«داعش» يثير خشية واشنطن من «2016 ساخنة»

مع مواصلته التوسّع على حساب «القاعدة» في أفغانستان

الدواعش الأفغان سحبوا البساط من تحت أقدام «القاعدة» في ولايات عديدة في أفغانستان («الشرق الأوسط»)
الدواعش الأفغان سحبوا البساط من تحت أقدام «القاعدة» في ولايات عديدة في أفغانستان («الشرق الأوسط»)
TT

«داعش» يثير خشية واشنطن من «2016 ساخنة»

الدواعش الأفغان سحبوا البساط من تحت أقدام «القاعدة» في ولايات عديدة في أفغانستان («الشرق الأوسط»)
الدواعش الأفغان سحبوا البساط من تحت أقدام «القاعدة» في ولايات عديدة في أفغانستان («الشرق الأوسط»)

حذرت الولايات المتحدة الأميركية من تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان خلال عام 2016، إذ قال الجنرال الأميركي جون نيكولسون، المرشح لخلافة الجنرال جون كامبل في قيادة القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان، وقوامها نحو ثلاثة عشر ألف عسكري، إن الوضع الأمني في أفغانستان سيسوء أكثر مع حلول الربيع الأفغاني بعد شهرين، حيث يتوقع أن تصعّد حركة طالبان والجماعات المتطرفة المسلحة الأخرى من عملياتها.
كذلك أشارت لجنة «سيكار» الأميركية للشفافية، التي تحقق في المساعدات الأميركية والدولية إلى أفغانستان وموارد استعمال المنح الدولية المقدمة لها، إلى أن الحكومة الأفغانية تسيطر حاليا فقط على سبعين في المائة من أراضي البلاد، بينما تخضع باقي المناطق لطالبان وتنظيم داعش الذي يجند مقاتلين جددا إلى صفوفه.
يرى الخبراء العسكريون والمحللون السياسيون الأفغان في العاصمة كابل أن التحذير الأميركي من تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان خلال عام 2016 يشير خصوصا إلى تصاعد نفوذ تنظيم داعش المتطرف في نسخته الأفغانية. وكانت «ولاية خراسان» المنبثقة عن التنظيم قد أعلنت عن حضورها في أفغانستان وباكستان، وعملت على توسيع انتشار «داعش» ونفوذه في أفغانستان على حساب حركة طالبان، متجاوزا حدود قواعده الأصلية في سوريا والعراق، وهو اليوم يهدد فعليا وجود حركة طالبان المسيطرة على أجزاء من البلد منذ عام 1996.
وفي هذا الاتجاه، كشف تقرير «لجنة القاعدة وطالبان» التابعة للأمم المتحدة أخيرا، أن عدد المنضوين تحت لواء «داعش» ومبايعيه يتزايد باطراد في عدة ولايات أفغانية. وأوضح التقرير نقلا عن مصادر حكومية أفغانية أن هناك على ما يبدو أنه توسّع كبير لتنظيم داعش، مشيرا إلى أن المجموعات المرتبطة بالتنظيم تنشط اليوم في 25 ولاية من أصل 34 ولاية تتكون منها أفغانستان.
ووفق المعلومات المتوافرة فإن معظم المنضمين الجدد هم أفراد جرى تجنيدهم من مجموعات مسلحة، بعضها كان على خلاف مع القيادة المركزية لحركة طالبان، أو أنهم يسعون إلى هوية مختلفة من خلال ابتعادهم عن الحركة.
التقرير الأممي أفاد أيضا بأن بين المنضمين أنصارا لتنظيم القاعدة و«عددا قليلا» من غير الأفغان جاءوا مباشرة من العراق وسوريا، وهم يشكلون حاليا - حسب حكومة كابل - النواة الصلبة لتنظيم داعش في البلاد.
من ناحية أخرى، تشير تقديرات قوات الأمن الأفغانية إلى أن نحو 10 في المائة من أعضاء حركة طالبان النشطين يؤيدون تنظيم داعش، لكن هذا الرقم غير ثابت نظرا لتغير التحالفات على الأرض بين الحين والآخر. وجاء أيضا أن المجموعات الموالية لـ«داعش» تقاتل القوات الحكومية الأفغانية بانتظام، لكنها نادرا ما تقاتل التنظيمات المسلحة الأخرى.
