روسيا وأميركا تتنافسان على تعزيز مواقعهما في سوريا.. في حين تتعثر محادثات السلام

يعمل الجيش الروسي على توسيع نطاق وجوده في سوريا، حيث أسس موقعا لعملياته في أحد المطارات بمحافظة شمالية شرقية يغلب على سكانها الأكراد، وبعرض البلاد، انطلاقا من قاعدته الساحلية الرئيسية.
يقول سكان محليون في محافظة مجاورة إن الولايات المتحدة تصعد من مساعداتها للميليشيات الكردية، بل واستولت على مطار زراعي صغير، وقد أنكر مسؤولون بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) هذه التقارير. كما يقول عدد من المقاتلين السوريين إن روسيا تواصلت مع عشائر سنية، وعرضت مساعدتهم في قتال تنظيم داعش في الشرق، بعد فشل جهود أميركية مماثلة.
وبينما يعمل دبلوماسيون من روسيا والولايات المتحدة من أجل إجراء مباحثات سلام تجمع الحكومة والمعارضة الأسبوع المقبل، يتسابق البلدان على تعزيز مواقعهما على الأرض في سوريا في معركة ستستمر بصرف النظر عن أي اتفاق سلام: القتال ضد «داعش». ويبدو أن كلتا القوتين تتوقعان فشل جهود السلام وتستعدان للمرحلة القادمة من الحرب. وتعد جهودهما الجديدة، المنفصلة والمتنافسة، ضد «داعش» جزءا من حرب موازية حول من تكون له الكلمة العليا في القتال ضد الجماعة المتطرفة، وربما نيل الإشادة لهزيمتها.
ولطالما كان لدى القادة الغربيين أمل في يوم تتوحد فيه الحكومة ومقاتلو المعارضة وأنصارهما الدوليون، من أجل هزيمة «داعش». لكن هذا الاحتمال يبدو بعيد المنال بسبب خلاف جوهري بين القادة الأميركيين والروس. إن روسيا متحالفة مع حكومة النظام السوري بشار الأسد، وترى المعارضة المسلحة جزءا لا يتجزأ من تنظيم داعش، فيما تعتبر واشنطن حكومة الأسد وقمعها لمعارضيها سببا رئيسيا في صعود الجماعة المتطرفة.
في باريس، وصف وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر الاستراتيجية الروسية بأنها «مخطئة بشكل مأساوي»، وبأنها تركز بشكل كبير على «دعم قوات النظام ضد قوات المعارضة». وأضاف: «آمل أن يحولوا تفكيرهم صوب الاتجاه الصحيح، وهو الاتجاه الذي يمكننا بالفعل العمل معهم فيه». وقال مسؤول رفيع بالبنتاغون، اشترط عدم الكشف عن هويته ليتحدث عن العمليات العسكرية، إنه ليس هناك حاليا تعاون عسكري مع روسيا. وقال إن هذه مسألة متروكة للدبلوماسيين، حيث قد تحاول وزارة الخارجية الأميركية صياغتها في اتفاق مع موسكو حول استراتيجية خروج الأسد.
ومع هذا، ففي الوقت الحالي يبدو أن القوتين العالميتين تتنافسان على نفس الحلفاء، فكلاهما يقول إنه يساند المقاتلين الأكراد والسنة في المنطقة، حتى مع تشديد المسؤولين الأميركيين على أنه لا يوجد أي تنسيق بين الجانبين بخلاف عدم التصادم، أو التأكد من عدم تهديد طائرات الجانبين بعضهما بعضا. وقال شهود في سوريا إن المسؤولين الأميركيين أكدوا أن الجيش الروسي اتخذ مواقع في قاعدة جوية قرب مدينة القامشلي، في الشمال الشرقي. وقال أحد المقاتلين إن الجيش الروسي تواصل مؤخرا مع مقاتلين من المعارضة السنية من محافظة دير الزور الشرقية: وهذه هي نفس الجماعة التي جندها البنتاغون لأجل برنامجه لتدريب وتسليح المعارضة، والذي كان نصيبه الفشل.
وقال المقاتل، الذي طلب ذكر اسمه الأول فقط، أحمد، إنه حضر اجتماعا عقد مؤخرا مع الروس، وميليشيات كردية ومعارضين عرب في تل أبيض، وهي مدينة صغيرة قرب الحدود التركية. وقال أحمد إن جماعته كانت تحظى في السابق بدعم أحمد الجربا المعارض للأسد بشدة، وإن التواصل الروسي جعل المقاتلين يتساءلون عما إذا كانت روسيا توصلت إلى تفاهم سري مع دول خليجية. وقال: «لقد تفاجأنا بالفعل باجتماعنا مع وفد روسيا في مقرنا».
وقال أحمد إن الروس عرضوا على عشيرته، الشويتات، إمدادهم بالسلاح والدعم لاستعادة أرضهم في دير الزور من يد «داعش». وبحسب أحمد، تناصب الشويتات «داعش» أشد العداء، حيث ذبح التنظيم مئات من أفراد العشيرة بعد رفضهم الاستسلام لحكم التنظيم. وقد ساهمت العشيرة في صفوف القوات العربية التي تقاتل إلى جانب قوات حماية الشعب الكردية، على حد قول أحمد. لكن جرى تعليق خطة الدعم هذه، بحسب قوله، بعدما طلب الروس منه ومن رفاقه جمع 300 مقاتل، ولم يكن بمقدورهم جمع أكثر من 200. وعلى أي حال، فقد ظل أحمد متشككا بأن ما عرضه الروس كان كافيا لإحداث تأثير على المجهود لاستعادة دير الزور. وقال: «ماذا عساني أقول، من الصعب جدا تحرير دير الزور بهذا القدر من الأسلحة».
