يوميات الفوضى في ليبيا (5 من 5): {الشرق الأوسط} ترصد مواقع تخزين «غاز السارين» لدى ميليشيات ليبيا

النصيب الأكبر يذهب لـ«داعش» * فرقة أميركية تعثر على عبوات سلاح كيماوي بمنطقة جامع بورقيبة وداخل مجارير مجمع النخلات

يوميات الفوضى في ليبيا (5 من 5): {الشرق الأوسط} ترصد مواقع تخزين «غاز السارين» لدى ميليشيات ليبيا
TT

يوميات الفوضى في ليبيا (5 من 5): {الشرق الأوسط} ترصد مواقع تخزين «غاز السارين» لدى ميليشيات ليبيا

يوميات الفوضى في ليبيا (5 من 5): {الشرق الأوسط} ترصد مواقع تخزين «غاز السارين» لدى ميليشيات ليبيا

عامل النظافة الليبي، جبريل، البالغ من العمر 52 عاما، هو أول من وقعت عيناه على هذه السيارات الثلاث الغريبة.. غريبة لأن الرجال الخمسة الذين نزلوا منها في غبش الظلام، مثيرون للريبة. يرتدون على رؤوسهم أقنعة واقية من الغازات السامة، ويبدو أن لديهم جرأة كبيرة ولا يخشون أحدا في طرابلس المكدسة بالميليشيات المسلحة.
ومن وراء الضباب، في ساعات الفجر الأولى، قرب مجمع تحت الأرض مخصص لمجارير الصرف الصحي، ويعرف باسم مجمع النخلات، بمنطقة باب الحرية، بدأ جبريل يشير لزملائه الذين كانوا ينقلون أكياس القمامة إلى شاحنة البلدية في الزقاق الخلفي، وأمرهم بإشارات من يديه أن يتوقفوا وأن يلتزموا الصمت، بينما أخذ يتراجع خطوات إلى الوراء حتى اختبأ وراء الزاوية وأخذ يراقب ما يجري.
يبدو على السيارات الثلاث أنها مصفحة ومزودة بإمكانيات تقنية كبيرة. السيارة التي في الوسط لها باب خلفي مفتوح وتبدو من هناك أجهزة وأسلاك مربوطة بلوحة إلكترونية مضيئة. واتضح أن السيارتين الأخريين مخصصتان للحراسة، أو هذا ما فهمه جبريل، وهو يروي ما حدث للمحققين.
أحد الرجال الذين يرتدون الأقنعة الواقية، أتى بعتلة وبدأ مع اثنين آخرين في نزع الباب الإسمنتي الذي يغطي فوهة مجمع المجارير. واتصل عمال النظافة بنقطة أمنية تابعة لمنطقة النخلات، وبعد ساعات استيقظ قادة الميليشيات التي تحكم طرابلس على بلاغات من رجالهم بأن الأميركيين يفتشون في العاصمة عن غاز السارين القاتل.
ومنذ رحيل نظام معمر القذافي في خريف عام 2011، استولت كثير من الميليشيات المتطرفة على مخزون الدولة من غاز السارين الذي يستخدم في الحروب وهو غاز فتاك، مدمر وقاتل، ومحرم دوليا.
ورغم قول الأمم المتحدة في عام 2012 إنها أنهت مشكلة بقايا مخزون الغازات السامة، التي كانت موجودة في منطقة الجفرة في وسط البلاد، بالتعاون مع الحكومة الليبية في ذلك الوقت، إلا أن قادة من النظام الليبي السابق، كشفوا في الأعوام التالية عن وصول المتطرفين إلى بقايا أخرى كانت مخزنة في عدة مناطق متفرقة من البلاد.
وفي جولة أخيرة لـ«الشرق الأوسط» في عدة مناطق في ليبيا، أدلت مصادر أمنية وأخرى مقربة من قادة المتطرفين، بمعلومات عن الأماكن المحتملة لوجود غاز السارين في هذا البلد الصحراوي شاسع المساحة، وقدمت أيضًا تفاصيل عن بعض القيادات التي تمتلك بالفعل براميل تحتوي على غاز السارين في طرابلس، بمن فيهم قيادات في تنظيم داعش، وصفقات بيع وشراء لهذا الغاز، مشيرة إلى أنه، منذ الأيام الأخيرة من الشهر الماضي والأيام الأولى من هذا الشهر، أصبح هناك تنافس محموم بين الجانب الأميركي والجانب الروسي للوصول إلى أماكن غاز السارين في ليبيا.
واقعة عامل النظافة جبريل جرت في منتصف الشهر الحالي. وبعد نحو عشرين دقيقة من إبلاغه عن الرجال المقنعين، وصلت دورية تابعة للبلدية وجاء اثنان من رجال الأمن من نقطة النخلات، ثم جاءت سيارات تابعة لجهاز المخابرات الليبي الذي يدير الأمور في طرابلس، وهو جهاز ضعيف الإمكانيات أمام سطوة قوات الميليشيات في العاصمة. ارتفعت الأصوات، وبدأ الزعيق باللغة الإنجليزية واللغة العربية، بينما كان الباب الإسمنتي الكبير لمجمع المجارير مفتوحًا في الأرض.
