الإرهاب وطبيعة الدولة والمجتمع في الساحل وغرب أفريقيا

قراءة في العوامل المحلية والإقليمية والدولية

واجهة الفندق الذي تعرض لهجوم من متطرفين ينتمون لـ{القاعدة} في عاصمة بوركينافاسو واغادوغو في الشهر الماضي (أ.ف.ب)
واجهة الفندق الذي تعرض لهجوم من متطرفين ينتمون لـ{القاعدة} في عاصمة بوركينافاسو واغادوغو في الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

الإرهاب وطبيعة الدولة والمجتمع في الساحل وغرب أفريقيا

واجهة الفندق الذي تعرض لهجوم من متطرفين ينتمون لـ{القاعدة} في عاصمة بوركينافاسو واغادوغو في الشهر الماضي (أ.ف.ب)
واجهة الفندق الذي تعرض لهجوم من متطرفين ينتمون لـ{القاعدة} في عاصمة بوركينافاسو واغادوغو في الشهر الماضي (أ.ف.ب)

أعادت الأحداث الإرهابية الأخيرة دول غرب أفريقيا لواجهة الأحداث الدولية باعتبارها منطقة جيوستراتيجية، تسعى المنظمات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة لبناء نفوذها بها. ويظهر أن هذه الحركات استطاعت ترجمة استراتيجيتها الجديدة بتجاوزها النوعي للطريقة التقليدية التي تتبعها الحركات الإرهابية في الساحل وغرب أفريقيا. وتعد العملية الأخيرة التي تمت يوم الأحد 17 يناير (كانون الثاني) 2016 على مطعم «كابتشينو» وفندق «سبلنديد» في مدينة واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو، مؤشرا واضحا على مسار تطور الفعل الإرهابي من حيث اختيار الهدف وطريقة التنفيذ، ومن حيث ضحاياه. إذ أسفرت العملية عن قتل 29 شخصا وجرح 30 آخرين، لتشكل استمرارا طبيعيا للاعتداء الذي عرفه فندق «راديسون بلو» في باماكو عاصمة مالي، وأدى إلى سقوط 20 قتيلا بينهم 14 أجنبيا في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015. كما يأتي هذا مع توالي عمليات الخطف التي تبناها تنظيم «المرابطين»، لكل من المواطن الروماني في منطقة تامباو يشمال بوركينا فاسو، والراهبة السويسرية يوم 8 يناير 2016.
وفي ظل ما يعيشه غرب أفريقيا والساحل، يمكن القول مع العديد من الخبراء والمتخصصين في علم دراسة المناطق والإرهاب، إن أسباب هذا التطور فيها ما هو موضوعي مرتبط بالبنية المجتمعية وطبيعة الدولة في الساحل وغرب أفريقيا؛ وما هو دولي عولمي يرتبط بالصراعات الدولية ذات الطبيعة الجيوستراتيجية.
تعيش دول غرب أفريقيا والساحل في ظل أنظمة سياسية هشة غير قادرة على تحقيق الوحدة الوطنية؛ وهو ما يسهل ظهور النزاعات الإثنية والحركات الانفصالية المسلحة ذات الطبيعة الهوياتية المدافعة عن اللغة والديانة الخاصة، مما يدخل البلدان في صراعات دينية - إثنية تتداخل مع الأجندات الخارجية للدول الكبرى.
ولقد ساعدت مجموعة من العوامل منذ تسعينات القرن العشرين في إحداث بعض التغيير على طبيعة التديّن الصوفي الطرقي - القادري، أو التيجاني المرتبط بالتصوف المغربي والموريتاني، وأخذت الاتجاهات المحافظة المتشدّدة تتوسع بشكل مثير للاهتمام. وانتقل الأمر في بداية الألفية الثالثة لوضع درامي بظهور الحركات الإرهابية المرتبطة بالتنظيمات الجزائرية والصومالية والنيجيرية.
وعلى الرغم من هذا التحول، فإن المسار العام للتديّن ما زال يكرس «الإسلام الشعبي الصوفي» في النيجر، حيث يمثل السكان المسلمون 60 في المائة ويلتزمون بالمذهب السنّي المالكي. والشيء نفسه ينسحب على بوركينا فاسو، حيث المسلمون مالكيو المذهب متصوّفون بطبيعتهم؛ حيث يلعب نظام «المشيخة» هناك دورا بارزا في النسق الاجتماعي المتكوّن من شعب (قبيلة) الموسي، وهو الأغلبية المسلمة، بالإضافة إلى الفولاني والماندينغ، وكذلك من السينوفو. ثم إننا نجد أيضا حضورا للعرق العربي والأمازيغي ذي الأصول المغاربية، في خريطة بشرية يشكل فيها المسلمون نحو 75 في المائة من مجموع السكان. ويبدو أن الدولتين أعلاه لا تتشاركان في طبيعة التديّن وحسب، بل كذلك في طبيعة تحديات الأغلبية المسلمة، التي تعتبر «الفرنكفونية» وما تسميه بـ«النخب العلمانية» التابعة لفرنسا.. خصما لها.
