العراق: تجاوزات ميليشيات «الحشد الشعبي» في ديالى خدمت «داعش»

التنظيم المتطرف ما زال البديل الجاهز للعرب السّنة المهمشين

عناصر من كتائب حزب الله والحشد الشعبي يطلقون نيران بنادقهم ابتهاجاً بما حققوه في الرمادي بالعراق ({غيتي})
عناصر من كتائب حزب الله والحشد الشعبي يطلقون نيران بنادقهم ابتهاجاً بما حققوه في الرمادي بالعراق ({غيتي})
TT

العراق: تجاوزات ميليشيات «الحشد الشعبي» في ديالى خدمت «داعش»

عناصر من كتائب حزب الله والحشد الشعبي يطلقون نيران بنادقهم ابتهاجاً بما حققوه في الرمادي بالعراق ({غيتي})
عناصر من كتائب حزب الله والحشد الشعبي يطلقون نيران بنادقهم ابتهاجاً بما حققوه في الرمادي بالعراق ({غيتي})

جاءت الحصيلة السياسية للحوادث الأخيرة في مدينة المقدادية ومحيطها، بمحافظة ديالى في العراق، والتي أسفرت عن وقوع ما يزيد على 60 قتيلا، لمصلحة تنظيم داعش المتطرف، الذي يبدو أنه على الرغم من الانتكاسات الأخيرة التي تعرّض لها ما زال يتمتع بدعم عدد من المناصرين في المناطق العربية السنّية الخاضعة لسيطرته. إذ أسهم التنظيم الإرهابي المتطرّف في خلق نزعة سنّية منحرفة، يتوقع المراقبون أن تستمر في منحاها الشاذ، في غياب وفاق وطني حقيقي بين السنّة والشيعة على المستوى المؤسساتي، وفي غياب قيادة عربية سنّية معتدلة تحظى بالمصداقية. وحتى بعد سقوط مدينة الرمادي، وفقدان «داعش» أكثر من 40 في المائة من الأراضي، ما زال التنظيم يحتفظ بمساحات واسعة من غرب وشمال العراق، وتحديدا في مدينتي الفلوجة والموصل.
أفاد منشور أصدرته شركة الإحصاءات العراقية «IIACCS» بأن الدعم الذي يبديه السكان الذين يعيشون في مدينة الموصل لـ«داعش» لا يزال قويا نسبيا. إذ يدعي المنشور أن نحو 40 في المائة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع اعتبروا أن «داعش» لا يزال يمثل وجهات نظرهم ومصالحهم.
وهذا رأي عبر عنه أيضا أحد سكان الموصل الذي تحدث إلى الشرق الأوسط شرط عدم الكشف عن هويته إذ رأى أن نصف السكان تقريبا لا يزالون يعتمدون على المنظمة، بغياب بديل آخر عنها.
يشير الناشط السياسي غانم العابد في حديث إلى الشرق أوسط «أن كثيرا من سكان الموصل لا يزالون يفضلون داعش على قوات الحشد الشعبي}.
من جهة أخرى، وصف أستاذ العلوم السياسية فنار حداد، في تقرير له صدر أخيرا، حالة الحرمان السني بـ«الرفض السنّي لدولة ما بعد 2003 المتمحورة حول الشيعة». وتناول كيف أن التباعد بين العراقيين العرب السنّة والدولة متجذر في رفض السنّة النظام الطائفي الذي ظهر بعد الغزو الأميركي للعراق، حيث إنه مع زوال مبدأ القومية العربية، الذي كان سائدا حينها، احتلت الهويات العرقية والطائفية الواجهة. ثم في فترة ما بعد 2003 حرمت سياسة «اجتثاث البعث» آلاف العرب السنّة من وظائفهم على الرغم من حقهم بها. كذلك لم يجد البعثيون وكثير من العرب السنّة مكانا لهم في النظام الجديد الذي هيمنت عليه الأحزاب السياسية الشيعية المدعومة من إيران، والتي كانت قادرة على النفاذ بشكل أفضل إلى خيرات البلاد. وفي سياق متصل، يقول أحد قدامى البعثيين إنه «حين اجتاح تنظيم داعش مدينة تكريت العام الماضي، تبين أن العديد من أعضاء التنظيم الذين سيطروا على المدينة من البعثيين القدامى كانوا رفاقا له في الحزب، منهم مهندسون وعقداء وعمداء ولواءات في الجيش».
وبحلول عام 2013، تمكن تنظيم داعش، الذي ولد من رحم تنظيم القاعدة، من التفوق على المنظمة الأم من حيث مظاهر الانحراف الأبشع للهوية المذهبية المتعصبة. ومما لا شك فيه أن سلسلة التدابير ذات النزعة المذهبية التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أسهمت إسهاما مباشرة في تعزيز هذه الانحرافات. فلقد عمدت القوات العراقية إلى قمع احتجاج في ديسمبر (كانون الأول) عام 2012، بعدما احتجزت هذه القوات حراس أحد الوزراء العرب السنّة. أضف إلى ذلك إقدام المالكي على تهميش وإقصاء شخصيات سنّية شعبية مهمة مثل طارق الهاشمي (نائب رئيس الجمهورية بين 2006 و2012) الذي حُكم عليه بالإعدام وهو موجود حاليا في تركيا، والنائب أحمد العلواني، ووزير المالية السابق رافع العيساوي، الذي كان هدفا لعدة محاولات اغتيال. وعليه، في عام 2013 كان نحو 60 في المائة من السنّة قد فقدوا ثقتهم في النظام القضائي العراقي، وهذا الرقم ارتفع ليصل إلى 80 في المائة في عام 2014، وفقا لدراسة أخرى أجرتها شركة «IIACSS».