وتبين وجود دليلين ليبيين مع العناصر الأميركية، ولكي يثبت هؤلاء صدق ما يتحدثون عنه بشأن مهمتهم والجهات التي تنسق معهم في طرابلس حول موضوع الغاز، قام أحدهم بالاتصال بقيادي ليبي في العاصمة. أيقظه من النوم وتحدث بدوره مع رجال المخابرات. وبعد ساعة ساد الهدوء والتفت عناصر من جهاز المخابرات الليبية، حول الأميركيين وأجهزة رصد غاز السارين التي معهم. نزل اثنان من الأميركيين المقنعين داخل فوهة المجارير، وخرج بأول عبوة من غاز السارين.
ووفقًا لأوراق تحقيقات حول هذا الموضوع ومصادر أمنية في طرابلس، فقد ذكر الأميركيون، وهم يشربون الشاي مع أحد قيادات المخابرات في العاصمة، أن كمية الغاز في العبوات التي عثروا عليها في مجمع مجارير الصرف في منطقة النخلات، كانت كفيلة بالقضاء على المنطقة كلها بمن فيها من سكان. وتبين أيضًا أن جهاز مخابرات طرابلس لم يكن على علم بقصة وجود الفرقة الأميركية المختصة بالبحث عن الغاز السام.
وأمضى الأميركيون نصف ما تبقى من النهار في شرح أهمية ما يقومون به، وأنه لا علاقة لهم بأي ترتيبات أمنية أو سياسية في العاصمة، وليس من مهامهم ملاحقة الشخصيات التي تحوم حولها شبهات التورط في أعمال إرهابية. وقبل أن يغادر مع زملائه لمواصلة البحث عن «أي آثار لأسلحة كيماوية»، قال أحد العناصر الأميركية وهو يضع القناع تحت إبطه: اطمئنوا لكن ابتعدوا عن الموضوع، لأنه خطير، ويحتاج إلى الهدوء في التعامل معه.
وعلى خلاف المعاملات الوحشية التي تقوم بها عناصر الميليشيات ضد الخصوم، تحظى الفرق الأميركية الصغيرة التي وصلت إلى طرابلس خلال الأسابيع الأخيرة، بمعاملة خاصة «واحترام كبير» وهي تنتشر ويزيد عددها بمرور الأيام في عدة مواقع، انطلاقًا من منطقة جنزور ومجمع الفروسية ومنطقة بدر. ويقول أحد القيادات الليبية معلقًا في تهكم «البلد بلدهم».
ويقول قيادي آخر مطلوب القبض عليه من عدة دول أوروبية لاتهامات تخص ضلوعه في منظمة لتهريب المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر المتوسط: «أنام وكأني في واشنطن. كلما سمعت حركة أقول ستأتي القوات وتقبض علي. أقصد طبعًا قوات أميركية». بيد أن الفرقة الأميركية التي عثرت على عبوات السارين قرب منطقة النخلات، تتحرك وهي ملتزمة بما تفعل، على ما يبدو، أي البحث عن الغاز لا أكثر. أو كما أفاد مصدر أمني ليبي: «قالوا لا علاقة لنا بالأشخاص».
بعد ليلتين من الحديث عن الأميركيين، ونياتهم، رن جرس الهاتف تحت الوسادة. ماذا؟ لقد توقفت الفرقة الأميركية أمام جامع بورقيبة الذي يقع في وسط العاصمة. الأجهزة رصدت شيئا ما هناك. وبحسب ما توفر من تفاصيل عن هذه العملية، فقد اكتشفت الفرقة كمية ثانية من غاز السارين من خلال آثار لتسرب للغاز في محطة جامع بورقيبة، لكنهم لم يعثروا على الكمية كلها. عثروا على بعض العبوات، إلا أن المكان يبدو أنه كان يحتوي على عبوات أكثر، وللأسف لم تعد موجودة.
في أحد المعاقل المؤمنة التي يلتقي فيها زعماء الميليشيات في الضاحية الجنوبية من العاصمة، قرب طريق المطار الطويل، أي مطار طرابلس المحترق، دار نقاش بين قيادي في الجماعة الليبية المقاتلة وزميل له من زعماء جماعة الإخوان المسلمين في المدينة، حول موضوع الأميركيين. الأول يلقب بـ«أبو حازم»، والإخواني الذي يعمل تحت ستار مجموعة سياسية يسمونه «سي الحاج محمد». جرى اللقاء منذ نحو عشرة أيام، أي عقب واقعة الغاز في باب الحرية وجامع بورقيبة.
قال أبو حازم: «توجد تحركات غير طيبة تقوم بها فرقة أميركية في طرابلس، وقيل إن هذه الفرقة اكتشفت غاز السارين وسط طرابلس، وإنها تستهدف قيادات من المؤتمر الوطني (أي البرلمان المنتهية ولايته) والثوار». فرد «سي الحاج»: «سمعت شيئًا مثل هذا، وتواصلت مع علي (شخص غير معروف لكن يبدو أن له اتصالات مع الجانب الأميركي)، وقال إن الأميركيين لديهم معلومات مؤكدة عن أسلحة كيماوية في طرابلس».
