 40 ألف نسمة في الفترة من 1980 وحتى 2005. وفي منطقة تشيترال (بشمال باكستان) التي تقطنها غالبية من الإسماعيلية الآغاخانية، يقال: إن هناك مُخططًا مدعومًا من قبل دول غربية لإنشاء وطن مستقل لهم. وفي لاهور نشأت منظمة «سباه محمد» الشيعية التي قتلت 30 من قادة السنة وغيرهم، ولدى المنظمة 30 ألف شاب مُدربين على فنون القتال، ولديها ثلاثة معسكرات تدريب في إيران.
من جهته، قال تقرير مرصد مشيخة الأزهر بالقاهرة، إن الجماعة الإرهابية المعروفة باسم «المجاهدين الهنود» على علاقة قوية مع تنظيم داعش الإرهابي، لافتًا إلى أن «داعش» تواصل مع عناصره إلكترونيًا عبر مواقع الإنترنت وعن طريق بعض المقابلات السرّية، وحصل شافي آرمر، مؤسس الجماعة، على ما يُقدر بنحو مائة ألف روبية وهو الآن عضو في تنظيم داعش. وتابع أنه على الرغم من كل الإجراءات الأمنية التي تقوم بها السلطات الهندية لمواجهة أي خطر محتمل من قبل «داعش»، تنشر مؤسسة «العصابة» التابعة للتنظيم الإرهابي «داعش» من وقت لآخر، فيديو مُصورا على مواقع التواصل الاجتماعي يحمل اسم من قندهار إلى دلهي، للتخويف ونشر الرعب بين الأهالي.
وعن أشهر الجماعات المُتطرفة التي أعلنت بيعتها لـ«داعش» في باكستان وأفغانستان وإيران، قال الدكتور حامد المكاوي إن في مُقدمة هذه الجماعات كتيبة «أبطال الإسلام» وهي جماعة متشددة في خراسان وقامت بمبايعة «داعش» في سبتمبر (أيلول) عام 2014 بعدما انشقت عن تنظيم «القاعدة». وبايع التنظيم برئاسة أبو يزيد عبد القاهر خراساني، على لسان الناطق الرسمي باسمه «أبو دجانة الأفغاني» وهو مغربي الأصل، زعيم تنظيم داعش المزعوم أبو بكر البغدادي، قائلا في بيعته «إن داعش يحارب اليوم تحالف الغرب، والحكومات المُرتدة والشيعة، والقتال فرض عين على كل مسلم».
وأضاف المكاوي «وهناك جماعة أنصار التوحيد في الهند وباكستان، وهي جماعة هندية مُتشددة غير معروفة تعمل من باكستان، وقامت بمبايعة داعش في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2014. ودعت لشن هجمات على غير المسلمين في منطقة جنوب آسيا، ردًا على غارات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، وزعيمها هو عبد الرحمن الندوي الهندي. وهناك أيضًا حركة أوزبكستان وهي جماعة تنتشر بين باكستان وأفغانستان وأعلنت دعمها لداعش في أكتوبر عام 2014 وتتكون هذه الحركة المتشددة من خليط من العرب والباكستانيين والشيشان والروس والأوكرانيين والقرغيز والأوزبك والطاجيك، وزعيم الحركة هو عثمان غازي، فضلا عن تحرير طالبان، أو جماعة الأحرار، وهم مجموعة من المتشددين من قادة حركة طالبان باكستان بينهم المُتحدث باسم الحركة شهيد الله شهيد، انشقوا عن الحركة وبايعوا داعش في أكتوبر 2014 أيضًا».
وأخيرًا، من بين قيادات «طالبان» الذين أعلنوا الولاء لـ«داعش»: «أمراء» كل من مُقاطعة أوركزاي سعيد خان، ومُقاطعة كرم دولت خان، ومُقاطعة خيبر فاتح جل زمان، ومُقاطعة هنجو خالد منصور، ومدينة بشاور المفتي حسن. وكانت حركة «طالبان» أصدرت بيانا أكدت فيه ولاءها لـ«داعش»، غير أنها عادت وتراجعت عن موقفها، معلنة أن بيانها أُسيء فهمه، قائلة: «إن الحركة تدعم كل الفصائل المجاهدة في سوريا.. لا حركة أو تنظيمًا معينًا».



فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)

غداة إعلان باريس مصرع 13 جندياً من مواطنيها، في حادث تحطم مروحيتين عسكريتين في جمهورية مالي الأفريقية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلن في مؤتمر صحافي أن بلاده تدرس جميع الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بوجودها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي.
في تصريحاته، أكد ماكرون أنه أمر الجيش الفرنسي بتقييم عملياته ضد المسلحين في غرب أفريقيا، مشيراً إلى أن جميع الخيارات متاحة، وموضحاً أن بلاده «ترغب في مشاركة أكبر من قبل حلفائها في المنطقة من أجل مكافحة الإرهاب».

هل يمكن عد تصريحات ماكرون بداية لمرحلة فرنسية جديدة في مكافحة الإرهاب على أراضي القارة السمراء، لا سيما في منطقة دول الساحل التي تضم بنوع خاص «بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد»؟
يتطلب منا الجواب بلورة رؤية واسعة للإشكالية الأفريقية في تقاطعاتها مع الإرهاب بشكل عام من جهة، ولجهة دول الساحل من ناحية ثانية.
بداية، يمكن القطع بأن كثيراً من التحديات الحياتية اليومية تطفو على السطح في تلك الدول، لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي تجعل الحياة صعبة للغاية وسط الجفاف، الأمر الذي يولد هجرات غير نظامية من دولة إلى أخرى. وفي الوسط، تنشأ عصابات الجريمة المنظمة والعشوائية معاً، مما يقود في نهاية المشهد إلى حالة من الانفلات الأمني، وعدم مقدرة الحكومات على ضبط الأوضاع الأمنية، وربما لهذا السبب أنشأ رؤساء دول المنطقة ما يعرف بـ«المجموعة الخماسية»، التي تدعمها فرنسا وتخطط لها مجابهتها مع الإرهاب، والهدف من وراء هذا التجمع هو تنسيق أنشطتهم، وتولي زمام الأمور، وضمان أمنهم، من أجل الحد من تغلغل الإرهاب الأعمى في دروبهم.
على أنه وفي زمن ما يمكن أن نسميه «الإرهاب المعولم»، كانت ارتدادات ما جرى لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، من اندحارات وهزائم عسكرية العامين الماضيين، تسمع في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي منطقة الساحل بنوع خاص، ولم يكن غريباً أو عجيباً أن تعلن جماعات إرهابية متعددة، مثل «بوكو حرام» وحركة الشباب وغيرهما، ولاءها لـ«داعش»، وزعيمها المغدور أبي بكر البغدادي.
وتبدو فرنسا، فعلاً وقولاً، عازمة على التصدي للإرهاب القائم والآتي في القارة السمراء، وقد يرجع البعض السبب إلى أن فرنسا تحاول أن تحافظ على مكاسبها التاريخية السياسية أو الاقتصادية في القارة التي تتكالب عليها اليوم الأقطاب الكبرى، من واشنطن إلى موسكو، مروراً ببكين، ولا تود باريس أن تخرج خالية الوفاض من قسمة الغرماء الأفريقية، أي أنه تموضع عسكري بهدف سياسي أو اقتصادي، وفي كل الأحوال لا يهم التوجه، إنما المهم حساب الحصاد، وما تخططه الجمهورية الفرنسية لمواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين.
في حديثها المطول مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، تشير إلى أن فرنسا تقود جهوداً أوروبية لتشكيل قوة عسكرية لمحاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، وأن هناك خطوات جديدة في الطريق تهدف إلى تعزيز المعركة ضد العناصر الإرهابية هناك، وإن طال زمن الصراع أو المواجهة.
ما الذي يجعل فرنسا تتحرك على هذا النحو الجاد الحازم في توجهها نحو الساحل الأفريقي؟
المؤكد أن تدهور الأوضاع في الساحل الأفريقي، وبنوع خاص المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، قد أزعج الأوروبيين أيما إزعاج، لا سيما أن هذا التدهور يفتح الأبواب لهجرات غير شرعية لسواحل أوروبا، حكماً سوف يتسرب في الوسط منها عناصر إرهابية تنوي إلحاق الأذى بالقارة الأوروبية ومواطنيها.
