وفاة أحد كبار رجال الصحافة الإيرانيين في المنفى

مالك ورئيس مجموعة «إطلاعات» الإعلامية

فرهاد مسعودي
فرهاد مسعودي
TT

وفاة أحد كبار رجال الصحافة الإيرانيين في المنفى

فرهاد مسعودي
فرهاد مسعودي

كان فرهاد مسعودي، قبل الثورة الخمينية في عام 1979، مالك، ورئيس، والمدير التنفيذي لمجموعة «إطلاعات الإعلامية» الإيرانية، وهي من كبريات المؤسسات الإعلامية في العالم التي تشرف على طباعة ونشر عشرات الصحف اليومية، والأسبوعية، والشهرية باللغات الفارسية، والعربية، والإنجليزية.
ولقد توفي السيد مسعودي الأسبوع الماضي عن عمر يناهز 75 عامًا بعد أعوام قضاها في المنفى متنقلاً بين بريطانيا، وفرنسا، وأخيرًا موناكو. ومن المثير للاهتمام، رغم كل شيء، أنه وحتى نهاية حياته كانت معنوياته مرتفعة، وممارسًا لرياضته المفضلة، ويحمل قدرًا كبيرًا من التفاؤل كان قد ورثه عن والده، السيد عباس مسعودي، المؤسس الأول للمجموعة الإعلامية الكبيرة قبل 90 عامًا، وبالتالي يعتبر والد الصحافة الحديثة في إيران.
ولد السيد فرهاد في العاصمة طهران، وعلى غرار الكثير من أبناء الطبقة الوسطى في المجتمع الإيراني في عهد ما قبل الخميني، تلقى تعليمه في سويسرا، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية في نهاية المطاف. كانت «إطلاعات»، وقت مولده، واحدة من بين عشرين صحيفة تُنشر في طهران التي تحتلها قوات الحلفاء مما أدى إلى فرض رقابة صارمة على المطبوعات الصحافية في البلاد. وكانت مجموعة إطلاعات في ذلك الحين من المؤسسات المتعطشة للدعم المادي تلك التي تمكنت من الصمود بفضل بعض الإعانات السخية وحفنة من الإعلانات.
ومع ذلك، وفي الوقت الذي بلغ فيه السيد فرهاد مرحلة الشباب، كانت مجموعة «إطلاعات» قد تحولت إلى مؤسسة تدر الكثير من الأرباح، بينما نُصب والده نائبا في البرلمان وأحد كبار رجال المؤسسة الصحافية.
لم يفكر السيد فرهاد في أن يشتغل بالصحافة، وبعد عدة سنوات عندما صار المالك الرسمي للمجموعة الكبيرة ورئيسها التنفيذي أخبرني حينئذ أنه كان يحلم بالعمل في المجال الرياضي (ولقد حقق ذلك الحلم جزئيًا عندما أصبح رئيس الاتحاد الوطني الإيراني لكرة اليد). وتقديري أن السيد فرهاد ولج في المهنة الصحافية طاعة لوالده الذي، مثل مختلف الآباء التقليديين في منطقة الشرق الأوسط، يريد لولده الأكبر أن يخلفه في مشروعات وأعمال العائلة. ولكن حتى ذلك الحين، لم يكن السيد فرهاد يتمتع بالموهبة التلقائية التي كان والده مميزا بها كمراسل صحافي وشغوفًا للحصول على الأخبار والقصص الجيدة.
ولإدراكه ذلك، كرس السيد فرهاد جهوده على الجانب الإداري للإمبراطورية الصحافية الضخمة التي أسسها وبناها والده. ولفترة من الزمن، كان السيد فرهاد مجبرا أيضًا على تولي مسؤولية تحرير الصحيفة، والتعامل مع كم الضغوط السياسية الهائلة التي كانت ملقاة على عاتق المؤسسات الصحافية الخاصة في النصف الأخير من عقد السبعينات. وفي عام 1978، كانت قيادته للمجموعة حاسمة وحيوية في استعادة جزء من مكانة الصحيفة بعدما أجبرت على نشر «رسالة إلى المحرر» مزيفة تهاجم آية الله روح الله الخميني بألفاظ مجملة، مما أثار احتجاجات الملالي في مدينة قم. حتى إن جماعة الخميني الإرهابية المعروفة باسم فدائيين الإسلام، والتي يسيطر عليها الخميني شخصيًا، هددت السيد فرهاد بالاغتيال. حازت مجموعة «إطلاعات» على عدد من للجوائز الدولية، وخصوصًا بالنسبة لنسختها الناطقة باللغة الفرنسية «جورنال دي طهران»، بينما استحوذت صحيفتها الأسبوعية الناطقة باللغة العربية «الإخاء» على قاعدة شعبية واسعة في الكثير من الدول العربية.
وعندما استولى الملالي على السلطة في البلاد عام 1979، كانت أولى خطواتهم هي مصادرة المجموعات الإعلامية ذات الملكية الخاصة، وعلى رأسها مجموعة «إطلاعات»، ووضعها تحت السيطرة المباشرة لمكتب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، الذي كان يعين كبار المديري إلى جانب المحررين كذلك.
كانت آخر مرة تقابلت فيها مع السيد فرهاد في لندن، وأخبرني وقتها أنه سعيد بأن والده لم يعش طويلاً ليرى ما حل بمجموعة «إطلاعات» وبإيران الآن.

لم أخبر السيد فرهاد بذلك وقتها، ولكنني فكرت أنه على الرغم من أن المآسي الشديدة التي تعانيها إيران منذ استيلاء الخميني وزمرته على الحكم كانت لتكسر قلب السيد عباس مسعودي، لم يكن محارب الصحافة الإيرانية المخضرم لتفوته الإمكانات الصحافية الكبيرة للمأساة الإيرانية الحالية بوصفها «قصة ممتازة ومن الطراز الأول».



مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
TT

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)

طغى مشهد الحرب على أحداث لبنان لسنة 2024، لا سيما في الأشهر الأخيرة من العام، وهي أشهر أمضاها اللبنانيون يترقّبون بقلق مصير بلدهم غير آبهين بأي مستجدات أخرى تحصل على أرضهم أو في دول مجاورة. وشكّلت محطات التلفزة الخبز اليومي للمشاهدين، فتسمروا أمام شاشاتها يتابعون أحداث القصف والتدمير والموت.

توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شكّل مفاجأة للبنانيين

المشهد الإعلامي: بداية سلسة ونهاية ساخنة

عند اندلاع ما أُطلق عليها «حرب الإسناد» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم يتأثر المشهد الإعلامي في لبنان، فقد أبقى أصحاب المحطات المحلية مع بداية عام 2024 على برامجهم المعتادة، وخاضت التلفزيونات موسم رمضان بشكل عادي، متنافسة على تقديم الأفضل للمشاهد. لم تتبدل أجندة البرامج في محطات «إل بي سي آي»، و«الجديد»، و«إم تي في». وتابع اللبنانيون برامج الترفيه والحوارات السياسية والألعاب والتسلية، وكأن لا شيء غير عادي يحدث. وفي موسم الصيف، ركنت المحطات كعادتها إلى إعادات درامية وحلقات من برامج ترفيهية. فهذا الموسم يتسم عادة بالركود، كون المُشاهد عموماً يتحوّل إلى نشاطات أخرى يمارسها بعيداً عن الشاشة الصغيرة.

لكن منذ أن جرى تفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) بعناصر «حزب الله»، في 17 سبتمبر (أيلول) من العام الحالي، انقلب المشهد الإعلامي رأساً على عقب. وضعت جميع المحطات مراسليها ومقدمي نشرات الأخبار لديها في حالة استنفار، وصار المشهد السائد على الشاشة الصغيرة، من حينها، يتألّف من نقل مباشر وحوارات سياسية متواصلة.

حالة استنفار عام سادت محطات التلفزة لمواكبة أحداث الحرب

مقتل صحافيين خلال الحرب

لم توفر الحرب الدائرة في لبنان منذ بداياتها الجسم الإعلامي الذي خسر عدداً من مراسليه على الأرض. وُصف استهدافهم بـ«جريمة حرب» هزّت المشهد واستدعت استنكاراً واسعاً.

ولعل الحدث الأبرز في هذا المجال هو الذي جرى في أكتوبر 2024 في بلدة حاصبيا الجنوبية.

فقد استهدفت غارة إسرائيلية فندقاً كان قد تحول إلى مقر إقامة للصحافيين الذين يغطون أخبار الحرب؛ مما أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة آخرين. قُتل من قناة «الميادين» المصوّر غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا، كما قُتل المصوّر وسام قاسم من قناة «المنار». ونجا عدد آخر من الصحافيين الذين يعملون في قناة «الجديد»، ووسائل إعلامية أخرى.

وضع لبنان على اللائحة الرمادية (لينكد إن)

تمديد أوقات البث المباشر

أحداث الحرب المتسارعة التي تخلّلها اغتيالات، وقصف عنيف على لبنان، سادت المشهد الإعلامي. وشهدت محطات التلفزة، للمرة الأولى، تمديد أوقات البث المباشر ليتجاوز 18 ساعة يومياً.

وجنّدت محطات التلفزة مراسليها للقيام بمهمات يومية ينقلون خلالها الأحداث على الأرض. وتنافست تلك المحطات بشكل ملحوظ كي تحقّق السبق الصحافي قبل غيرها، فقد مدّدت محطة «إم تي في»، وكذلك «الجديد» و«إل بي سي آي»، أوقات البث المباشر ليغطّي أي مستجد حتى ساعات الفجر الأولى.

وحصلت حالة استنفار عامة لدى تلك المحطات. فكان مراسلوها يصلون الليل بالنهار لنقل أحداث الساعة.

برامج التحليلات السياسية والعسكرية نجمة الشاشة

أخذت محطات التلفزة على عاتقها، طيلة أيام الحرب في لبنان، تخصيص برامج حوارية تتعلّق بهذا الحدث. وكثّفت اللقاءات التلفزيونية مع محللين سياسيين وعسكريين. وبسبب طول مدة الحرب استعانت المحطات بوجوه جديدة لم يكن يعرفها اللبناني من قبل. نوع من الفوضى المنظمة ولّدتها تلك اللقاءات. فاحتار المشاهد اللبناني أي تحليل يتبناه أمام هذا الكم من الآراء. وتم إطلاق عناوين محددة على تلك الفقرات الحية. سمّتها محطة الجديد «عدوان أيلول». وتحت عنوان «تحليل مختلف»، قدّمت قناة «إل بي سي آي» فقرة خاصة بالميدان العسكري وتطوراته. في حين أطلقت «إم تي في» اسم «لبنان تحت العدوان» على الفقرات الخاصة بالحرب.

أفيخاي أدرعي نجماً فرضته الحرب

انتشرت خلال الحرب الأخبار الكاذبة، وخصّصت بعض المحطات مثل قناة «الجديد» فقرات خاصة للكشف عنها. وبين ليلة وضحاها برزت على الساحة الإعلامية مواقع إلكترونية جديدة، وكانت مُتابعة من قِبل وسائل الإعلام وكذلك من قِبل اللبنانيين. ومن بينها «ارتكاز نيوز» اللبناني. كما برز دور «وكالة الإعلام الوطنية»، لمرة جديدة، على الساحة الإعلامية؛ إذ حققت نجاحاً ملحوظاً في متابعة أخبار الحرب في لبنان. وشهدت محطات تلفزة فضائية، مثل: «العربية» و«الجزيرة» و«الحدث»، متابعة كثيفة لشاشاتها ومواقعها الإلكترونية.

أما الحدث الأبرز فكان متابعة اللبنانيين للمتحدث الإعلامي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. فالحرب فرضته على اللبنانيين لتوليه مهمة الكشف عن أسماء قادة الحزب الذين يتمّ اغتيالهم. كما كان يطل في أوقات متكررة، عبر حسابه على «إكس»، يطالب سكان مناطق محددة بمغادرة منازلهم. فيحدد لهم الوقت والساعة والمساحة التي يجب أن يلتزموا بها، كي ينجوا من قصف يستهدف أماكن سكنهم.

عودة صحيفة إلى الصدور

في خضم مشهد الحرب الطاغي على الساحة اللبنانية، برز خبر إيجابي في الإعلام المقروء. فقد أعلنت صحيفة «نداء الوطن»، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، استئناف صدورها، ولكن بإدارة جديدة. فقد سبق أن أعلن القيمون عليها في فترة سابقة عن توقفها. وكان ذلك في شهر مايو (أيار) من العام نفسه.

توقيف حاكم مصرف لبنان يتصدّر نشرات الأخبار

سبق انشغال الإعلام اللبناني بمشهد الحرب خبر توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. كان الخبر الأبرز في نشرات الأخبار المتلفزة. لم يتوقع اللبنانيون في 3 سبتمبر من عام 2024 أن يستيقظوا على خبر شكّل مفاجأة لهم. ففي هذا اليوم تم توقيف رياض سلامة على ذمة التحقيق، وذلك بتهم تتعلّق بغسل أموال واحتيال واختلاس. جاءت هذه الخطوة في إطار تحقيق يتعلّق بشركة الوساطة المالية اللبنانية «أبتيموم إنفيست»، وقبل أسابيع قليلة من تصنيف لبنان ضمن «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي «فاتف» (FATF)؛ مما يهدّد النظام المالي اللبناني المتأزم.

اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله تصدّر مشهد الحرب

أخبار تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024

تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024 سلسلة من الأحداث. شملت أخبار اغتيالات قادة «حزب الله»، وفي مقدمهم أمينه العام حسن نصر الله في 27 سبتمبر. كما انشغلت نشرات الأخبار المتلفزة بالحديث عن وضع لبنان على «القائمة الرمادية»، وهو تصنيف من شأنه أن يفاقم معاناة البلاد اقتصادياً في ظل الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019. أما أحدث الأخبار التي تناقلتها محطات التلفزة فهو قرار الإفراج عن المعتقل السياسي جورج إبراهيم عبد الله بعد قضائه نحو 40 عاماً في السجون الفرنسية.

وقف إطلاق النار يبدّل المشهد المرئي

في 27 نوفمبر أُعلن وقف إطلاق النار، بعد توقيع اتفاق مع إسرائيل. فتنفّست محطات التلفزة الصعداء. وانطلقت في استعادة مشهديتها الإعلامية المعتادة استعداداً لاستقبال الأعياد وبرمجة موسم الشتاء.