وتابع أبو حازم وكأنه يريد أن يدخل الطمأنينة على صاحبه في ليالي طرابلس المشحونة بالتربص والمؤامرات والخوف من المستقبل: «يا حاج لا تقلق.. الفرقة فرقة فنية لاكتشاف الأسلحة، وليس لها أي عمليات موجهة ضد أشخاص بعينهم، كما أن علي (الشخص المجهول المشار إليه) تواصل مع وزارة الدفاع الأميركية، وأكدوا له أن الغاية السلاح الكيماوي وليس الأشخاص. وقالوا له أيضًا إن الروس يريدون التدخل فسبقوهم، فقط ليس إلا».
ومن بين المقابلات التي جرت على عجل في العاصمة الليبية، فإنه توجد مؤشرات على أن بعض قيادات طرابلس تعمل مع الجانب الأميركي في مسألة تعقب غاز السارين وأي غازات حربية كيماوية أخرى، بينما توجد قيادات في منطقة الزنتان، تتواصل مع الجانب الروسي حول نفس الموضوع. الأجواء مشحونة بالغضب فيما يخص من يتواصل مع من في قضية الغاز، ومن يقدم تقارير عن من، ولأي جهة. الأميركان أم الروس. وتتهم قيادات في طرابلس أطرافا في الزنتان بأنها تقدم معلومات للروس تقول فيها إن فلانًا (قائد ميليشيا في طرابلس) جرب إطلاق قذائف من غاز السارين في منطقة صحراوية في الشهور الماضية.
ومع ذلك لم يظهر الروس في طرابلس. وعلى العكس.. زاد عدد الأميركيين. وفي الأسبوع الماضي حطت طائرة أميركية خاصة في مطار امعيتيقة الواقع قرب البحر من الناحية الشرقية من العاصمة، وعلى متنها 18 عنصرا أميركيا. ويقول مصدر أمني ليبي: «نعم.. نزلت بهم طائرة خاصة. أبلغنا بذلك مكتبنا في المطار. الطائرة قادمة بمعدات ومعها غرفة فنية متكاملة وأجهزة كشف متفجرات وإشعاعات. ودخلت هذه المعدات والتي كان معها صناديق خشبية، في مبنى بعيد عن مهبط الطائرات.. (صناديق خشبية بنية اللون مربوطة بشرائط معدنية)».
وفي المقابل يعمل قادة في الميليشيات على نقل الغاز الذي يبدو أنه تحت أيديهم من مكان إلى آخر. وبعض هذه الكميات تعرضت للسرقة، وأخرى للبيع لتنظيم داعش. والمشكلة تكمن في أن الكثير من العبوات بدأت تتآكل بسبب الصدأ، وتشكل خطورة خاصة في عمليات النقل. ومن أبرز الأسماء التي ارتبطت بغاز السارين في منطقتي طرابلس وغريان (غرب العاصمة)، وفقًا للتحقيقات التي تقوم بها أجهزة أمنية تعمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رجل يدعى رشد، من تنظيم «جند الحق» المتشدد، الذي يعرف أيضًا باسم تنظيم «جيل التوحيد».
ويعتقد أنه كان تحت يد رشيد كميات من الغاز الذي يطلق عليه أحيانا، في حديثه مع أعضاء التنظيم اسم «بضاعة الرابطة»، ويقول أحد المحققين إنه قام بنقل كمية بالفعل من غاز السارين الذي يسميه «بضاعة الرابطة» وأرسله إلى تنظيم داعش في سرت، بينما تعرضت كمية أخرى من الغاز، يطلق عليها «بضاعة قطيسة»، للسرقة من مخزن اسمه «الخزان»، ويقع في سوق الخميس بالعاصمة. وجلب رشيد الكمية الأخيرة التي اختفت، من مخزن في منطقة قطيسة التي تقع شمال غريان.
وعلى خلفية إرسال «بضاعة الرابطة» لدواعش سرت، وسرقة «بضاعة قطيسة» في طرابلس، نشبت خلافات بين قيادات من جماعة جند الحق وبعضهم بعضا، وخلافات أخرى بين هذه الجماعة وأطراف في الجماعة الليبية المقاتلة يعتقد أنها هي من سرقت «بضاعة قطيسة» وأعادت بيعها لزعيم «داعش» في غرب ليبيا المعروف باسم المدهوني.
وفي أحد الاجتماعات بدا قيادي في جند الحق يدعى السوكني، ساخطًا على تصرفات رشيد، وبالإضافة إلى توبيخه لتصرفه من رأسه في موضوع غاز السارين، ذكر أيضًا أنه، أي رشيد، أصبح في الشهور الأخيرة متهورا ونفذ أحكاما بالقصاص (الإعدام) بحق «أخوة لنا اتضح فيما بعد أنهم أبرياء».
