التحرش والاستغلال الجنسي ممارسة يومية في ألمانيا

معظم ضحاياه يخجلون من التصريح بتعرضهم له

التحرش في مواقع العمل
التحرش في مواقع العمل
TT

التحرش والاستغلال الجنسي ممارسة يومية في ألمانيا

التحرش في مواقع العمل
التحرش في مواقع العمل

في تعليقها على دراسة جديدة حول التحرش الجنسي في ألمانيا، قالت كريستينا لودرز، رئيسة مركز مكافحة الاضطهاد الألماني، إن موقع العمل هو الدليل على سعة انتشار التحرش والاستغلال الجنسيين في ألمانيا. إذ إن أجواء الهيمنة البيروقراطية في المكاتب، وفي مواقع العمل، تفتح مجالاً أوسع للتحرش الجنسي.
مع ذلك تعتقد لودرز أن ما كشفته الدراسة ليس إلا «قمة جبل الجليد» حول حقيقة التحرش الجنسي في ألمانيا، لأن معظم الضحايا يخجلون من التصريح باستغلالهم جنسيًا، خصوصًا النساء، أو أنهم لا يلمون بتفاصيل تعريف جنايات التحرش الجنسي التي يثبّتها القانون الألماني. دليل ذلك أن 17 في المائة من النساء و7 في المائة من الرجال فقط أقروا بالتعرض للتحرش الجنسي في موقع العمل، لكن توعيتهم بالتعريف القانوني لجناية «الاستغلال الجنسي» رفعت هذه النسبة (نساء ورجالاً) إلى 52 في المائة. ولم تكن هذه النتيجة مفاجئة بالنسبة للودرز، التي تعتقد أن النسبة الحقيقية أعلى، لكنها تفاجأت جدًا حينما قارنت نسبة الرجال إلى النساء.
وقال 56 في المائة من الرجال الذين شملهم الاستفتاء إنهم يتعرضون إلى التحرش الجنسي، بمختلف أنواعه، في حين أقرت بذلك نسبة 49 في المائة من النساء فقط. وهذا يعني أن الاستغلال الجنسي يتعلق مباشرة بالمراتب الإدارية، وهو ما يجعل النساء الأعلى وظيفيًا أكثر جرأة على التحرش بموظفيهن الشباب.
والفرق هنا أن معظم حالات التحرش باليد أو الاحتكاك يمارسها الرجال في مواقع العمل، في حين تلجأ النساء أكثر إلى الإيحاءات الجنسية والرسائل الإلكترونية مع شيء من الضغط النفسي والاحتكاك.
أجرى الدراسة «معهد دويسبورغ لاستطلاعات الرأي في القضايا العلمية - الاجتماعية» بتكليف من مركز مكافحة الاضطهاد الألماني. وظهر من الدراسة أن 82 في المائة من المتعرضين للتحرش، من الجنسين، لا يعرفون أن القانون الألماني يقسر رب العمل، أو المدير، على توفير الحماية لهم. واعترفت نسبة 70 في المائة منهم بأنهم لا يعرفون أين يجدون العون عند تعرضهم للتحرش أو الاستغلال الجنسي.
وعلقت لودرز على هذه النتيجة بالقول إن جهل الموظف بحقوقه المتعلقة بحرية العمل «كارثي». وتنعكس هذه الأجواء سلبًا على أجواء العمل وإنتاجية الفرد، كما تقود الآلاف إلى الأطباء النفسيين.
جاء في تقرير جديد لوزارة العائلة الألمانية أن اغتصاب النساء في ألمانيا «تقليد» شبه يومي. وجاء في التقرير، الذي عرض في اجتماع لمراكز إرشاد المرأة، أن واحدة من كل 7 نساء ألمانيات تعرضت للاغتصاب، أو أكرهت على ممارسة الجنس تحت طائلة التهديد، مرة واحدة في حياتها على الأقل. والمرعب في الأمر، حسب تعبير التقرير، هو أن 5 في المائة فقط من النساء يقمن الدعاوي القضائية ضد مغتصبيهن. ويبدو أن الخشية من الفضائح والمتاعب والخوف من الرجال هو سبب سكوت هذا العدد الكبير من النساء عما يتعرضن إليه.
نشر التقرير في العاصمة برلين، وفضلاً عن إحصائيات الرسمية، استند إلى استطلاع للرأي شمل 10 آلاف امرأة. وكانت أعمار النساء اللاتي تم سؤالهن تتراوح بين 16 - 85 سنة.
وتحصي منظمة «عالم المرأة» على صفحتها الإلكترونية 160 ألف حالة اغتصاب أو إكراه جنسي سنويًا في ألمانيا، مقابل 8 آلاف قضية جنائية تقام ضدها من قبل النساء المغتصبات، وصدور أحكام إدانة في 1000 قضية منها فقط. وهذا يعني أن هناك جريمة اغتصاب، أو إكراه على ممارسة الجنس، تجري في ألمانيا كل 3 دقائق.
وتبدو الصورة أسوأ حينما يتعلق الأمر بحالات الاغتصاب أو القسر على ممارسة الجنس بين المتزوجين، بحسب استطلاع للرأي نشرته منظمة «عالم المرأة». فنسبة الاغتصاب هنا تشمل واحدة من كل 4 نساء في ألمانيا. وتدفع حالات الإكراه الجنسي بين العوائل 40 ألف امرأة للهروب سنويًا من بيوت الزوجية واللجوء إلى بيوت النساء المضطهدات. وذكرت متحدثة باسم المنظمة أن الاستطلاع شمل 10 آلاف امرأة ألمانية وغير ألمانية يقمن في ألمانيا.
وعبرت وكالة الحقوق الأساسية للإنسان، التابعة للاتحاد الأوروبي، عن قلقها من حالات الإكراه الجنسي، التي شملت، بحسب تقديرها، واحدة من كل ثلاث نساء أوروبيات خلال فترة ما من حياتهن، قبل الزواج، أو خلاله، أو بعده. وتوصلت الوكالة، بعملية إحصائية بسيطة، إلى أن هذا الواقع يشمل 62 مليون امرأة أوروبية.
ولما كانت معظم حالات الاغتصاب والإكراه على الجنس في العمل تجري بسبب العلاقة بين المراتب العليا والصغرى، فمن الطبيعي أن تكون هذه الحالات مرتفعة في سلكي الشرطة والجيش. وصمت النساء هنا واضح، في إطار النظام العسكري الصارم، إلا أن هناك تكتما عميقا في هذه القضية من قبل القوات المسلحة.
اعترف هيلموت كونغزهاوس، المفوض البرلماني لشؤون الجيش في البرلمان الألماني، بهذا الواقع، ولكن من دون معطيات في التقرير الذي قدمه كونغزهاوس أمام البرلمان قبل 3 سنوات. إذ انتقد المفوض البرلماني، وهو من الحزب الليبرالي، تصاعد النشاط اليميني المتطرف في الجيش، وتزايد شكاوى المجندات من التحرشات والاستغلال الجنسي.
لاحظت دراسة ألمانية جزائية جديدة أن القضاء الألماني لا ينجح في إدانة المتهمين في قضايا الاغتصاب إلا في 8.4 في المائة من القضايا التي تقيمها النساء ضد مغتصبيهن من الرجال. والمؤسف أن نسبة النجاح هذه كانت ترتفع إلى 21.6 في المائة قبل 20 سنة من الآن.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».