وما يجدر ذكره في هذا السياق أن حكومة كابل كانت قبل ستة أشهر من الآن قد نفت تكرارا في تصريحاتها الرسمية وجود «نفوذ حقيقي» لتنظيم داعش في أفغانستان، غير أن هذه التطمينات لا تتوافق البتة مع التقارير الاستخباراتية التي تؤكد منذ وقت مضى تزايد نفوذ هذا التنظيم المتطرف، علما بأن مندوب أفغانستان الدائم لدى الأمم المتحدة كان قد حذّر من ازدياد عدد المسلحين الأجانب في بلاده ووصوله إلى ما يقرب من 7 آلاف مسلح.
الخبير الأمني الأفغاني عبد الستار منصف قال لـ«الشرق الأوسط»، في لقاء معه، إن تنظيم «داعش» بدأ يتوغل، ويوسع نفوذه في أفغانستان، بعد ارتكابه أبشع المجازر في المدن السورية والعراقية تحت راية الإسلام، مع إعلان ما سماه زورا بـ«الخلافة». وشدد على أن «خطر (داعش) أكبر وأشد من خطر طالبان على الأمن والاستقرار النسبيين في أفغانستان وباكستان». وأردف أن التنظيم «في حال استمر التجاهل الدولي فإنه لن يبقى في جغرافيا أفغانستان وحدها، بل سيتمدد إلى خارج الحدود ليشكل خطرا محدقا لدول المنطقة برمتها».
وفي هذا الإطار، كانت وزارة الدفاع الأفغانية قد أعلنت قبل ثمانية أشهر عن تشكيل قوة خاصة جديدة لمكافحة تنظيم داعش والتصدي لتهديداته المتزايدة، وذلك وسط تزايد المخاوف المرتبطة بتنامي أنشطة التنظيم الإرهابية في أرجاء أفغانستان. وقال القائم بأعمال وزير الدفاع الأفغاني معصوم ستانيكزاي، أمام جلسة علنية للبرلمان، إن القوة الخاصة الجديدة ستركز جهدها بشكل رئيسي على التصدي لأنشطة الموالين لـ«داعش» في الأجزاء الشرقية من أفغانستان. وأكد ستانيكزاي أن قضية «داعش» هي الآن «أكثر القضايا أهمية وينبغي التعامل معها بصرامة، فالشعب الأفغاني قد ضاق ذرعا بهذه الجماعة الدخيلة على المجتمع الأفغاني».
وأوضح القائم بأعمال وزير الدفاع أيضا أن القوة الجديدة التي تتألف من جنود من الجيش الأفغاني ستواصل قمع الأنشطة المسلحة للموالين لـ«داعش» إلى جانب الغارات الجوية المستمرة لضرب أهداف التنظيم.
في المقابل، كان الموالون للتنظيم المتطرف قد كثفوا أخيرا من أنشطتهم والدعاية التي ينشرونها ضد الحكومة الأفغانية، إلى جانب بث الرعب في نفوس سكان الأجزاء الشرقية من أفغانستان، ضمن إطار هدفهم لإقامة قاعدة إقليمية في إقليم ننغرهار بشرق البلاد. ولكن هنا يبدي نويد أحمد جبار خيل، وهو محلل سياسي ومتابع لشؤون الجماعات الإسلامية، اعتقاده بأن تمدد «داعش» ما كان ليحصل لولا ضعف طالبان وفقدانها السيطرة على مقاتليها في كثير من المناطق. وأوضح جبار خيل أن طالبان تعرّضت في الآونة الأخيرة، وتحديدا بعد إعلان وفاة زعيمها الملا عمر، لتغييرات كثيرة، وكادت تنقسم إلى عدة تنظيمات متناحرة، بسبب الخلافات التي تلت وفاة الزعيم الراحل وتعيين خليفة له. وشرح أنه «بينما كان بعض القادة البارزين في الحركة منشغلين بخلافاتهم الداخلية، بدا أن زعيم الحركة الملا أختر منصور وجد في تغيير استراتيجية الحركة إزاء الحكومة الأفغانية وتنظيم داعش مفرا من كل تلك الخلافات ووسيلة مهمة لشغل مقاتلي الحركة بالقتال وتنظيم الصفوف». وتابع جبار خيل أن ظهور ظاهرة «داعش» الأفغانية وحد «طالبان» إلى حد كبير.
في مطلق الأحوال، مع تزايد التكهنات بشأن قوة «داعش» في أفغانستان، تواصل الولايات المتحدة وروسيا، على رأس دول أخرى، التحذير من تعاظم قوة التنظيم وتدفّق المسلحين باتجاهه، على حساب طالبان. وعلى الرغم من إشارة بعض المراقبين إلى أن الحكومة الأفغانية وراء ترويج مثل هذه التكهنات للحصول على دعم دول المنطقة، فثمة من يؤكد أن تحركات «داعش» على الأرض أثارت بالفعل قلقا لدى كل الأطراف المعنية بالأزمة.
وحتى طالبان نفسها، بعدما تلقت ضربات موجعة وقوية على يد «داعش» في شرق البلاد، باشرت باتخاذ خطوات للوقوف في وجه تنظيم يعتبر طالبان أول وأشرس أعدائه، ويحاول أن يشاطرها القوة العسكرية في شرق البلاد وجنوبها.