ويبدو أن السوكني كان قد اتفق مع المدهوني على استخدام غاز السارين (بضاعة الرابطة) لتأمين منطقة تحمل الاسم نفسه (الرابطة) وتقع في الجنوب الأوسط من طرابلس. أما بضاعة قطيسة فقد جرت وقائع عملية سرقتها من مخزن سوق الخميس بطريقة مشبوهة وفيها قدر كبير من التآمر كما اتضح من المناقشات التي حدثت بين أبو حازم ورشد فيما بعد. ويشتبه أبو حازم في أن الحراس الذين كانوا على المخزن هم الذين سرقوه. فالاثنان على أية حال لم يصدقا رواية الحراس، خصوصا أن رشيد كشف لأول مرة لمحدثه أنه كان يخبئ أيضًا، مع عبوات غاز السارين، صندوقا يحوي سبائك ذهبية.
وتقول رواية حراس مخزن سوق الخميس إن لصوصًا في سيارات هجموا عليهم في المخزن وقاموا بتوثيقهم بالحبال، وسرقوا أسلحتهم، ثم أخذوا كل ما هو موجود في المخزن، ومضوا. ووفقًا للتحقيقات المبدئية التي أجرتها قيادات في الجماعة المقاتلة وعناصر من تنظيم جند الحق، في الواقعة، فإن أيا من حراس المخزن لم يصب بأذى «ولا خدش». ثم كيف تركهم اللصوص بهواتفهم المحمولة، دون أن يأخذوها منهم.
وبعد واقعة سرقة الغاز، ظهرت في الأسبوع الماضي صفقة أسلحة جديدة تتضمن غاز السارين موجهة للمدهوني زعيم «داعش»، من قيادي في ميليشيا أبو سليم، يدعى عبد الغني. وكانت كمية الغاز ضمن صفقة جديدة للسلاح يقوم عبد الغني ببيعها للمدهوني. وتقول التحقيقات إن هذه الصفقة التي تعد واحدة من صفقات كثيرة بين الرجلين، تتضمن عشرين صاروخا حراريا وعربتين محملتين بصواريخ غراد وذخيرة و«بضاعة ممتازة»، بالإضافة إلى غاز السارين. ورد عليه القيادي الداعشي قائلا: «نشتريها اليوم، قبل الغد».
تحركات عبوات غاز السارين في طرابلس أثارت حفيظة اثنين من قيادات الإخوان المسلمين في ليبيا، وهما يستعرضان تطورات المراقبة التي تقوم بها طائرات أجنبية في سماء طرابلس ومناطق أخرى من البلاد، خاصة سرت.
وتقول مصادر قريبة من المتطرفين إن القياديين الإخوانيين المشار إليهما، تحدثا في لقاء جرى بينهما منذ نحو أسبوع، عن رصد عمليات نقل للغاز إلى مناطق في غرب طرابلس أيضًا، وأن «الأوضاع ليست طيبة» وأن «هناك أطرافا روسية تجري تحقيقات عن تسرب شحنة من عبوات غاز السارين، إلى سوريا، عبر إحدى دول البحر المتوسط، وأنه جرى أيضًا رصد طائرات أميركية وفرنسية وهي تراقب مواقع لأسلحة للميليشيات في العاصمة. كما تحدثا عن قلق الأمم المتحدة من قضية غاز السارين نفسها.
واعترض محققون مختصون في طرابلس تقارير مرسلة لأحد أطراف جماعة الإخوان في مصراتة، من رجل يعمل في الغرفة الأمنية في العاصمة، قال فيها إن الجهات التي بدأت في تتبع أماكن غاز السارين في طرابلس، تجد صعوبة في تحديد مواقعها، بسبب السرعة في تغيير مخازنها من يوم إلى يوم.
ويبدو أن هذا الرجل كان ضمن فريق نجح في العام الماضي في تحديد أماكن كثير من مواقع تخزين عبوات غاز السارين، لكن لم يلتفت إليها أحد، بحسب قوله، وأضاف موضحًا في التقرير: «جف ريقنا ونحن نحذر، لكن كانوا (في سلطات طرابلس غير المعترف بها دوليا) حين يسمعون اسم غاز السارين لا يتحرك أحد. والآن تغيرت أماكنها ولا نعرف أين هي».
وتضمن التقرير الذي جرى اعتراضه بواسطة الأجهزة الأمنية، قول هذا الرجل للقيادي الإخواني في مصراتة: «تفاصيل قصة غاز السارين موجودة لدى فلان وفلان. وعدد أسماء لقادة ميليشيات تعمل في طرابلس وسرت ومدن أخرى، وهم: رشد، وأبو حازم، والمدهوني، وعبد الغني، ورجل اسمه الميرغني، وقيادي ليبي آخر يلقبونه بـ(أفغاني ترهونة)، وأبو عبيدة». وأضاف: هؤلاء هم رؤوس الغاز، وهم الذين وزعوه في طرابلس والزاوية. وعندهم في مخازنهم.
لكن ومع تنامي الضغوط الدولية للتدخل وكسر شوكة المتطرفين في ليبيا، دبت خلافات بين عدد من الأسماء التي يشتبه بأنها على علم بأماكن تخزين غاز السارين، ووصل الأمر إلى قيام البعض بسرقة ما لدى الآخر من عبوات فتاكة، والتسابق على حيازتها. وفي واقعة من هذه الوقائع، تبين من مصادر أمنية وأخرى على علاقة بنشاط المتطرفين، أنها جرت بالتنسيق بين المدعو عبد الغني، القيادي الميليشياوي المشار إليه، وآخر يسمى كريدان، القيادي فيما يعرف بسرايا ثوار سوق الخميس.