في الشمال الشرقي، في القامشلي، أفادت مؤخرا شبكة من النشطاء السوريين تسمي نفسها «لجان التنسيق المحلية» أن 100 من أفراد الجيش الروسي قد تمركزوا في مطار المدينة، وأن مسؤولين روسا اجتمعوا مع مسؤولين من الحكومة وزعماء ميليشيا أكراد لبحث نشر قوات في المدينة. وتضاف هذه التقارير إلى روايات تقول إن الأكراد، الملتزمين بما يشبه معاهدة عدم اعتداء مع القوات الحكومية، ينسقون مع الجانبين: الأميركيين والمقاتلين العرب من ناحية، والحكومة والروس من ناحية أخرى. لكن نشطاء يقولون إن القوات الروسية تم نشرها في مناطق تسيطر عليها القوات الحكومية، وليس في مناطق الحكم الذاتي التابعة للأكراد، حيث يعمل الأميركيون على المقاتلين الأكراد والعرب.
وأكد مسؤولان اثنان من البنتاغون تفاصيل تمركز القوات الروسية، بما في ذلك النقطة الحساسة والمتمثلة في أن موسكو لا يبدو أنها تركز بشكل مباشر على دعم المقاتلين في نفس المناطق التي تدعم الولايات المتحدة مقاتلين فيها. وقال الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة في مقابلة في بروكسل: «لست متأكدا من أنني سأصف الأمر بأنه تقديم للدعم (من جانب روسيا) لنفس الناس الذين ندعمهم». وبسؤاله حول التقارير الواردة من نشطاء محليين، وتفيد بأن الولايات المتحدة تعمل على تأسيس قاعدة جديدة في محافظة الحسكة الشمالية الشرقية المجاورة، لإنزال قوات خاصة وإمدادات، قال: «بوضوح، لن أتحدث عما تقوم به قواتنا الخاصة». وقال مسؤول آخر بالجيش الأميركي إن هذه التقارير «هي ببساطة غير صحيحة».
ومع هذا، فقد قال ناشط معارض للحكومة من محافظة الحسكة، ذكر اسمه الأول فقط، يمان، لدواع تتعلق بسلامته، قال إن طائرتين نفاثتين محملتين بالذخائر هبطتا مؤخرا في قاعدة الحسكة، قرب بلدة الرميلان، في قطاع جوي صغير كان يستخدم مؤخرا كمهبط لطائرات رش المحاصيل. وقال إن نحو 150 من أفراد الجيش الأميركي موجودون هناك، تحت حراسة الأكراد الذين يمنعون اقتراب أي شخص. نفس الرواية ذكرتها لجان التنسيق المحلية والمرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو جماعة مراقبة بريطانية، لها اتصالات على الأرض.
وفي واشنطن، قال مسؤولون بالبنتاغون ومسؤولون أميركيون آخرون إنهم يراقبون عملية نشر القوات الروسية في مطار القامشلي، لكنهم لا يعتبرونها تطورا سلبيا بالضرورة. وحذر بعض المسؤولين الأميركيين من أن كل الأطراف ذات الصلة – الروس والأكراد والعرب السنة والقوات الحكومية – تحاول استغلال عمليات نقل القوات. وقال مسؤول كبير بوزارة الدفاع: «انظر، الروس يحاولون اللعب على الجانبين، فيخبرون الأكراد بأنهم سيستخدمون (القاعدة) لقتال (داعش)، ويقولون للنظام إنهم سيستخدمونها لتحسين وضعهم في البلاد». وأضاف المسؤول الذي تحدث شريطة عدم ذكر هويته لبحث تقييمات أميركية داخلية: «هي كذلك محاولة لتقديم أنفسهم على أنهم البطل». وأكد مسؤول أميركي كبير آخر أن نقل 100 جندي روسي إلى مهبط طائرات في الشمال الشرقي، بعيدا عن القواعد الساحلية في الغرب حيث توجد معظم القوات البرية الروسية والطائرات القتالية، هو عملية تمركز صغيرة نسبيا، وهي مهمة من الناحية الجغرافية، أكثر من أهميتها عسكريا. كما قال المسؤولون إن من شأن هذا أن يدعم الرواية التي تقول إن روسيا تهاجم «داعش» كما تهاجم جماعات المعارضة المدعومة غربيا. وقد اتهم معارضو حكومة الأسد روسيا باستهداف مقاتليهم بشكل شبه حصري، وتجاهل «داعش» إلى حد بعيد.
كذلك يدرك المسؤولون الروس من دون شك أن التعاون العلني مع الميليشيات الكردية، وبخاصة تلك المتمركزة قرب الحدود التركية وفي خضم العسكرية التي وقعت بين تركيا والأكراد مؤخرا، سوف تثير غضب الحكومة التركية، بحسب قول مسؤول أميركي. وتعمل موسكو على إحراج تركيا منذ أسقطت الأخيرة طائرة مقاتلة روسية في نوفمبر (تشرين الثاني) . وعبر المسؤولون العسكريون الأميركيون عن ملاحظة تحذيرية مهمة، مفادها أن نشاطا جويا روسيا متزايدا في الشمال الشرقي، يمكن أن يتداخل مع عمل القوات الأميركية الخاصة التي بدأت مؤخرا تقديم الاستشارة والدعم للمقاتلين العرب الذين يتحركون في اتجاه الرقة، عاصمة «داعش».
وقال مسؤول عسكري أميركي، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، لبحث شؤون عملياتية: «مع دخول (الروس) إلى سوريا، علينا أن نتحرى بالغ الحذر بشأن المجال الجوي في وحول شمالي سوريا».
* خدمة «نيويورك تايمز»