قلق الكتابة.. اقتصاد التأليف

ليس مهنة يعتمد عليها المثقف في البلدان العربية

مهرجان أكسفورد.. استقال رئيسه وكتاب يقاطعونه لرفضه دفع شيء للكتاب المشاركين فيه  -  فيليب بولمان
مهرجان أكسفورد.. استقال رئيسه وكتاب يقاطعونه لرفضه دفع شيء للكتاب المشاركين فيه - فيليب بولمان
TT

قلق الكتابة.. اقتصاد التأليف

مهرجان أكسفورد.. استقال رئيسه وكتاب يقاطعونه لرفضه دفع شيء للكتاب المشاركين فيه  -  فيليب بولمان
مهرجان أكسفورد.. استقال رئيسه وكتاب يقاطعونه لرفضه دفع شيء للكتاب المشاركين فيه - فيليب بولمان

استرعى انتباهي قبل أيام خبر في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية عن كاتب بريطاني ينسحب من مهرجان أدبي تقيمه جامعة أكسفورد، وهو كاتب يتمتع بشعبية واسعة ومكانة رفيعة أهلته ليكون راعيًا لذلك المهرجان على مدى الخمسة أعوام الماضية. ما استرعى انتباهي كان السبب، فعلى غير المعتاد، لم يكن ذلك السبب خلافًا فكريًا أو أدبيًا أو قانونيًا، وإنما كان خلافًا ماليًا، أو ماديا كما نقول عادة. فيليب بولمان Pullman كاتب ذائع الصيت وأعماله تبيع بأعداد كبيرة، أي إنه يحقق أرباحًا كبيرة يحسدها عليه آلاف الكتاب الآخرين وهو ما يجعل الخبر أكثر لفتًا للانتباه. بولمان بعد تلك المدة وكل ذلك التكريس للجهود وصل إلى قرار نهائي بالانسحاب من المهرجان الذي يعد الأشهر في بريطانيًا، حسب ما ذكرت الصحيفة. المهرجان، كما يقول الكاتب، يرفض أن يدفع شيئا للكتاب المشاركين فيه. «نحن المؤلفين لب المهرجان والسبب الوحيد الذي يجعل الناس تشتري التذاكر إليه في المقام الأول، ومن العدالة أن يُدفع لنا»، قال بولمان للصحيفة البريطانية. لذلك استقال الكاتب البريطاني الذي لم يكن بحاجة لأن يدفع له هو، كما نستطيع أن نستنتج، بقدر ما أنه تضامن مع زملاء له لا يحققون من أرباح الكتابة والتأليف ما يحققه.
بقي أن أشير إلى ما تضمنه خبر انسحاب بولمان من معلومات عن الدخل المادي للكتاب في بريطانيا وجدتها مدهشة ولا أظنها إلا ستدهش كتابًا كثيرين من العالم غير الغربي، إلى جانب أن منها ما يوحي بعكس الطريقة التي تعامل بها مهرجان أكسفورد مع الكتاب. الجمعية البريطانية المختصة بتراخيص الكتاب ومستحقاتهم (ALCS) تقدر متوسط الدخل للكاتب البريطاني من أعماله بـ11 ألف جنيه إسترليني (سنويًا بالطبع). تلك الجمعية تأسست عام 1977 وتذكر بعض المعلومات المتوفرة عن الجمعية أنها منذ تأسيسها وحتى 2015 وزعت على الكتاب الأعضاء وعددهم نحو 87 ألف عضو نحو 350 مليون جنيه. الطريف، بل المدهش، أن نسبة من ذلك المبلغ تأتي من المبالغ التي يتقاضاها الكتّاب ثمنًا لإعارة كتبهم من المكتبات (العامة والجامعية وما في حكمها)، وذلك نتيجة لقانون استصدر عام تأسيس الجمعية. أما المبلغ الذي يحصل عليه الكاتب البريطاني لقاء مشاركته في المهرجانات (غير مهرجان أكسفورد) فزهيد بكل المقاييس: إنه لا يتجاوز المائة وخمسين جنيًا في أحسن الأحوال (نحو 250 دولارًا أو 900 ريال سعودي).
عالم الأرقام هذا ليس عادة ما نقرأه في أخبار أو مقالات تتصل بالأدب والثقافة، ذلك العالم المتعالي في الغالب على هذه الماديات. ذلك في ظاهر الأمر طبعًا، لكن في حقيقته أن الكتّاب لا سيما في الدول التي تكون فيها الكتابة والتأليف حرفة ومصدرًا رئيسيًا إن لم يكن وحيدًا، يطرحون هذا الأمر بوضوح ويسيرون فيه بمقتضى معلومات معلنة تنظمها قوانين وأعراف متبعة. أما في غير تلك البلدان فتتداخل أمور كثيرة تجعل الحديث في أمر الحقوق صعبًا. من تلك أن الحقوق القانونية ضائعة غالبًا أو هشة في أفضل الحالات، كما أن منها أن كثيرًا من مجتمعاتنا العربية المحافظة تجد أن من المعيب الحديث في الماديات حين يتعلق الأمر بالفكر والثقافة