البنتاغون: روسيا العدو الأول

زيادة الميزانية العسكرية الأميركية بهذا المستوى الكبير «يبعث برسالة تحذير إلى بوتين»

ضابط أميركي من الناتو يدير عمليات «الدرون» ضد مواقع المتطرفين (نيويورك تايمز)
ضابط أميركي من الناتو يدير عمليات «الدرون» ضد مواقع المتطرفين (نيويورك تايمز)
TT

البنتاغون: روسيا العدو الأول

ضابط أميركي من الناتو يدير عمليات «الدرون» ضد مواقع المتطرفين (نيويورك تايمز)
ضابط أميركي من الناتو يدير عمليات «الدرون» ضد مواقع المتطرفين (نيويورك تايمز)

مع تصريحات جون كيري، وزير الخارجية، عن زيادة تهديد روسيا للمصالح الأميركية، وخاصة في الشرق الأوسط، وذلك بسبب دعمها العسكري الكبير للرئيس السوري بشار الأسد، وعرقلة مفاوضات جنيف، أعلن البنتاغون، في خطته الاستراتيجية الشاملة، أن روسيا هي العدو الأول للولايات المتحدة، وذلك بسبب تهديدها للأمن الوطني الأميركي، وتوسعاتها في شرق أوروبا. في الخطة الاستراتيجية الشاملة، كما أعلنها يوم الثلاثاء أشتون كارتر، وزير الدفاع الأميركي، برنامج لنشر أسلحة ثقيلة، وعربات مدرعة، وجنود من حلف الناتو في دول وسط وشرق أوروبا.
بالإضافة إلى روسيا، أشار كارتر إلى الصين، وكوريا الشمالية، وإيران، و«الإرهاب». واقترح ميزانية عسكرية عملاقة لردع روسيا. ودعا إلى مضاعفة الميزانية العسكرية الأميركية في أوروبا أربع مرات في العام القادم، لتصل إلى 3.4 مليار دولار، بدلا عن 789 مليون دولار حاليا.
وعلقت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن الاستراتيجية الشاملة تعيد الوضع العسكري العالمي إلى ما كان عليه خلال عقود الحرب الباردة. وأن روسيا صارت «عدوة صريحة» في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأشارت الصحيفة إلى انتهاك بوتين لحدود دول ذات سيادة، وذلك عندما ضم، قبل ثلاث سنوات، شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى روسيا، وأشعل حربا أهلية في أوكرانيا نفسها، ولم يسحب قواته من شرق أوكرانيا. وأن ما فعل بوتين حتى الآن يشير إلى أخطار أكثر في المستقبل، وإلى أنه ربما يريد إعادة دول بحر البلطيق إلى الحظيرة الروسية. هذا بالإضافة إلى تدخله في سوريا للدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وقالت الصحيفة بأن زيادة الميزانية العسكرية الأميركية لأوروبا بهذا المستوى الكبير «تبعث برسالة تحذير إلى بوتين». وأيضا إلى الدول الأوروبية الحليفة، عن ضرورة زيادة ميزانياتها العسكرية. وتعيد الزيادة أميركا إلى العهد الذي كانت فيه ميزانية البنتاغون مفتوحة خلال الحرب في العراق وأفغانستان.
وأشارت الصحيفة إلى أن أميركا تنفق أكثر مما تنفقه مجتمعة الدول السبع التي تليها في قائمة الإنفاق العالمي العسكري. وأوردت الصحيفة أن روسيا أصبحت «عدوانية» صريحة في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي انتهك حدود دول لها سيادتها عندما ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا وأشعل حربا أهلية في أوكرانيا ولم يسحب قواته من شرق البلاد رغم إعلان وقف إطلاق النار هناك، الأمر الذي يثير التساؤلات بشأن احتمال سعي موسكو للوصول إلى دول البلطيق أيضا. وأضافت أن روسيا أقامت شبكة من الدفاعات الصاروخية التي تهدد الحركة الجوية لحلف الأطلسي (ناتو) في أجزاء من أوروبا بما في ذلك ثلث الأجواء البولندية، بالإضافة إلى ازدياد تواجدها العسكري في كل من القرم وسوريا. ومع تأكيدها للخطر الروسي على أميركا، طلبت الصحيفة من البنتاغون وضع تهديد «تنظيم الدولة، والمنظمات الإرهابية الأخرى» على قدم المساواة مع الخطر الروسي. وانتقدت البنتاغون بأنه يعتبر هذه أخطارا مؤقتة.
في بداية هذا الأسبوع، انضم وزير الخارجية كيري إلى زميله وزير الدفاع في التحذير من زيادة خطر روسيا. وقال: إن روسيا، بسبب تأييدها لحكومة الأسد، تؤيد، أيضا، سياسات حزب الله وإيران في سوريا. وقال: «ليست هذه معادلة جيدة إذا أرادت (روسيا) أن تحافظ على علاقاتها مع العالم السني». وأضاف كيري أنه على روسيا وإيران أن تدركا أن المعارضة السنية في سوريا لن تتوقف عن مهاجمة حكومة الأسد.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.