الاتفاق يتلخص في أن يتوجه كريدان، على وجه السرعة، لجلب كمية من غاز السارين مخبأة في منطقة «أرض الخرابة» قريبة من منزل عقيد سابق اسمه الفيتوري. ويبدو أن هذا العقيد لا علاقة له بالأمر. كان عبد الغني يريد الوصول إلى هذه الكمية قبل أن يصل إليها القيادي أبو حازم، حيث إن هذا الأخير كان قد تحرك بقوات للوصول إلى المكان نفسه لأخذ الكمية، لكن المسافة التي سيقطعها أطول من المسافة التي تفصل كريدان عن «أرض الخرابة». أبو حازم ما زال في منطقة الهضبة البعيدة، بينما كريدان كان في منطقة الفرناج القريبة من موقع الغاز.
لا توجد خريطة يمكن أن تصل عن طريقها إلى «أرض الخرابة». لا بد أن يصف لك أحد أبناء المنطقة كيفية الانتقال إلى هنا. عليك أولا أن تسلك الشارع (غير مرصوف ودون اسم) في اتجاه مبنى سجن الجديدة بحيث يكون المبنى على يمينك. ثم تواصل السير حتى تعثر على بداية الطريق المرصوف بالإسفلت، وهو موجود بعد السجن بمسافة قصيرة. وتظل تتقدم حتى تجد مجموعة من المنازل المتجاورة على اليمين.
ومن هنا تدخل أول زنقة على اليمين أيضًا، وبعد المنزل الثاني، وهو منزل العقيد الفيتوري، تجد قطعة «أرض الخرابة»، حيث يوجد وسط النفايات مجموعة من «البراميل الجرماني»، من بينها برميل لونه أزرق وعليه جمجمة بيضاء، فيه عبوات الغاز، وهو المطلوب. ووفقا لنص التحقيقات فقد طلب عبد الغني من كريدان أن يأخذ حذره مع مجموعته وهم ينقلون العبوات، لأنها متآكلة من الصدأ.
تشير التحقيقات أيضًا إلى أن كميات السارين التي تعرضت للسرقة من سوق الخميس ومن «أرض الخرابة»، وصل أغلبها في نهاية المطاف إلى معسكرات المدهوني الداعشية المنتشرة في طرابلس وحتى بلدة صبراتة غرب العاصمة، وذلك بالتزامن مع ازدياد قدرات التنظيم المتطرف وانتشاره واستقباله لعشرات القيادات من دول مختلفة، وتعامله بشكل مباشر مع الخليفة المزعوم في العراق والشام، أبو بكر البغدادي.
آخر الزيارات النادرة التي قام بها المدهوني، وهو ممتلئ بالثقة، كانت لقيادي داعشي مصري يلقب بـ«خضير» في طرابلس، وهو وفقا للمصادر من بين المتهمين بالضلوع في الهجوم على السفارة الإماراتية في ليبيا في يوليو (تموز) 2013. وكان سبب الزيارة مرض خضير بالكلي. وأثنى الرجل المريض على عمليات «داعش» التي أدت قبل ثلاثة أسابيع لحرق منشآت نفطية في رأس لانوف، في شرق ليبيا، فرد عليه المدهوني، بحسب وثائق أمنية: «إخوتنا قاموا بأعمال جليلة، سال لها دمع الخليفة فرحا وبشرى. نجح الأخوة في حرق أرزاق الخوارج (يقصد السلطات الشرعية في البلاد) ومصادر تموينهم».
ويتنقل المدهوني بين مقراته في عين زارة ومنطقة امعيتيقة (معسكرات تضم سجنًا أيضًا في الجانب الشرقي من العاصمة) ويقيم أحيانا في دار الحسبة التي تقع على شاطئ القرابولي على بحر طرابلس، ويتردد كذلك على معسكرات ومراكز تدريب داعشية أخرى أصبحت منتشرة في غرب المدينة وفي نقاط تمتد حتى قرب الحدود مع تونس.
وفي اليومين الماضيين رد المدهوني على عدد من قيادات الميليشيات التي انتقدته لشعورها بالقلق من تنامي نفوذه بشكل كبير وفي وقت قياسي، بقوله: «هذا ليس وقت المعارك الجانبية. نحن نعد لمعركة طرابلس الكبرى. وطلب من أنصاره شراء المزيد من الأسلحة والغاز، اليوم قبل بكرة».
(يوميات الفوضى في ليبيا 4 من 5): «داعش ليبيا» يشتري «مرسى بحريًا» قرب حدود تونس ويخزن ترسانة أسلحة في طرابلس
(يوميات الفوضى في ليبيا 3 من 5): تفاصيل خلافات المال والسلاح بين قادة ميليشيات طرابلس
(يوميات الفوضى في ليبيا 2 من 5): ضواحي بنغازي ملاذ الدواعش بعد هروبهم من ضربات الجيش والصحوات
يوميات الفوضى في ليبيا (1 من 5): «أشباح إجدابيا» يثيرون الفزع في منطقة الهلال النفطي