والأدب. يطلب من المثقف أن يشارك في مؤتمر أو يقدم ورقة لندوة أو يقدم مساهمة دون أن يطلب شيئا ودون أن يتوقع أن يرد مع الطلب أو الاقتراح شيئا عن المردود المادي إن كان هناك أي مردود. وليس المؤلف أو الكاتب هو من يتحرج في طرح الموضوع بل إن الجهة الداعية تتحرج هي أيضًا في بعض الأحيان للحديث في «الماديات»، ليبقى الأمر من الترتيبات المسكوت عنها. ومع أن هذا الوضع بدأ يتغير في السنوات الأخيرة ولدى بعض الجهات، لا سيما الدول المقتدرة ماديا، فإن الأمر ما زال في دائرة الكرم أو الود المتبادل وليس في دائرة الحقوق القانونية.
إذا استثنينا الكتابة الصحافية المنتظمة فإن الكتابة والتأليف ليسا في المجمل مهنة يعتمد عليها المثقف في البلاد العربية بعد. هناك حالات دون شك تحولت فيها الكتابة والتأليف إلى حرفة لكنها ليست القاعدة. ويعود السبب في ذلك، كما لا يخفى، إلى هشاشة الوضع القانوني أو ضبابيته في أفضل الحالات أو غياب أي حقوق يمكن للكاتب الاتكاء عليها. الاستثناءات دائمًا موجودة، كما ذكرت، ولكنها استثناءات، أي حالات قليلة أو نادرة لا يقاس عليها. المؤلفون في المجالات ذات الرواج الشعبي، كالروايات المثيرة عاطفيًا أو جنسيًا أو الكتب السياسية والدينية، التي تقترب من العواطف والأفهام البسيطة، وكتب الطبخ والمتعلقة بالغناء والرياضة، وكلها تدخل في أي قائمة للأفضل مبيعًا، مؤلفو أولئك الكتب لا يشتكون عادة من نقص في الحقوق أو المردود، ناهيك عن أن تهضم حقوقهم، بل إنهم من يدللـه الناشرون. المشكلة هي فيما يصنف بأنه كتابة أو تأليف جاد أو معمق أو لا يرضي رغائب بسيطة. ذلك اللون هو اليتيم في العيد، إن كرمه الناشرون لم يتقاضوا لقائه مالاً وإلا فعلى الكاتب أن يدفع لكي ينشر له، وسيفرح بتوزيع جيد.
لكن هذه الحالة ليست السائدة في بعض دول الخليج، وأقول: «بعض» لكي أستثني دولاً نفطية حول الخليج لا ينطبق عليها ما أشير إليه. في بعض تلك الدول يحصل الكتاب والمؤلفون، أو من يصنفون بأنهم مثقفون، على مقابل مادي مجز لقاء مشاركاتهم في المهرجانات. الكويت والإمارات بشكل خاص تتمتعان بسمعة طيبة على هذا المستوى. يعرف ذلك مواطنو مجلس التعاون كما يعرفه مواطنو الدول العربية الذين يترقبون بفارغ الصبر دعوة من إحدى تلكما الدولتين. فلقاء ورقة مؤتمر أو محاضرة في مهرجان أو ندوة يمكن أن يدفع للكاتب ما يتراوح بين ألف إلى ثلاثة آلاف دولار. ولك أن تتخيل كاتبًا عربيًا لا يتجاوز دخله الشهري ككل الألف دولار عندما يحصل على مبلغ كهذا. إنه دعم ممتاز للمنتج الثقافي. المشكلة الوحيدة في دول مجلس التعاون، كما هي في بقية الدول العربية على الأرجح، بل وكثير من دول العالم غير الغربي، أن الحقوق القانونية غائبة أو واقعة في دائرة اللامفكر فيه. فمن الذي سيطالب بحقوق نشر بحث أو حتى كتاب إن وجده مصورًا وموزعًا أو حتى معادًا نشره دون إذن وبالطبع دون عائد. أما فيما يتصل بالعائد المادي للمنتج الفكري في غالبية البلاد العربية فهو من اللامفكر فيه أيضًا.
في بعض دول المنطقة والدول العربية ومنها السعودية جرى تقنين للملكية الفكرية، وهناك حالات طبق فيها القانون حماية للمؤلف، لكن الحالة ما تزال سائبة أو هلامية إلى حد بعيد. الكثيرون لا يعرفون حقوقهم، وإن عرفوها فالمطالبة قد تكون أكثر كلفة من العائد في حال كُسبت القضية. انسحاب الكاتب البريطاني من مهرجان عريق تقيمه جامعة عريقة سيشعر الكتاب والمؤلفين العرب أن القلق مشترك حتى مع واحدة من أكثر دول العالم تحضرًا، ووجود جمعية تحصل للكتاب على حقوق إعارة كتبهم من المكتبات سيذكرهم مرة أخرى بفارق سيبدو سرياليًا أو فانتازيًا لكثيرين. الحال من بعضها، لكن.. بعضها فقط.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).