لم تهدأ الدبلوماسية الروسية خلال الأيام الماضية وهي تستعد لانطلاق المفاوضات السورية في جنيف. وإلى جانب الاتصالات المتكررة بين وزير الخارجية سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري، كان هناك اتصال بين لافروف ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس يوم أول من أمس. وفي اليوم ذاته بحث ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، الوضع في الشرق الأوسط، وتحديدًا جهود التسوية السياسية للأزمة السورية مع حسين أمير عبد اللهيان، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية، الذي أطل من موسكو ليقول إن «بلادي ترى أن لا يجب أن تجلس قوى إرهابية بقناع جديد على طاولة المفاوضات مع الحكومية السورية».
إلا أن روسيا ذهبت إلى ما يمكن اعتباره تنازلات، ولعلها «ليونة» في سياق اللعب الدبلوماسي خلال الساعات الأخيرة قبل الموعد المفترض لانطلاق أعمال مؤتمر جنيف 3 حول الأزمة السورية اليوم الجمعة.
لقد طرأ تغيُّر على الموقف الروسي في مسائل كانت موسكو تلح عليها، وذلك بغية تذليل العقبات أمام انعقاد المؤتمر، ضمن ما يبدو أنه تفاهم أميركي – روسي على أهمية تهيئة الظروف للشروع في العملية السياسية لتسوية الأزمة السورية، وإبقاء المسائل العالقة لحلها في مرحلة مقبلة من المفاوضات بين الأطراف السورية.
في المقابل، يبدو الأمر بعيدًا تمامًا عن «الليونة» عندما تكون الكلمة لقاذفات للقوة العسكرية الملازمة للعملية السياسية. فهنا قدمت موسكو دعمًا كبيرًا لقوات النظام السوري لتحقيق انتصارات نوعية على الأرض تعزز من الموقف التفاوضي لوفد النظام، قد تعوض عن التنازلات الروسية سياسيًا. لذلك بعد استعادة بلدة سلمى بمحافظة اللاذقية، الأمر الذي اعتبره الروس نصرًا استراتيجيًا، وذهب إعلامه إلى مقاربته بمعارك الفصل في الحرب العالمية الثانية، كان لا بد من نصر ثانٍ بهذا الحجم، فأدارت روسيا قوتها النارية الجوية نحو الجنوب، وبقصف جوي عنيف من جانب المقاتلات الروسية، ترافق مع قصف مدفعي وصاروخي من جانب قوات النظام، تم التمهيد لاستعادة السيطرة على مدينة الشيخ مسكين الاستراتيجية في محافظة درعا، لتسجيل انتصار نوعي أولاً، وللانطلاق منها نحو استعادة السيطرة على المحافظة وصولاً إلى المعبر الحدودي بين سوريا والأردن ثانيًا.
في الشق السياسي بدا واضحًا ابتعاد الدبلوماسية الروسية عن اللهجة الحادة والشروط في ما يخص المشاركين في المرحلة الحالية من عملية «جنيف3»، إذ اكتفى جينادي غاتيلوف، نائب وزير الخارجية الروسي، بالقول قبل يومين من موعد «جنيف3» إن «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي بزعامة صالح مسلم «قد ينضم إلى المحادثات في وقت لاحق»، ما يعني أن روسيا التي كانت تصرّ، بل وتشترط توجيه الدعوة إلى مسلم، وتتعامل معه وكأنه الممثل الوحيد للأكراد في سوريا، تراجعت حاليًّا عن موقفها هذا وقبلت بترك الأمر إلى مرحلة مقبلة.
التنازلات السياسية الروسية لم تقتصر على موضوع صالح مسلم، بل زادت ذلك بتجاهل - ربما متعمد - من جانب الدبلوماسية الروسية لشرط مسبق كانت قد أصرت عليه بخصوص رفضها مشاركة ممثلين عن تنظيمي «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» في وفد المعارضة خلال المفاوضات، وذلك بعد أن أصرت على تصنيفهما «مجموعات إرهابية»، الأمر الذي رفضته الهيئة العليا للمفاوضات بحزم.
في هذا الشأن يبدو لافتًا حديث وزير الخارجية لافروف خلال مؤتمره الصحافي السنوي. حينذاك، وفي معرض إجابته على سؤال «هل وافقت روسيا على مشاركة جماعات مثل جيش الإسلام وأحرار الشام في المفاوضات؟» فإن لافروف قال إنه «لا يوجد أي تفويض (ولاية) لدى روسيا والولايات المتحدة في تشكيل وفد المعارضة». وأردف أن هذه «الولاية منحت للأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام ومبعوثه الخاص ستيفان دي ميستورا». وتابع لافروف موضحًا أن «القرار 2254 ينص بوضوح على أن دي ميستورا تحديدًا هو من يجب عليه إرسال الدعوات للمعارضين السوريين، بناء على قوائم المشاركين في اللقاءات التي جرت في القاهرة وفي موسكو، وآخرها في الرياض».
«ليونة» سياسية من موسكو تسعى للتعويض عنها بالضغط العسكري
عشية انطلاق «جنيف 3» غضت الطرف عن مشاركة «جيش الإسلام» وتجاهلت صالح مسلم
«ليونة» سياسية من موسكو تسعى للتعويض عنها بالضغط العسكري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة