«معنى المعنى».. أخيرًا إلى العربية بعد نحو مائة سنة على صدوره

كتاب معه مؤلف تفسيري فيه مراجعة ممتعة للفيلسوف برتراند رسل

«معنى المعنى».. أخيرًا إلى العربية بعد نحو مائة سنة على صدوره
TT

«معنى المعنى».. أخيرًا إلى العربية بعد نحو مائة سنة على صدوره

«معنى المعنى».. أخيرًا إلى العربية بعد نحو مائة سنة على صدوره

بعد ما يقارب مائة سنة، على صدوره، ورغم كل الصدى الذي لقيه، والتأثير الذي كان له على علم اللغة الحديث، لم يجد كتاب «معنى المعنى» الذي أبصر النور عام 1923 طريقه إلى العربية إلا مؤخرًا.
فقد عكف الأستاذ في قسم اللغة العربية في جامعة بغداد الدكتور كيان أحمد حازم يحيي الزبيدي، على ترجمة الكتاب من الإنجليزية، كما وضع كتابًا آخر حمل عنوان «اللغة بين الدلالة والتضليل»، وهو دراسة نقدية على هامش «معنى المعني»، وصدرا معًا، في وقت واحد، عن «دار الكتاب الجديد المتحدة»، ليكونا بمثابة هدية قيمة مزدوجة، لعلماء اللغة العرب الذين انتظروا طويلاً هذا الإنجاز.
صحيح أن الدراسات الحديثة تجاوزت في أحيان كثيرة بعض ما جاء في «معنى المعنى» بسبب التطورات المتسارعة، إلا أن هذا المؤلف التأسيسي يبقى علامة فارقة في تاريخ علم اللغة الحديث الذي لا بد يهم كل متخصص.
وحوى الكتاب مقدمة للكاتب الإيطالي الشهير أمبرتو إيكو يقول فيها عن «معنى المعنى» التالي: «إن كتابًا أكاديميًا كهذا، سطر في مستهل القرن تجدر قراءته لعدة أسباب، أولهما: أنه إثر كلاسيكي معترف به. وثانيهما: أنه كان كتابا أصيلا أثر على نحو ما في الدراسات المتأخرة، ويجب أن يكون حاضرا في الذهن إذا ما أردنا فهم ما جاء بعده، وثالثهما: أن قراءته ما زالت مثيرة، وإن كان بعض ما ورد فيه أصبح باليًا».
«معنى المعنى» ألفه الباحثان، من «جامعة كامبريدج»، تشارلز كي أوغدن، وايفر أرمسترونغ رتشاردز، كان أصله سلسلة من المقالات بدأت بالظهور عام 1910 يصفه ايكو بأنه «كتاب ساحر قادر على فتح الآفاق»، يتحدث في الفصل الأول عن الأفكار والكلمات، وأهمية الرموز ووظائفها. ويقول الكتاب: إن العلامات التي يستعملها الناس، في تواصلهم بوصفها أدوات فكر، تتبوأ مكانًا مميزًا، ومن المريح أن نستعمل للكلمات، والصور والإيماءات، والرسوم والأصوات، مصطلح الرموز. ثم يتحدث الكاتبان عن تأثير هذه الرموز التي يبتكر الإنسان من خلال استخدامها، ما لا يحصى، ولا يمكن توقعه سلفًا، من الطرائق في التعبير. ويعرج الكتاب على موضوع «سلطة الكلمة»، محللاً الآراء الفلسفية واللغوية عبر التاريخ فيما يتعلق بالكلمات الملفوظة والرموز الأخرى المستخدمة في التعبير، ويغوص في معنى التأويل واستخدام الكلمات المضللة. ويبقى الكتاب يطارد الفلسفات التي عرفتها الإنسانية عن الرموز، ويقلب النظريات حولها، إن لجهة معناها أو سياقاتها أو تأويلاتها.
ويرى الكتاب أن أثر اللغة في الفكر في غاية الأهمية، والرمزية هي دراسة هذا الأثر. وإذا ما أردنا إنشاء أي عبارة أو تأويلها فعلينا، بحسب «معنى المعنى» أن نأخذ بعين الاعتبار معرفة كيف نربطها ببعضها البعض، وفهم ثلاثة عوامل، ألا وهي: «العملية الذهنية، الرمز المستخدم في التعبير، والمرجع المفكر فيه عند حصول العملية الذهنية». وهذا هو المثلث الشهير الذي بنى عليه الكاتبان مؤلفهما.