مستقبل إردوغان والحزب الحاكم... سؤال تركيا الكبير

عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
TT

مستقبل إردوغان والحزب الحاكم... سؤال تركيا الكبير

عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)

أمضت تركيا أكثر من 22 عاماً تحت حكم حزب «العدالة والتنمية» الذي شهدت مسيرته محطات حرجة وتحديات سياسية واقتصادية، بين صعود وهبوط، وانعكست على السياسة الخارجية على وجه الخصوص.

الحزب ذو الجذور الإسلامية الذي أسسه الرئيس رجب طيب إردوغان ومجموعة من رفاقه أبرزهم الرئيس السابق عبد الله غل، والسياسي المخضرم بولنت أرينتش، ظهر في 14 أغسطس (آب) 2001، وفاز منفرداً بحكم تركيا في أول انتخابات تشريعية خاضها في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2002، وبقي في الحكم حتى الآن.

وخاض الحزب في البداية صدامات مع النخبة العلمانية والجيش والقضاء وصلت ذروتها عند ترشيح عبد الله غل، الذي كان وزيراً للخارجية، للرئاسة عام 2007 خلفاً للرئيس الأسبق أحمد نجدت سيزر.

أزمات ومعارك

أحدث ترشيح غل أزمة كبيرة في تركيا التي شهدت تجمعات مليونية في أنقرة وإسطنبول رفضاً له. وأفلت الحزب أيضاً من الحل في دعوى أقيمت ضده أمام المحكمة الدستورية التي قضت بالغرامة المالية دون الإغلاق في عام 2008، بسبب انتهاكه «مبادئ العلمانية».

ومنذ عام 2010، بدأ الحزب حملة تغييرات واسعة، عبر تعديل الدستور، بعدما استفاد من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي التي انطلقت رسمياً عام 2005 في إرساء العديد من حزم الإصلاحات في النظام القضائي والقوانين.

وخاص الحزب العديد من المعارك، كما نزع فتيل محاولات استهدفته على غرار قضايا «أرجنكون» و«المطرقة» و«القفص» التي حاول فيها عسكريون الإطاحة بحكومة إردوغان.

وعد إردوغان، الرجل القوي الذي لا يزال قابضاً بقوة على السلطة في تركيا، أن احتجاجات «غيزي بارك» في مايو (أيار) 2013، وما أعقبها من تحقيقات «الفساد والرشوة» التي جرت في 17 و25 ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته، كانت محاولات للإطاحة بحكومته.

ونُسبت تحقيقات في تهم فساد ورشوة طالت أبناء وزراء في حكومة إردوغان ورجال أعمال مقربين منه، وامتدت إلى أفراد عائلته، إلى حركة «الخدمة» التي تزعمها حليفه الوثيق السابق، فتح الله غولن، الذي توفي منذ أشهر.

