باحثون وأكاديميون عرب يتحدثون عن 3 سيناريوهات بشأن إيران.. ويستبعدون الحرب

أكدوا في ندوة بالدوحة أن سياسة «غض البصر» عن التصرفات الإيرانية كان لها ثمن باهظ.. انتهت بفعل سياسة «الحزم»

جانب من المشاركين في الندوة («الشرق الأوسط»)
جانب من المشاركين في الندوة («الشرق الأوسط»)
TT

باحثون وأكاديميون عرب يتحدثون عن 3 سيناريوهات بشأن إيران.. ويستبعدون الحرب

جانب من المشاركين في الندوة («الشرق الأوسط»)
جانب من المشاركين في الندوة («الشرق الأوسط»)

تحدث باحثون وأكاديميون سعوديون وعرب عن أسباب وتداعيات أزمة العلاقات السعودية الإيرانية، في ندوة نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، في العاصمة القطرية الدوحة، يوم أول من أمس الثلاثاء.
هيمن على أوراق العمل استشراف المستقبل، وتداعيات هذه الأزمة وانعكاسها على مناطق الاشتباك التقليدية في سوريا واليمن، والمخاوف المتصاعدة من أي مواجهة مباشرة في الخليج. تأتي هذه الندوة على خلفية قطع السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بعد اعتداء متطرفين إيرانيين على السفارة والقنصلية في كل من طهران ومشهد. وفي حين أجمع متحدثون على إمكانية احتواء هذا الصراع بالطرق السياسية، أكدوا أن الذهاب في هذه المواجهة كان خيارًا ضروريًا لحسم الموقف من التدخلات الإيرانية في المنطقة، لكنهم وجدوا أن انزلاق الأوضاع نحو حرب مباشرة غير متوقع.
المتحدثون حذروا من خطورة الطرح الطائفي الذي يمكن أن يحول هذا الصراع إلى صراع مذهبي لا يمكن احتواؤه، ودعوا إلى أهمية الاهتمام بالشيعة العرب في دول الخليج والعراق باعتبارهم جزءًا مكونًا من هذه المنطقة تسعى إيران لاجتذابهم خدمة لمصالحها.
وفي ورقته عن أسباب الأزمة وتداعياتها ذكر الدكتور عبد العزيز بن صقر، شدد على أن التصعيد الإيراني ليس مرتبطًا بأحداث أخيرة كالحرب في اليمن أو إعدام مدانين «وإنما لأن إيران تنفذ مخططًا استراتيجيًا للهيمنة في المنطقة والتدخل في شؤون دول الجوار وإثارة القلاقل فيها». وقال إن تحرك السعودية لوقف امتداد نفوذ إيران إلى حدودها الجنوبية عبر ميليشيا الحوثيين في اليمن جاء رغبة منها في تفادي الوقوع في الخطأ الاستراتيجي بترك العراق يقع تحت النفوذ الإيراني، فأفسحت المجال أمام إيران لمحاصرتها من حدودها الشمالية».
وفي حين تحدث بن صقر عن أربعة أركان للصراع بين البلدين، بينها ما سماه البعد العقائدي، وطبيعة نظام الحكم المتناقضة (نظام وجمهوري)، واختلاف السياسة النفطية بين المنتجين الكبيرين، وأمن الخليج، وما يرتبط بامتدادات الأمن الخارجي (الولايات المتحدة)، خلص بن صقر إلى القول إنّ «العلاقة بين السعودية وإيران ليست صراعًا بحتًا، فهناك حقيقة الجغرافيا وإلزامية التعايش بين الجيران، ومصالح متبادلة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية»، مشددًا على ضرورة أن تستوعب إيران هذه المصالح أيضًا. وأضاف أن «إيران لا تشكل تهديدًا عسكريًا للسعودية ودول الخليج، ولكنها تهديد مخابراتي بالتغلغل عبر أذرعها وميليشياتها لإثارة القلاقل في هذه الدول».
الدكتور عبد الله الشمري قال إن الأزمة في العلاقات السعودية - الإيرانية مفتوحة أمام ثلاثة سيناريوهات: أولها «التصعيد»، وعلى الرغم من إمكانيته، فإن احتمالاته ضعيفة. وثانيها «التجميد» والإبقاء على هذا التوتر من دون تصعيد أو حل، وهو الاحتمال المرجح. والثالث «الاستعادة» وإنهاء التوتر القائم، وهو الأمر الذي يستبعده لأنه يستدعي وجود وساطة قوية غير متوافرة الآن، وحتى مع وجودها، فإنّ إعادة العلاقات إلى وضع ما قبل 3 يناير (كانون الثاني) 2016 (تاريخ إعلان السعودية قطع العلاقات مع إيران) سيستغرق زمنًا طويلاً.