ومن جهة أخرى، تعرف الأنظمة السياسية لهذه المنطقة الممتدة بين ليبيا وتشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو انتشارا للفساد وغيابا للديمقراطية وضعفا شديدا للحكم المؤسساتي. فمعظم هذه الدول لا تملك سيطرة فعلية على حدودها الجغرافية، بل وعلى معظم ترابها الوطني، مما يجعل منها «سلطة على العاصمة ونواحيها» فقط. وهذا، في الوقت الذي تعاني مجتمعات الساحل وغرب أفريقيا ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة جدا، وهذا بدوره أنتج ظواهر جديدة ترتبط بالإرهاب والجريمة المنظمة.
لقد استطاعت الجماعات الإرهابية خلق تشابك معقّد مع منظمات الجريمة الدولية، خاصة تلك الناشطة في جرائم الاتجار بالبشر والمخدرات وتهريب السلاح. واستغلت تنظيمات، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم «المرابطين»، هذه الوضعية لتقوية مواردها المالية، والتزود بالسلاح، وساعدها في ذلك ما خلقته من تحالفات مع بعض الشعوب (الإثنيات) والقبائل المنتشرة في المناطق الصحراوية مثل الطوارق في مالي، وتلك القريبة من البحر في الصومال، أو البحيرة الكبرى في تشاد.
وهكذا استطاع تنظيم القاعدة، وأيضا تنظيم «المرابطين» خلق استقلالية مالية، تمكنهما من التجنيد ودفع الرواتب، واستمالة شباب من قبائل مهمة جغرافيا وإثنيا. وتشير منظمة الأمم المتحدة في أحد تقاريرها لخطورة هذا الوضع، حيث سجل «مكتب الأمم المتحدة لشؤون المخدرات والجريمة» أن عمليات الجريمة المنظمة التي تقوم بها الجماعات الإرهابية تدر عليها نحو ثلاثة آلاف وأربعمائة مليون دولار في السنة. وتتوزع بين مداخيل تهريب السلع والمخدرات والأسلحة ومبالغ الفدية مقابل إطلاق سراح الرهائن.
وممّا يقوّي شوكة المنظمات الإرهابية في الساحل وغرب أفريقيا الانتشار المهول لظاهرة التسلح؛ حتى أصبح السلاح لا يعرف بدوره الحدود ولا يخضع لسيطرة الدولة الوطنية. فمنذ منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة انتشرت ظاهرة جديدة غذّت مطامح التوجّهات الإرهابية، وهي ما أطلق عليها «تجارة النمل» (The Ant trade)، التي يجري بموجبها شراء السلاح بصورة قانونية في دولة واحدة، ثم يعاد توزيعه بطريقة غير قانونية تعتمد التهريب في دول أخرى.
وتتشابك هذه الأنشطة الخطرة مع التجارة العالمية للمخدرات، التي تعتبر كل دول غرب أفريقيا والساحل مسرحا لها. فإذا كانت تجارة السلاح تأتي عبر البحر لتجعل من بنين وتوغو منطلقا لها، فإن نحو 14 في المائة من الكوكايين يصل إلى أوروبا عبر غرب أفريقيا. والغريب أن تجارة المخدرات لا تعبر الصحراء والبحر فقط، بل إن مطارات واغادوغو وباماكو والعاصمة النيجرية نيامي، بجانب الجزائر العاصمة، تعتبر نقاطا لهذا النشاط.
لقد استفادت تنظيمات إرهابية مثل «القاعدة» و«المرابطين» من الجريمة المنظمة وتجارة السلاح الدولي، وكذلك من انهيار النظام الإقليمي بسقوط معمر القدافي ومنظومته الأمنية والعسكرية في ليبيت، وكذلك تفكك السلطة في مالي. وأدى هذا الوضع الجديد إلى تقوية شبكة الجماعات الإرهابية على مستوى شمال أفريقيا، خاصة في تونس وليبيا، وأيضا في منطقة الساحل من مالي إلى النيجر. ثم ازداد الأمر تعقيدا بحصول الجماعات الإرهابية على صواريخ مضادة للدروع، ولطائرات الهليكوبتر التي استعملتها هذه التنظيمات في مالي وغيرها.
ومع التغيرات التي شهدتها المنطقة منذ 2011، أصبحت الصراعات الدولية على المنطقة أكثر حدة خاصة بين فرنسا والولاية المتحدة الأميركية والصين. ففي ظل هذا التنافس الجيوسياسي، رفضت دول الساحل وغرب أفريقيا استضافة القيادة العسكرية الخاصة بأفريقيا (Africom)، في الوقت الذي تبنّت فيه الولايات المتحدة برنامج «بان الساحل» الخاص بمحاربة الإرهاب في كل من النيجر وتشاد وموريتانيا ومالي. وتوسع هذا البرنامج عام 2005 ليشمل تونس والمغرب والجزائر وبوركينا فاسو والسنغال ونيجيريا، وخصصت له نحو 100 مليون دولار، وتقوده قوة عسكرية تسمى «إنديورينغ فريدوم» (Enduring Freedom)، وتعمل هذه الوحدات على التدخل السريع لمواجهة التنظيمات الإرهابية في كل الغرب الأفريقي والساحل.
