الثقافة والسياحة.. صورة السعوديين أمام العالم

إحدى المشكلات الرئيسية في تقديم الصورة الإعلامية هي المبالغة في إبراز الإيجابيات

* عضو مجلس الشورى السعودي
* عضو مجلس الشورى السعودي
TT

الثقافة والسياحة.. صورة السعوديين أمام العالم

* عضو مجلس الشورى السعودي
* عضو مجلس الشورى السعودي

«إنكم لا تقدمون أنفسكم للعالم بالشكل الصحيح»، عبارة طالما سمعتها من أجانب غربيين بالدرجة الأولى، وإشارتهم إلى صورتنا الإعلامية في الخارج وما نفعله لتصحيحها، ولا أقول لتحسينها. بحكم تخصصي في الآداب الغربية ثم عملي في مجلس الشورى السعودي حاليًا، يتاح لي أن ألتقي أولئك الأجانب سواء في المملكة أو خارجها، ومع تزايد الهجمة الإعلامية على المملكة في السنوات الأخيرة – فهي هجمات قديمة ومألوفة على مدى عقود وليس سنوات – فإن كثيرًا ممن ألتقي بهم يرددون نقطتين أساسيتين: الأولى أن من يأتي إلى المملكة يجد صورة مختلفة تمامًا عن تلك الشائعة في الإعلام الغربي، والثانية أنكم أيها السعوديون مقصرون في إيصال صوتكم إلى العالم بالصورة المقنعة.
هاتان النقطتان تنطويان دون شك على مودة وربما مجاملة، مثلما تنطويان على نقد، لكنه أيضًا نقد منطلق من مودة. ومع أن كثيرًا من السعوديين ينقسمون بين مُبالغ في الثناء على الذات وكاره لها، فإن الأجانب وإن جاملوا أو لم يجاملوا سيكونون في منطقة وسطى بين هذه وتلك، لا سيما حين يتحدث إليك الإنسان عن قرب وكأنه يسرّ إليك بما يصعب إعلانه على الجميع: في السعودية أشياء رائعة، يقول لك أحدهم، وعلى الرغم من المشكلات التي تعيشون فإن ثمة إيجابيات كثيرة هنا وعلى كل المستويات لا يعرفها الآخرون عنكم، وأنتم مقصرون في التعريف بها. ثم ينتهي الحوار عند السؤال الملح دائمًا: لماذا تتشدد السعودية في السماح للأجانب بالدخول إليها؟
لقد ثبت المرة تلو الأخرى أن من النادر أن يأتي أحد إلى المملكة ويخرج بالصورة النمطية السيئة التي تشيع في الإعلام الغربي، ولعل السماح بحضور الإعلاميين من مختلف الدول لتغطية الانتخابات البلدية أوضح دليل، فلم يكن البعض بحاجة إلى التزلف – كما يحتاج موظف لدى شركة سعودية مثلاً – حين يتحدث عن طيبة الناس وكرمهم ومنجزات التنمية ودهشته لما شاهد. والحديث هنا ليس عن عمالة تأتي وتقيم وإنما عن مثقفين ومفكرين وإعلاميين معروفين يعودون إلى بلادهم وهم يعلمون أن مصداقيتهم عند مستمعيهم وقرائهم ستنهار لو تزلفوا إلى أحد.
لكنننا مع ذلك نجحف في حق أنفسنا حين لا نسمح لأولئك أن يأتوا متى شاءوا، لا سيما من دول قطعت شوطًا طويلاً في الحضارة وأقوى منا اقتصاديًا وبعضها من القوى الكبرى، فلو جاءوا سياحا لعادوا ولو شاهدوا لنقلوا ولو سهلنا لهم لشكروا. كما أننا نجحف في حق أنفسنا حين نقصر في رسالتنا الثقافية إلى العالم فنحد من وصولها والتعريف بها. إن أولئك حين يتعرفون على بعض وجوه الثقافة في المملكة، أن لدينا أدبًا رفيعًا وأن لدينا مسرحًا، وإن كان مضيقًا عليه، وسينما تزدهر رغم رفض افتتاح دور عرض لها، وأن لدينا مفكرين وعلماء وجامعات ومراكز أبحاث بعضها الأفضل في العالم العربي، إلى غير ذلك، سيروننا من زاوية أكثر إشراقًا.
