«داعش» يثير خشية واشنطن من «2016 ساخنة»

مع مواصلته التوسّع على حساب «القاعدة» في أفغانستان

الدواعش الأفغان سحبوا البساط من تحت أقدام «القاعدة» في ولايات عديدة في أفغانستان («الشرق الأوسط»)
الدواعش الأفغان سحبوا البساط من تحت أقدام «القاعدة» في ولايات عديدة في أفغانستان («الشرق الأوسط»)
TT

«داعش» يثير خشية واشنطن من «2016 ساخنة»

الدواعش الأفغان سحبوا البساط من تحت أقدام «القاعدة» في ولايات عديدة في أفغانستان («الشرق الأوسط»)
الدواعش الأفغان سحبوا البساط من تحت أقدام «القاعدة» في ولايات عديدة في أفغانستان («الشرق الأوسط»)

حذرت الولايات المتحدة الأميركية من تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان خلال عام 2016، إذ قال الجنرال الأميركي جون نيكولسون، المرشح لخلافة الجنرال جون كامبل في قيادة القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان، وقوامها نحو ثلاثة عشر ألف عسكري، إن الوضع الأمني في أفغانستان سيسوء أكثر مع حلول الربيع الأفغاني بعد شهرين، حيث يتوقع أن تصعّد حركة طالبان والجماعات المتطرفة المسلحة الأخرى من عملياتها.
كذلك أشارت لجنة «سيكار» الأميركية للشفافية، التي تحقق في المساعدات الأميركية والدولية إلى أفغانستان وموارد استعمال المنح الدولية المقدمة لها، إلى أن الحكومة الأفغانية تسيطر حاليا فقط على سبعين في المائة من أراضي البلاد، بينما تخضع باقي المناطق لطالبان وتنظيم داعش الذي يجند مقاتلين جددا إلى صفوفه.
يرى الخبراء العسكريون والمحللون السياسيون الأفغان في العاصمة كابل أن التحذير الأميركي من تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان خلال عام 2016 يشير خصوصا إلى تصاعد نفوذ تنظيم داعش المتطرف في نسخته الأفغانية. وكانت «ولاية خراسان» المنبثقة عن التنظيم قد أعلنت عن حضورها في أفغانستان وباكستان، وعملت على توسيع انتشار «داعش» ونفوذه في أفغانستان على حساب حركة طالبان، متجاوزا حدود قواعده الأصلية في سوريا والعراق، وهو اليوم يهدد فعليا وجود حركة طالبان المسيطرة على أجزاء من البلد منذ عام 1996.
وفي هذا الاتجاه، كشف تقرير «لجنة القاعدة وطالبان» التابعة للأمم المتحدة أخيرا، أن عدد المنضوين تحت لواء «داعش» ومبايعيه يتزايد باطراد في عدة ولايات أفغانية. وأوضح التقرير نقلا عن مصادر حكومية أفغانية أن هناك على ما يبدو أنه توسّع كبير لتنظيم داعش، مشيرا إلى أن المجموعات المرتبطة بالتنظيم تنشط اليوم في 25 ولاية من أصل 34 ولاية تتكون منها أفغانستان.
ووفق المعلومات المتوافرة فإن معظم المنضمين الجدد هم أفراد جرى تجنيدهم من مجموعات مسلحة، بعضها كان على خلاف مع القيادة المركزية لحركة طالبان، أو أنهم يسعون إلى هوية مختلفة من خلال ابتعادهم عن الحركة.
التقرير الأممي أفاد أيضا بأن بين المنضمين أنصارا لتنظيم القاعدة و«عددا قليلا» من غير الأفغان جاءوا مباشرة من العراق وسوريا، وهم يشكلون حاليا - حسب حكومة كابل - النواة الصلبة لتنظيم داعش في البلاد.
من ناحية أخرى، تشير تقديرات قوات الأمن الأفغانية إلى أن نحو 10 في المائة من أعضاء حركة طالبان النشطين يؤيدون تنظيم داعش، لكن هذا الرقم غير ثابت نظرا لتغير التحالفات على الأرض بين الحين والآخر. وجاء أيضا أن المجموعات الموالية لـ«داعش» تقاتل القوات الحكومية الأفغانية بانتظام، لكنها نادرا ما تقاتل التنظيمات المسلحة الأخرى.