حشد من الأتراك يحتفلون وسط إسطنبول فوق دبابة هجرها ضباط من الجيش بعد محاولة انقلاب فاشلة في 16 يوليو 2016 (غيتي)

مواجهة أخيرة

كانت محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016، التي نفذتها مجموعة من الجيش، نُسب إليها الانتماء إلى حركة غولن، هي آخر المواجهات التي مكنت إردوغان من إخضاع المؤسسة الحامية للعلمانية في البلاد (الجيش) بعدما تمكن من السيطرة على أجهزة الأمن والقضاء عقب تحقيقات الفساد والرشوة، وقام بتطهيرها من أنصار غولن، الذي كان حليفاً لحزب «العدالة والتنمية» منذ ظهوره.

ووسط هذه المعارك التي مكنت إردوغان وحزبه من السيطرة على جميع مفاصل الدولة وإزالة مشكلة حظر الحجاب من أجندة تركيا، كان الحزب يخوض مسار صعود اقتصادي أزال أثر الأزمة الحادة التي عاشتها البلاد في 2001، وكانت العامل الأساسي في فوزه الكاسح بأول انتخابات يخوضها.

صعود اقتصادي وتقلبات سياسية

استمر الصعود الاقتصادي، وساعد في ذلك اعتماد حزب «العدالة والتنمية» سياسة «صفر مشاكل» مع دول الجوار التي أسس لها وزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي تولى لاحقاً رئاسة الحكومة، التي كان لها الفضل في إذابة الجليد في علاقات تركيا مع محيطها في الشرق الأوسط والعالم العربي، فضلاً عن توسيع علاقات تركيا بالشرق والغرب.

ولم تخف توجهات السياسة التركية في هذه الفترة اعتمادها على نظرية «العثمانية الجديدة»، واستعادة مناطق النفوذ، التي انطلقت من نظرية «العمق الاستراتيجي» لـ«داود أوغلو»، وبعدما بدأت تركيا التمدد من الدول العربية إلى أفريقيا اعتماداً على أدوات الدبلوماسية الناعمة والمساعدات الإنسانية وعامل الدين والتاريخ المشترك، جاء ما عرف بـ«الربيع العربي» ليقلب سياسة تركيا إلى التدخل المباشر والخشن عبر أدوار عسكرية امتدت من سوريا وليبيا إلى القرن الأفريقي، وفتحت لها باب التوسع بإقامة القواعد العسكرية في الخارج.

وتسبب انحياز تركيا إلى جماعة «الإخوان المسلمين» وجماعات متشددة، ودعمها في تونس ومصر وسوريا وليبيا، في حصارها في المنطقة، وهو ما حاول سياسيوها تبريره بشعار «العزلة القيمة».

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان... ربع قرن عاصف بالتحولات (غيتي)

بين الكرد والقوميين

جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016 لتضيف مزيداً من التوتر إلى علاقات تركيا مع حلفائها الغربيين بسبب ما عدّته أوروبا وأميركا، استغلالاً لها في سحق معارضي إردوغان على اختلاف انتماءاتهم وليس أنصار غولن فقط، والتوسع في انتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير عبر الاعتقالات الواسعة، وإغلاق المنصات الإعلامية، وهو ما أدى إلى «دفن» مفاوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، التي كانت مجمدة بالفعل منذ عام 2012.

الحال، أن الانسداد في العلاقات مع أوروبا كان قد تأجج في فترة الانتخابات البرلمانية في تركيا عام 2015 التي شهدت مصادمات مع الكرد، وخسر فيها حزب «العدالة والتنمية» الأغلبية للمرة الأولى في الانتخابات التي أجريت في 7 يونيو (حزيران) من ذلك العام للمرة الأولى في مسيرته، قبل أن يلجأ إردوغان إلى الانتخابات المبكرة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته، ليفوز بها حزبه.

وفي هذه الفترة كان «العدالة والتنمية» أطلق في عام 2013 مبادرة للسلام الداخلي وحل المشكلة الكردية، قبل أن يعلن إردوغان إنهاءها في 2015 قائلاً إنه لا توجد مشكلة كردية في تركيا.

وأثبتت القضية الكردية أنها الورقة التي يلجأ إليها إردوغان في لحظات الضعف التي يمر بها حزبه وتتراجع شعبيته، فقد عاد الحديث في الأسابيع الماضية عن مبادرة جديدة للحل، أطلقها رئيس حزب «الحركة القومية»، الحليف لإردوغان، دولت بهشلي، ودعا من خلالها إلى حوار مباشر مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» المحكوم بالسجن مدى الحياة في تركيا، عبد الله أوجلان، بل دعوته للحديث في البرلمان، والنظر في العفو عنه.