الدكتور فهد العرابي الحارثي رأى أن إيران تعمل منذ سنين على تنفيذ «مشروع» سياسي استبدادي واضح الشروط والملامح، وهو الهيمنة على المنطقة إن جغرافيا أو نفوذا وسيطرة.
وقال إن «ثمن غض البصر عن التصرفات الإيرانية، أو هو ذلك الإهمال المقيت الذي استمر طويلا كان له في الواقع ثمن باهظ عطل كل شيء في منطقتنا».
الحارثي قال إن «المهلة» التي منحت لطهران لوقف تدخلاتها في العالم العربي انتهت بفعل سياسة «الحزم» التي انتهجتها الحكومة السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وأضاف: «دشنت (عاصفة الحزم) السياسية انطلاقها بطرد السفير الإيراني من أراضيها، ومعه البعثة الدبلوماسية وكل وجود إيراني. تلا ذلك وعلى الفور التئام خليجي حول موقف السعودية من إيران، ثم تأييد عربي في الجامعة العربية، ثم تنديد إسلامي في الدول الإسلامية، بل وقطع العلاقات الدبلوماسية لبعضها مع إيران، ولم تقتصر هذه المواقف الرافضة المستنكرة المنددة على العرب والمسلمين بل امتدت إلى الدول المحورية في العالم، وإلى الأمم المتحدة».
ورأى أنه «استطاعت (عاصفة الحزم) السياسية أن تفرض على إيران عزلة سياسية كاملة. وازداد قلق العالم مما يجري، فأبدت روسيا، وألمانيا، رغبتها للتدخل من أجل منع مزيد من الاحتقان الذي قد يؤدي إلى الانفجار الذي أعلن البلدان أنه لا رغبة لهما فيه لكلفته الباهظة على الطرفين، ولكن تجارب الحروب الشديدة تقول إن غلطة واحدة، وربما غير مقصودة، قد تشعل الأرض والسماء لتتدفق حمم الموت والدمار».
الحارثي قلل من احتمال أن تؤدي نبرة الصِّراع المرتفعة إلى مواجهة عسكرية مباشرة «ليس هناك ما يؤكد حدوث أمر كهذا - الحرب المباشرة - ولا سيما إذا لم يتجاوز الطرفان أو أحدهما المستوى الذي وصلت إليه الأزمة اليوم، وهو المستوى المنحصر حتى الآن في الفلك السياسي والدبلوماسي الشرسين، وعلى الرغم من هذه الشراسة، فإن من الممكن السيطرة عليه، والتحكم فيه». أضاف: «كما أن إيران تعلم أن السعودية لن تخوض الحرب وحدها فإلى جانب دول الخليج وبعض دول عربية هناك دول إسلامية معروفة تعلن دائمًا بأنها لن تقبل بأي عدوان على السعودية وأنها تعتبره عدوانًا مباشرًا عليها، كما أن الموقف الدولي لا يحبذ الحرب في هذا الجزء من العالم مهما خفّ وهج بترول الخليج، وأي حرب في منطقة كهذه ستلحق شرورها وأضرارها بالعالم كله».
وفي جلسة خصصت لبحث البعد الإقليمي والدولي للأزمة السعودية - الإيرانية تحدث الدكتور خليل جهشان، مدير فرع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن، الذي أوضح أن المسؤولين الأميركيين أبدوا تخوفهم في ردهم على التصعيد السريع في الخلافات السياسية بين الرياض وطهران، وعبّروا عن مفاجأتهم وقلقهم الحذر تجاه قطع السعودية لعلاقاتها مع إيران، لما يشكله من خطورة وتهديد مباشر لأمن المنطقة ولسياسات الولايات المتحدة وأهدافها القومية فيها.
وأوضح أنّ الإدارة الأميركية منزعجة من الخطوات السعودية لثلاثة أسباب رئيسية: أولها، نظرة إدارة الرئيس باراك أوباما للشرق الأوسط والتخوف من تأثير هذه الأزمة سلبيًا في نتائج الحرب ضد الإرهاب. ويتعلق ثانيها بالسياسة الأميركية تجاه إيران التي تسعى حاليًا لإنجاح مرحلة تطبيق الاتفاق النووي من دون أي تعقيدات. ولا شك في أنّ واشنطن تتفهم تحفظات السعودية ومخاوفها من فحوى هذا الاتفاق. أما السبب الثالث فيتعلق بتصور الإدارة الأميركية للتركة السياسية للرئيس أوباما الذي يعتبر الحرب ضد الإرهاب والاتفاق النووي الإيراني من أهم إنجازاته، ولا يريد لأي طرف، سواء أكان حليفًا أم عدوًا، الانتقاص من هذه الإنجازات.