واليوم، تظل العوامل التي أسهمت في ظهور التطرّف السنّي في أشكاله الأكثر رعبا قائمة، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي لرأب الصدع بين الطائفتين. ذلك أنه في انتقام واضح من التفجيرات التي كانت قد طالت الطائفة الشيعية وتبناها «داعش» في مدينة المقدادية، بمحافظة ديالى، عمدت الميليشيات الشيعية، وعلى رأسها «الحشد الشعبي»، في مطلع يناير (كانون الثاني) المنصرم إلى قتل ما يزيد على 43 سنّيا بوحشية فظيعة، وإحراق تسعة مساجد في مناطق كان قد أخرج مسلحو «داعش» منها.
وهنا يشير أحد سكان الموصل ممن التقتهم «الشرق الأوسط» – شريطة التكتم على هويته – قائلا «إن كثيرا من سكان الموصل ما زالوا يفضلون (داعش) على قوات الحشد الشعبي»، موضحا أن العرب السنّة يعتبرون الميليشيات المدعومة من إيران، والتي يجري تمويلها من الحكومة العراقية الحالية، أقوى من الدولة. وحقا، تسببت هذه الميليشيات «في عمليات تدمير وقتل على نطاق واسع بعد تحرير تكريت في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) 2015»، وفقا لتقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» بعنوان «الحصيلة المدمرة: تجاوزات الميليشيات في أعقاب استعادة السلطات العراقية مدينة تكريت» (Ruinous Aftermath: Militia Abuses Following Iraq’s Recapture of Tikrit). وعلى صعيد آخر، جاءت أزمة اللاجئين الناجمة عن الحرب الأهلية الدائرة لتزيد الأمور سوءًا. فاعتبارا من يونيو (حزيران) 2015، وصل عدد الأشخاص الذين اضطروا إلى النزوح داخليا بسبب النزاع في العراق المندلع منذ يناير 2014 إلى 3.1 مليون شخص على الأقل، كما وصل عدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية إلى 8.2 مليون. في المقابل، لم تبذل حكومة بغداد جهودا تستحق الذكر لمعالجة هذه المشكلة، علما بأن النازحين إما يخشون العودة إلى ديارهم أو منعوا من ذلك، كما هو الحال في المقدادية وجلولاء (وهي أيضا في محافظة ديالى) ومناطق أخرى.
وبناءً عليه، تتحمل الحكومة العراقية اليوم الحصة الأكبر من المسؤولية إزاء الوضع الحالي المتأزم. إذ يرى المراقبون أنه على حيدر العبادي أن يُحكم قبضته أولا على الميليشيات الشيعية، وثانيا يعود عن سياسات المالكي، لكي تتمكن حكومته كبداية من استعادة بعض شرعيتها. كذلك يتعين على الساسة العرب السّنّة المنضوين تحت «ائتلاف القوى العراقية» أخذ مواقف تصعيدية، بدلا من الاكتفاء كما فعلوا إزاء الحوادث الأخيرة بإعلان مقاطعتهم للجلسات المقبلة في البرلمان والحكومة، في إدانة لما يحدث في المقدادية.
هذه المبادرات، على الرغم من أهميتها، تبقى غير كافية على الإطلاق. فاستعادة مصداقية كل من مجلس الوزراء والقيادة السنّية تتطلب في عنوانها الأول مواجهة محن العراق الأكثر إلحاحا. وهو ما يفرض على المدى القصير وقف حمام الدم الطائفي من خلال الانخراط في حوار وطني، وإعادة الأسر النازحة إلى مناطقها الأم، وسداد جزء من الخسائر التي أنتجتها المعارك، وإعادة تهيئة البنية التحتية، وصرف رواتب موظفي الحكومة في المدن المحرّرة، وذلك بالتزامن مع عدد من الإصلاحات السياسية الضرورية.
أما على المدى الطويل، فلا بد من معالجة المظالم الاجتماعية والسياسية للمواطنين الخاضعين لسيطرة «داعش» لمحاولة استمالة أولئك الذين ما زالوا يدعمون المنظمة الإرهابية. وهذا يستلزم إنشاء أقاليم ذات حكم ذاتي في المناطق العربية السنّية، وتمرير «قانون الحرس الوطني» على مستوى البرلمان، وإجراء إحصاء سكاني جديد، فضلا عن تعديل قوانين مكافحة الإرهاب التي تعتبر مجحفة بحق العرب السّنّة، والتراجع عن قانون «اجتثاث البعث».
وفي اعتبار هؤلاء المراقبين فإنه ما لم تعمد حكومة العبادي إلى معالجة جميع هذه المطالب بجدية، والأهم ما لم تبدِ الطبقة السياسية استعدادا للخروج بحلول منصفة، فإن المجتمع العربي السّنّي سيظل يشعر بأنه لا يملك ممثلا شرعيا يتحدث باسمه ويدافع عن حقوقه. فاليوم يشعر الشيعة بأن لديهم مراجع قوية تمثلهم، مثل آية الله علي السيستاني ومقتدى الصدر وقادة ميليشياويين أقوياء من «الحشد الشعبي». وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأكراد، الذين على الرغم من الحساسيات العديدة بينهم فإنهم يتبعون زعامتين تاريخيتين مهمتين هما زعامتا البارزاني (بقيادة مسعود بارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني) والطالباني (جلال طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني). أما على صعيد العرب السنّة، فسيبقى الفراغ يعوق ويحبط أي جهود لوقف النزاعات تاركا اليائسين والمحبطين منهم من دون خيار سوى الانضواء تحت راية التطرّف.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».