وجاءت هذه الخطوة، كما يرى مراقبون، محاولة من إردوغان لجذب كتلة أصوات الكرد بعد الهزيمة التي تلقاها حزبه في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس (آذار) الماضي، بعدما فاز بصعوبة بالغة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو 2023، والحصول على دعم نواب حزب «الديمقراطية المساواة للشعوب»، المؤيد للكرد لفتح الطريق أمام إردوغان للترشح للرئاسة للمرة الرابعة في انتخابات مبكرة تُجرى قبل عام 2028 بطلب من 360 نائباً، وهو ما لا يملكه «تحالف الشعب»، الذي تأسس مع تحول البلاد إلى النظام الرئاسي عام 2018، ليضم حزب «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، وأحزاب قومية وإسلامية أخرى صغيرة مثل «الوحدة الكبرى»، و«هدى بار».

وتسبب التحالف مع القوميين في انتقال «العدالة والتنمية» من حزب وسطي إصلاحي يخدم الشعب بلا تمييز ويعمل على دفع الاقتصاد والانضمام للاتحاد الأوروبي، إلى حزب يرفع شعارات الفكر القومي والأمة، ويبشر بالعثمانية الجديدة و«الوطن الأزرق» في ظل نظام يصفه معارضوه في الداخل وحلفاؤه في الغرب بأنه يكرس الديكتاتورية وحكم الفرد منذ إقرار النظام الرئاسي من خلال تعديلات دستورية تم الاستفتاء عليها عام 2017.

إردوغان (يمين) ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني في ديار بكر جنوب تركيا نوفمبر 2013 (غيتي)

ألغاز السياسة الخارجية

ربما تكون السياسة الخارجية لتركيا تحت حكم إردوغان و«العدالة والتنمية» هي أكبر الألغاز المحيرة، فبعدما أريد لها الانفتاح وتصفير المشاكل، انتقلت منذ 2011 إلى التدخل في أزمات المنطقة، ثم رفعت شعار «العزلة القيمة»، بعدما حدثت شروخ عميقة في العلاقات مع محيط تركيا الإقليمي من مصر إلى دول الخليج إلى سوريا والعراق، في مرحلة ما، ثم محاولة العودة بعد 10 سنوات ضائعة إلى مسعى «تصفير المشاكل» مرة أخرى.

وهكذا عملت تركيا على إصلاح العلاقات مع دول الخليج ومصر، وعدم التمادي في تدمير العلاقات مع إسرائيل، على الرغم من إدانتها الصارخة لحربها في غزة ولبنان وهجماتها في سوريا، وصولاً إلى الحوار الإيجابي مع اليونان وأرمينيا.

واتسمت هذه السياسة أيضاً بتبديل غير مستقر للمحاور بين الشرق والغرب، عبر محاولة توظيف ورقة العلاقات مع روسيا والصين وإيران، وتقديم طلب عضوية في مجموعة «بريكس»، والحضور في قمة منظمة شنغهاي للتعاون على المستوى الرئاسي، للضغط من أجل تحريك مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكسر فتور العلاقات مع أميركا.

وشكل التذبذب في العلاقات بين تركيا وروسيا ملمحاً مميزاً، وكذلك مع إيران، لكن بصورة أقل علانية، إلى أن دخلت العلاقات معهما منعطفاً حاداً بسبب التطورات الأخيرة التي أطاحت بحكم بشار الأسد في سوريا، فضلاً عن عدم الرضا من جانب روسيا عن نهج تركيا في التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية.

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة منظمة شنغهاي في سمرقند سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)

هواجس المستقبل

الآن، وبعد نحو ربع قرن ساد فيها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، يبدو أن إردوغان يجد صعوبة كبيرة في تنفيذ وعده لناخبيه عقب فوزه بالرئاسة في مايو 2023 بتأسيس «قرن تركيا».

يواجه إردوغان الآن معارضة عرفت طريقها إلى الشارع بعد أكثر من 22 عاماً من التشتت، وركاماً اقتصادياً أجهض ما تحقق من مكاسب في الحقبة الذهبية لحزبه، الذي أتى بالاقتصاد، والذي قد يرحل بسببه، بعدما بدأ رحلة تراجع منذ تطبيق النظام الرئاسي في 2018، مع صعوبة التغلب على المشاكل الهيكلية، وكسر حلقة التضخم الجامح وغلاء الأسعار وتآكل الدخل.

كما يدخل الحزب عام 2025 مع سؤال كبير وملحّ: «هل يضعف (العدالة والتنمية) أو يتلاشى إذا غابت عنه قيادة إردوغان القوية؟»، ومع هذا السؤال يبدو أن سيناريوهات مقبلة في الطريق لإبقاء الرجل على رأس الحزب والسلطة في تركيا.