«داعش» ينشط في أكبر منطقة قبلية على حدود باكستان وأفغانستان

مرصد الأزهر: شبكة تجنيد الشباب عبر الإنترنت تُدار من أوكار في البنجاب

{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})
{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})
TT

«داعش» ينشط في أكبر منطقة قبلية على حدود باكستان وأفغانستان

{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})
{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})

أعلن مرصد الأزهر أن تنظيم داعش الإرهابي ينشط بشكل واضح وملحوظ في منطقة كُرم إيجنسي بباكستان، وهي منطقة قبلية تقع على الحدود الباكستانية الأفغانية، وتُعد أكبر منطقة قبلية ذات كثافة شيعية، وكانت هذه المنطقة مسرحا لمعارك الجيش الباكستاني ومسلحي طالبان قبل سنوات. وأضافت المشيخة في تقرير أعده مرصد الأزهر، أن شبكة تجنيد «داعش» للشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك» تُدار من أوكار في إقليم البنجاب الباكستاني. وبينما أكد مصدر مُطلع بالمرصد أن «إيران تتولّى تمويل شيعة باكستان من أجل تجنيدهم لقتال داعش في الداخل والخارج»، وعلى الرغم من إنكار الحكومة الباكستانية الدائم وجود «داعش» على أراضي البلاد، فإن التنظيم المتطرف ينشط في باكستان تحت زعامة زبير الكويتي العضو المنشق عن حركة طالبان باكستان، والذي كون جماعة باسم «جند الله» وأعلن مبايعته لتنظيم داعش. وأعلن «داعش» بأنه أمير جماعته في باكستان.

صرّح الدكتور حامد المكاوي أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الأزهر، بأن «الاضطراب في إقليم البنجاب الباكستاني يُهيئ لإيران تجنيد من تشاء للقتال بالوكالة في سوريا». في حين أكد تقرير مرصد الأزهر – المشار إليه أعلاه – أنه جرت دعوة شيعة إقليم خيبر باختونخاه (هو الإقليم الواقع في جنوب غربي باكستان) وعلى حدود أفغانستان وما حوله، لتشكيل قوة شيعية من أجل قتال «داعش».. وبالفعل تقدم العشرات من أجل تلبية هذا النداء استعدادا للقتال، مضيفا: أن «إيران قامت بتدريب المتقدمين تدريبًا عسكريًا قبل إرسالهم إلى سوريا.. وبالفعل سافر البعض منهم إلى سوريا عبر باكستان».
من جهته، قال المصدر المُطلع بمرصد الأزهر إن «هناك معلومات لدى الأجهزة الباكستانية عن تخطيط تنظيم داعش لتنفيذ هجمات إرهابية في مناطق مُتعددة في إقليم البنجاب، مضيفًا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «عدد من انضم من الشباب لداعش من إقليم البنجاب – الذي هو أكبر إقليم باكستاني من حيث عدد السكان – يُقدر بنحو 200 شاب يقاتلون في صفوف التنظيم بسوريا والعراق»، ولفت إلى أن «السلطات الرسمية في باكستان تصدت خلال الفترة الماضية لمحاولات تأسيس فرع لداعش داخل الأراضي الباكستانية وبخاصة في البنجاب؛ لكن بعض المنتمين لداعش في باكستان يُسهلون سفر الذين يصار إلى تجنيدهم من الباكستانيين للقتال في سوريا، عبر المرور بالأراضي التركية، ومن بينهم نساء من إقليم البنجاب».
من ناحية أخرى، يقول مراقبون إن «العلاقات بين باكستان وإيران شهدت توترًا غير مسبوق مع مجيء طالبان إلى الحكم في أفغانستان في التسعينات من القرن الماضي، وهي الحركة التي أعلنت عداءها للشيعة وإيران.. ورأت طهران وقتها أنها حكومة معادية، خاصة أنها تدعم تحالف الشمال وترتبط بعلاقات قوية مع الطاجيك والأوزبك والشيعة الهزارة». ويؤكد المراقبون أن «العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة الأميركية أثرت سلبيًا على العلاقات الباكستانية الإيرانية، وأن علاقات إيران والهند لم تقف بعيدة عن معوقات العلاقة؛ إذ طوّرت إيران علاقاتها الاستراتيجية مع الهند متجاهلة الحساسية الباكستانية، ومتجاوزة العلاقات العميقة بين الهند وإسرائيل. وفضلا عن العلاقات السياسية شاركت الهند في تحديث ميناء جابهار وبندر عباس، ومدت بالتوافق مع إيران طريقًا بريًا إلى أفغانستان».