الرسالة الثقافية تحديدًا هي رسالتنا الأضعف إلى العالم على الرغم من أن منتجنا الثقافي على مختلف الصعد هو اليوم من بين الأبرز على مستوى العالم العربي. مثقفونا يدعون للمؤتمرات وروائيونا يفوزون بالجوائز وتترجم أعمالهم، وشعراؤنا يدعون إلى مهرجانات الشعر العالمية، ومسرحيونا يفوزون في كل مكان، وتشكيليونا ممن يفتخر بهم في البيناليات والمعارض الشخصية الدولية، والأفلام السعودية تشاهد في كل مكان، إلى غير ذلك من وجوه مشرقة نقصر في دعمها وإبرازها للعالم.
إحدى المشكلات الرئيسية في تقديم الصورة الإعلامية للعالم هي المبالغة في إبراز الإيجابيات من خلال تعداد المنجزات، وهذه سياسة قلما تكون مقنعة للعالم. ذلك أن الناس تعرف قصور البشر ومدى التحديات التي تواجه أي مجتمع، فحين نبرز منجزاتنا فقط فإننا نجازف بصدقية الرسالة، فإذا كانت الصورة التي ينشرها الإعلام الخارجي سلبية ومجحفة في تهميش الإيجابي فإن مكافحتها لا تكون بصورة مغرقة في الإيجابي ومنكرة للسلبي، وإنما بصورة معتدلة تعترف بالتحديات والقصور وهي تبرز الإيجابي والمشرق. وهذه الصورة المركبة، الصورة التي يمتزج فيها الإنجاز بالمشكلات، هي ما يمكن أن يلتقطه الإعلامي بكاميرته ولقاءاته والسائح بعينيه وزياراته حين نتيح لهم زيارة البلاد والتجوال الحر فيها. دعوتهم وترتيب زيارات لهم لن تؤدي الغرض لأنهم سيشعرون أنهم مدينون لنا بصور إيجابية، فنحن نثقل أعناقهم بالمعروف ونتوقع منهم ألا يشيروا إلى مشكلاتنا.
لندعهم يأتوا إلينا مثلما نذهب إليهم. وليكن ذلك التعامل مع دول بعينها، دول متحضرة أهلها ليسوا بحاجة إلى العمل ولا يأتون لفعل ما لا نقبل. لنتِح لهم رؤية كنوز الآثار في بلادنا وجمال مصايفنا ووجوه التنمية الكثيرة في بلادنا. ليلتقوا بالناس، بالمسؤولين، بالعلماء والفنانين، ليروا الحياة بأنفسهم ودون توجيه مسبق ومفروض. ولن ينتج عن ذلك انطباع جيد فحسب، بل انتعاش اقتصادي أيضًا نحن بحاجة إليه الآن مع الحاجة إلى تنويع مصادر الدخل، وأنا متأكد أن رئيس هيئة السياحة والتراث الوطني حريص على ذلك.
الوجه الآخر لصورة أكثر إقناعا هي أن نعمل على إيصال منتجنا الثقافي للعالم، وهذا لا يكون من خلال الاشتراك في معارض دولية تعرّف فقط بالمطبوعات الحكومية وما تنتجه مؤسسات الدولة. المنجزات العلمية والأدبية السعودية والمنجز الفني من تشكيل وسينما ومسرح وموسيقى يصل العالم الآن عن طريق مهرجانات ومعارض وندوات ومؤتمرات ودور نشر، لكن بطريقة غير منظمة ومتفرقة ولا تؤدي الغرض المطلوب. فلمَ لا تضطلع وزارة الثقافة والإعلام بلم تلك الجهود أو نماذج منها في نشاط موحد يبرزه أمام العالم؟ ينبغي أن يكون ذلك داخليًا في معرض دائم للثقافة السعودية يراه الزوار، وكذلك في معرض متنقل. فهل نتطلع من خلال وزيرنا المثقف حاليًا إلى بعض ما يخفف المأساة؟



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.