يكاد المتابع للشأن الإرهابي في الساحل الأفريقي يقطع بأن فرنسا تقود عملية «برخان 2»، وقد بدأت «برخان 1» منذ اندلاع أولى شرارات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل، فقد التزمت فرنسا التزاماً حاراً من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي.
بدأت العملية في يناير (كانون الثاني) 2013، حين تدخلت فرنسا في شمال مالي، عبر عملية «سيرفال»، بغية منع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة من السيطرة على البلاد.
والثابت أنه منذ ذلك الحين، توحدت العمليات الفرنسية التي تضم زهاء 4500 جندي تحت اسم عملية «برخان». وتعمل القوات الفرنسية في هذا الإطار على نحو وثيق مع القوات المسلحة في منطقة الساحل.
ويمكن للمرء توقع «برخان 2»، من خلال تحليل وتفكيك تصريحات وزيرة الجيوش الفرنسية بارلي التي عدت أن دول الساحل الأفريقي تقع على أبواب أوروبا. وعليه، فإن المرحلة المقبلة من المواجهة لن تكون فرنسية فقط، بل الهدف منها إشراك بقية دول أوروبا في مالي بقيادة عملية «برخان 2»، في إطار وحدة مشتركة تدعى «تاكوبا»، بغية مواكبة القوات المسلحة المالية.
ولعل المتابع لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الحالي يرى أن الرجل يكاد ينزع إلى ما مضي في طريقه جنرال فرنسا الأشهر شارل ديغول، ذاك الذي اهتم كثيراً بوحدة أوروبا والأوروبيين بأكثر من التحالف مع الأميركيين أو الآسيويين.
ماكرون الذي أطلق صيحة تكوين جيش أوروبي مستقل هو نفسه الذي تحدث مؤخراً عما أطلق عليه «الموت السريري» لحلف الناتو. وعليه، يبقى من الطبيعي أن تكون خطط فرنسا هادفة إلى جمع شمل الأوروبيين للدفاع عن القارة، وعدم انتظار القوة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) للدفاع عن القارة الأوروبية.
هذه الرؤية تؤكدها تصريحات الوزيرة بارلي التي أشارت إلى أن فرنسا تبذل الجهود الكبيرة من أجل أن يكون هناك أوروبيون أكثر في الصفوف الأولى مع فرنسا ودول الساحل. وقد أعلنت الوزيرة الفرنسية بالفعل أن «التشيكيين والبلجيكيين والإستونيين قد استجابوا أولاً، كما أن آخرين حكماً سينضمون إلى عملية (تاكوبا) عندما تصادق برلمانات بلادهم على انتشارهم مع القوات الفرنسية».
لا تبدو مسألة قيادة فرنسا لتحالف أوروبي ضد الإرهاب مسألة مرحباً بها بالمطلق في الداخل الفرنسي، لا سيما أن الخسائر التي تكمن دونها عاماً بعد الآخر في منطقة الساحل قد فتحت باب النقاش واسعاً في الداخل الفرنسي، فقد قتل هناك العشرات من الجنود منذ عام 2013، مما جعل بعض الأصوات تتساءل عن نجاعة تلك العملية، وفرصها في الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية، وقد وصل النقاش إلى وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة.
غير أنه، على الجانب الآخر، ترتفع أصوات المسؤولين الفرنسيين، لا سيما من الجنرالات والعسكريين، الذين يقارنون بين الأكلاف والخسائر من باب المواجهة، وما يمكن أن يصيب فرنسا وبقية دول أوروبا حال صمت الأوروبيين وجلوسهم مستكينين لا يفعلون شيئاً. فساعتها، ستكون الأراضي الأوروبية من أدناها إلى أقصاها أراضي شاسعة متروكة من الدول، وستصبح ملاجئ لمجموعات إرهابية تابعة لـ«داعش» و«القاعدة».
ما حظوظ نجاحات مثل هذا التحالف الأوروبي الجديد؟
يمكن القول إن هناك فرصة جيدة لأن يفعل التحالف الفرنسي الأوروبي الجديد حضوره، في مواجهة الإرهاب المتغلغل في أفريقيا، لا سيما أن الهدف يخدم عموم الأوروبيين، فتوفير الأمن والاستقرار في الجانب الآخر من الأطلسي ينعكس حتماً برداً وسلاماً على بقية عموم أوروبا.