يشار إلى أن أول هجوم تبناه تنظيم داعش الإرهابي في باكستان كان في أبريل (نيسان) من العام الماضي، عندما استهدف حافلة في مدينة كراتشي ما أدى لمقتل 45 من الشيعة. ويومذاك سارع تنظيم داعش إلى تبنّي الهجوم ليكون بذاك أول عملية في باكستان يقف خلفها هذا التنظيم المتطرف الذي يسيطر على مساحات شاسعة من أراضي العراق وسوريا، والآن ليبيا. غير أن حكومة إسلام آباد نفت رسميًا أن يكون التنظيم ناشطًا على أراضيها، التي تشهد أعمال عنف مرتبطة بتنظيم «القاعدة» وحركة طالبان، منذ أكثر من عقد.
وتحاول جماعة «عسكر جنقوي» في باكستان، وهي المسؤولة عن عدد كبير من الاعتداءات على الطائفة الشيعية التي تُشكل 20 في المائة من السكان في مختلف أنحاء البلاد، لفت نظر تنظيم داعش لتوفير التمويل المالي لها كي تواصل هجماتها على الشيعة. ويقول المصدر المطلع في مرصد الأزهر، إن جماعة «عسكر جنقوي» المُتمركزة في البنجاب أرسلت بالفعل مئات المُقاتلين إلى سوريا، مستطردًا أن «الكثير من المتطرفين وخصوصًا من البنجاب توجهوا للقتال في سوريا وقُتل الكثير منهم هناك.. وإن أخبار سوريا والعراق واليمن هي الأكثر تداولا على منتديات المتطرّفين بين الشباب في باكستان».
وأضاف المصدر أن عدد التنظيمات التي أعلنت بيعتها أو دعمها لـ«داعش» تُقدر اليوم بنحو 31 تنظيما متطرفا، منهم 21 تنظيما أعلنت بيعتها لأبو بكر البغدادي زعيم «داعش» المزعوم، وهي تنظيمات موجودة في 13 دولة بدءًا من الجزائر، حيث توجد مجموعتان أعلنتا بيعتهما، وصولا إلى الفلبين وإندونيسيا. وأوضح أن أكبر عدد من الجماعات الموالية لـ«داعش» موجودة اليوم في باكستان ويبلغ عددهم 4 جماعات متطرفة. المراقبون يرون أن «العلاقة الآيديولوجية بين جماعات مسلحة باكستانية وتنظيم داعش ليست حديثة، فالمقاتلون الباكستانيون جزء من التنظيم منذ تأسيسه».. و«التهديد الفعلي على باكستان يتمثل في عودة مقاتلي جماعة عسكر جنقوي بعد مشاركتهم في القتال في سوريا والعراق بجانب داعش الإرهابي». وفي السياق ذاته، يقول الدكتور المكاوي، إن «هناك أدلة على تورّط إيران في تدريب عناصر شيعية من البنجاب واستقدامهم إلى سوريا وتدريبهم، ما يثبت تُورط طهران في تدريب عناصر بنجابية لقتال المسلمين السنة في سوريا، فضلا عن عناصر الحرس الثوري لديها والميليشيات العراقية».
كذلك تابع أنه «في باكستان 3 ملايين شيعي.. وإيران تسعى لتجنيد شيعة باكستان لقتال داعش ودعوا عبر المساجد بالمناطق التي يغلب عليها الشيعة في إقليم خيبر باختونخاه وحوله، حيث تقدم 50 شخصا بعد الإعلان، وأعلنوا استعدادهم للقتال، وتم إعادة البعض مرة أخرى؛ ليتجهزوا للقيام بأعمال عنف بباكستان، وتصدير البعض لسوريا كما ترعى أسر القتلى».