وكدليل على إدراك طالبان خطر تنظيم داعش على نفوذها، قررت قيادتها المركزية تشكيل قوة خاصة تهدف إلى الوقوف في وجهه والتصدي له. ومما يستحق الذكر هنا أن ولاية ننغرهار (شرق أفغانستان) كانت ساحة لمواجهات دامية بين التنظيمين المسلحين، وبعد معارك ضارية بين الجماعتين، واستيلاء «داعش» على مناطق شاسعة من شرق البلاد وبالقرب من الحدود الباكستانية، قرّرت قيادة طالبان تشكيل قوة خاصة تهدف إلى الوقوف في وجه التنظيم. وفي هذا الشأن، يؤكد قائد المولوي عبد السلام بصير، وهو قيادي سابق في طالبان تخلى عن الحرب، أن معلوماته تشير إلى أن «ثمة فِرقا عديدة لمسلحي الحركة في كل مديرية أفغانية وتسمى واحدة منها محليا (دلكي)، أي الجماعة القتالية، واللجنة المخوّلة بهذا المجال قررت أن يتم تعيين شابين أو ثلاثة من كل جماعة ليشكّل هؤلاء فرقة خاصة على مستوى المديرية، ثم لتشكّل جميع تلك الفرق قوة خاصة في الإقليم».
وحسب بصير، لا يقتصر عمل هذه القوة على مواجهة «داعش»، والدفاع عن أراضي الحركة، بل إنها قد تشارك في العمليات الهجومية. كذلك أوضح المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، في تواصل مع وسائل إعلام أفغانية محلية، أن هناك العديد من مراكز تدريب هذه القوة، ولقد انضم إليها أعداد كبيرة من الشباب، مشيرا إلى أن هذه الفرق قد تشارك في العمليات الهجومية إذا دعت الحاجة.
أيضا، ووفق مصادر قبلية مقربة من طالبان، فإن الحركة شكّلت بموازاة هذه القوة لجانا من العلماء والمثقفين من مسلّحي الحركة، تجوب المدن والأحياء، وتحذر المواطنين من الانضمام إلى «داعش»، وتحضّهم على العمل مع طالبان ضد الفئة التي تصفها بالمتشددة والدخيلة.
الحديث عن وجود «داعش» في أفغانستان وباكستان بدأ في منطقة وزيرستان، عندما أعلن شاهد الله شاهد، المتحدث الأسبق باسم حركة «طالبان الباكستانية»، وعبد الرحيم مسلم دوست، القيادي السابق في «طالبان الأفغانية»، مبايعتهما لتنظيم داعش. ولقد نُشرت مبايعة مسلم دوست في الموقع الرسمي للتنظيم المتطرف. أما شاهد الله شاهد فكان قد فُصل قبل فترة من طالبان بتهمة التواصل مع الاستخبارات الباكستانية، وكان من المتوقع أن يقدم «داعش» على تعيين أحدهما زعيما لـ«ولاية خراسان»، إلا أن التنظيم وبشكل مفاجئ عيّن حافظ سعيد خان، القيادي السابق في «طالبان باكستان» من المنطقة القبلية أوروكزاي «أميرا لخراسان»، كما عيّن عبد الرؤوف خادم، من أعضاء اللجنة العسكرية لـ«طالبان الأفغانية»، نائبا لـ«ولاية خراسان»، وقُتل هذا الأخير في 9 فبراير (شباط) 2015، على أثر عملية نفّذتها طائرة أميركية بلا طيّار في ولاية هلمند بمديرية كَجَكِيْ، ولم يعين التنظيم خلفا له حتى الآن. وبعد ذلك لم تُنشر أخبار دقيقة حول مصير حافظ سعيد خان وشاهد الله شاهد، وإن كانت هناك شائعات تقول إن مسلم دوست سافر إلى سوريا.
من ناحية أخرى، كانت أكبر مجموعة مقاتلة تنفصل عن طالبان وتعلن الولاء لـ«داعش» الأفغاني هي حركة أوزبكستان الإسلامية. هذه الحركة تضم مقاتلين أجانب من دول آسيا الوسطى والقوقاز وإقليم الأويغور (تركستان الشرقية أو سنكيانغ لغرب الصين)، وزعيمها عثمان غازي. وكانت هذه المجموعة في الماضي جزءا أساسيا من حركة طالبان، ولكن بعدما انصرفت الحركة بعيدا عن برنامجها العالمي انفصلت هذه المجموعة عنها. وقبل أشهر بايع زعيم هذه المجموعة أبو بكر البغدادي زعيم «داعش» عقب وفاة زعيم طالبان الملا عمر في ظروف غامضة.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.