العبادي يتسلح بأرقام الشفافية الدولية في محاربة خصومه السياسيين

التيار الديمقراطي: الكرة في ملعب الحكومة ولا تتهرب من الفساد باختلاق صراع مدني ـ ديني

العبادي يتسلح بأرقام الشفافية الدولية في محاربة خصومه السياسيين
TT

العبادي يتسلح بأرقام الشفافية الدولية في محاربة خصومه السياسيين

العبادي يتسلح بأرقام الشفافية الدولية في محاربة خصومه السياسيين

استغل رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي تقرير منظمة الشفافية الدولية التي أدرجت العراق ضمن الدول العشر الأكثر فسادًا بالعالم عام 2015. ليضرب بذلك خصومة السياسيين وخاصة من كانوا في عهد الحكومة العراقية السابقة بقيادة نوري المالكي.
وسارع العبادي بالإقرار بما رد في تقرير المنظمة في وقت كان فيه المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني أعلن الأسبوع الماضي أنه «بح صوته» لكثرة ما نادى بشأن محاربة الفاسدين دون فائدة لتحتل العراق المرتبة 161 في ذيل القائمة المكونة من 167 بلدًا متقدمًا على ليبيا وأنغولا وجنوب السودان والسودان وكوريا الشمالية والصومال الذي احتل قعر القائمة».
وأكد المتحدث الإعلامي باسم مكتب رئيس الوزراء سعد الحديثي في بيان له أنه «وبصرف النظر عن تقرير الشفافية الدولية، فإن هنالك مشكلة فساد في العراق، وهذا أمر لا يمكن إنكاره بدليل أن حملة الإصلاحات التي أعلن عنها رئيس الوزراء في أغسطس (آب) الماضي خصصت محورا لمحاربة الفساد». وأكد أن «الفساد مشكلة كبيرة في العراق وقد تغلغل في كثير من مؤسسات الدولة وهو متراكم لسنوات كثيرة مع غياب الرقابة الجدية وكذلك غياب جهود للمحاسبة لمتابعة الأداء ومراقبة الأموال وانتقالها ومن ثم آليات الصرف، وكانت النتيجة ما وصل إليه العراق وهو يمر بضائقة مالية».
وأشار الحديثي إلى أن «الحكومة الحالية ومنذ إعلان الإصلاحات تقوم بجهود مستمرة ومتابعة لهذه الملفات وتسعى للكشف عنها وإيقاف وإغلاق منافذ الفساد التي كان من خلالها ينفذ بمؤسسات الدولة». وأوضح أن «هنالك إجراءات كثيرة لمحاربة الفساد في مقدمتها اختصار وتبسيط آليات ترويج معاملات المواطنين والمعاملات الاقتصادية وقضايا الاستثمار التي كانت فيها حلقات روتينية زائدة وتسبب منفذا من الفساد يدفع ثمنه المواطن وتؤثر على حركة الاقتصاد وتنشيط الاستثمار في العراق».
بدوره أكد رائد فهمي المنسق العام للتيار الديمقراطي في العراق الذي يتبنى المظاهرات الجماهيرية التي انطلقت من شهر أغسطس عام 2015 في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الأمر لا يشكل مفاجأة لأن مؤشرات الفساد في العراق بعد عام 2003 بقيت تسجل ارتفاعات عالية سنة بعد أخرى بسبب عدم اتخاذ الحكومات السابقة إجراءات فاعلة على صعيد محاربة الفساد ووضع الآليات المناسبة للقضاء عليه وهو ما جعله يستشري بحيث أخذ الحديث يجري ليس عن مجرد فاسدين بل عن حيتان فساد».
وأضاف فهمي أن «المظاهرات التي انطلقت في العراق منذ الصيف الماضي ولا تزال متواصلة هي ليست مجرد احتجاج على ظواهر وممارسات خاطئة بقدر ما هي تريد أن تضع قاعدة سليمة للإصلاح تبلور عملية اصطفاف سياسي جديد عابر للمحاصصة العرقية والطائفية وهو قد طالبنا به منذ البداية خصوصا أننا نعتقد أن هناك قوى جديدة برزت وبالتالي فإن الإصلاحات الحقيقية يجب أن تستند إلى قاعدة حقيقية وخريطة طريق وليس مجرد عملية امتصاص للغضب الجماهيري الذي أثبت أنه يمثل حراكا جديدا وليس مجرد هبة يمكن أن تنتهي».
وأشار فهمي إلى أن «الكرة في ملعب الحكومة حيث لا ينبغي تحميل المتظاهرين أهدافا أكثر من طاقة المتظاهرين أو العمل على خرق المظاهرات من خلال خلق صراع مدني - ديني لأن هذا ليس هو المطروح بل المطروح هو الإصلاح ومكافحة الفساد الذي هو الآفة الكبرى التي تتطلب معالجة حقيقية وليس مجرد شعارات أو إجراءات ذات طبيعة تقشفية». من جهته أكد الخبير الاقتصادي ماجد الصوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الإصلاح حتى ينجح لا بد أن يكون محدد الأهداف وواضح المعالم ولكن من خلال متابعتنا لسير الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة منذ منتصف العام الماضي وحتى اليوم لا تزال تحتاج في الواقع إلى الإجابة عن السؤال التالي هل تهدف إلى تخفيض النفقات أم إلى التنمية الاقتصادية» مشيرا إلى أن «كل ما يتعلق بتخفيض الرواتب وتحقيق مبدأ العدالة فيها لا يلغي وجود فساد حيث إن التخفيض يؤدي إلى توفير أموال بسبب ارتفاع نسب رواتب أصحاب الدرجات العليا لكن هذا لا يدخل لوحده في باب محاربة الفساد الذي يحتاج إلى إجراءات أخرى لم يلمسها المواطن بدرجة كافية حتى الآن وهو ما يجعل العراق يبقى في مراتب متقدمة على صعيد الدول التي تنعدم فيها الشفافية ويكثر الفساد من وجهة نظر المنظمات الدولية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.