وما يجدر ذكره في هذا السياق أن حكومة كابل كانت قبل ستة أشهر من الآن قد نفت تكرارا في تصريحاتها الرسمية وجود «نفوذ حقيقي» لتنظيم داعش في أفغانستان، غير أن هذه التطمينات لا تتوافق البتة مع التقارير الاستخباراتية التي تؤكد منذ وقت مضى تزايد نفوذ هذا التنظيم المتطرف، علما بأن مندوب أفغانستان الدائم لدى الأمم المتحدة كان قد حذّر من ازدياد عدد المسلحين الأجانب في بلاده ووصوله إلى ما يقرب من 7 آلاف مسلح.
الخبير الأمني الأفغاني عبد الستار منصف قال لـ«الشرق الأوسط»، في لقاء معه، إن تنظيم «داعش» بدأ يتوغل، ويوسع نفوذه في أفغانستان، بعد ارتكابه أبشع المجازر في المدن السورية والعراقية تحت راية الإسلام، مع إعلان ما سماه زورا بـ«الخلافة». وشدد على أن «خطر (داعش) أكبر وأشد من خطر طالبان على الأمن والاستقرار النسبيين في أفغانستان وباكستان». وأردف أن التنظيم «في حال استمر التجاهل الدولي فإنه لن يبقى في جغرافيا أفغانستان وحدها، بل سيتمدد إلى خارج الحدود ليشكل خطرا محدقا لدول المنطقة برمتها».
وفي هذا الإطار، كانت وزارة الدفاع الأفغانية قد أعلنت قبل ثمانية أشهر عن تشكيل قوة خاصة جديدة لمكافحة تنظيم داعش والتصدي لتهديداته المتزايدة، وذلك وسط تزايد المخاوف المرتبطة بتنامي أنشطة التنظيم الإرهابية في أرجاء أفغانستان. وقال القائم بأعمال وزير الدفاع الأفغاني معصوم ستانيكزاي، أمام جلسة علنية للبرلمان، إن القوة الخاصة الجديدة ستركز جهدها بشكل رئيسي على التصدي لأنشطة الموالين لـ«داعش» في الأجزاء الشرقية من أفغانستان. وأكد ستانيكزاي أن قضية «داعش» هي الآن «أكثر القضايا أهمية وينبغي التعامل معها بصرامة، فالشعب الأفغاني قد ضاق ذرعا بهذه الجماعة الدخيلة على المجتمع الأفغاني».
وأوضح القائم بأعمال وزير الدفاع أيضا أن القوة الجديدة التي تتألف من جنود من الجيش الأفغاني ستواصل قمع الأنشطة المسلحة للموالين لـ«داعش» إلى جانب الغارات الجوية المستمرة لضرب أهداف التنظيم.
في المقابل، كان الموالون للتنظيم المتطرف قد كثفوا أخيرا من أنشطتهم والدعاية التي ينشرونها ضد الحكومة الأفغانية، إلى جانب بث الرعب في نفوس سكان الأجزاء الشرقية من أفغانستان، ضمن إطار هدفهم لإقامة قاعدة إقليمية في إقليم ننغرهار بشرق البلاد. ولكن هنا يبدي نويد أحمد جبار خيل، وهو محلل سياسي ومتابع لشؤون الجماعات الإسلامية، اعتقاده بأن تمدد «داعش» ما كان ليحصل لولا ضعف طالبان وفقدانها السيطرة على مقاتليها في كثير من المناطق. وأوضح جبار خيل أن طالبان تعرّضت في الآونة الأخيرة، وتحديدا بعد إعلان وفاة زعيمها الملا عمر، لتغييرات كثيرة، وكادت تنقسم إلى عدة تنظيمات متناحرة، بسبب الخلافات التي تلت وفاة الزعيم الراحل وتعيين خليفة له. وشرح أنه «بينما كان بعض القادة البارزين في الحركة منشغلين بخلافاتهم الداخلية، بدا أن زعيم الحركة الملا أختر منصور وجد في تغيير استراتيجية الحركة إزاء الحكومة الأفغانية وتنظيم داعش مفرا من كل تلك الخلافات ووسيلة مهمة لشغل مقاتلي الحركة بالقتال وتنظيم الصفوف». وتابع جبار خيل أن ظهور ظاهرة «داعش» الأفغانية وحد «طالبان» إلى حد كبير.
في مطلق الأحوال، مع تزايد التكهنات بشأن قوة «داعش» في أفغانستان، تواصل الولايات المتحدة وروسيا، على رأس دول أخرى، التحذير من تعاظم قوة التنظيم وتدفّق المسلحين باتجاهه، على حساب طالبان. وعلى الرغم من إشارة بعض المراقبين إلى أن الحكومة الأفغانية وراء ترويج مثل هذه التكهنات للحصول على دعم دول المنطقة، فثمة من يؤكد أن تحركات «داعش» على الأرض أثارت بالفعل قلقا لدى كل الأطراف المعنية بالأزمة.
وحتى طالبان نفسها، بعدما تلقت ضربات موجعة وقوية على يد «داعش» في شرق البلاد، باشرت باتخاذ خطوات للوقوف في وجه تنظيم يعتبر طالبان أول وأشرس أعدائه، ويحاول أن يشاطرها القوة العسكرية في شرق البلاد وجنوبها.