ولم يكن الإعلان الفرنسي الأخير هو نقطة البداية في عملية «برخان 2» أو «تاكوبا»، فقد سبق أن أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد روش كابوريه، وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، إبان مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
وترمي هذه الشراكة مع بلدان المنطقة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق دعم الإصلاحات الضرورية في هذين المجالين، وتمثل ضرورة المساءلة مقوماً من مقومات هذه الشراكة.
ولا يخلو المشهد الفرنسي من براغماتية مستنيرة، إن جاز التعبير، فالفرنسيون لن يقبلوا أن يستنزفوا طويلاً في دفاعهم عن الأمن الأوروبي، في حين تبقى بقية دول أوروبا في مقاعد المتفرجين ليس أكثر، وربما لمح الفرنسيون مؤخراً من طرف خفي إلى فكرة الانسحاب الكامل الشامل، إن لم تسارع بقية دول القارة الأوروبية في إظهار رغبة حقيقية في تفعيل شراكة استراتيجية تستنقذ دول الساحل الأفريقي من الوقوع لقمة سائغة في فم الجماعات الإرهابية، في منطقة باتت الأنسب ليتخذها الإرهابيون مخزناً استراتيجياً ومنطقة حشد لهم، وفي مقدمة تلك الجماعات مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة تجتمع تحت راية جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وأخرى تابعة لتنظيم داعش على غرار التنظيم الإرهابي في الصحراء الكبرى، التي تقوم بتنفيذ كثير من الهجمات ضد القوات المسلحة في منطقة الساحل، والقوات الدولية التي تدعمها، والتي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الإبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، المكلفة بدعم تنفيذ اتفاق السلام المنبثق عن عملية الجزائر العاصمة، ودعم جهود إرساء الاستقرار التي تبذلها السلطات المالية في وسط البلاد.
ولعل كارثة ما يجري في منطقة الساحل الأفريقي، ودول المجموعة الخماسية بنوع خاص، غير موصولة فقط بالجماعات الراديكالية على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، فهناك مجموعات أخرى مهددة للأمن والسلام الأوروبيين، جماعات من قبيل تجار المخدرات والأسلحة، وكذا مهربو البشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وهذا هاجس رهيب بدوره بالنسبة لعموم الأوروبيين.
على أن علامة استفهام تبقى قلقه محيرة بالنسبة لباريس وقصر الإليزيه اليوم، وهي تلك المرتبطة بالإرادة الأوروبية التي تعاني من حالة تفسخ وتباعد غير مسبوقة، تبدت في خلافات ألمانية فرنسية بنوع خاص تجاه فكرة استمرار الناتو، وطرح الجيش الأوروبي الموحد.
باختصار غير مخل: هل دعم الأوروبيين كافة لعملية «برخان 2» أمر مقطوع به أم أن هناك دولاً أوروبية أخرى سوف تبدي تحفظات على فكرة المساهمة في تلك العمليات، خوفاً من أن تستعلن فرنسا القوة الضاربة الأوروبية في القارة الأفريقية من جديد، مما يعني عودة سطوتها التي كانت لها قديماً في زمن الاحتلال العسكري لتلك الدول، الأمر الذي ربما ينتقص من نفوذ دول أخرى بعينها تصارع اليوم لتقود دفة أوروبا، في ظل حالة الانسحاب من الاتحاد التي تمثلها بريطانيا، والمخاوف من أن تلحقها دول أخرى؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن تصاعد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، أو حدوث عمليات جديدة ضد أهداف أوروبية في القارة الأفريقية، وجريان المقدرات بأي أعمال إرهابية على تراب الدول الأوروبية، ربما يؤكدان الحاجة الحتمية لتعزيز توجهات فرنسا، وشراكة بقية دول أوروبا، ويبدو واضحاً أيضاً أن بعضاً من دول أفريقيا استشرفت مخاوف جمة من تعاظم الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مثل تشاد التي وافقت على تعبئة مزيد من الجيوش في المثلث الحدودي الهش مع النيجر وبوركينا فاسو.