«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مساعٍ تتوالى للوسطاء بشأن إبرام هدنة في قطاع غزة، كان أحدثها في القاهرة، وهو ما يفتح تكهنات عديدة بشأن مستقبل الاتفاق المنتظر منذ نحو عام عبر جولات سابقة عادة «ما تعثرت في محطاتها الأخيرة».

«حماس» بالمقابل تتحدث عن سعيها لـ«اتفاق حقيقي»، عقب تأكيد أميركي رسمي عن «مؤشرات مشجعة»، وسط ما يتردد «عن ضغوط وعراقيل»، وهي أحاديث ينقسم إزاءها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بشأن مستقبل الاتفاق بغزة، بين من يرى أن «الصفقة باتت وشيكة لأسباب عديدة، بينها الموقف الأميركي، حيث دعا الرئيس المنتخب دونالد ترمب للإفراج عن الرهائن في 20 يناير (كانون أول) المقبل»، وآخرين يتحدثون بحذر عن إمكانية التوصل للهدنة في «ظل شروط إسرائيلية بشأن الأسرى الفلسطينيين، وعدم الانسحاب من القطاع، قد تعرقل الاتفاق لفترة».

وفي ثالث محطة بعد إسرائيل، الخميس، وقطر، الجمعة، بحث مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، السبت، في القاهرة، مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، «جهود الجانبين للتوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار وتبادل المحتجزين في غزة»، وسط تأكيد مصري على «أهمية التحرك العاجل لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، و(حل الدولتين) باعتباره الضمان الأساسي لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط»، وفق بيان صحافي للرئاسة المصرية.

سوليفان، بحث الجمعة، في قطر، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مستجدات الأوضاع في غزة، حسب بيان صحافي لـ«الخارجية القطرية»، عقب زيارته إسرائيل، وتأكيده في تصريحات، الخميس، أنه «يزور مصر وقطر؛ لضمان سد ثغرات نهائية قبل التوصل إلى صفقة تبادل»، لافتاً إلى أن «وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن من شأنهما أن يؤديا إلى تحرير المحتجزين وزيادة المساعدات المقدمة إلى غزة كثيراً».

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال جيك سوليفان في القاهرة (الرئاسة المصرية)

وبالتزامن أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، محادثات في أنقرة مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره هاكان فيدان، وأكد وجود «مؤشرات مشجعة»، وطالب بـ«ضرورة أن توافق (حماس) على اتفاق ممكن لوقف إطلاق النار»، مطالباً أنقرة باستخدام «نفوذها» عليها للموافقة.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن «المساعي لا بد أن تكون موجودةً عادة باعتبار أنها تحول بين حدوث انفجار أو تحتويه، وليس بالضرورة يعني هذا الحراك الدبلوماسي التوصل لشيء؛ إلا في ضوء شروط معينة تلزم الطرفين بتقديم تنازلات».