ويرى الكاتبان في نظريتهما التي نذكر أنها تعود إلى بداية القرن الماضي وكانت ريادية يومها أن «كل عملية تفكير هي تأويل للعلامات. ذلك يتبين على الفور، في الحالات الواضحة أما في الحالات الأكثر صعوبة كما في الرياضيات والنحو فتتضمن أشكالا أكثر تعقيدًا لكن لها الفاعلية نفسها».
فيقينية معرفتنا بالعالم الخارجي عانت الكثير على أيدي الفلاسفة بسبب افتقارهم إلى نظرية للعلامات. لكن بالإمكان تسهيل فهم ميكانيكية اللغة بمقارنتها بالنظر أو الرؤية بالعين «فما نراه حين ننظر إلى منضدة هو، أولا، تعديلات لشبكيتنا، ونحن نؤول هذه العلامات الأولية، ونصل إلى مجالات للرؤيا حدودها سطوح المناضد، وإذا ما توسعنا في التأويل يمكننا أن نصل إلى نتائج تمثل، مناضد وخشبًا وأليافًا وجزيئات وذرات وإلكترونيات، وربما أشياء أخرى». أما المعنى فيقدم له الكتاب من خلال استعراض آراء الفلاسفة في تفسير اللفظ واختلافهم حوله نحو 16 مجموعة من التعريفات، ومن هنا تتبين صعوبة المهمة. لكن «من الممكن معالجة التعريفات تحت ثلاثة عناوين عامة، يضم أولها: الأوهام المتولدة لغويًا، وثانيهما: الاستعمالات العارضة والشاذة، وثالثهما، العلامات والرموز». ويخبرنا الكتاب أننا في الوقت الحاضر، غالبًا ما نتخلى عن لفظة المعنى، ونستبدلها بألفاظ أخرى مثل: «القصد، القيمة، العاطفة، التي تستعمل كمرادفات».
ويهدف الكاتبان، إلى تمكين العامة من الاستفادة من كتابهما، وأن يدركوا تأثير اللغة في الفكر والتخلص من الأوهام الناجمة عما هو خطأ من الاعتقادات اللغوية. هكذا تصبح الحوارات والمناقشات بين الناس أكثر سهولة، وأكثر بعدًا عن الأحجار والأفاعي والعقارب.
وللإيضاح فإن الكتاب يستعين بتاريخ النظريات، وعلم النفس، والفلسفة، والانثروبولوجيا، وعلوم إنسانية أخرى كي، يبني نظرية لغوية تبدو جافة ومعقدة، ومتشعبة المسارب، لكن أهدافها عملية، حياتية. وكتب باحثون يقولون: «إن الهدف الأساسي الذي صبا أوغدن ورتشاردز إلى الوصول إليه، في (معنى المعنى) هو زيادة الوعي في أوساط الفلاسفة بشأن الفخاخ التي تنصبها اللغة».
فالشغل الشاغل للباحثين، هو معرفة إذا ما كانت اللغة وسيلة واضحة بالفعل يمكن الاعتماد عليها في اتصال الناس مع بعضهم البعض؟ وكيف نتأكد أن السامع أو ملايين السامعين قد وعوا قصد المتكلم، وما أراد إيصاله إليهم. أليست اللغة نوعا من الحجاب أحيانًا بيننا وبين الأشياء؟ ألا تمنح هذه الأشياء نوعا مزيفا من الحقيقة، فتغرينا بأن نعتقد بوجود حقيقي للأمور المعنوية المغرقة في التجريد. ويضيف المترجم في كتابه حول مؤلف «معنى المعنى» بالقول: «أليست أهمية اللغة أنها وسيلة للمحافظة على التراث الأدبي، بوصفها أداة للوحدة السياسية، مما يجعلها مصدرا من مصادر سوء التفاهم والنزاعات في الشؤون العالمية؟ أليس الكثير من مشكلاتنا الفلسفية مجرد أوهام ناتجة عن طرائقنا التقليدية في التعبير؟».



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.