الهند ومصر ترفضان مبادرة الإنترنت المجاني من «فيسبوك»

زوكربيرغ: مساع لحل مشكلة الاتصال بالإنترنت وترددات النطاق العريض

TT

الهند ومصر ترفضان مبادرة الإنترنت المجاني من «فيسبوك»

ربط الناس بالإنترنت في تلك المنطقة الفقيرة لزراعات القمح والتبغ ليس بالأمر السهل اليسير حيث يمكنك رؤية الجمال تعمل على طول الطريق التي تمر عبر تلال ارافالي المنخفضة.
لذا، عندما طار مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة «فيسبوك» بطائرته المروحية قبل عام تقريبا لزيارة مركز صغير للحواسيب ومقهى للإنترنت، أصاب أسامة مانزار، مدير مؤسسة التمكين الرقمي الهندية، بسعادة غامرة.
ولكن عندما اختبر السيد مانزار خدمة الإنترنت المجانية من «فيسبوك»، أصيب بخيبة أمل وصدمة شديدة. فالتطبيق المعروف باسم «الأسس المجانية»، ليس إلا نسخة مختصرة للغاية من موقع «فيسبوك» مع خدمات أخرى مثل التقارير المناخية وعروض الوظائف.
يقول السيد مانزار عن ذلك «شعرت بالخيانة – وليس بالخيانة فحسب، ولكن بالغضب والضيق. فلقد قال زوكربيرغ بأنهم في طريقهم لحل مشكلة الاتصال بالإنترنت وترددات النطاق العريض. ولكن فيسبوك ليس هو الإنترنت». والتي يعتبرها من حقوق الإنسان الأساسية.
ولكن تلك المبادرة تعثرت بصورة كبيرة في الهند، حيث وقع تطبيق «الأسس المجانية» في خضم جدل كبير هناك في الشهور الأخيرة – حيث يقول النقاد بأن التطبيق الذي يوفر الاتصال المحدود بالإنترنت لا يقدم خدمة حقيقية للفقراء كما أنه ينتهك مبادئ «حيادية الإنترنت»، والتي تفرض الاتصال المتساوي وغير المقيد بالإنترنت للجميع.
ولقد عارض النشطاء على موقع (Savetheinternet.in) الهندي، وأساتذة مختلف الجامعات الكبرى وكبار رجال الأعمال في مجال التكنولوجيا مثل نادان نيليكاني المؤسس المشارك لموقع (Infosys) تلك المبادرة. وقال أحد رجال الأعمال المعروفين في الهند واصفا تلك المبادرة بأنها «خدمة الإنترنت الفقيرة للناس الفقراء».
ثم تصاعدت حدة النقاش خلال الأسابيع القليلة الماضية عقب منع هيئة تنظيم الاتصالات الهندية خدمة «الأسس المجانية» حيث تقدر الهيئة ما إذا كانت تلك الخطط منصفة، مع فرض الجديد من القواعد المنظمة بحلول نهاية الشهر الحالي.
ولقد تم حظر تطبيق «الأسس المجانية» في مصر خلال الأسبوع الماضي مع القليل من التوضيح، مما أثار الشكوك من أن رد الفعل قد ينتقل إلى دول أو أسواق أخرى. وفي الآونة الأخيرة، سحبت شركة غوغل التطبيق من زامبيا بعد فترة معقولة. ويقدر عدد مستخدمي تطبيق «الأسس المجانية» لـ«فيسبوك» بنحو 15 مليون نسمة في 37 دولة، ومن بينهم مليون مستخدم في الهند.
يقول سونيل ابراهام من مركز الإنترنت والمجتمع في بنغالور «إنه اختبار مهم للغاية ذلك الذي سوف يشكل نظام حيادية الشبكات الهندية».
ومن شأن الجدال الهندي أن يؤثر على طريقة تعامل الدول الأخرى مع المسألة ما إذا كان من الإنصاف لموفري خدمات الإنترنت أن يفرضوا رسوما مختلفة على زيارة بعض المواقع. ولقد بدأ العمل بقواعد حيادية الإنترنت في الولايات المتحدة الأميركية في شهر يونيو (حزيران) الماضي من قبل لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية.
