تبحث الجزائر وفرنسا الشهر المقبل، ملفات شائكة موروثة عن الاستعمار، تتعلق بمصير فرنسيين اختفوا في الأيام الأولى للاستقلال (1962)، وأملاك «الأقدام السوداء» التي يطالبون بها، وهم المئات من الفرنسيين الذين غادروا الجزائر غداة الاستقلال، زيادة على طلب «الحركي» رفع الحظر عن زيارة بلدهم الأصلي.
وجرى الاتفاق بين البلدين على عقد اجتماع بالجزائر في الفترة الممتدة ما بين 3 و11 من فبراير (شباط) المقبل لحل المشاكل العالقة المرتبطة بالملفات المذكورة. وتم ضبط تفاصيل الاجتماع، حسب مصدر حكومي تحدث لـ«الشرق الأوسط» أمس، أثناء زيارة وزير المجاهدين الجزائري الطيب زيتوني إلى فرنسا، تعد الأولى من نوعها لوزير يمثل قدامى المحاربين.
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن زيتوني قوله عقب لقائه جان بمارك تودشيني، كاتب الدولة الفرنسي المكلف قدامى المحاربين والذاكرة، أن «فرنسا والجزائر مدعوتان إلى معالجة الملفات المتعلقة بذاكرتيهما المشتركة بشكل جدي وبمسؤولية»، مشيرا إلى أنه «حان الوقت بالنسبة لنا (الجزائريين والفرنسيين)، لمعالجة كل الملفات المتعلقة بمسألة الذاكرة المشتركة والتكفل بها بكل جدية ومسؤولية».
وتحدث زيتوني عن «تعاط إيجابي فرنسي مع مطالب الجزائر بشأن الذاكرة»، ويفهم من كلامه أن الفرنسيين تجاوبوا مع قضية تسليم أرشيف ثورة التحرير (1954 - 1962)، وتعويض ضحايا الاستعمار. وأضاف زيتوني موضحا: «تبدي الجزائر وفرنسا حاليا إرادة قوية لتطوير علاقاتهما، وتسوية القضايا العالقة، وهذا منذ الزيارة الإيجابية للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى الجزائر نهاية 2012».
وبخصوص مباحثاته مع تودشيني، قال زيتوني إنها «تناولت الملفات المتعلقة بالأرشيف والمفقودين خلال حرب التحرير الوطني، والتجارب النووية التي أجراها الاستعمار الفرنسي في الجنوب الجزائري ما بين 1962 و1966»، مشيرا إلى أن زيارته إلى فرنسا «تندرج في إطار تعزيز الثقة بين البلدين، فالعلاقات الجزائرية الفرنسية تعرف تقدما ملحوظا وهاما على الصعيد السياسي والصناعي والتجاري والثقافي».
وتابع زيتوني قائلا: «أنا أحمل رسالة واضحة للفرنسيين، تتمثل في التعبير عن إرادة الجزائر في تعزيز علاقاتها مع فرنسا، بما يخدم المصلحة المشتركة للشعبين.. إن علاقات البلدين تتقدم في الاتجاه الصحيح، وذلك بفضل توجيهات الرئيسين عبد العزيز بوتفليقة وفرنسوا هولاند».
من جهته، صرح تودشيني بأنه «حان الوقت لتجسيد تصريحات رئيسي البلدين على أرض الواقع. فقد طلبا تهدئة الذاكرة الأليمة بين البلدين»، مضيفا أنه «لم يسبق أبدا لوزير مجاهدين جزائري القيام بزيارة رسمية إلى فرنسا، وهذا ما نعنيه بتهدئة ذاكرتينا».
ومعروف أن مسألة «الاشتغال على الذاكرة» التي يضعها الطرف الجزائري على رأس أولوياته في علاقاته مع فرنسا، أظهرت أن الفرنسيين غير مستعدين للتجاوب معها وفق الوتيرة السريعة، التي يريدها الشريك في الضفة الجنوبية من حوض المتوسط.
وتتسم نظرة الجانبين لهذا الملف بالذات بتباعد كبير. ففيما ترى الجزائر أن «الاشتغال على الذاكرة» يعني اعترافا صريحا من فرنسا بجرائم الفترة الاستعمارية، وطلب الاعتذار عن فظاعتها، يفضل الفرنسيون التعامل معه من زاوية أخرى، بحيث يقترحون فسح المجال للباحثين ودارسي تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر لتحديد بدقة إن كان ما جرى في فترة 132 عاما من الاستعمار، يستدعي توبة فرنسا وطلب الاعتذار من الجزائر.
وينطلق هذا الطرح من رؤية الرئيس السابق نيكولا ساركوزي للعلاقات الثنائية في أبعادها التاريخية، فهو يقترح بديلا براغماتيا مفاده أن مصلحة الجزائريين هي الانتفاع من الشق الاقتصادي في سياسة فرنسا تجاه الجزائر، بدل التشبث بمسائل تعود إلى الماضي. وقد عبر ساركوزي عن هذه الرؤية بوضوح عندما خاطب الجزائريين في جامعة قسنطينة (شرق) نهاية 2007، وبحضور الرئيس بوتفليقة، حينما قال إنه ينتمي لجيل لا علاقة بحرب التحرير، ما يعني أنه كرئيس غير مطالب بتحمل تبعات سياسة انتهجتها الدولة الفرنسية تجاه دولة معينة في فتر تاريخية معينة. وهذا الطرح مستمد إلى حد بعيد من قانون 23 فبراير 2005 الذي أصدره البرلمان الفرنسي، الذي اعتبر استعمار الجزائر «شيئا حضاريا وإيجابيا». وبسبب هذه النظرة أعلن وزير الخارجية الأسبق محمد بجاوي أثناء زيارة وزير خارجية فرنسا الأسبق فيليب دوست بلازي للجزائر في مايو (أيار) 2005 عن فشل مساعي عقد معاهدة صداقة بين البلدين.
اجتماع مسؤولين من الجزائر وفرنسا لبحث المشاكل العالقة بين البلدين
تشمل قضايا موروثة عن الاستعمار.. وفظاعات فرنسا خلال الاحتلال
اجتماع مسؤولين من الجزائر وفرنسا لبحث المشاكل العالقة بين البلدين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة