الهوية «الجهادية» للنظام الإيراني

من البيعة إلى تصدير الثورة

اية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية  الايرانية الراحل أثناء إلقاء خطبة أمام رجال دين وقوات الحرس الثوري في طهران عام 1982 (غيتي)
اية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الراحل أثناء إلقاء خطبة أمام رجال دين وقوات الحرس الثوري في طهران عام 1982 (غيتي)
TT

الهوية «الجهادية» للنظام الإيراني

اية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية  الايرانية الراحل أثناء إلقاء خطبة أمام رجال دين وقوات الحرس الثوري في طهران عام 1982 (غيتي)
اية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الراحل أثناء إلقاء خطبة أمام رجال دين وقوات الحرس الثوري في طهران عام 1982 (غيتي)

لن تصح قراءة النظام الإيراني، خطابا وممارسة، دون استحضار هويته الحاكمة كـ«نظام ثوري إسلامي»، يتماهى ويلهم الجماعات المتطرفة والاحتجاجية الدينية ويلتقي معها، ويحركها كما تحركه مفاهيم الخلافة والإمامة واستعادتها، كما تحفزه شعارات المقاومة العالمية ومبادئ الولاء والبراء، ومنطق الصحة والأحادية والرسالية، وممارسات التوسع وتصدير الثورة والدعوة وما شابه. وهذا الخطاب «الأصولي» والممارسة المتطرفة قد «تلطفهما» قليلا مساحيق الدبلوماسية والالتزام بالاتفاقات.
فضلا عن خطأ بعض المراقبين والخبراء الغربيين عن حصرهم مفهوم «الجهاد» في الطائفة السنية فقط! أو «الأصولية» في إطارها، يكشف ويجيب استجلاء الهوية «الجهادية» والآيديولوجية لنظام الولي الفقيه عن عدد كبير من الأسئلة. أهم هذه الأسئلة احتفاظه المستمر بعلاقات وطيدة مع كل الحركات «الأصولية» في المنطقة، وتأييدها له في كثير من ممارساته، التي كان آخرها الخلاف السعودي الإيراني بعد اقتحام السفارة وإعدام نمر النمر. هنا لاحظنا انحراف بعض الجماعات «السنية»، منها جماعات في لبنان مؤيدة للموقف الإيراني، وكذلك «حركة الصابرين» المنشقة عن حركة «الجهاد الإسلامي» في فلسطين.
تكشف سيرة وخطاب مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني عن إعجابه الشديد وتقديره لعلماء السنة الأتراك الذين واجهوا ثورة مصطفى كمال أتاتورك، وتأثره بكتابات الإسلام السياسي الباكرة عند حسن البنا وسيد قطب. كما تكشف ممارسات البيعة ورسالية تصدير الثورة عن نفس الهم «الأصولي الجهادي»، ويفسر ذلك العلاقات الجيدة التي احتفظت بها إيران مع مختلف «الإسلاميين» من «إسلام سياسي» حتى «القاعدة»، ودعمها ورعايتها لإنشاء أحزاب وأنصار الله وفروع جماعتها حيث وجدت موطئ قدم.
في أيامنا هذه، وعلى الساحات التواصلية، صار السباب الداعشي لعناصر «القاعدة» أنهم «أبناء إيران»، كما قال «أبو محمد العدناني» في خطاب مفاصلته لـ«القاعدة» و«أميرها» أيمن الظواهري «عذرا أمير القاعدة»، الذي بث في 12 مايو (أيار) 2014، وفيه التزام «داعش» بعدم استهداف إيران تبع أوامره، لكن التنظيم لم يلتزم أوامره في عدم استهداف عوام الشيعة: «لو كنا مبايعين لك لامتثلنا أمرك حتى لو كنا نخالفك الحكم عليهم. هكذا تعلمنا في السمع والطاعة. ولو كنت أمير الدولة لألزمتها بك ولعزلت من خالفك، بينما التزمنا طلبكم بعدم استهدافهم في إيران وغيرها». وهكذا يكتب كتاب «داعش» ضد منظّري «القاعدة» وأمثالها هذا التصريح لا التلويح.. بأنهم أبناء إيران.
إن الهوية «الأصولية» السياسية والمتطرفة التي تؤمن بالأمة قبل الدولة والمجتمع، وبالصراع مع العالم انتصارا وانتشارا، تمثل الأساس الفاعل في أداء ورؤية النظام الإيراني، ومشاكله في المنطقة والعالم، وإن أصابها تشوّش فهو ناتج عن كونها الحركة «الأصولية» الأولى والرائدة التي نجحت في تأسيس دولة قبل بها العالم، عكس دولة «داعش» وإمامها التي تتماهى معها في كثير من المفاهيم والأداء والنظم.
اكتشاف الهوية والمنطق الكامن في السلوك الإيراني يفض التشوّش الحادث من مراوغات الخطاب لدى الكثيرين، حين نجد شجبا إيرانيا للإرهاب، الذي تصم به كل من يواجه بقوة مشروعها، وإن كان معارضة معتدلة تواجه الأسد، بينما ترسل هي حتى تاريخه ما يقرب من مائتي ألف مقاتل طائفي لدعم بقايا نظامه، من ميليشيات ترفع ألوية كحزب الله و«فاطميين» و«الهزارة» وغيرها. كذلك فإنها تصف أي تدخل بالعدوان، ما دام لا يوافق هواها، كما كان الموقف من التحالف الدولي ضد «داعش» أو التحالف العربي ضد الانقلاب الحوثي، بينما تبرّر لتدخلها وتفاخر به ويذكره حلفاؤها، ففي يناير (كانون الثاني) الحالي صرح بشار الأسد بأنه لولا الدور الإيراني ما ظل صامدا! أو التدخل الروسي الذي تم بالتنسيق معها، أو تدخلها هي الممتد في العراق عسكريا وسياسيا.
إنها حركة «أصولية» بسمات وهوية دولة على مستوى الخارج، كما تعطي لداخلها سمات الدولة والانتخابات ولكن وفق ثوابتها كآيديولوجيا وكجماعة شمولية صلبة لا تقبل التغيير أو الاعتراض.
وسنحاول توضيح أبرز ملامح هذه الهوية «الأصولية» والمتطرفة، في ما يلي:
أولا - أساس البيعة وإمامة الولي الفقيه:
«إن البيعة مع الثورة والإمام الخميني هي بيعة مع النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم».. هكذا جاء تصريح مرشد الثورة الإيرانية وإمامها آية الله خامنئي أثناء استقباله للآلاف من سكان مدينة قم في التاسع من يناير الحالي، حسبما جاء في وكالة «إيرنا» الوكالة الرسمية الإيرانية. جاء حديث البيعة الخامنئية - التي يشبّهها ببيعة النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) - أثناء دعوته للمشاركة في الانتخابات التشريعية - مجلس الشورى - التي تتزامن أيضا مع انتخابات مجلس الخبراء مطلع فبراير (شباط) المقبل، والتي استبعد منها 2970 مرشحا إصلاحيا من قبل مجلس الخبراء، لا لذنب أو تهمة غير مخالفتهم للدستور بمعارضتهم للولي الفقيه ونظامه.
إن البيعة للولي الفقيه، ذات الدلالة الدينية، حسب الخميني هي معيار أي عمل سياسي، بل تمثل هوية هذا النظام وأساسه الدستوري المتين، الذي لا يجوز الاعتراض عليه أو التعقيب على أحكامه ورؤاه، من هنا أزيح آية الله منتظري عن خلافة الخميني وعن مناصبه بعد اعتراضاته على إعدامات عامي 1988 و1989 أو مأساة الإصلاحيين في «الحركة الخضراء» عام 2009 لمجرد مطالبتهم بإعادة النظر في سلطات الولي الفقيه وصلاحياته رغم إيمانهم به وتبعيتهم له، ولا يزال مير حسين موسوي ومهدي كروبي رهن الإقامة الجبرية حتى تاريخه!
هكذا تدير البيعة المشهد السياسي الإيراني الداخلي - كما الخارجي - ففي حديثه المذكور يوم 9 يناير دعا خامنئي الجماهير المنصتة المستسلمة له لعدم التصويت إلا لمن يؤمن بالبيعة للثورة والولي الفقيه، قائلا لهم: «علینا أن ننتخب بشكل صحیح، وإذا كان هناك من یقدم قائمة انتخابیة تضم مرشحین متدینین ومؤمنین وثوریین ویسیرون علی نهج الإمام الخمیني (رهـ) فعلینا أن نثق بما یقولون ونصوت لهم، وإذا رأینا أنهم لا یهتمون كثيرا بقضایا الثورة والدین واستقلال البلاد، ویتابعون ما تقوله أمیرکا وغیر أمیرکا، فلا ینبغی أن نثق بما یقولونه».
ثانيا - خلافة شبه معصومة:
البيعة هنا كما المرشد ليست مجرد مترادفات تعبيرية في قاموس الثورة الإيرانية وغيرها من الحركات الاحتجاجية الإسلامية، بل مفاهيم شغالة ومتطابقة تماما، سنيها وشيعيها على السواء، وتمثل ركيزة التنظيم وبنيته الحاكمة، التي لا يجوز الاعتراض عليها أو مخالفتها سواء كان الشأن خارجيا أو داخليا على السواء، كما أن الثورة والتوسع و«الجهاد» من أجل ذلك، وفق منطلقات عقدية، تمثل قاسما مشتركا جامعا بين النظام الحاكم في إيران وبين مختلف هذه الجماعات.
وتبدو صفات الولي الفقيه وصلاحياته صفات وصلاحيات خليفة أو نبي، فحسب المادة الخامسة من الدستور الإيراني هو «أعدل وأعلم وأتقى رجل في الأمة»، وهو من يدير شؤون البلاد وفق ما جاء في المادة (107)، وتتوسع صلاحياته لأوسع من صلاحيات الشاه أو أي ملك كما لاحظ الإصلاحيون عام 2009، فتشمل مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة، وإعلان الحرب، والتعيين والعزل من المناصب الآتية:
1) نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور البالغ عدد أعضائه 12 عضوا.
2) رئيس السلطة القضائية.
3) رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
4) القائد الأعلى لقوات الحرس الثوري الذي يتبعه رسميا.
5) القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن.
وفرض الخميني وخليفته خامنئي مع هذه الصلاحيات الواسعة هيمنته على مجلس الشورى وعلى رئاسة الجمهورية، فأقال أبو الحسن بني صدر رئيس الجمهورية الأول عام 1981 عندما تمرد على تعليماته، ووجه رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس (المرشد الحالي) علي خامنئي عام 1988 عندما اعترض على بعض ممارساته حين أجاز قانون العمل بعد أن عارضه مجلس صيانة الدستور.
ثالثا - تصدير الثورة الإسلامية:
سأل صحافي لبناني الخميني في 13 ديسمبر (كانون الأول) 1978، قبل الثورة بقليل: ألا تعتقدون أن دائرة الأحداث الإيرانية ستمتدّ إلى تركيا أيضا؟ فأجابه الخميني قائلا: «النهضة الإيرانية المقدسة نهضة إسلامية، لذا من الطبيعي أن يتفاعل معها جميع مسلمي العالم». ويقول في الذكرى الأولى للثورة الإسلامية في 11 فبراير 1980: «إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم، لأنها ثورة إسلامية، فما دامت صرخة (الشهادتين) لا تدوي في أنحاء المعمورة فالصراع موجود، وحيث وجد الصراع ضد المستكبرين في أي نقطة في العالم فنحن موجودون» (من كتاب تصدير الثورة كما يراه الخميني - مؤسسة تنظيم ونشر تراث الخميني الدولية.. من دون تاريخ). إن هذا النزوع الرسالي للصراع والسيادة خارج حدود الأوطان عبر مبدأ تصدير الثورة وعبر الصراع مع المستكبرين والشيطان الأكبر تتطابق فيه هوية النظام الإيراني مع الجماعات الأصولية تماما، ويفسر التدخلات الإيرانية المنحازة دائما لحلفائها في كل مكان، حتى هتف هاتفها في 22 سبتمبر (أيلول) سنة 2014 عقب سقوط صنعاء في يد الحوثيين بأنها غدت تسيطر على أربع عواصم عربية. من هنا تكررت عبارة «الشيطان الأكبر» في عشرة مجلدات هي مجموع ما كتب إمام الثورة الإيرانية ومرشدها آية الخميني 30 ألف مرة، وتكررت عبارة «لا شرقية ولا غربية» 20 ألف مرة، وتعبير دم الشهداء 50 ألف مرة! ونجد التقارب الأميركي الإيراني، ونجد الدماء و«الشهداء» يسقطون على مذبح تصدير الثورة والتوسع والتمدّد الإيراني.. الذي يستتبع بعض فقهائه سوريا حماية للأسد كمحافظة إيرانية جديدة، أو يدين بالولاء لدولتها حزب سياسي لا يرى اعتبارا أو التزاما بسياسة تفرضها دولته في لبنان!
إنها هوية «أصولية» معاصرة، تلاقى مع إيران كثير من ممثليها، أو هوية دولة ما قبل حديثة لا ترى الحدود سيادة أو التدخل والتوسع حرمة. من هنا اختلط الحديث عن الانتخابات المقبلة ببيعة الولي الفقيه، والعكس.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».