وذكر المكاوي أيضًا أن «جماعة جند الله التي هي أقرب لـ(القاعدة) قامت بتفجيرات أجبرت كثيرين من شيعة باكستان على العودة من سوريا، وهي تشبه جماعة عسكر جنقوي المناهضة للشيعة وتعمل عن كثب مع حركة طالبان الباكستانية.. والجماعتان ترتبطان بصلات وثيقة بتنظيم القاعدة المتطرف». وأضاف: «إن داعش فيه أفغان فروا إبان الغزو الروسي لإيران وبعثيون عراقيون كانوا يستعينون بالقاعدة لطرد الشيعة من العراق وفشلوا. والاضطراب بين السنة المسلمين والشيعة في البنجاب يُسهل حاليًا على إيران وداعش التمدّد في سوريا والعراق».. وأرف أن هناك اتفاقًا بين «داعش» وإيران على تكفير أهل السنة ووجوب القضاء عليهم، لكنهما على خلاف لأن كلا منهما يُريد القضاء على الآخر أيضا. وحسب المكاوي «تسلل عشرات الإيرانيين للتخطيط للشيعة الباكستانيين لمُهاجمة جماعة جند الله لكنهم وقعوا في قبضة قوات الأمن في باكستان». ولفت إلى أن إيران «تريد السيطرة على باكستان، وتستغل طهران حاجة جيرانها للغاز كباكستان وتركيا، سياسيا..».
وأوضح أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الأزهر، أنه إذا كان الاضطراب في إقليم البنجاب يُهيئ لإيران تجنيد من تشاء للقتال بالوكالة في سوريا، فإن اضطراب الأحوال من خلال القتال المُسلح من حول الإقليم له دوره في ذلك، حيث يُمثل العمق المكاني ويحكي البعد التاريخي للاختلاف. وبالفعل امتدت الاضطرابات بين الشيعة والسنة إلى الكثير من المناطق. وللعلم في باكستان تُمثل المناطق الشمالية المُلاصقة للصين مثل غيلغيت وهنزا وبلتستان واسكردو وغازارو وشيغر - التي تعيش فيها شيعة اثني عشرية وإسماعيلية - قلقًا بين الحين والآخر إذ تندلع فيها أعمال عنف طائفي، ويتهم السنة الشيعة بالعمل لإنشاء كيان لهم في هذه المناطق.
وثمة حضور شيعي في منطقة آتك وفي مدينة جنك بإقليم البنجاب. وكذلك في إسلام آباد بمنطقة كورم إيجينسي القبلية الخاضعة إداريًا للحكومة الفيدرالية في إسلام آباد، تندلع أحداث عنف مُسلحة خطيرة وبخاصة في الأيام العشرة الأولى من شهر المُحرم، يسقط فيها العشرات بين السنة والشيعة، وتستخدم فيه في بعض الأحيان الصواريخ والأسلحة الفتاكة.
وفي شرحه، أضاف الدكتور المكاوي لـ«الشرق الأوسط» أن ثمة حضورًا شيعيًا في إقليم بلوشستان، وبالذات في عاصمته مدينة كويتا، وهؤلاء يتكلمون اللغة الفارسية. ولهم ممثل بالبرلمان الإقليمي، وكانوا ولا يزالون يتمتعون بنفوذ كبير في دوائر صنع القرار بباكستان، لا سيما أنهم يشغلون مناصب قيادية في أغلب الأحزاب السياسية غير أنهم كحزب ديني يفتقرون إلى حضور سياسي. ومن جانب آخر، هناك منظمة «المُلة الجعفرية» التي أسست في عام 1988 بزعامة ساجد علي نقوي، وهو يعتبر ممثل الولي الفقيه (الخميني ثم خامنئي) في باكستان، ولقد جرى حظر هذه المنظمة خلال أغسطس (آب) عام 2001 في أعقاب سلسلة أحداث عنف طائفية حصدت 40 ألف نسمة في الفترة من 1980 وحتى 2005. وفي منطقة تشيترال (بشمال باكستان) التي تقطنها غالبية من الإسماعيلية الآغاخانية، يقال: إن هناك مُخططًا مدعومًا من قبل دول غربية لإنشاء وطن مستقل لهم. وفي لاهور نشأت منظمة «سباه محمد» الشيعية التي قتلت 30 من قادة السنة وغيرهم، ولدى المنظمة 30 ألف شاب مُدربين على فنون القتال، ولديها ثلاثة معسكرات تدريب في إيران.