وكدليل على إدراك طالبان خطر تنظيم داعش على نفوذها، قررت قيادتها المركزية تشكيل قوة خاصة تهدف إلى الوقوف في وجهه والتصدي له. ومما يستحق الذكر هنا أن ولاية ننغرهار (شرق أفغانستان) كانت ساحة لمواجهات دامية بين التنظيمين المسلحين، وبعد معارك ضارية بين الجماعتين، واستيلاء «داعش» على مناطق شاسعة من شرق البلاد وبالقرب من الحدود الباكستانية، قرّرت قيادة طالبان تشكيل قوة خاصة تهدف إلى الوقوف في وجه التنظيم. وفي هذا الشأن، يؤكد قائد المولوي عبد السلام بصير، وهو قيادي سابق في طالبان تخلى عن الحرب، أن معلوماته تشير إلى أن «ثمة فِرقا عديدة لمسلحي الحركة في كل مديرية أفغانية وتسمى واحدة منها محليا (دلكي)، أي الجماعة القتالية، واللجنة المخوّلة بهذا المجال قررت أن يتم تعيين شابين أو ثلاثة من كل جماعة ليشكّل هؤلاء فرقة خاصة على مستوى المديرية، ثم لتشكّل جميع تلك الفرق قوة خاصة في الإقليم».
وحسب بصير، لا يقتصر عمل هذه القوة على مواجهة «داعش»، والدفاع عن أراضي الحركة، بل إنها قد تشارك في العمليات الهجومية. كذلك أوضح المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، في تواصل مع وسائل إعلام أفغانية محلية، أن هناك العديد من مراكز تدريب هذه القوة، ولقد انضم إليها أعداد كبيرة من الشباب، مشيرا إلى أن هذه الفرق قد تشارك في العمليات الهجومية إذا دعت الحاجة.
أيضا، ووفق مصادر قبلية مقربة من طالبان، فإن الحركة شكّلت بموازاة هذه القوة لجانا من العلماء والمثقفين من مسلّحي الحركة، تجوب المدن والأحياء، وتحذر المواطنين من الانضمام إلى «داعش»، وتحضّهم على العمل مع طالبان ضد الفئة التي تصفها بالمتشددة والدخيلة.
الحديث عن وجود «داعش» في أفغانستان وباكستان بدأ في منطقة وزيرستان، عندما أعلن شاهد الله شاهد، المتحدث الأسبق باسم حركة «طالبان الباكستانية»، وعبد الرحيم مسلم دوست، القيادي السابق في «طالبان الأفغانية»، مبايعتهما لتنظيم داعش. ولقد نُشرت مبايعة مسلم دوست في الموقع الرسمي للتنظيم المتطرف. أما شاهد الله شاهد فكان قد فُصل قبل فترة من طالبان بتهمة التواصل مع الاستخبارات الباكستانية، وكان من المتوقع أن يقدم «داعش» على تعيين أحدهما زعيما لـ«ولاية خراسان»، إلا أن التنظيم وبشكل مفاجئ عيّن حافظ سعيد خان، القيادي السابق في «طالبان باكستان» من المنطقة القبلية أوروكزاي «أميرا لخراسان»، كما عيّن عبد الرؤوف خادم، من أعضاء اللجنة العسكرية لـ«طالبان الأفغانية»، نائبا لـ«ولاية خراسان»، وقُتل هذا الأخير في 9 فبراير (شباط) 2015، على أثر عملية نفّذتها طائرة أميركية بلا طيّار في ولاية هلمند بمديرية كَجَكِيْ، ولم يعين التنظيم خلفا له حتى الآن. وبعد ذلك لم تُنشر أخبار دقيقة حول مصير حافظ سعيد خان وشاهد الله شاهد، وإن كانت هناك شائعات تقول إن مسلم دوست سافر إلى سوريا.
من ناحية أخرى، كانت أكبر مجموعة مقاتلة تنفصل عن طالبان وتعلن الولاء لـ«داعش» الأفغاني هي حركة أوزبكستان الإسلامية. هذه الحركة تضم مقاتلين أجانب من دول آسيا الوسطى والقوقاز وإقليم الأويغور (تركستان الشرقية أو سنكيانغ لغرب الصين)، وزعيمها عثمان غازي. وكانت هذه المجموعة في الماضي جزءا أساسيا من حركة طالبان، ولكن بعدما انصرفت الحركة بعيدا عن برنامجها العالمي انفصلت هذه المجموعة عنها. وقبل أشهر بايع زعيم هذه المجموعة أبو بكر البغدادي زعيم «داعش» عقب وفاة زعيم طالبان الملا عمر في ظروف غامضة.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.