ووفق عكاشة، فإن هناك طرفاً إسرائيلياً يشعر حالياً وسط المفاوضات بأنه يتحدث من مركز قوة بعد تدمير نحو 90 في المائة من قدرات «حماس»، ويتمسك بشروط «مستحيل أن تقبلها الحركة»، منها عدم خروج أسماء كبيرة في المفرج عنهم في الأسرى الفلسطينيين، ويضع مطالب بشأن الانسحاب من القطاع.

بالمقابل يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن ثمة اختلافاً تشهده المحادثات الحالية، خصوصاً في ظل مساعٍ مكثفة من الوسطاء وإصرار الإدارة الأميركية حالياً على بذل جهود كبيرة للضغط على «حماس» وإسرائيل ليسجل أن الصفقة أبرمت في عهد الرئيس جو بايدن، فضلاً عن وجود مهلة من ترمب لإتمام الهدنة.

ويعتقد أن نتنياهو قد يناور خلال الأسبوعين الحاليين من أجل تحصيل مكاسب أكبر، وقد يزيد من الضربات بالقطاع، ويمد المفاوضات إلى بداية العام المقبل لتدخل المرحلة الأولى من الهدنة قبل موعد تنصيب ترمب، كما اشترط سابقاً.

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

وأفادت «القناة الـ13» الإسرائيلية، الجمعة، بأن الحكومة كشفت عدم حدوث أي اختراق جدي في مسألة إبرام صفقة تبادل أسرى مع «حماس»، مؤكدة وجود كثير من الخلافات، لافتة إلى أنه تم إبلاغ وزراء المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) قبل أيام بأن الحركة معنية بالوقت الحالي بإبرام صفقة، وأن هناك تغييراً في موقفها.

أما «حماس»، فأصدرت بياناً، السبت، في ذكرى تأسيسها الـ37، يتحدث عن استمرار «حرب إبادة جماعية متكاملة الأركان، وتطهير عرقي وتهجير قسري وتجويع وتعطيش، لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً»، مؤكدة انفتاحها على «أيّ مبادرات جادة وحقيقية لوقف العدوان وجرائم الاحتلال، مع تمسّكها الرَّاسخ بحقوق شعبنا وثوابته وتطلعاته، والتمسك بعودة النازحين وانسحاب الاحتلال وإغاثة شعبنا وإعمار ما دمَّره الاحتلال وإنجاز صفقة جادة لتبادل الأسرى».

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية بدير البلح بوسط قطاع غزة (رويترز)

وباعتقاد مطاوع، فإن «مجزرة النصيرات وغيرها من المجازر التي قد تزيد كلما اقتربنا من اتفاق تستخدم ورقة ضغط إسرائيلية على (حماس)، ليعزز نتنياهو مكاسبه بتلك العراقيل والضغوط»، فيما يرى عكاشة أن الحركة في ظل «عراقيل إسرائيل» لن تغامر بالمتبقي من شعبيتها وتقدم تنازلات دون أي مقابل حقيقي.

ولا يحمل الأفق «احتمال إبرام اتفاق قريب إذا استمرت تلك الشروط أو العراقيل الإسرائيلية، ولو ضغطت واشنطن»، وفق تقدير عكاشة، لافتاً إلى أن «بايدن تحدث أكثر من مرة سابقاً عن اقترب الاتفاق من الإنجاز ولم يحدث شيء».

وبرأي عكاشة، فإنه يجب أن يكون لدينا حذر من الحديث عن أن المساعي الحالية قد توصلنا لاتفاق قريب، ولا يجب أن يكون لدينا تفاؤل حذر أيضاً، لكن علينا أن ننتظر ونرى مدى جدية إسرائيل في إبرام الاتفاق المطروح حالياً أم لا كعادتها.

غير أن مطاوع يرى أن المؤشرات والتسريبات الإعلامية كبيرة وكثيرة عن قرب التوصل لاتفاق، وهناك عوامل كثيرة تقول إنها باتت قريبة، موضحاً: «لكن لن تحدث الأسبوع المقبل، خصوصاً مع مناورة نتنياهو، فقد نصل للعام الجديد ونرى اتفاقاً جزئياً قبل تنصيب ترمب».