من جهته، قال تقرير مرصد مشيخة الأزهر بالقاهرة، إن الجماعة الإرهابية المعروفة باسم «المجاهدين الهنود» على علاقة قوية مع تنظيم داعش الإرهابي، لافتًا إلى أن «داعش» تواصل مع عناصره إلكترونيًا عبر مواقع الإنترنت وعن طريق بعض المقابلات السرّية، وحصل شافي آرمر، مؤسس الجماعة، على ما يُقدر بنحو مائة ألف روبية وهو الآن عضو في تنظيم داعش. وتابع أنه على الرغم من كل الإجراءات الأمنية التي تقوم بها السلطات الهندية لمواجهة أي خطر محتمل من قبل «داعش»، تنشر مؤسسة «العصابة» التابعة للتنظيم الإرهابي «داعش» من وقت لآخر، فيديو مُصورا على مواقع التواصل الاجتماعي يحمل اسم من قندهار إلى دلهي، للتخويف ونشر الرعب بين الأهالي.
وعن أشهر الجماعات المُتطرفة التي أعلنت بيعتها لـ«داعش» في باكستان وأفغانستان وإيران، قال الدكتور حامد المكاوي إن في مُقدمة هذه الجماعات كتيبة «أبطال الإسلام» وهي جماعة متشددة في خراسان وقامت بمبايعة «داعش» في سبتمبر (أيلول) عام 2014 بعدما انشقت عن تنظيم «القاعدة». وبايع التنظيم برئاسة أبو يزيد عبد القاهر خراساني، على لسان الناطق الرسمي باسمه «أبو دجانة الأفغاني» وهو مغربي الأصل، زعيم تنظيم داعش المزعوم أبو بكر البغدادي، قائلا في بيعته «إن داعش يحارب اليوم تحالف الغرب، والحكومات المُرتدة والشيعة، والقتال فرض عين على كل مسلم».
وأضاف المكاوي «وهناك جماعة أنصار التوحيد في الهند وباكستان، وهي جماعة هندية مُتشددة غير معروفة تعمل من باكستان، وقامت بمبايعة داعش في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2014. ودعت لشن هجمات على غير المسلمين في منطقة جنوب آسيا، ردًا على غارات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، وزعيمها هو عبد الرحمن الندوي الهندي. وهناك أيضًا حركة أوزبكستان وهي جماعة تنتشر بين باكستان وأفغانستان وأعلنت دعمها لداعش في أكتوبر عام 2014 وتتكون هذه الحركة المتشددة من خليط من العرب والباكستانيين والشيشان والروس والأوكرانيين والقرغيز والأوزبك والطاجيك، وزعيم الحركة هو عثمان غازي، فضلا عن تحرير طالبان، أو جماعة الأحرار، وهم مجموعة من المتشددين من قادة حركة طالبان باكستان بينهم المُتحدث باسم الحركة شهيد الله شهيد، انشقوا عن الحركة وبايعوا داعش في أكتوبر 2014 أيضًا».
وأخيرًا، من بين قيادات «طالبان» الذين أعلنوا الولاء لـ«داعش»: «أمراء» كل من مُقاطعة أوركزاي سعيد خان، ومُقاطعة كرم دولت خان، ومُقاطعة خيبر فاتح جل زمان، ومُقاطعة هنجو خالد منصور، ومدينة بشاور المفتي حسن. وكانت حركة «طالبان» أصدرت بيانا أكدت فيه ولاءها لـ«داعش»، غير أنها عادت وتراجعت عن موقفها، معلنة أن بيانها أُسيء فهمه، قائلة: «إن الحركة تدعم كل الفصائل المجاهدة في سوريا.. لا حركة أو تنظيمًا معينًا».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».