وفي عام 2014 وضعت الإدارة الأميركية برنامجا لتدريب قوات أجنبية على مواجهة الإرهاب. وتضمنت قائمة الدول المشار إليها الصومال ومالي، وعزّزت الولايات المتحدة تعاونها الأمني والعسكري مع عدة دول في الساحل وغرب أفريقيا، لتشمل الكاميرون وأنغولا. كذلك أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) يوم الأربعاء 2014/5/28 أن الجيش الأميركي أرسل سفينة الإنزال البرمائي «يو إس إس باتان» إلى السواحل الليبية، وعلى متنها ألف جندي من مشاة البحرية «المارينز» في إطار مكافحة الإرهاب.
وتأتي هذه الخطوة وغيرها في إطار تقوية الدفاع عن المصالح الأميركية، وتعزيز الوجود العسكري في كل من القاعدة العسكرية في إثيوبيا وبوركينا فاسو، ودعم القوات الخاصة في الكونغو وتشاد وجيبوتي وتعدادها نحو 4 آلاف جندي وطائرات من دون طيار.
وبعد التطورات الأخيرة، في كل من بوركينا فاسو ومالي وليبيا، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الخميس الماضي أن بلاده مستعدة لملاحقة تنظيم داعش أينما وجد بما في ذلك فوق الأراضي الليبية. وهذا التطور يأتي لمواجهة التوسع الجديد لـ«داعش» في كل من ليبيا وتونس. وقال البيت الأبيض في ختام اجتماع عقده مجلس الأمن القومي برئاسة أوباما خصص لبحث الوضع في ليبيا، إن «الرئيس شدد على أن الولايات المتحدة ستواصل مهاجمة تنظيم داعش الإرهابي في أي بلد وجد به»، وأن «الرئيس طلب من فريقه للأمن القومي مواصلة جهوده الرامية لتعزيز الحكم الرشيد في ليبيا ودعم جهود مكافحة الإرهاب في ليبيا وفي الدول الأخرى حيث يسعى تنظيم داعش إلى تثبيت وجوده».
أما فرنسا فهي البلد الأوروبي الأكثر تأثرا بالخارطة الجديدة للإرهاب في الساحل وغرب أفريقيا. ولقد جسدت العمليات الأخيرة في عاصمتها باريس هذه الحقيقة التي أدركتها فرنسا منذ سنوات. وفي إطار صراعها مع الإرهاب بدول غرب وساحل أفريقيا، أعادت باريس في يناير 2014 نشر نحو ثلاثة آلاف من قواتها في منطقة الساحل الأفريقي تحت ذريعة محاربة الإرهاب، كما تستغل قاعدتها العسكرية «غير المعلنة» في تشاد كمنطلق لطائراتها وقواتها الجوية؛ بينما تتمركز أكبر قوة برية لها في بوركينا فاسو، وتخصّص قاعدتها العسكرية بساحل العاج للإمدادات والتموين الأساسية.
وللعلم، تلعب القوات الفرنسية المتمركزة في مالي منذ تدخلها يوم 11 يناير 2013 في هذا البلد تحت اسم «عملية سيرفال» (القط البري) التي عوّضت أفريقيا في يوليو (تموز) 2014 بعملية «برخان»، دورا كبيرا في مواجهة التنظيمات الإرهابية هناك. ولقد أعلنت القوات الفرنسية في مالي يوم 23 ديسمبر (كانون الأول) 2015 أنها قتلت 10 من «المرابطين» في منطقة مينكا بشمال شرقي مالي قرب الحدود مع النيجر.
بكلمة موجزة، يمكن القول إن الإرهاب أصبح أمرا واقعا في منطقة الساحل وغرب أفريقيا؛ وإن مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية الدولية تجعل منه تهديدا في طريقه للانتعاش وليس الانحصار.
ولا يخفى على راصدي الشأن الأفريقي ما يتسم به الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لدول غرب أفريقيا من هشاشة، رغم غناها من حيث الثروات المعدنية والطاقية. ولقد باتت الجماعات الإرهابية تلعب على وتر مواجهة فرنسا التي تستنزف موارد المنطقة؛ ففرنسا، مثلا، منذ عام 1971 وهي تستحوذ على استخراج يورانيوم النيجر عبر شركة «أريفا» و«أريفا النيجر»، وتمد النيجر بذلك فرنسا بـ35 في المائة من احتياجاتها من الطاقة النووية، كما تسهم في 75 في المائة من الطاقة الكهربائية الفرنسية. وهذه الأهمية الجيوستراتيجية للمنطقة جعلت منها جزءا من الأمن القومي الفرنسي، كما جعلت منها منطقة الصراع بين الولايات المتحدة والصين وفرنسا، وهو صراع يخاض في إطار محاربة وتوظيف الإرهاب في تلك المنطقة.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.