أطلق المسؤولون في شركة «فيسبوك» حملة إعلانية هجومية خلال الأسابيع الأخيرة لمواجهة الدعاية السلبية للتطبيق الجديد. وتساءل زوكربيرغ في عدد 28 ديسمبر (كانون الأول) من مجلة «تايمز أوف إنديا» قائلا: «من يمكنه أن يكون ضد هذا على أي حال؟».
ويقول كريس دانيلز، نائب رئيس «فيسبوك» لمبادرة (Internet.org) «أعتقد أننا تفاجأنا قليلا إثر ردود الفعل القوية على التطبيق الجديد. وبالأساس، فإن سبب المفاجأة أن البرنامج يعمل بشكل جيد. حيث يربط الناس بالإنترنت في الوقت الذي تتحرك فيه الإنترنت على نطاق أوسع».
يوجد في الهند، الدولة التي يبلغ تعداد سكانها 1.2 مليار نسمة، ثاني أكبر عدد من مستخدمي الإنترنت في العالم، ولكن نسبة تقدر بـ80 في المائة من الشعب لا يستخدمون الإنترنت بالأساس.
يحاول ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي البارع في شؤون التكنولوجيا، مجابهة ذلك الواقع من خلال خطة «الهند الرقمية» الطموحة لربط 250 ألف مركز وقرية بكابلات الألياف البصرية وتوفير التغطية المتنقلة إليها. ولقد نزع إلى المجتمع التكنولوجي الهندي وإلى وادي السليكون الأميركي للمساعدة في ذلك الشأن، حيث أبرم اتفاقا مع شركة غوغل لتوفير خدمات إنترنت الـ(واي - فاي) في محطات السكك الحديدية الهندية.
لدى الهند أكثر من 130 مليون مستخدم لموقع «فيسبوك»، وهي الثانية على العالم في ذلك عقب الولايات المتحدة الأميركية، وهي من الأسواق الرئيسية في الوقت الذي تتطلع فيه شركة «فيسبوك» العملاقة إلى توسيع خدماتها لما وراء العالم المتقدم، حيث يشهد نموها هناك تباطؤا ملحوظا.
يقول السيد ابراهام «إذا نجحت شركة فيسبوك في اجتذاب نصف مليار مستخدم جديدين في السوق الهندية، فسوف يكون ذلك من قبيل الصفقات الرائعة التي يجري التواصل بشأنها مع أحد الأحزاب السياسية أو الشركات الكبرى».
ولكن الشركة تجتذب المزيد من العملاء بالفعل. فالعملاء الذين يشترون بطاقة الهاتف المحمول من الشريك المحلي لخدمات «فيسبوك»، شركة ريلاينس للاتصالات، يتلقون عروضا للدفع مقابل المزيد من البيانات. ونحو 40 في المائة من الذين يستخدمون التطبيق الجديد يشترون خطة البيانات للانتقال إلى الإنترنت الأوسع بعد مرور 30 يوما، كما يقول دانيلز. ولا تزال الخدمة متوفرة برغم الشكوك القائمة حولها. وقال المتحدث الرسمي باسم شركة ريلاينس بأن التطبيق الجديد لا يزال في طور الاختبار ولم يتم الترويج له على نطاق واسع بعد.
وقال ديفيد كيركباتريك، مؤلف كتاب «تأثير فيسبوك»: «إن ما يتناساه الناس حول تطبيق الأسس المجانية هو أن المقصود منه أن يكون انتقالا مؤقتا للناس حتى يمنحهم تجربة الإنترنت المجاني والدخول على موقع فيسبوك. وهو برنامج تسويقي لشركة الاتصالات من أحد النواحي»، ولكنه أضاف يقول: «إن فكرة الإنترنت البديلة وأنها إشارة تمييزية بالنسبة للفقراء من الناس هي الرؤية السائدة بين فئة المثقفين الهنود. لقد أسيء فهمها بصورة كبيرة».
ولقد تعهدت شركة «فيسبوك» بفتح عملية اختيار الشركات ذات التطبيقات الجديدة للتدقيق الخارجي، كما قال دانيلز. في استجابة لتهدئة المخاوف من قبل الكثيرين في المجتمع التقني الهندي بأن عملية «فيسبوك» تضع الشركات الهندية الناشئة في وضعية غير ملائمة.
* خدمة «واشنطن بوست»ـ خاص بـ {الشرق الأوسط}



فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.